الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حروب اليورانيوم المنضب( العراق وسوريا نموذجاً)

تمارا برّو

2017 / 10 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


مقدمة
لم يكدّ العالم يستيقظ من صدمة استخدام الولايات المتحدة الأميركية سلاح اليورانيوم المنضّب في أثناء غزوها العراق عامي 1991 و 2003، وما خلّفه هذا الاستخدام من انتشار واسع للأمراض السرطانية والتشوهات الخلقية والولادات المميتة، حتى صُعق مجدداً من إعلان البنتاغون استخدام هذا السلاح في سوريا عام 2015.
الأمر المؤكد، والذي لا جدال فيه، أن أجسام المدنيين العزّل أضحت حقل تجارب للأسلحة الجديدة والمحرّمة، التي تتباهى الدول الكبرى بصناعتها وبيعها إلى دول أخرى في مخالفة واضحة وصارخة للمعاهدات والأعراف الدولية. ففي كل حرب ونزاع جديد يُشن، يبدأ الحديث والبحث عن نوعية الأسلحة المستخدمة، خاصة بعد ظهور أنواع غريبة من الاصابات على المدنيين الذي يحتلون النسبة الأكبر من مجموع ضحايا الحروب، إذ تبلغ نسبتهم حوالي 90%(1). ويعود هذا الارتفاع الكبير في نسبة الضحايا، إلى تطور صناعة الأسلحة وانتاج أنواع منها لا تميز بين المدنيين والمقاتلين. كما أن الأطراف المتنازعة الضعيفة، وكردة فعل على هزيمتها، تلجأ إلى قصف المدنيين عمداً، متذرعة بوجود ضرورة عسكرية تبيح لها هذا العمل.
ومن بين أخطر أنواع الأسلحة التي استعملت، وما تزال، في الحروب والنزاعات، سلاح اليورانيوم المنضّب. وإذا كانت آثار السلاح النووي ما تزال واضحت المعالم حتى الآن في هيروشيما ونغازاكي، فما بالنا بسلاح اليورانيوم المنضّب الذي يبقى عالقاً في الهواء حوالي 4,5 مليار سنة!
أولاً: تعريف سلاح اليورانيوم المنضّب وآثاره على الإنسان والبيئة
اليورانيوم هو معدن أبيض فضي اللون، ثقيل الوزن، طيّع، ولدن، وسريع الالتهاب في حال تصادمه بقوة بأجسام صلبة. ولليورانيوم كثافة معدنية عالية تساوي 19,05 كيلوغرام في حجم الليتر الواحد وهذه الكثافة تقارب كثافة معدن التنغستون، ولذا فهو أثقل معدن في الطبيعة. ومعدن اليورانيوم موجود في القشرة الأرضية، بما معدله 3 غرامات لكل طن منها(2).
يستعمل اليورانيوم بصورة أساسية لإنتاج الأسلحة النووية، لكنه يحتاج إلى عملية تخصيب تؤدي إلى ما يعرف باليورانيوم المنضّبDepleted Uranium ، وهو مادة مشعة وسمية، يمتلك حوالي 60% من القدرة الإشعاعية لليورانيوم الطبيعي، ويستمر بإشعاعه لفترة طويلة من الزمن، تصل إلى 4,5 مليار سنة ليختزل إلى نصف كميته، متحولاً إلى عنصر آخر، وهو ما يعرف بنصف العمر (3).
يعرّف اليورانيوم المنضّب بأنه بقايا الوقود النووي، الذي لم يعد مجدياً ـــ عملياً ـــ في المفاعلات النووية، سواء التجريبية منها، أو الصناعية السلّمية(4). فمن أجل تحضير الوقود الخاص بالمفاعلات النووية، يتم إخضاع خام اليورانيوم إلى عمليات معقدة في مصانع التخصيب، والغرض منها زيادة تركيز النظير (U- 235) عن بقية نظائر اليورانيوم(5)، أي انتاج اليورانيوم المخصّب الذي يستعمل كوقود نووي للأغراض التجارية(6). وتتم عملية التخصيب بإحدى طريقتين: إما الفصل المغناطيسي، أو الطرد المركزي. وعند اتباع إحدى هاتين الطريقتين، يتم إنتاج الوقود النووي، وما يتخلف عن عملية التخصيب هذه من فضلات تسمى اليورانيوم المنضّب والذي يزداد فيه تركيز النظير (238) من 99,28% الى 99,7% وتنخفض نسبة تركيز النظير (235) من 0,71% الى 0,2% أو الى 0,3%.(7). ونظراً لما يتمتع به اليورانيوم المنضّب من خصائص، تم استعماله في صناعة الذخائر والأعتدة الحربية. وهذه الخصائص هي:
- توفره بكمية كبيرة.
- أثقل المعادن الموجودة في الطبيعة.
- تمتعه بكثافة عالية.
- إمتلاكه خاصية الإشتعال، الأمر الذي يؤدي إلى انفجار الوقود، والعتاد داخل الدرع(8).
