الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغيطانى والبحث عن الجذور المصرية

طلعت رضوان

2017 / 10 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الغيطانى والبحث عن الجذورالمصرية
من سمى الموجودات؟
وهل ثمة مُسمى، ومن صاغ الأسماء؟

فى عمل إبداعى للأديب جمال الغيطانى بعنوان (رِنْ) ضمن سلسلة إبداعاته التى أخذتْ عنوانـًا ثابتـًا (دفاترالتدوين: الدفترالسادس) الصادرعن دارالشروق، تناول فيه جانبًا من الجوانب العديدة للحضارة المصرية. وهوعمل شديد التفرد ويصعب تصنيفه، فقد جمع بين السرد الروائى والسيرة الذاتية وأدب الرحلات والسباحة فى عالم الخيال للمزج بين الحضارات المختلفة، فكتب عن كعب الأحبار، وعن قطرالندى، وزاربخارى نيسابور. وبالرغم من ذلك فإنّ المحورالأساسى (صحيحة لغويًا وليس الأساس) للعمل هوالحضارة المصرية، ولذلك لم تكن مصادفة أنْ يبدأ الفصل الأول بعنوان دال هو(خرْجة) فلماذا اختارالأديب هذا العنوان؟ ولم يكتب (خروج)؟ أعتقد أنّ السبب يكمن فى أنه استلهم التراث المصرى من معنى كلمة (خـَرْجة) فنحن المصريين نـُطلق هذا التعبيرعلى (خـَرْجة) الميت والذهاب به إلى المقبرة التى سيتم دفن الجثة فيها، فهل معنى ذلك أنّ (الخـَرْجة) فى عنوان العمل تعنى الموت؟ مع استمرارالقراءة يتبين العكس، وأنّ المعنى هوالحياة، إذْ أنّ البردية التى كتبها أحد أجدادنا على لسان المواطن (آنى) بعد وفاته كان عنوانها فى الترجمة الدقيقة عن اللغة المصرية القديمة (الخروج إلى النهار) بينما فى ترجمتها الشائعة والخاطئة (كتاب الموتى) وقد تأكد هذا المعنى عند الغيطانى وهويشرح (الباب الوهمى) فى مقابرمصرالقديمة فكتب ((عُرف الباب الوهمى كرمزللعبورمن الموجود المحسوس إلى اللامحسوس، من المرئى المُدرك بالحواس إلى الخفى عنا، ما لايبين، وفى تفسيرآخرقيل إنّ الروح الساعية تعود من خلاله إلى المرحوم المُبرّأ المتحد بأوزيرلتهبه الطاقة اللازمة لاستمراره فى الحياة السفلى، بعد الخروج إلى الضوء اللانهائى)) (ص31) وذكركتاب (الخروج إلى النهار) المقدس. وبالعودة إلى الفصل الأول فإنّ الأديب قرّر(الخروج) من القاهرة ليقصد مسقط رأسه (أخميم) حيث ((حريرأخميم العتيق، مزخرفاته المتوارثة من أزمة سحيقة. عاينتُ تنفيذها على أيدى إناث شابات، معظمهنّ قبطيات، بعضهنّ تركنَ فى روحى وشمًـا))
ولشدة اعتزازه بموطنه الأصلى (أخميم) كتب ((أول مرة رأيتُ النقوش الأخميمية فى متحف القرون الوسطى بالحى اللاتينى، بالتحديد قرب طريق سام ميشيل، كنتُ قاصدًا رؤية معالم تلك القرون فى أوروبا، فوجئتُ بقاعة مُخصصة لنسيج أخميم)) وفى نفس الصفحة تذكرالكتان المصرى فكتب (( الكتان قماش مصرى تمامًا، وإنْ حيّرتنى شفافية تلك الأردية على الأجساد الأنثوية الممشوقة، نفرتيتى على ظهرالمقعد، ونفرتارى، بينما إيزيس مرتدية تاج حتحور.. إلخ))
