الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة على الذات

محيي الدين محروس

2017 / 10 / 16
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


التعريف العام والمختصر للثورة هو: إجراء تغييرات جذرية وسريعة.
الثورة السياسية هي إجراء تغييرات جذرية سريعة على السلطة السياسية والنظام السائد.
ونفس التعريف ينطبق على الثورات الصناعية والعلمية والمعلوماتية.
فما هي التغييرات الجذرية على الذات؟
هذه التغييرات تتضمن عدة موضوعات مجتمعة، وتكمل بعضها بعضا، ومن أهمها:
1- حب الذات الإيجابي
2- قبول الذات
3- الصدق مع الذات
4- الصداقة مع الذات
5- العناية بالذات
6- التفكير الإيجابي
وهنا، من المفيد بأن هذه التغييرات لا تتم بسرعة، بل هي عمليات نفسية، تستغرق عمل مستمر لسنوات، و ممارسة عملية طيلة العمر.
تناول هذه المواضيع، ليس بالأمر البسيط، فكل موضوعة تحتاج على الأقل لمقال منفصل. لذا سأكتفي هنا للتعريف المختصر حول كل موضوعة، وأهمية تطبيقها.

1- حب الذات الإيجابي: وهو لا يعني الأنانية ولا النرجسية. وأفضل مثال يوضح الفكرة، يعرفه كل من سافر بالطائرة، حيث تقف المضيفة في بداية الرحلة لتقديم أهم المعلومات، وتذكر: بأنه في حال حصل حادثٍ ما، قُم بوضع الكمامة للتنفس على وجهك، و من ثم لطفلك و للآخرين. لماذا بدءاً من الذات؟ لأنك في حال لم تسعف نفسك، تفقد وعيك، ولن تستطيع إسعاف غيرك. ونفس الشيء بالنسبة لحبك في النجاح في حياتك. الإنسان الفاشل لا يستطيع تقديم المساعدة للآخرين، ولن يكون سعيداً في حياته. كما أن حب الذات يُعطيك طاقة إيجابية في الثقة بالذات، وحب الآخرين.
إذا كنت لا تحب ذاتك، فلن تستطيع حب الآخرين، ولا تتوقع حب الآخرين لك، طالما أنت لا تحب ذاتك.

2- قبول الذات:للأسف، العديد من الناس ينظر لنفسه نظرةً سلبية. بدءاً من المظهر الفيزيائي – الجمالي، إلى شخصيته ومستواه العلمي والثقافي والروحي. فينظر الإنسان إلى نفسه في المرآة، و يحدث نفسه: لو كان أنفي أقصر قليلاً، لو أنني أطول قليلاً، لو أن وزني أقل من ذلك … إلخ. يُشاهد و يُركز نظره حول كل ما لا يعجبه في مظهره! هنا، من المفيد، التأكيد على ما هو جميل في مظهرك، و تنظر إلى ما هو خاضع لك في تحسينه، مثل الوزن، طول الشعر .. و الابتعاد عن التحسين عن طريق عمليات التجميل، إلا في حالات نادرة و بموافقة الطبيب النفسي. ومن المفيد، أن تتذكر بأن الناس ينظرون لشخصيتك وخفة روحك، أكثر بكثير مما لا يعجبك في مظهرك.
كذلك تكون نظرتك لشخصيتك وثقافتك سلبية، في حال كنت تُفكر: أنا غبي وأحمق وعصبي ..إلخ.
الأفضل، أن تفكر بأنني ذي شخصية وثقافة جيدة، وسأعمل بشكلٍ مستمر نحو تنمية ثقافتي، وتحسين شخصيتي، أسير نحو الأفضل.
إذا كنت أنت لا تقبل ذاتك، فلا تتوقع قبول الآخرين لك، و لا تتوقع أن يكون لك تأثير على غيرك.
توقف عن إدانتك لنفسك، واقبل ذاتك كما أنت.
طريقة مفيدة: امسك ورقة واكتب ثلاث صفات تراها جميلة وجيدة في مظهرك وشخصيتك وثقافتك وما تتقبله لذاتك. وفي اليوم التالي: أضف صفة واحدة.. و في اليوم التالي: اضف صفة أخرى .. وهكذا! حتى تحصل على لائحة لا تقل عن 15-20 صفة إيجابية. ضع هذه اللائحة في مكانٍ ظاهرٍ لك .. لتكرارها. هذه الطريقة تُعلمك البحث والنظر إلى ما تملكه من صفات إيجابية. عملياً يتم شد انتباهك وبحثك عن الإيجابيات.
3- الصدق مع الذات: يُعتبر الصدق قيمة إنسانية عُليا، بغض النظر عن الموضوع الذي يمسه، إن كان إيجابياً أو سلبياً.
من الطبيعي، بأن كل إنسان يريد أن يظهر للآخرين، بأحسن مظهر.
يبدأ الصدق مع الذات باعترافك بالأخطاء التي ترتكبها أمام ذاتك وأمام الآخرين. كذلك، بالاعتراف بمواقفك الفكرية أمام ذاتك والآخرين. دون النظر عن تقييمهم لك، ومدى تقبل هذه المواقف، وتقبلهم لك. عبر عن ذاتك وعن مواقفك بكل ثقة وشجاعة، ولا تسمح لأحد في توقيفك عن هذا التعبير، من خلال انتقاداتٍ سلبية هدامة.
قد تتعرض لانتقادات كثيرة، عندما تُصرح بما تُفكر به حقيقةً! وهذا بحد ذاته، له قيمة إيجابية، عندما تأخذ بعين الاعتبار الانتقادات البناءة، لإعادة النظر في مواقفك أو عاداتك السلبية. فلو أنك لم تُظهر ذلك، لبقيت في مكانك، و لم تتقدم.
الصادق مع ذاته، يفرض احترامه على الآخرين.
المهم، هو أنك عندما تشعر براحة الضمير والصدق مع ذاتك، فهذا يُعطيك طاقة إيجابية، واحترام لنفسك واحترام الآخرين لك على المدى الطويل.
4- الصداقة مع الذات: الإنسان كائن اجتماعي. فهو يعيش ضمن محيطه الاجتماعي العائلي، وله الكثير أو القليل من المعارف والأصدقاء
ويتميز الصديق، بأنك تشد من أزره، في حال وقوعه في فشلٍ ما، أو حلت به مصيبة. تقوم بكل جهودك للتخفيف عنه، و لرفع معنوياته. التساؤل: هل تقوم بذلك تجاه ذاتك؟ ماذا تقول عندها لنفسك؟ هل تقول : أنا إنسان فاشل..و لن أنجح. أنا غبي و أحمق ..و دائماً تصرفاتي تؤدي بي إلى هذه النتائج الكارثية؟
كُن صديقاً لذاتك، مما يقوي من معنوياتك، ويُبعد عنك أي إحباط، طالما تملك أفضل صديق لك، ألا وهو أنت.
بالطبع، هذا لا يعني الاستغناء عن الأصدقاء، و لكن لا تنسى صداقتك مع ذاتك. و لا تنسى بأن الصديق، هو أنا الآخر.

5- العناية بالذات: وتكون على مستويين أساسيين: المستوى الفيزيائي الصحي، والمستوى النفسي.
فعلى المستوى الصحي، هو كل ما يُفيد صحتك، من طعامٍ و شرابٍ و هواءٍ. كما نعرف مقولة: العقل السليم في الجسم السليم.
أما على المستوى النفسي، فهو ما تم ذكره من موضوعات الثورة على الذات. فعندما تحب وتتقبل ذاتك، وتصدق مع ذاتك وتصادقها، وتفكر بشكل إيجابي، وكل ذلك بشكلٍ يومي وفي كل ساعة ولحظة، فهذا يعني بأنك تهتم بذاتك على المستوى النفسي.
مَن لا يهتم بنفسه، أو لا يعرف كيف يهتم بذاته، لن يستطيع الاهتمام بالآخرين.

6- التفكير الإيجابي: الثورة تحمل في طياتها، الأمل و الثقة في التوصل إلى الهدف: حصول التغييرات الجذرية. وهنا، يظهر أهمية التفكير الإيجابي في كل ثورة. لولا هذا النهج في التفكير لما كانت هناك ثورة في التاريخ.
للتفكير الإيجابي قوانينه و آليات استخدامه...هنا، يجب العودة للعديد من الكتب . فهذا علم قائم بذاته، للأسف.. لا يتم تعليمه في المدارس. المهم هو مراقبة أفكارك، التي ستتحول إلى قوة مادية.
أساس النجاح يكمن في وضع أهداف محددة قريبة المدى وبعيدة المدى، والاستفادة من دروس الأخطاء على طريق الوصول إليها.
تستطيع تحويل أفكارك الإيجابية إلى أفعال إيجابية ونتائج إيجابية، تعود بالفائدة عليك وعلى محيطك الضيق والواسع.
مع توضيحٍ هام: هناك فكرة خاطئة عن التفكير الإيجابي بأنه النظرة الوردية للأحداث، والتعامي عن النواحي السلبية!
والصواب هو: أن التفكير الإيجابي هو التعامل الإيجابي مع الأحداث السلبية، وليس تجاهلها، بل التصدي لها بشكلٍ بناء. وضع خطة بناءة للتغلب عليها، بدلاً من الاستسلام لها واعتبارها مشكلة لا يمكن التغلب عليها.

من فوائد الثورة على الذات، هو معرفة سر السعادة في حياتك، و كيفية إقامة علاقات سليمة مع الآخرين في التواصل الاجتماعي، وصولاً إلى الثورة الاجتماعية والسياسية و الصناعية و العلمية. وهي بداية للثورة على العادات و التقاليد السيئة في المجتمع. فالإنسان هو اللبنة الأساسية في المجتمع. وكل إنسان يعرف أهمية جودة اللبنات في إشادة البناء. إن الثورة على الذات، هي أيضاً مساهمة في بناء علاقات سليمة في المجتمع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد الهجوم على إسرائيل: كيف ستتعامل ألمانيا مع إيران؟


.. زيلينسكي مستاء من الدعم الغربي المحدود لأوكرانيا بعد صدّ اله




.. العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية: توتر وانفراج ثم توتر؟


.. خالد جرادة: ماالذي تعنيه حرية الحركة عندما تكون من غزة؟ • فر




.. موقف الدول العربية بين إيران وإسرائيل | #ملف_اليوم