- أرخص نسبياً من الأسلحة البديلة له(9).
تتمتع قذائف اليورانيوم المنضّب بفاعلية عالية جعلتها السلاح الأمثل للعديد من الدول. وبالنظر للكثافة الشديدة التي يتميّز بها اليورانيوم المنضّب، فإن استعماله لا يقتصر على صناعة الأسلحة الفتاكة، وإنما يستعمل أيضاً في إكساء دروع الدبابات، وفي أثقال الموازنة الموجودة في الطائرات، بالإضافة إلى أنه يستعمل في صناعة الواقيات في بعض المعدات الطبية.
إن الاستخدام الأول لسلاح اليورانيوم المنضّب، ظهر فيما أطلق عليه حرب الدبابات في أكتوبر/تشرين الأول 1973 بين مصر "واسرائيل"، وكانت الولايات المتحدة الأميركية قد أمدت "إسرائيل" بالقذائف المصنعة من اليورانيوم المنضّب، ضد سلاح المدرعات المصرية في المعركة(10). واستخدم سلاح اليورانيوم المنضّب بشكل كثيف في الحروب التي شنّت على كل من العراق عامي 1991و 2003، البوسنة عامي 1994-1995، يوغسلافيا عام 1999، أفغانستان 2001-2003، لبنان2006(11)، وغزة 2008(12)، كما وردت تقارير عن استخدامه من جانب قوات حلف الناتو في الهجوم الذي شنته على ليبيا عام 2011(13)، واستخدم اليورانيوم المنضّب أيضاً من قبل القوات الأميركية في سوريا عام 2015.
ويوجد حالياً حوالي 20 دولة تحوي في ترسانتها العسكرية سلاح اليورانيوم المنضّب. ومن بين الدول التي تصنّع هذا السلاح الولايات المتحدة الأميركية، المملكة المتحدة، فرنسا، روسيا، الصين وباكستان (14).
تكمن مخاطر اليورانيوم المنضّب، في أنه لا يدمر أهدافاً فحسب، بل يدمر البيئة، والحياة الإنسانية بشكل عام، في المناطق التي تتضرر به ولملايين السنين، حتى أنه يحوّل بعض المناطق المصابة إلى مناطق غير صالحة للحياة البشرية، كما يطال المناطق البعيدة عن المنطقة المستهدفة عن طريق الرياح.
قد يتعرض الإنسان إلى اليورانيوم المنضّب عبر طريقتين: التعرض الخارجي عن طريق الجلد، والتعرض الداخلي يكون بواسطة الاستنشاق أو البلع(15). وعندما يتعرض أي شخص إلى هذه الإشعاعات، فإن جسيمات ألفا، لا يمكنها اختراق الملابس، وبذلك فهي لا تؤثر على هذا الشخص، أما بيتا وجاما، اللتان لهما القابلية على اختراق أكبر من ألفا يمكن تلافي تأثيرهما من خلال عدم التعرض لهما لفترات طويلة(16)، ولكن ماذا لو استنشق الإنسان غبار اليورانيوم؟
إن هذه الإشعاعات تصبح خطيرة، عندما تدخل جسم الانسان. ففي أثناء ارتطام قذيفة اليورانيوم المنضب بالهدف، ينبعث عنها أوكسيد اليورانيوم, وتشير الإحصاءات إلى أن نسبة 57% منه, تبقى غير ذائبة، ونسبة 43% تذوب، ويمكن أن تدخل جسم الإنسان من خلال تلوث المياه والطعام، وإن 50% من غير الذائب، يمكن أن يستنشقه الإنسان(17). وعند الاستنشاق سوف تستقر أشعة ألفا في الخلايا الحية في الجسم، والتي تؤدي إلى تلف عمليات الأيض الكيميائي وتلف DNA، وهذا التلف هو أحد مسببات السرطان. كما أن التعرض لليورانيوم المنضّب، يؤثر أيضاً على الجهاز المناعي والجهاز العصبي، ويؤدي أيضاً إلى حدوث تشوهات في الرحم وفي الجينات(18).
ولا تقتصر خطورة اليورانيوم المنضّب على حياة الإنسان، وإنما تمتد لتشمل البيئة وعناصرها المختلفة. فعند ارتطام قذائف اليورانيوم المنضّب بالهدف، ينتج الغبار الذري(أكسيد اليورانيوم) الذي يبقى عالقاً في الهواء، ويصل إلى مسافات بعيدة، وتبقى دقائق اليورانيوم هذه عالقة في الهواء إلى أن تتساقط على التربة، أو على المسطحات المائية، أو على أوراق النباتات بسبب ارتفاع رطوبة الهواء، أو تساقط الأمطار التي تعمل على غسل الأوراق من هذه الدقائق وايصالها بسرعة الى سطح الأرض. وبعد وصول الدقائق المترسبة بشكل جاف من الهواء، أو مغسولة مع مياه الأمطار، فإنها قد تتحرك ببطء، مخترقة التربة إلى الأسفل. ويمكنها أن تصل إلى المياه الجوفية عبر تحولها إلى صيغ ذائبة في الماء، تنتقل عند حركة المياه، نتيجة سقوط الأمطار، أو استخدام مياه الري. وعند استخدام المياه الجوفية الملوثة بالإشعاعات في ري المحاصيل الزراعية، فإنه يمكن امتصاصها عبر النبات، وبالتالي تسبب الأضرار بالإنسان والحيوان. فجميع المواشي التي ستشرب من المياه، أو تأكل من النباتات الملوثة، ستتلوث لحومها وحليبها، وعند تناول الإنسان لهذه اللحوم الملوثة، أو الحليب الملوث، سيدخل الإشعاع إلى جسمه، ويصاب نتيجة لذلك بالأمراض المختلفة، أو عبر تناوله المحاصيل الزراعية الملوثة (19).