لماذا كانت (الخرْجة) إلى أخميم ثم طيبة (الأقصر) ومعظم محافظات الوجه القبلى؟ الإجابة جاءتْ فى الصفحة الأولى حيث كتب ((عندما يضيق بنا الوضع نتــّجه إلى مسارات البداية. نـُحاول الاتصال باللبنات الأولى، هكذا اتجهتُ إلى قبلى)) وفى مكاشفة ذاتية أقرب إلى الكتابة الصوفية، كان السطرالأول فى الفصل الأول ((لأمرجرى وتمكــّن منى تغيرحالى وتبدّل أمرى)) وقبل أنْ يصل إلى أخميم وصف رحلة المرورعلى هضبة الأهرام ومنها إلى الفيوم، وفى خلال هذه المسيرة يتذكرالحبس الانفرادى بمعتقل القلعة، وبذلك ربط (بأسلوب إبداعى يوحى ولايُـفصح) بين ذهابه إلى أخميم (الخروج إلى النهار) وبين ما كتبه ((عندما يضيق بنا الوضع نتجه إلى مسارات البداية)) ولذلك– كما كتب– ((كان بدء خرجتى تلك رحمة لمن أحرص على ودهم)) وفى أخميم تذكرالصوفى المصرى (ذوالنون- 771- 859م) واسمه ثوبان إبراهيم الأخميمى (أبوالفيض) تعلم السريانية وله محاولات فى فك رموزاللغة المصرية القديمة. وكان عالمًا بعلوم الشريعة والصوفية وعلوم الصنعة (الكيمياء) وله فيها مُصنفات منها كتاب (الركن الأكبر) وكتاب (الثقة فى الصنعة) وكتاب (العجائب) ونظرًا لشدة ولعه بالتصوف فقد هجره معاصروه من رجال الدين واتهموه بالزندقة. ولما علم ذلك قال ((ما لى سوى الإطراق والصمت حيلة)) ونظرًا لأهمية شخصيته فى التاريخ المصرى، فقد تأثربه الأديب الغيطانى فكتب عنه ((يُهيمن علىّ سيدى ذوالنون، بل إنّ نزوعى إلى أخميم لم يبدأ إلاّعبْراسمه. ذوالنون هاهويسعى فى خلاء رمادى، يستوعب بالنظرأشكال القلم القديم، يترجمها إلى عربية سليمة.. مَنْ علمه القلم المصرى العتيق؟ ثم ربط بينه وبين أوزير
كما ربط الغيطانى بين (ذوالنون) وبين شرحه لمعنى كلمة (رِنْ) وأنّ (رِنْ) يعنى اسم وأنّ (الرِنْ) يُذكرنا بما نقوله حاليًا: (فلان له شنه ورنه) والمقصود بالشن ذلك الإطارالمحيط بالاسم للحماية (وهذا الشرح قريب جدًا للمعنى فى علمىْ المصريات واللغويات وأنّ كلمة (شن) تعنى (خرطوشة) أى الدائرة التى يوضع فيها اسم الملك/ المصرى، وكلمة (رِنْ) تعنى اسم فيكون المعنى أنّ هذا الشخص (صيته عالى) لأنه فى اللغة المصرية القديمة يعنى الاسم العظيم للملك وفى إشارة دالة كتب الغيطانى ((من لا اسم له، لاحضور له)) وطرح بعض الأسئلة الفلسفية مثل: مَنْ سمى الموجودات؟ هل ثمة بداية للبداية؟ من صاغ الأسماء؟ من أظهرها ومن دلّ عليها وبأى لسان نـُطقتْ؟ من سمى المُسمى؟ والمعبد فى مصرالقديمة كان اسمه (بيت الحياة) (على المعابد تنتشردائمًا زهرة اللوتس، وهى زهرة مصرية شهيرة. وعندما ذكرإيزيس قال عنها أمنا إيزيس التى أنجبتْ ابنها حورس من زوجها أوزيربدون اتصال جسدى، وفى الأسطورة أنّ العملية تمتْ (بقوة صفقة رعد) وكان وصف الغيطانى يتفق مع الأسطورة فكتب ((حملتْ العذراء الكونية، وبعد أنْ أنجبتْ حنـّـتْ واحتوتْ فهى الحماية والدراية، هى البداية وهى الأبدية)) وما ذكره يتوافق تمامًا مع علماء علم المصريات الذين كتبوا عن إيزيس، وأنها أصبحتْ معبودة العالم القديم، ومن بين هؤلاء عالم المصريات الألمانى أدولف إرمان.
