الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف تصنع جاهلا؟ ج10

طارق سعيد أحمد

2017 / 10 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


جاءت فكرة كتابة سلسلة مقالات "كيف تصنع جاهلا؟" وتبلورت أفكار أجزاءها الـ 10 بالصدفة البحتة وكنت أشعر بمتعة المصادفة تلك كلما شرعت بكتابة المقال قبل موعد النشر بيوم أو بيومين كما كان يشعر بمتعتها الإنسان القديم حينما أكتشف النار بالصدفة! ومن ثم تغير شكل العالم منذ هذه اللحظة الحاسمة في حياة البشرية.

ويبدو أن المصادفة مازالت المصدر الأول للإكتشاف، ولم تمحو محاولات العلم المجرد والممنهج حضورها المرتبط بالفطرة الإنسانية فكما ينظم العلم العالم حولنا تتولى المصادفة انتاج البدايات التي تنمو عشوائيا وبشكل شبكي وتدفعنا دفعا لفهم وإدراك العالم الحسي والجوهري من حولنا.

هل أنا جاهلا؟ الإجابة هي "نعم" بكل بساطة ولا أخجل حين أؤكد عليها وتتعمق فضيلة الإعتراف داخلي أكثر كلما بدأت النظر في الصفحات الأولى لكتاب لم أقرأه بعد أو النظر في عيون إنسان لا أعرفه يقبض بيده بقوة على المقابض المتدلية من سقف عربة المترو كما أقبض عليها خوفا من السقوط، ويقتُلني جهلي بالعالم كلما رأيت دماء ضحايا الإرهاب في مشهدها الاعتيادي وهي تجري في شوارع كان يذهب ويأتي منها طفل، ويفصل بين شجرة وأخرى فيه زهرة تتفتح لصباح جديد، لم أقل هذا الكلام للروائي والمفكر الدكتور "عمار على حسن" في جلسة جمعتنا "من حسن حظي" في احدى مقاهي القاهرة حين سألني أثناء نشر هذه السلسلة.. إذن ما هو الجهل؟ واكتفيت بأن أقول له لا أعرف على وجه الدقة والتحديد مفهوما جامعا مانعا للجهل لكنني أجزم أن هذا المفهوم يفسره كل واحدا منا بشكل يتفق مع تراكماته الخاصة.. لذلك نحن في أشد الحاجة لإعادة إنتاج المفاهيم!.

إذن الجهل هو شأن شخصي ممكن التعامل معه بوضع حد لنموه بشكل أو بآخر، ولكن الأسوأ من الجهل هو التجهيل أي صناعة الجهل بإرادة قادرة على وضع الاستراتيجيات والآليات التي يتم تنفيذها داخل اطار زمني محدد وأهداف واضحة، لذلك اخترت ثنائية السُلطة "السياسية /الدينية" بأن تكون هي البوابة التي إذ عبرناها تنهال علينا الإجابات التي طرحها السؤال "كيف تصنع جاهلا؟"، والمظاهر التي تؤكد وجود تلك الثنائية كثيرة ولا حصر لها داخل مصر والعالم العربي والعالم الغربي إن أردنا التدقيق فعلى سبيل التزامن مع آخر الأخبار الواردة من المملكة السعودية والفرحة العارمة داخل المملكة لقرار الملك "سلمان" بالسماح مؤخرا للنساء بقيادة السيارة في شوارع المملكة هو خير مثال لكيفية استخدام السلطة "السياسية / الدينية" لتعطيل حقوق المرأة وسلب حريتها لسنوات!. الحقيقة أن الأنظمة المتأسلمة وخصوصا "الوهابية" منها اتبعت الكثير من الاستراتيجيات الإقناعية لتسيطر على أكبر مساحة جغرافية خارج الحدود السعودية على اعتبار أنها أحكمت قبضتها على الشعب السعودي بوسائل عديدة أهمها "هيئة الأمر بالمعروف" مثلا والتي تتدخل في شؤون الفرد وتلجأ للعنف إن لزم الأمر!، لذلك أنشأت حزمة من المواقع الإلكترونية لبث الفكر الوهابي تعمل بكل طاقتها حول العالم وكأنها شبكة أطلقت في الفضاء لتلتقط العقول السابحة، يقع بها من يقع وتثير من تثير لتجعله ضمن قوائم العقول المرتقبة ومحتملة الوقوع في شباك أفكارها المتطرفة، وتكمن خطورة تلك المواقع في أنها تعمل وفق المنظومة الفكرية الوهابية بحزافيرها وتعصبها مستخدمة الامكانات المتاحة لتصنع بما أسميه"الشيخ الإلكتروني" الذي يقوم بكل أدوار الشيوخ الحاملين لفيروس "الوهابية"، ولكن الفارق الجوهري هو أن المتلقي يتعامل مع مادة كلامية دون أن يرى خلف شاشة "الكمبيوتر" وجه الكاتب، ما أراه أكثر خطورة لسرعة قذف "الفيروس الوهابي" في عقل القارئ ذلك لأن الكلمة المكتوبة مازالت تحمل مصداقية "في حد ذاتها" بخلاف أن ترى بعينك داعية يتحدث إليك مباشرة عبر التلفاز فمن الجائز أن أسلوبه الأدائي يجبرك على أن تلقف "الرموت كنترول" وتنقل القناة من اللحظة الأولى، بينما الكلمة المكتوبة تدخل على العقل فورا إما أن يقبلها أو يرفضها دون زخرفة أو تزين.

ذات يوم طرحت على نفسي هذا السؤال.. ماذا لو اختفت مؤسسة الأزهر الشريف من الوجود؟ بالمعنى "الفنتازي" أي يستيقظ هذا الشعب المصري ويجد كل هذه المباني الضخمة التابعة لها قد اختفت!، وكل هذه العمائم التي اغلقت مخالبها على عقول أصحابها منذ قرون والمنتشره والمتغوله في كل مؤسسات شبة الدولة المصرية لا وجود لها؟، طريق للتأمل دون رسوم مرورية أفتحه أمامك و مساحة من الخيال عليك أن تبني فيها أفكارك إن أردت، وأريدك أن تسأل نفسك سؤال واحد وهو.. ماذا قدمت مؤسسة الأزهر الشريف لك؟ وما هو المنتج الذي تقدمه لخدمتك؟ مهما كان عمرك.. هل حياتك توقفت للحظة واحدة بسبب أن الأزهر قد أغلق أبوابه ليوم؟ إن كان تعرض إليك أحدهم وتحدث معك هل تذكر أنه تحدث أمامك عن السماحة في الإسلام؟ وإن تحدث عنها لا مفر من أنه كفر العلمانيون والتنويريون والشعراء والأدباء وأهل الفن واليهود والمسحيون؟ وإن لم يحدث هذا أو ذاك هل تستطيع أن تفرق بين مذاهبهم؟ هل تعلم على وجه الدقة أن من يتحدث معك الآن يتبنى الوسطية أم السلفية أم الوهابية أم الجهادية أم ينتمي للجماعة الإرهابية؟، كل هذه الأسئلة بالإضافة لآلاف الأسئلة أو بحذفها الواقعي لن يتغير.. لأنك مازلت تحرم نفسك من متعة الإعتراف.. بالجهل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كيف تصنع ذكياً.
خليل احمد ابراهيم ( 2017 / 10 / 15 - 15:15 )
أستاذي طارق،لماذا لا نصنع أذكياء بدلآ من الجهلة؟ وكلنا نعرف حق المعرفة أن الجهلة عامة الناس المضحوك على ذقونهم.
أما الأذكياء هم القلة القادرة على سوق هذا القطيع الهائل من الناس.
عذرٱ-;-.نسيت نفسي كيف نصنع الأذكياء؟ أفضل طريقة ارسالهم إلى المدارس الدينية لدراسة اللاهوت والأنجيل بعهديه القديم والجديد بالنسبة للمسيحيين واليهود.
وإرساله إلى جامعة الأزهر بالنسبة إلى السنة،والى معاهد القم بالنسبة للشيعة وللأسف حتى غير قليلين من خريجي النجف أيضا من هؤلاء.
وبالمناسبة كل القطيع وأنا وأنت وغيرنا الملايين لا بل وصلوا إلى مليارات جهلة ما دمنا نقاد على لا وعي.

اخر الافلام

.. تشدد مع الصين وتهاون مع إيران.. تساؤلات بشأن جدوى العقوبات ا


.. جرحى في قصف إسرائيلي استهدف مبنى من عدة طوابق في شارع الجلاء




.. شاهد| اشتعال النيران في عربات قطار أونتاريو بكندا


.. استشهاد طفل فلسطيني جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي مسجد الصديق




.. بقيمة 95 مليار دولار.. الكونغرس يقر تشريعا بتقديم مساعدات عس