ثانياً: النظام القانوني لاستخدام سلاح اليورانيوم المنضّب
على الرغم من مخاطر سلاح اليورانيوم المنضّب، إلا أن المجتمع الدولي وقف عاجزاً أمام حظر استعمال هذا النوع من الأسلحة، ما شكل عذراً للدول المصنّعة أو المستوردة له كي تستعمله. إن عدم وجود اتفاقية دولية تحظر سلاح اليورانيوم المنضّب إلى حدّ الآن، لا يجعل منه مشروعاً، فالمعاهدات الدولية ما هي إلا أحد مصادر القانون الدولي إلى جانب مصادر أخرى متمثلة بالعرف والمبادئ العامة للقانون، إضافة إلى المصادر الاحتياطية وهي أحكام القضاء وآراء الفقهاء.
يتمثل الأساس القانوني لحظر استعمال سلاح اليورانيوم المنضّب في القانون الدولي في القاعدة الأساسية الواردة في لائحة لاهاي الرابعة المتعلّقة بقوانين وأعراف الحرب البريّة لعام 1907، والتي ورد ذكرها أيضاً في البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 الملحق باتفاقيات جنيف المعقودة عام 1949، وتقضي بأن حق أطراف النزاع في اختيار وسائل وأساليب القتال هو حق مقيّد. وتتمثل هذه القيود في(20):
- حظر الأسلحة العشوائية الأثر التي لا تميّز بين المقاتلين والمدنيين
- حظر الأسلحة التي تسبب آلاماً مفرطة أو معاناة لا مبرر لها
- حظر السّم والأسلحة السامّة
- حظر الأسلحة التي تضّر بالبيئة بشكل خطير واسع الانتشار وطويل الأمد
وهذه القيود تعتبر الأسس القانونية التي يُستند إليها في اعتبار سلاح اليورانيوم المنضّب محرّماً دولياً. فهذا السلاح السام ذات آثار عشوائية لا يميز بين المدنيين والمقاتلين وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية، كما انه يسبب معاناة غير ضرورية، ولا يشكل استعماله ضرورة عسكرية، بالاضافة إلى كونه يلحق بالبيئة أضرراً واسعة الانتشار وطويلة الأمد.
إضافة إلى انتهاك استخدام سلاح اليورانيوم المنضّب لأحكام القانون الدولي الإنساني، التي نصت على القيود المذكورة أعلاه، والتي تعتبر قواعد عرفية، فإن استخدام سلاح اليورانيوم المنضّب يعتبر محظوراً بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، كونه ينتهك مجموعة من حقوق الإنسان الواردة في ميثاق الأمم المتحدة، وفي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، وفي العهدين الدوليين لحقوق الإنسان لعام 1966، ويعتبر الحق في الحياة والحقوق المتفرعة عنه من أهم الحقوق التي ينتهكها هذا السلاح. وفي هذا الإطار، أكدّت اللجنة الفرعية لمنع التمييز وحماية الأقليات التابعة للجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة في قراريها لعامي 1996 و 1997 على أن استعمال أسلحة الدمار الشامل، ومنها الأسلحة المحتوية على اليورانيوم المنضّب، تتعارض مع قانوني حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني(21).
وإذا كان استخدام سلاح اليورانيوم المنضّب ينتهك العرف الدولي، فإنه يخالف أيضاً المبادئ العامة للقانون. ومن أهم هذه المبادئ : مبدأ حسن النيّة في تنفيذ الالتزامات الدولية، مبدأ الإستوبل، مبدأ عدم التعسف في استخدام الحق، حيث يعتبر إستخدام سلاح اليورانيوم المنضّب محظوراً حتى في حالة الدفاع الشرعي، ومبدأ المساواة بين الدول، ومبدأ حرمة السلامة الإقليمية، ومبدأ الحق في تقرير المصير، ومبدأ الحياد(22).
كما وينتهك استخدام هذا السلاح المبادئ العامة للقانون الدولي البيئي، وأهمها، مبدأ امتناع الدول عن إحداث أضرار بيئية خارج نطاق إقليمها، مبدأ التدابير الوقائية، ومبدأ العدالة بين الأجيال.
ولمّا كان استخدام سلاح اليورانيوم المنضّب يخالف القواعد القانونية الدولية، فذلك من شأنه أن يرتب المسؤولية الدولية التقليدية على عاتق مستخدم السلاح، وما ينجم عنها من الالتزام بالتعويض عن الضرر الذي أحدثه هذا الاستخدام. وبجانب المسؤولية الدولية التقليدية المترتبة على استخدام سلاح اليورانيوم المنضّب، هناك مسؤولية دولية من نوع آخر تترتب على استخدامه. فباعتبار إن استخدامه يشكّل جريمة دولية، يستتبع إمكانية مقاضاة مستخدمي هذا السلاح جنائياً، سواء أكانوا رؤساء دول أو قادة عسكريين. والأساس القانوني لهذه المقاضاة بالنسبة لاعتبار استخدامه جريمة إبادة جماعية هو المادة (6) من اتفاقية حظر جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948، والمادتين (25 و 27) من نظام روما 1998 بالنسبة لجريمة الإبادة الجماعية التي تدخل ضمن اختصاصها. أما الأساس القانوني للمقاضاة عن فعل استخدام سلاح اليورانيوم المنضّب باعتباره جريمة حرب، فيكمن في اتفاقيات جنيف 1949 وذلك في المواد (49 من الاتفاقية الأولى، 50 من الاتفاقية الثانية، 129 من الاتفاقية الثالثة، 146 من الاتفاقية الرابعة). وكذلك المادتين (25 و 27) من نظام روما 1998 بالنسبة لجريمة الحرب التي تدخل في اختصاصها(23).
ثالثاً: الجمعية العامة وسلاح اليورانيوم المنضّب
عقب انتهاء حرب الخليج الثانية عام 1991، بدأت تتكشف معالم استخدام سلاح اليورانيوم المنضب. فأعداد المصابين بالسرطان، من العراقيين وجنود الحلفاء، ازدادت بشكل كبير، كما ارتفعت نسبة الولادات المشوهة. ومع صدور نتائج الأبحاث التي أجريت حول آثار سلاح اليورانيوم المنضّب، بدأ العالم يعي خطورة الاستمرار في استخدام هذا السلاح، فانبثقت في العديد من الدول الأوروبية منظمات غير حكومية وحملات مناهضة له. وفي العام 2003 تأسس التحالف الدولي لحظر أسلحة اليورانيوم (ICBUW) الذي يتألف حالياً من 161 منظمة غير حكومية من 33 بلداً في أرجاء العالم(24)، مهمته الأساسية إعلام الحكومات بمخاطر سلاح اليورانيوم المنضّب على الصحة والبيئة.
لمّا اشتدت النداءات المطالبة بتحريم استخدام سلاح اليورانيوم المنضّب، ناقشت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2007 قراراً يتعلق بآثار استخدام الأسلحة والذخائر التي تحوي اليورانيوم المنضّب، وصوتت لصالحه 136 دولة. وطلبت فيه الجمعية العامة من الأمين العام التماس آراء الدول والمنظمات ذات الصلة بشأن آثار استخدامات الأسلحة والذخائر التي تحوي اليورانيوم المستنفذ. وفي كل مرة كان يطرح القرار الخاص بآثار سلاح اليورانيوم المنضّب للتصويت يزيد عدد الدول لصالحه. وفي المرة الأخيرة التي تم عرضه للتصويت في 5 كانون الأول/ ديسمبر 2016 ( الدورة الحادية والسبعون) ، بلغ عدد الدول التي صوتت لصالحه 151 دولة وعارضته 4 دول، كالعادة، وهي الولايات المتحدة الأميركية، الكيان الصهيوني، المملكة المتحدة، فرنسا، وامتنعت 28 دولة عن التصويت(25). لقد صوتت غالبية الدول لصالح القرار، إلا أن أقلية منها ما تزال تصرّ على عدم التصويت، قرابة 50 في المائة منها أعضاء الأتحاد الأوروبي، الذي حث برلمانه مراراً جميع تلك الدول على التصويت إلى جانب حظر أسلحة اليورانيوم(26).
ويسلط القرار الضوء على مخاوف الدول والمجتمعات المحلية المتضررة وخبراء الصحة والمجتمع المدني من آثار قذائف اليورانيوم المنضّب. ويعترف أيضاً بأن البلدان المتضررة من استخدام أسلحة اليورانيوم تواجه عوائق تقنية ومالية كبيرة في التعامل مع التلوث باليورانيوم المستنفد الناجم عن استخدام أسلحته ومعالجته وفقاً لمعايير الحماية من الإشعاع المعترف بها دولياً. ودعى القرار الدول الأعضاء التي قامت باستخدام الأسلحة والذخائر التي تحوي اليورانيوم المستنفد في نزاعات مسلحة، إلى تزويد السلطات المعنية في الدول المتضررة، بناء على طلبها، بمعلومات مفصلة قدر الإمكان عن المناطق التي استخدمت فيها تلك الأسلحة والكميات المستخدمة منها، بهدف تيسير تقييم الحالة في تلك المناطق وتطهيرها.
وعلى الرغم من أن الدول المصنعة والمنتجة لهذا السلاح، مارست ضغوطاً كبيرة على الدول المشاركة في اجتماعات الجمعية العامة لثنيها عن التصويت لصالح القرار، وسعت إلى إدخال تعديلات عليه، بهدف إضعافه، إلا أن تصويت 151 دولة عليه، يشير إلى رغبة العالم التخلص من هذا السلاح بشكل خاص، والأسلحة المحظورة بشكل عام، نظراً لما سببته، وما تسببه هذه الأسلحة، من أضرار على البشرية جمعاء.
منذ العام 2007 وحتى اليوم، ناقشت الجمعية العامة للأمم المتحدة 6 قرارات تتعلق بآثار قذائف اليورانيوم المنضّب، وفي كل مرة كانت تدعو الدول إلى إجراء مزيد من الدراسات والبحوث حول هذه الآثار. ويذكر في هذا السياق، أن هناك كماً هائلاً من الأبحاث والدراسات العلمية التي أجريت، لاسيما بعد انتهاء حرب الخليج الثانية عام 1991، وأكدت أغليها على وجود صلة بين استخدام اليورانيوم المنضّب والاصابة بالسرطان والتشوهات الخلقية، ولكن الضغوطات الكبيرة التي تمارسها الدول المالكة لهذا السلاح ، خاصة الولايات المتحدة الأميركية، وسعيها إلى إفشال المحاولات الهادفة إلى حظره، تدفع نحو عدم اتخاذ قرار دولي بذلك. ولطالما حاولت الولايات المتحدة الأميركية أن تحجب عن الرأي العام العالمي حقيقة الآثار الصحية الخطيرة لسلاح اليورانيوم المنضّب. فمثلاً صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2000 ، على قرار لاستدعاء فريق منظمة الصحة العالمية الذي كان قد أرسل إلى العراق، لإجراء تحقيقات حول الادعاءات بظهور أمراض ومشاكل صحية نتيجة التعرض لسلاح اليورانيوم المنضّب. ورأى العديد من المراقبين، أن هذا القرار كان نتيجة لضغط الولايات المتحدة الأميركية على حكومات دول عدم الانحياز بوقف المساعدات الأميركية لهم(27). إضافة إلى أنه في العام 2001، تم إخفاء مسودة لمنظمة الصحة العالمية حول سمية الإشعاع لسلاح اليورانيوم المنضّب، وتم ذلك بناء على أوامر من الإدارة الأميركية. وفي هذا الإطار، كشف العالم الفنلندي كيث بافرستوك Keith Baverstock ، كبير خبراء الوقاية من الاشعاع لدى منظمة الصحة العالمية، أن المسودة أثبتت بان استنشاق ذرات غبار اليورانيوم المنضب يولد آثاراً سمية جينية على الحامض النووي في الخلية DNA، تنتشر من الرئة إلى أجزاء الجسم عن طريق الدم، وتتسبب بأضرار بالغة في نخاع العظم والجهاز اللمفاوي والكلى(28).
رابعاً: استخدام سلاح اليورانيوم المنضّب في العراق وسوريا
بسبب عمليات تخصيب اليورانيوم تراكم لدى الولايات المتحدة الأميركية لأكثر من خمسين سنة حوالي (1,1) مليون باوند من اليورانيوم المنضّب، ما دفع بها، ومنذ بداية التسعينات أن تبحث عن طرق للتخلص من هذه المادة، بدلاً من خزنها في مستودعات خاصة، فاستخدمتها في صناعة الأسلحة(29)، وجعلت من العراق، أفغانستان، البلقان، لبنان، سوريا مسرحاً لاستخدام سلاح اليورانيوم المنضّب.
1- استخدام سلاح اليورانيوم المنضّب في العراق
شهد العراق حربين طاحنتين استخدمت فيهما الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها ما هبّ ودبّ من الأسلحة المحرّمة دولياً، التي تسببت بكوارث بيئية وصحية، وظهور أمراض لم تكن معروفة سابقاً، وستتوارثها الأجيال عبر مرّ السنين.
أ‌- حرب الخليج الثانية عام 1991
حرب الخليج الثانية وتسمى أيضاً بعاصفة الصحراء، أو حرب تحرير الكويت، امتدت من 2 آب/ أغسطس 1990 إلى 28 شباط/ فبراير 1991. وهي حرب شنتها قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأميركية ضد العراق، بهدف تحرير الكويت من احتلال العراق.
بعد انتهاء الحرب، تنفس العالم الصعداء لعدم استخدام الولايات المتحدة الأميركية القنبلة النووية، كما فعلت في هيروشيما ونغازاكي عام 1945. ولكن هل فعلاً لم يُستخدم السلاح النووي وكانت الحرب نظيفة؟
عقب الحرب ازدادت نسبة إصابة العراقيين بمرض السرطان، خاصة في المناطق التي تعرضت للقصف، وارتفعت نسبة الولادات الناقصة والتشوهات الخلقية. والمفارقة الكبرى أن الأعراض نفسها أصابت جنود الحلفاء الذين شاركوا في الحرب وسميت هذه العوارض بـ " عوارض حرب الخليج". ولمعرفة أسباب هذه العوارض والأمراض، أجريت الأبحاث والدراسات العلمية والطبية، وخلصت معظمها إلى استخدام الحلفاء لسلاح اليورانيوم المنضّب المشع.
في بداية الأمر، أنكرت الولايات المتحدة الأميركية استخدامها لليورانيوم المنضّب في العراق، إلا أن ارتفاع إصابة جنود الحلفاء بمرض السرطان، وإجراء فحوصات طبية بينّت وجود نسبة عالية من اليورانيوم المنضّب في أجسادهم، دفعها إلى الاعتراف باستخدام هذا السلاح، ولكنها لم تعط النسبة الحقيقة لكمية السلاح المستخدم. فقد اعترفت السلطات العسكرية باستخدام 320 طناً من اليورانيوم المنضّب، غير أن مؤسسة لاكا الهولندية قدّرت بأن هناك 800 طن من اليورانيوم ألقي في حرب الخليج الثانية(30).
وعلى الرغم من أن البعض يرفض الربط بين ازدياد الاصابة بالسرطان والولادات المشوهة، باستخدام سلاح اليورانيوم المنضّب، إلا أنه ورد في وثيقة صادرة من البنتاغون عام 1993، حذرت من أن الجنود حين يستنشقون، أو يبتلعون غبار اليورانيوم المنضّب، فإن نسبة إصابتهم بالسرطان تصبح كبيرة جداً(31). وأظهرت دراسة قامت بها إدارة شؤون المحاربين أن 67% من أطفال الجنود الذين ولودوا بعد الحرب يعانون من تشوهات خلقية. وشملت الدراسة 251 عائلة من عائلات جنود حاربوا في الخليج ويعيشون في مسيسبي(32) .
ب‌- حرب الخليج الثالثة عام 2003
لم تكتف الولايات المتحدة الأميركية باستخدام سلاح اليورانيوم المنضّب في عاصفة الصحراء، بل عادت واستخدمته في عدوانها على العراق عام 2003، غير مبالية بما ألحقه هذا السلاح بجنودها. وقُدرت الكمية المستعملة بين 1000-2000 طن من اليورانيوم(33). أما حجم الاشعاع الذي أطلق فيعادل 250 ألف قنبلة نووية بحجم قنبلة ناجازاكي.(34) ووصف تقرير أعدته مجموعة السلام الهولندية (Pax) عام 2013 وعنوانه (حال من الغموض: أثر استخدام اليورانيوم المنضّب في العراق وما ترتب عليه)، أن تأثير اليورانيوم المنضّب أخطر بمئة مرة من تأثير حادثة مفاعل تشرنوبل (35).
وبالنسبة إلى المناطق التي انتشر فيها الأشعاع السام، فقد أوردت إحدى الدراسات الميدانية التي أجراها المركز الطبي الدولي لأبحاث اليورانيوم UMRC في سبتمبر /أيلول – أكتوبر/ تشرين الأول عام 2003، أن التلوث الإشعاعي منتشر في مدن وسط وجنوب العراق كافة، وبدرجة خطيرة بلغت في بعض المواقع التي تعرضت للقصف باليورانيوم المنضب أكثر من 30 ألف مرة الحد المسموح به(36). وقام سكوت بيترسون ( Scott Petrson) ، المحرر في صحيفة كريستيان ساينس مونيتور، بقياس مستوى الإشعاع في بعض المناطق في بغداد، فتبين أن الإشعاع أعلى 1900 مرة عن المستوى الطبيعي(37).
وأكد مركز الوقاية من الاشعاع التابع لوزارة البيئة العراقية تحديد 300- 360 موقعاً ملوثاً في عام 2006، معظمها يقع في مدينة البصرة جنوبي العراق. وقدّر أحد الخبراء في مركز الوقاية من الاشعاع، أن كل موقع ملوث يحتاج تنظيفه بين 100،000 و150،000 ، ويبلغ مجموع تنظيف المواقع الملوثة بين 30و 45 مليون دولار(38).
وتوصل تقرير آخر صدر في العام 2016 ، عن منظمة السلام الهولندية Pax ، بالتعاون مع التحالف الدولي لحظر أسلحة اليورانيوم (ICBUW) ، بعنوان" أهداف الصدفة" Targets of Opportunity ، أن العراق بات يشتمل ما يزيد على 1000 موقع ملوث بأشعة متأتية من أسلحة اليورانيوم المنضّب(39).