والأديب الغيطانى عندما وصف هرم ميدوم كتب عنه أنه ليس مجرد صخرة، إنه صعود وارتقاء ولأنه مولع بأبيدوس ذكرأنها تلح عليه كلما قطع مسافة مبتعدًا عنها، ولذلك كتب عن السيدة الإنجليزية الشهيرة باسم (أم سيتى) وكانت تـُـتقن اللغة المصرية القديمة وعاشتْ فى أبيدوس.
ولأنّ الغيطانى مؤمن بالتاريخ المصرى القديم، وما فعله جدودنا الملوك العظام من محاربة الأعداء، لذلك كتب عن البطل أحمس أنه المُخلــّـص الذى ((دفع الهكسوس إلى مجاهل الصحراء التى جاءوا منها، شتتهم، بدّد جموعهم وأعاد اللحمة)) وهي كتابة تدل على وعى الأديب بما كتبه علماء علم المصريات عن أحمس وعن والده (سقنن– رع) الذى مات فى الحرب ضد الهكسوس لأنه كان يُحارب وهوفى الصفوف الأولى مثله مثل أى جندى، ومومياؤه موجدة فى المتحف المصرى (قسم المومياوات) وعلى جبهته وصدره الطعنات التى تلقاها من الأعداء، ثم استلم الراية ابنه كاموس الذى مات هوأيضًا فى القتال، وكان أحمس لايزال صغيرًا، فما كان من الأم العظيمة (إع- حتب) إلا أنها بثــّـتْ فى ابنها الصغيرحب الوطن وضرورة طرد الأعداء، لذلك منحها– بعد وفاتها– قلادة عسكرية، فكانت أول سيدة فى التاريخ تنال وسامًا عسكريًا.
وأعتقد أنّ ما لم يُـفصح عنه الآديب هودور المُتعصبين المسيحيين الذين حوّلوا المعابد إلى كنائس، والمُـتعصبين الإسلاميين الذين حولوا الكنائس إلى مساجد. ولكنه لم يفقد الأمل عندما سمع الطقوس التى تعزف اللحن المُـكرّس للحنين إلى عذراء الكون (إيزيس) الوفية لزوجها أوزير(ص247) ولأنه مؤمن بتعدد الثقافات لذلك يستعيد ذكرى الشاعرالصوفى الكبيرجلال الدين الرومى المولود فى (بلخ) من بلاد فارس الذى قال ((لاتسأل عن مركزالكون، أنتَ المركز)) (ص83) ولأنّ الأديب الغيطانى مولع بالسفرعبرتعدد ثقافات الشعوب، لذلك فإنه ذكــّـرنى بما قاله جلال الدين الرومى ((إنْ لم يعد لك قدم تسافر بها، فسافرفى نفسك، سافرإلى نفسك))
000
هامش: ذوالنون المصرى (771- 859 م) واسمه الحقيقى (ثوبان ابراهيم الإخميمى– أبوالفيض) تعلم السريانية وله محاولات فى فك رموزاللغة المصرية القديمة. وكان عالمًا بعلوم الشريعة والصوفية.
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاحتلال يغلق المسجد الإبراهيمي في الخليل بالضفة الغربية


.. مراسلة الجزيرة: أكثر من 430 مستوطنا اقتحموا المسجد الأقصى في




.. آلاف المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى لأداء صلو


.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك




.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر