الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اوجعني الرصاص، لكنه لم يهزمني بعد!

مهند طلال الاخرس

2017 / 10 / 16
حقوق الاطفال والشبيبة


أوجعني الرصاص، لكنه لم يهزمني بعد!
"الى روح الشهيد ابراهيم العلاري"
في اليوم الاخير من شهر ايلول 1985 كان فتا صغيرا إسمه ابراهيم العلاري يجتاز زقاقا ضيقا في مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين عند اطراف بيروت. وعلى إرتفاع عال في بناية خارج المخيم تطل على صفيح شاتيلا " المخردقة" واكواخه المهدمة التي تعلوها زخات الرصاص كشمس شباط، هناك ومن على ذلك الارتفاع وفوق تلك البناية كان قناص من ميليشيا "امل" يراقب ذلك الزقاق ويمارس هوايته بالخروج من آدميته ويمارس حيونته بقنص كل من يمر عبر منظار بندقيته، جاء ظل ابراهيم في منظار البندقية واختفى الظل وتمركز الجسد في وسط المنظار، ضغط المتجرد من كل شيء إلا الحيونة على الزناد.
في غرفة الطواريء في مكان يصلح ان يكون اي شيء إلا أن يكون مستشفى أدخل ابراهيم على نقالة ، كانت الرصاصة قد اخترقت ذراعه اليمنى وكلا من جانبي مؤخرة صدره وخرجت من ذراعه الاخرى. كان فتا جميلا ابيض اللون بعيون خضراء غائرة اشعث اغبر سحنته بشوشة في السابعة من عمره . كان الدم ينزف من ذراعيه بسرعة ويتباطىء بالنزول عند اطراف اكمام قميصه القصير ثم يقطر ماتبقى من مروءة واحساس آدمي على الارض، ترفع وجهك نحو السماء فلا تجدها تخفض رأسك لتريحه على صدرك وتطالع جسد الفتى مرة أخرى تجد الدم ينزف ايضا من كلا جانبي صدره . تطالع ذلك الجسد النحيل الفقير في كل شيء إلا من البراءة، تختلط دموعك بدمائه على الارض لكنها لا تستطيع أن تمحوها، تختلط بها تصبح جزءا منها كعادة الهنود الحمر منذ القدم عند التآخي، فالدمع يبكي الدم منذ القدم، تلك أحد أساطير القدر في ديمومة العلاقة بين الالم والأنين.
لم يكن الفتى شاكيا ولا باكيا فطفولته في المخيم لم تتسع لذلك، ولكن شفتيه كانتا زرقاوين وكان يتنفس بصعوبة بالغة كسمكة خارج الماء .
وضعه حاملو النقالة على المنضدة ، وقص يوسف وهو أحد الممرضين، ثياب الفتى. وضع الدكتور كريس يانو على الفور أنبوب تنقيط في قدمه. واعطاه الدكتور الخطيب إبرة تخدير موضعي، ثم أدخل خرطوم تفريغ صدري في أحد جانبي صدره النحيل. وفعل الدكتور ادهم الشيء ذاته بالنسبة الى الجانب الآخر من الصدر. ومع خروج الدم من صدره وتمدد رئتيه مرة أخرى تلاشت الزرقة عن شفتيه وعاد إليهما اللون الزهري وعادت إلى شفاهنا البسمة ولم يعد الفتى متلهفا للإستنشاق مثلما كان من قبل . أجرينا له عملية نقل دم لتعويضه عما فقده من دم وأخذناه لنصويره بالاشعة .
بحلول ذلك الحين كنت أدركت ان ابراهيم لم يحرك ساقيه ولا مرة. أجريت بعض الفحوصات على عجل، وقرصت ساقيه في تلك الاثناء، واتضح لي أنه فقد الشعور فيهما، لم تمته الرصاصة؛ لكنها قطعت حبله الشوكي . وسيظل مشلولا من الخصر فما دون بقية حياته.
اتجهت الانظار ودمعاتها والقلوب ودعواتها بعد هذه الحقيقة نحو الجراح التي اوغلت فعلها في ذراعي ابراهيم . تنفس الجميع الصعداء فالجراح أكلت من اللحم فقط وبقي الذراع ومادون ذلك سالما. سيحتاج الفتى لذراعيه كي يسير مستقبلا. عاش ابراهيم بعدها ثلاثون عاما وهو يسير على يديه، وعندما كنا نتحسس قدميه كان يقول: لا أحتاج ألى قدمي، فقط أريد ذراعي لتنتصب شامخة تعلوها علامة النصر عند التحرير.
رغم أن عملي بين زخات الرصاص وكذلك سنين عمري، لكن كل ذلك الرصاص لم يؤلمني ، كل رصاص الدنيا لم يفلح في هزيمتي، لكن هذه أعترف، أوجعتني، لكنها لم تهزمني بعد.!
يا إلهي إنه مجرد فتى صغير لا ذنب له، بل إنه لم يعش ما يكفي حتى يرتكب الذنوب ، لا بل إنه لا يعرف ماهي الذنوب. يا إلهي لماذا لا يغادر الاطفال الى السماء عند الحروب ويعودوا الى الارض بعد إنتهائها، وإن سألهم الاهل من بعد غياب؛ أين كنتم؟ أجابوا : كنا نلعب مع الغيوم.

بقلم مهند طلال الاخرس








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزيرة تحصل على شهادات لأسيرات تعرضن لتعذيب الاحتلال.. ما ا


.. كيف يُفهم الفيتو الأمريكي على مشروع قرار يطالب بعضوية كاملة




.. كلمة مندوب فلسطين في الأمم المتحدة عقب الفيتو الأميركي


.. -فيتو- أميركي يفشل جهود عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدة




.. عاجل.. مجلس الأمن الدولي يفشل في منح العضوية الكاملة لفلسطين