الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النوستالجيا والحنين لزمن صدام

صباح راهي العبود

2017 / 10 / 15
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يُعد موضوع اللذة والألم من المواضيع المهمة التي يهتم بها علماء النفس.إذ يساهم هذان الشعوران في رسم خطوط السلوك البشري وتحديد اتجاهاته.فالإنسان يسعى بطبيعته لتحقيق كل ما يجلب له المتعة والسعادة والرضا والغبطة والاسترخاء وكل ما تتلذذ به النفس ويريح الجسد, في حين يتجنب كل مجلبة للأذى من قلق وبؤس وعذاب وشقاء وحزن وألم واكتئاب أو تعكير للمزاج وغير ذلك. فاللذة والألم هما المحركان والموجهان لنشاطات الإنسان وسلوكياته ويقودانه بتلقائية ومن دون مداولة مع الذات ولا تفكير.
وضمن السياق هذا وعلى وفق مبدأ ( السعي للحصول على اللذة ومحاولة اجتناب الألم) هناك ثمة حالة مرضية تظهر على هيئة شكل من أشكال الاكتئاب وربما الألم تصيب المرء وتحفز عقله الباطن للعودة الى الماضي ليقوم باسترجاع مشاعر عابرة وذكريات طيبة تبعث على الدفء وتجميل العواطف ورفع المزاج وتحسين الوضع النفسي ,وتمنح الإنسان دفعة إيجابية للتعامل مع التحديات الآنية كالشعور بفقدان القيمة والحزن, وتشعره بأن حياته الماضية كانت ذات قيمة ,فتعطيه جرعة نفسية ومورداً لتنشيط مشاعره الإيجابية التي بدورها تعمل على كبح جماح الاكتئاب أو تحفظه وقتياَ في الأقل . إن هذه الظاهرة السيكولوجية (أو المرض اللذيذ) تسمى النوستالجيا.
فالنوستالجيا حالة عاطفية يمكن أن تنتاب كل البشر في أي زمان أو مكان من الأرض وعلى مدى الدهور, وتظهر كشعور بالحنين للماضي ,وحب شديد له بشخصياته وأحداثه ومواضيعه المفرحة ومناظره الجميلة ,وكل أوقات التمتع مع أصدقاء الطفولة والشباب وكل ما جرى من علاقات عاطفية معلنة أو مكبوتة ,ويتم ذلك من خلال استرجاع واستعادة تلكم الذكريات وما يرافقها من مشاعر منعشة للنفس,مما يخف عليه ما ينتابه من مشاعر سلبية .كما تعمل على مضاعفة الشعور بالأمان والسعادة والاطمئنان بوجود دعم اجتماعي قوي يقلل من حالات الاكتئاب والحزن التي يمر بها فتجعل حياته ذات معنى. وهذا الحنين يمنحه استعداداَ للتأقلم مع مخاوف المستقبل المحتملة, وراحة نفسية.وليس عيباَ امتلاك المرء كماَ هائلاَ من الحنين الى الماضي ,إذ أن النوستالجيا صفة إيجابية تعيد له ثقته بنفسه ,وتوفر له فرص لرسم الأحلام وبناء المستقبل بعد أن تكون قد طردت من الذاكرة لحظات الحزن واستبدالها بأخرى للفرح والتفاؤل والانطلاق ساعية لمواكبة ومحاكاة العصر ,متنعمين بكل ما فيه من تنوع ثقافي ونمو اجتماعي وتطور تكنولوجي هائل بما أنتج من وسائل توفر الراحة والمتعة لم تكن موجودة في أزمنة خلت. وليس بالضرورة أن تكون الظروف الحالية مطابقة لسابقتها ,وإنما هي امتداد غير منقطع عنها. فالمجتمعات البشرية تتطور في سلسلة من متواصلة لا منتهية ,وكل ظاهرة إجتماعية تحمل بين طياتها شروط فنائها,وما الحالة الجديدة إلا ناتج تراكمي لما قبلها.وعملية التطور هذه تقوم على أساس أن الظاهرة الجديدة تقوم بنفي سابقتها مع الحفاظ على المحتوى الإيجابي لها.وهكذا يستمر النمو الاجتماعي بكل مفرداته على وفق قوانين الديالكتيك.
في الآونة الأخيرة شاعت بين العراقيين ظاهرة النوستالجيا فأخذ كثير منهم يحن الى الفترة التي سبقت احتلال العراق من قبل الأمريكان .وأظهرت الدراسات على أن 80% منهم انتابهم الحنين لعهد صدام مرة في الأسبوع في الأقل (ضمن هؤلاء كل الذين تضرروا من سقوط النظام السابق) , فراح هؤلاء يتحدثون علانية عن أفضلية ذلك العهد مقارنة بما نحن فيه الآن على الرغم من كل المآسي التي عاشوها تلك الفترة التي تميزت بشيوع الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان وبعدم الاستقرار,إذ شمل الأذى شرائح كثيرة من أبناء الشعب العراقي,فلم تسلم منه أية عائلة ومن كل القوميات والأديان والمذاهب, ومن المعارضين أو المشكوك في ولائهم للقائد والذين امتلأت بهم المقابر العامة والجماعية , وشمل الموت حتى بعض من أصدقاء الرئيس وقادة جيشه وحراسه وكوادر حزبه منهم عدد من أعضاء القيادة القطرية للحزب,وامتد يد الموت والإعدامات حتى شملت أقرب الناس إليه. ثم أدخلنا القائد وبقرارات فردية في حروب أتت على الأخضر واليابس والتي لم يسلم من مآسيها بيت من بيوت العراقيين .إضافة إلى ما حل بسبب تلكم الحروب من ضياع أجزاء مهمة من أرض الوطن, وانهيار كامل للبنى التحتية والاقتصادية وما نتج عنه من فقر وتشرد وجوع وأمراض نفسية ,كما أعطت الضوء الأخضر للقوات الأمريكية المحتلة وغيرها للوصول الى المياه الدافئة والتحكم بمصير الدول هناك بعد أن كان هذا الأمر مجرد حلم يحلمون به قبل إنهيار الاتحاد السوفيتي......الخ.
لم يكن هدفنا مما نكتب تقليب المواجع بقدر التأكيد على أن العقل الباطن ( وكما ورد في بداية المقال) يحاول كبت الذكريات المؤلمة للمرء, والاحتفاظ بما يريحه. فالحنين إلى الماضي (على الرغم مما كان يحمله من سوء) مبعثه هو ما حل بالعراقيين من يأس وقنوط بعد أن كانوا يأملون خيراً من الحكومات التي تعاقبت بعد احتلال العراق من قبل الأمريكان عام 2003 .إذ كانت تراودهم أحلاماً وردية وهم يسمعون وعوداً ببناء دولة حديثة ذات مؤسسات تعمل على وفق دستور متقدم تصب مفرداته وبنوده في خدمة المجتمع وعلى وفق المفاهيم التقدمية التي تكرس الديمقراطية منهجاً ,وتعزز هيبة القانون في البلاد. لكن صدمة المواطنين كانت قاتلة عندما أحسوا بعد حين أنهم خدعوا بشعارات كاذبة بعدما تم تسليم سدة الحكم لمجاميع اتخذت من الدين شعاراً خدروا فيه بسطاء القوم ,ثم أخذوا يكرسون الطائفية المقيتة والعنصرية البغيضة أسلوباً ومنهجاً لتوزيع المناصب ليتحولوا بعدها إلى عصابات استطاعت الاستحواذ على أموال الدولة وخزائنها وممتلكاتها من خلال اللجان الاقتصادية التي تشكلت في كل حزب ساهم في الحكم,فانهار البلد بسبب تصرفات هؤلاء وهم قادة الأحزاب الطائفية والعنصرية التي أذكت فيما بعد تلكم النعرات ومن ثم أشاعت قانون العشائر القاصر بديلاُ عن الدولة.وصاحب ذلك انتشار أعمال العنف في البلاد بعد أن شكلت الأحزاب مليشيات مسلحة ممونة من الخارج فاق عددها عن السبعين فصيلاً يتجول بعض أفرادها بملابس عسكرية ويحملون باجات تسهل لهم المرور في نقاط التفتيش الحكومية, وهذا التنقل الحر سهل لبعضهم وشجعهم على تشكيل عصابات منظمة تقوم بأعمال السطو المسلح أوخطف المواطنين وابتزازهم أو تصفية الحسابات مع من يختلف معهم فكرياً أو يقف بالضد منهم أو يقوم بفضحهم وكشف جرائمهم وسرقاتهم وعمالتهم ,فانتشر الرعب وساد الخوف كل المواطنين . وبهذه التشكيلات أصبحت الحكومة عاجزة من حماية المواطنين ,وامتد العجز إلى عدم إمكانيتها في رد الاعتداءات العسكرية والتجاوزات من قبل بعض دول الجوار ,وتحولت الساحة العراقية مكاناً لتصفية الحسابات بين تلكم الدول كان ,مما ولد الجزع والانهيار لدى المواطنين ,وغدا حافزاً قوياُ دفع بمئات الألوف من العراقيين للهرب والهجرة لبلدان العالم المختلفة وخاصة من الذين توفرت لهم فرصة الهرب بضمنهم عشرات الألوف من أصحاب الكفاءات العلمية ومن المثقفين .
وخلاصة القول فالنوستالجيا حالة طبيعية تعمل على جلب المتعة للفرد من خلال حضور الذكريات السعيدة ,وهي ليست خاصية لشعب من الشعوب دون غيره , ولا لفترة من الفترات. إنما هي حاضرة بكل زمان ومكان.
رب يوم بكيت منه فلما ......... صرت في غيره بكيت عليه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هم سبب ترحمنا على صدام.
خليل احمد ابراهيم ( 2017 / 10 / 15 - 16:33 )
أنا شخصياً تأذيت من نظام صدام حسين،ولحد هذه اللحظة أعاني من الأذى الجسدي بسبب التعذيب ومع هذا كثير من الأحيان أقول الله يرحمك يا صدام.
بالتأكيد ليس حبٱ-;- بصدام،ولكن بسبب تصرفات الذين جاؤوا بعده وانت يا عزيزي صباح أشرت إليه.
فكيف باناس لا أقول: استفادوا من نظام صدام بل مجرد لم يتأذوا منه بالتأكيد
سيرحمون على صدام،قلت في تعليقات سابقة هؤلاء اضروا العراق أكثر من نظام صدام حيث تم تدمير حتى البنى التحتية التي كانت في عهد صدام واستولوا على ممتلكات الدولة التي لم تتمكن حاشية صدام الإستيلاء عليها،وللأسف حتى من تدعي التمدن وليس الأحزاب الإسلامية ففي كردستاننا المبتلي بما كانت تسمى الففتي ففتي،اي التقسيم بين الديمقراطى الكردستاني والإتحاد الوطني الكردستاني لكل واردات كردستان وحصر الوظائف الحساسة للجهتين فقط دون وازع من الضمير بامكانيات هذا الشخص،المهم التي للحزب وليس للوطن وكل ما وصلنا إليه نتاج تلك السياسة الغير واقعية،والآن العراق والعراقيين قاب قوسين وأدنى من حرب أهلية تحرق الأخضر قبل اليابس ودائما هكذا،والفقراء يدفعون الجزية ومشكلتنا نحن العراقيين نلدغ من نفس الجحر يوميا،ومقولة المرء لا يلدغ


2 - تتمة.
خليل احمد ابراهيم ( 2017 / 10 / 15 - 16:45 )
ويبدو مقولة المرء لا يلدغ من جحر مرتين لا ينطبق علينا كعراقيين،حيث نحن كعراقيين إذا كان المستبد من قوميتنا أو مذهبنا نرحب به على حساب عادل ونزيه.
وحول تذكير الناس لحسنات عهد صدام هناك حادثة حدثت في كردستان وشخص من المتنفذين في جمع الضرائب من المزارعين تحدث وكنت من الحاضرين وقالها:
كنكتة يقول: قلت للمزارع أنتم الآن احرار لا يضايقكم رجال الأمن التابعين لصدام،ويقول: تفاجئت بالرد حيث قال: في عهد صدام كانت جهة واحدة تفعل بامهاتنا والآن كل الأحزاب الكردستانية تفعل ذلك بإستثناء الشيوعيين،واضاف مع هذا لن نصوت لهم.
نحن العراقيين هكذا نحب من نتاذى على أيديهم ونكره من يعمل من اجلنا.

اخر الافلام

.. اتساع رقعة الاحتجاجات في الجامعات الأمريكية للمطالبة بوقف فو


.. فريق تطوعي يذكر بأسماء الأطفال الذين استشهدوا في حرب غزة




.. المرصد الأورومتوسطي يُحذّر من اتساع رقعة الأمراض المعدية في


.. رغم إغلاق بوابات جامعة كولومبيا بالأقفال.. لليوم السابع على




.. أخبار الصباح | مجلس الشيوخ الأميركي يقر إرسال مساعدات لإسرائ