الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- المحاكاة الغريزية في فن الشعر لأرسطو - من -دهشة فعل التفلسف كعقلنة - الحلقة الثالثة عشر - الجزء الأول من حوارنا مع البروفيسورة خديجة زتيلي في -بؤرة ضوء-

فاطمة الفلاحي
(Fatima Alfalahi)

2017 / 10 / 15
مقابلات و حوارات



" المحاكاة الغريزية في فن الشعر لأرسطو " من "دهشة فعل التفلسف كعقلنة " الحلقة الثالثة عشر - الجزء الأول من حوارنا مع البروفيسورة خديجة زتيلي في "بؤرة ضوء"

https://i58.servimg.com/u/f58/19/60/38/08/5510.jpg


يقول أرسطو: "يبدو أن الشعر نشأ عن سببين، كلاهما طبيعي، فالمحاكاة غريزية في الإنسان تظهر فيه منذ الطفولة، كما أن الناس يجدون لذة في المحاكاة … وسبب آخر هو أن التعلم لذيذ، لا للفلاسفة وحدهم، بل وأيضا لسائر الناس. فنحن نسر برؤية الصور لأننا نفيد من مشاهدتها علما ونستنبط ما تدل عليه، كأن نقول إن هذه الصورة صورة فلان". أما أفلاطون قد استخف بالشعر وطرد الشعراء من جمهوريته وأرسطو أولى الفنّ والشعر اهتماما خاصًا.

فكيف تقرئين :-

أ- ((فنّ الشِعــر)) لأرسطو بنظره فلسفيّة؟

ب: ما أهمية الحضارة الاسلاميّة وقت ازدهار عصرها بالمساهمة في ترجمة هذا النص الفريد ؟

خديجة زتيلـي:
كتاب ((فنّ الشعـر)) لأرسطو نصّ فريد من نوعه في التاريخ الإنساني، نظراً لما يتميّز به من قوّة الملاحظة ونفاذ البصيرة وطرافة الطرح، ولأهميّته في مختلف الحضارات اللاحقة التي استضافتْ في نصوصها مفاهيـم الشعر الأرسطي وأُسُسه ومختلف دلالاته لكي تُقَعِّـدَ مبادئ جديدة لهذا الفنّ على غرار ما فَعلهُ سَلفهم أرسطو في الحضارة اليونانيّة القديمة. فقد هاجـر ((فنّ الشعـر)) من لغته الأصليّة اليونانيّة إلى اللّغة العربيّة مُبكّـرا، وتعاطى معه مترجمون عدّة في نُقول عديدة ومختلفة في محاولة منهم لتيسيره للقارئ وفكّ رموزه وكشف معانيه العميقة، ما يؤكّد أنّ الحضارة العربيّة الإسلاميّة، وهي في أبهـى عصورها وفي العصر الذهبيّ للترجمة تحديداً، قد اتّسـع صدرها للوافد إليها والأجنبي ولم تدّخر جهداً في الانفتاح على الآخر المختلف عنها لغويّا وجغرافيّا وعقائديّا وإيديولوجيّا، بعيداً عن أيّ تعصّب أو تطرّف أو مُغالاة، فضربتْ بذلك أروع الأمثلة في العلم والتسامح والرقيّ والثراء والنضج والنفاذ إلى جواهر الأمور، والقدرة على مُقارعة النصّ بالنصّ والحجّة بالحجّة، فذاع صِيتها وملئتْ الآفاق بمنجزاتها العظيمة التي صَمدتْ وظلّتْ مَعيناً لا ينضب للمنتمين إليها أو لغيرها من الشعوب في ديار أخر.

جذبَ أرسطو أنظار الشرق إليهِ وقد تلقّـى المسلمون المنجز الأرسطي بكثير من الاهتمام والتقدير، وكان الالتقاء الحضاري بين الفكر الفلسفي اليوناني والحضارة العربيّة الإسلاميّة أكثر من فعّـال ومُثمـر، وسيمتدّ أرسطو في كثير من المصنّفات العربيّة التي أتتْ على ذكر اسمه وشرح فلسفته وتحليـل الكثير من القضايا الواردة فيها. ولم يعدْ العرب بعد ذلك مجرّد نَقَلَة لأرسطو الذي ينتمي إلى حضارة أخرى وإلى لسان ودين مختلفين، بل أصبحوا مُتفاعليـن مع أفكاره شارحين لها ومُضيفين إليها ما يمكن أن يتناسب ومنظومة قيّمهم العقائديّة والثقافيّة والاجتماعيّة، كما تجلّتْ في ذات الوقت مواقفهـم النقديّة من خلال شروحاتهم وتعليقاتهم لكتبه وآراءه. ويظهر هذا الاهتمام والتفاعل الإيجابي وآثار الفكر النقدي في كتب الفلاسفة المسلمين لاحقاً كـالكندي وابن سينا والفارابي وابن رشد على سبيل المثال لا الحصر. فلا جدال أنّ النقل من وإلى لغة بعينها هو علامة من علامات التقدّم، وهو نافذة على ثقافة الآخر ورصد لموقع الأنا في الثقافة الأجنبيّة، فالنقـل إلى اللغة العربيّة ضخّ الحياة في كثير من الكتب اليونانيّة والأرسطيّة على وجه الدقّة، وحافظ عليها من الزوال والنسْيان وأحادية التأويـل، وأخرجها من دائرة التاريخ بمفهومه التراكمي إلى التاريخ بمفهومه الحضاري والإنساني، وكلّ الدلائل التاريخيّة تقوم مؤيّدة للدور التنويري المشهود الذي قامت به الحضارة العربيّة الإسلامية في أبهـى عصورها.