ومجدداً تعرض العراق لتلوث إشعاعي خطير طال البيئة بجميع مكوناتها، وألحق بالإنسان الأمراض المميتة والتشوهات الخلقية والاجهاض والعقم وغيرها من الأمراض. ولم يقتصر هذا التلوث على العراق، بل طال أيضاً الدول المجاورة نتيجة حركة الرياح، التي تكون مشبعة بالغبار الذري. وفي هذا الخصوص، أشارت خبيرة الأشعة لورين مورت Leuren Moret أن استخدام سلاح اليورانيوم المنضّب في أفغانستان يمكن أن يؤدي إلى وصول الغبار الذري إلى إيران، باكستان، تركيا، تركمنستان، أوزبكستان، روسيا، جورجيا، أذربيجان، كازاخستان، الصين، والهند. أما الدول التي يمكن أن تصل إليها إشعاعات اليورانيوم المنضب المستخدم في العراق فهي: السعودية، سوريا، لبنان، فلسطين، " إسرائيل"، تركيا، وإيران(40).
تؤكد التقارير والدراسات الطبية العراقية والأجنبية، ازدياد معدل التشوهات الولادية في العراق والاصابة بالسرطان أضعاف ما كانت عليه قبل الحرب. وتشهد مدينة الفلوجة، التي تعرضت لهجومين في العام 2004، أكبر نسبة من التشوهات الخلقية. فقد كشفت دراسة بريطانية أشرف عليها الدكتور كريس باسبي Chris Busby، وهو بروفسور كيمياء في جامعة الستر (ايرلندا) متخصص في علوم السموم البيئية، أن الزيادة في معدلات الوفيات في أوساط الأطفال والإصابة بسرطان الدم بمدينة الفلوجة فاقت المعدلات المعروفة في هيروشيما ونغازاكي. ووجدت الدراسة، التي قامت بزيارة 711 عائلة في الفلوجة، ونشرت في المجلة الدولية للأبحاث البيئية والصحة العامة في عدد كانون الثاني/ ديسمبر 2010، أن التشوهات الخلقية، ومن بينها تشوهات في الأنبوب العصبي الجيني ، وفي القلب، وفي العمود الفقري، كانت أعلى من المعدلات العادية، بمقدار 11 مرة وبلغت أعلى معدلاتها في العام 2010(41).
وأكدت الدراسة أن الإصابة باللوكيميا ارتفعت بمعدل 38 ضعفاً. وأن معدلات سرطان الثدي ازدادت بنسبة عشرة أضعاف إلى جانب الزيادة الكبيرة في أورام المخ لدى الكبار، وأن هناك ثلاثة أطفال مشوهين يولدون يومياً بالفلوجة من بين نسبة الولادات في المدينة والنسبة قابلة للزيادة.
كما وكشف التقرير عن التغيير في نسبة المواليد من الذكور والاناث، فبينما كانت في الحالات الطبيعية 1050 من الذكور مقابل 1000 من الاناث، انخفضت نسبة المواليد الذكور بعد 2005 بمعدل 18 % فأصبح كل 850 مولوداً ذكراً يقابله 1000 فتاة، مما يدل على أن الضرر الجيني أثّر على الذكور أكثر منه على الإناث.
وفي دراسة لاحقة لمتابعة القضية، إختبر باسبي وفريقه عينات من شعر 25 أماً وأباً لأطفال ولدوا مشوهين ووجدوا فيها عنصر اليورانيوم. وتوصلت الدراسة التي نشرت عام 2011، أن اليورانيوم المنضّب كان سبباً أساسياً، أو سبباً ذا علاقة بالزيادة في عدد المصابين بتشوهات، أو سرطانات في الفلوجة(42) ، الى جانب استخدام أسلحة أخرى كسلاح الفوسفور الأبيض.
وفي أيلول/سبتمبر 2012، نشرت دورية" التلوث والسموم البيئية" دراسة علمية تحت عنوان" التلوث بالمعادن ووبائية التشوهات الولادية في المدن العراقية"، أظهرت هذه الدراسة أن حالات الاجهاض بين عامي 2005و2006 بلغت أكثر من 45% ورصدت حالة إجهاض من كل 6 حالات حمل بين عامي 2007 و2010، كما رصدت عيوب خلقية لدى ما يزيد على نصف أطفال الفلوجة ممن شملتهم الدراسة بين عامي 2007 و 2010. وفي الدراسة نفسها قام الباحثون بتحليل عينات من شعر أطفال يعانون تشوهات خلقية في الفلوجة, ووجدوا أنها تحتوي على مستويات رصاص تعادل 5 أضعاف مثيلاتها في شعر الأطفال الأصحاء, فيما وصلت مستويات الزئبق إلى أعلى من معدلها الطبيعي ب 6 أضعاف(43).
وإذا كانت الفلوجة هي هيروشيما العراق فالبصرة هي نغازاكي. فبحسب الدراسة السابقة المنشورة في التلوث والسموم البيئية، فإن عدد التشوهات الخلقية في البصرة ارتفع 7 مرات ما بين 1994 و 2003. ووفقاً للدراسة، سجّل تركيز الرصاص في أسنان الحليب لدى أطفال البصرة نسبة أعلى بثلاث مرات من النسب المسجلة في المناطق التي لم تشهد اقتتال(44) .