كتبَ ابن النديم يُعرّف أرسطو في كتابه ((الفهرست)) فقال: «نظرَ في الفلسفة بعد أن أتى عليه من عمـره ثلاثون سنة. وكان بليغ اليونانيين ومترسلهم وأجلّ علمائهـم بعد فلاطـن [أفلاطون] ومن معنى عالي المرتبة في الفلسفة عظيم المحلّ عند الملوك وعن رأيه كان الإسكندر يمضي الأمور وله إليه جماعة رسائل ومُكاتبات في السياسة وغيرها». وكتبَ الشهرستاني في كتابه ((الملل والنحـل)) في الفصل الثالث المعنون متأخرو حكماء اليونان يقول: «هم الحُكماء الذين تَلوهـم في الزمان، وخالفوهـم في الرأي، مثل أرسطوطاليس ومن تابعه على رأيه مثل: الإسكندر الرومي، والشيخ اليوناني، وديوجانس الكلبي وغيرهم وكلّهم على رأي أرسطوطاليس في المسائل التي تفـرّد بها عن القُدماء». واسْتفاض الشهرستاني في ((الملل والنحل)) بشكل خاصّ في الحديث في موضوع الألوهيّة أو الإلهيّات عند المعلّم الأوّل كما يحلـو له أن يسميه، أو الحكيم المطلق كما يُطلق عليه في أحيان أخـرى، ولعلّ مكانة الفيلسوف الحضاريّة وأهميّة الموضوع كانا يقتضيان من الشهرستاني، في مُصنّفهِ ((الملل والنحل))، التوسّع في أرسطو بعض الشيء أكثر من سواه من الفلاسفة والمفكّرين القُدماء.

من الواضح جدّا أنّ هذه التصنيفات المعْجميّة وغيرها من المراجع العربيّة القديمة لتدلّ على علـوّ أرسطو ومكانته الفلسفيّة في الثقافة العربيّة الإسلاميّة، وحتى وإن اختلف الناس في تأويل فلسفته أو في الاهتمام بجانب منها دون سواه، وفق ما كانت تتطلّب أغراض توظيف فكره أو مرامي الشارح أو المحلّل أو المعقّب أو المحقّق أو المختصر لهذا الفكـر، ففي كلّ الحالات يتمّ التأكيد أنّ حضور أرسطو ظلّ قويّا ومركزيّا ومُستقطبا للاهتمام. ومما لا شكّ فيه أنّ أرسطو يتجلّى في صور كثيرة ومتعدّدة، ليس في الحضارة العربيّة الإسلاميّة وحسب، بل وفي مختلف الحضارات التي تأثّرت بفكره واهتمّتْ بأطروحات فلسفيّة بعينها في ثنايا فلسفته، أو رجّحت مواضيع دون أخرى، وأكثره كان يتناسب والجانب العقائدي في فكر وحضارة ما، كما يؤكّده حسن حنفي في كتابه عن ((أرسطو عند العرب)) في الصفحات الأولى حين يقول: «أرسطو عند الرومان غيره عند العرب، وهو عند الأخيرين مختلف عنه عند الغربيين في العصور الوسطى. بل هو في داخل الحضارة الواحدة يتلوّن وفقا لأدوارها»، وإن دلّ هذا على شيء فإنّما يدلّ على مدى التأثير الذي مارسته فلسفته في الحضارات المختلفة.

توقّف ابن النديم عند مؤلّفات أرسطو التي جرتْ ترجمتها إلى العربيّة، وقد وافانا بعناوينها المعرّبة، ويُعدّ ((الفهرست)) أقدم مصدر عربي تحدّث عن كتاب ((الشعر)) أو ((فن الشعر)) لأرسطو، والذي سيجري الحديث عن موضوعه ومحاوره الرئيسّة وعن أهميّته والترجمات القديمة له لاحقاً، وكتب ابن النديم في مصنّفه المذكور يقول: «من خطّ اسحاق وبلفظه عاش أرسطاليس سبعا وستين سنة ترتيب كتبه المنطقيّات الطبيعيّات الإلهيات الخلقيات الكلام على كتبه المنطقيّة هي ثمانيّة: قاطيغورياس معناه المقولات باري أرمانيكس معناه العبارة أنالوطيقا معناه تحليل القياس أبودقطيقا وهو أنالوطيقا الثاني ومعناه البرهان طوبيقا ومعناه الجدل سوفسطيقا ومعناه المغالطين ريطوريقا معناه الخطابة أبوطيقا ويقال بوطيقا معناه الشعر». وأردف ابن النديم حديثه ذاك بذكر وإحصاء أوّل النقلة أو المترجمين لهذا الكتاب، وهذا في باب أطلق عليه أسماء النقلة من اللّغات إلى اللسان العربي قائلاً: «نقله أبو بشر متّى من السرياني إلى العربي ونقله إبراهيم بن عبد الله فسّره الفارابي أبو نصر رأيتُ بخط أحمد بن الطيّب هذا الكتاب نحو مائة ورقة بنقل قديم الكلام على أبوطيقا ومعناه الشعـر نقله أبو بشر متّى من السرياني إلى العربية ونقله يحي بن عديّ»، ووفق شهادة ابن النديم فقد تحدّث هذا الكتاب باللغة العربيّة لأول مرّة في العصر العباسي عندما قام بنقله أبو بشر متّى من السريانيّة إلى العربيّة. ويَذكر ابن النديم أيضاً أنّ «لهذا الكتاب مُختصرات وجَوامع مُشجّرة وغير مشجّرة لجماعة منهم بن المقفّع بن بهريز الكندي اسحاق بن حنين بن الطيّب الرازي».
لم تصلنا من الترجمات التي ذكَرَتْها بعض المعاجم القديمة سوى نسخة خطيّة عن ترجمة متّى بن يونس وهي محفوظة في مكتبة باريس، وهي ترجمة تُعْوزها الدقّة فقد أساءتْ فَهم الأصْل و إدراك المعاني التي قَصدها أرسطو في مصنّفه حول الشعر، وجانَبَها الصواب في تعريب بعض المصطلحات والألفاظ التي يبدو أنّ اللّسان العربي لم يكن قد تعوّد عليها بعد، ولم تكن مُسْتساغة في مُتون ثقافة ليستْ لها ذات المعاني والمضامين و الدلالات، وهي رديئة بسبب عدم دراية المترجم الكافيّة بأصول اللّغة اليونانيّة والعربيّة وبمناخ الحضارة اليونانيّة من جهة. ومن جهة أخرى لكون الشعر العربي آنذاك لا يمثّل سوى الشعر الغنائي، وهو الجنس الذي لم يتحدّثْ عنه أرسطو، في حين أن كتاب ((فنّ الشعر)) يتحدث عن أجناس لم يعرفها العرب وهي الشعر الملحمي والدرامي. لذلك نجد في ترجمة متى بن يونس كلمة مديح في مقابل تراجيديا ، و هجاء في مقابل كوميديا ، مماّ يؤكد سوء فهم الكتاب، وضَياع دلالته الأساسية، لأنه مزج فكرة الأغراض وفكرة الأجناس، وفي ذلك خلط كبير وفرق بيّن وشاسع. وقد جاءت آراء النقاد والمتخصّصين مجتمعة أنّ فهم مقاصد أرسطو في الشعر لم يكن موفّقا في هذه الترجمة ومن أبرزهم عبد الرحمن بدوي في كتابه الذي خصّه لدراسة وتحليل كتاب ((فنّ الشعر عند أرسطو)).

ومن الترجمات القديمة التي وصلتْنا عن فنّ الشعر فضلاً عن ذلك، تلك التي أنجـزها الفيلسوف والمنطقيّ والشارح أبو نصر الفارابي والموسومة بـ رسالة في قوانيـن صناعـة الشعراء . وهناك ترجمة لابن سينا وهي تحمل عنوان فنّ الشعـر من كتاب الشفـاء ، وترجمة أخرى للفيلسوف والقاضي ابن رشد وتوسم بـ تلخيص كتاب أرسطوطاليس في الشعر ، وكلّ هذه الترجمات كانت لها بعض المزالق ولم ترْق إلى المستوى الذي كان أرسطو يبتغيه من فنّ الشعـر، أو أنّها كانت تحتاج إلى تعمّق أكثر في المفاهيم والمصْطلحات. وسعياً وراء هذا المبتغى قام عبد الرحمن بدوي بإعادة ترجمة نصّ أرسطو فنّ الشعر من اللغة اليونانيّة إلى اللغة العربيّة في العصر الحديث، وأعقبه بضمّ الترجمات الأربع الأخيرة المشار إليها أعلاه إلى ترجمتهِ، وقد يكون بدوي يريد، من خلال هذا العمل، أن يجعل المرء يتتبّع مختلف الترجمات القديمة التي جاءتْ في سياقات زمنيّة وثقافيّة مختلفة ويقارن بينها، فضلاً عن مقارنتها بالترجمة أو الترجمات الأخرى الحديثة للنصّ الأرسطي.

انتظروا قادمنا " الحلقة 13- الجزء الثاني " من حوارنا مع استاذة الفلسفة خديجة زتيلي في " بؤرة ضوء"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الإنفاق العسكري العالمي يصل لأعلى مستوياته! | الأخبار


.. لاكروا: هكذا عززت الأنظمة العسكرية رقابتها على المعلومة في م




.. ألفارو غونزاليس يعبر عن انبهاره بالأمان بعد استعادته لمحفظته


.. إجراءات إسرائيلية استعدادا لاجتياح رفح رغم التحذيرات




.. توسيع العقوبات الأوروبية على إيران