لقد كُتب على الشعب العراقي أن يعيش المآسي وويلات الحروب التي لم توفر فيها الولايات المتحدة الأميركية سلاحاً محرّماً إلا واستخدمته، محوّلة أجسادهم إلى حقل تجارب لأسلحتها الجديدة، مرتكبة جراىم يندى لها جبين الإنسانية. ومن ثم جاء تنظيم داعش ليكمل مسيرة القتل والتشويه، وبعد أن سيطر هذا التنظيم الإرهابي على أجزاء من العراق، أعلنت الولايات المتحدة الأميركية حربها عليه، واستقدمت لهذه الغاية طائرات A-10 التي سبق لها أن استخدمتها في العراق عام 2003، وكانت محمّلة بذخائر اليورانيوم المنضّب. إن انتشار هذا النوع من الطائرات في العراق أثار الشكوك حول احتمال استخدام اليورانيوم المنضّب من جديد. فهل استخدمت الولايات المتحدة الأميركية ذخائر اليورانيوم المنضّب ضد تنظيم داعش؟
في آذار / مارس 2015، أعلن الناطق بلسان الائتلاف جون مور John Moore أن طائرات الولايات المتحدة الأميركية وطائرات الائتلاف لم ولن تستخدم ذخائر اليورانيوم المنضب في العراق وسوريا خلال عملية العزم المتأصل(45) . إلا أن البنتاغون أعلن في وقت لاحق أنه استخدم اليورانيوم المنضّب في سوريا عام 2015 بواسطة طائرات A-10 ، وهذا العمل يرجح فرضية أن تكون الولايات المتحدة الأميركية استخدمت اليورانيوم المنضب في العراق أيضاً. وفي إطار آخر، لم يستبعد المستشار في وزارة الدفاع البريطانية الجنرال هيو بيتش Hugh Beach في مقال صحافي نشره موقع بوليتكس يو كي Politics UK البريطاني أن تكون طائرات A-10 التي نشرتها الولايات المتحدة الأميركية في العراق لمكافحة تنظيم داعش، تحتوي على مادة اليورانيوم المنضب(46).
2- استخدام سلاح اليورانيوم المنضب في سوريا
شكّل اعتراف الولايات المتحدة الأميركية باستخدامها سلاح اليورانيوم المنضّب ضد تنظيم داعش في دير الزور والحسكة( شمال شرق سوريا) ، صدمة لدى عموم السوريين، خاصة أن جيرانهم العراقيين لا يزالون يعانون من تداعيات استخدام هذا السلاح خلال العدوان الذي شنته الولايات المتحدة الأميركية عامي 1991 و 2003.
ووفق تقرير نشرته منظمة Airwars ومجلة Foreign Policy قال الناطق بلسان القيادة الأميركية الوسطى CENTCOM الميجر جوش جاك Josh Jacques أنه تم " إطلاق 5265 قذيفة من عيار 30 مم مضادة للدروع ، والتي تحوي على يورانيوم منضّب من طائرة تابعة للقوة الجوية Air Force A-10 ثابتة الجناحين يوم 16 ويوم 22 تشرين الثاني / نوفمبر 2015، وتم تدمير حوالي 350 عربة في الصحراء الشرقية للبلد.(47)
وهذا الاعتراف يناقض ما كانت قد تعهدت به سابقاً الولايات المتحدة الأميركية من أنها لم ولن تستخدم سلاح اليورانيوم المنضب في سوريا. فبالاضافة إلى ما صرّح به الناطق بلسان الائتلاف جون مور John Moore من أن طائرات الولايات المتحدة وطائرات الائتلاف لم ولن تستخدم ذخائر اليورانيوم المنضّب في العراق أو سوريا، أكد ممثل وزارة الدفاع الأميركية لموقع War is boring أن طائرات A-10s المنتشرة في المنطقة لن تحصل على وصول الى الذخائر المضادة للدروع والتي تحتوي على يورانيوم منضّب، لأن تنظيم داعش لا يمتلك الدبابات التي صممت الذخيرة من أجل اختراقه.(48)
والسؤال الذي يطرح إذا كان سلاح اليورانيوم المنضّب قد صمم لاختراق الدبابات والعربات المدرّعة، فهل أن تدمير صهاريج الوقود التابعة لتنظيم داعش يستدعي استخدام هذا السلاح؟
لقد استخدمت الولايات المتحدة الأميركية في الضربة الأولى يوم 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 1490 قذيفة يورانيوم منضّب، وشهدت الضربة الثانية يوم 22 من الشهر نفسه استخدام 3775 قذيفة يورانيوم(49).
أمّا عن سبب استخدام سلاح اليورانيوم المنضّب لضرب صهاريج الوقود، فيقول الناطق بلسان القيادة الأميركية الوسطى أن استخدامه تم لـ" احتمالية أعلى لتدمير الأهداف". وفي حديثه لصحيفة الواشنطن بوست، شرح القيادي الأميركي جوش جاكس أن القوات الأميركية أرادت التأكد من أن سيارات الشحن أصبحت عاطلة عن العمل تماماً، وأن اليورانيوم المنضّب وليس ذخائر التفجير الشديدة هو الذي كان أفضل طريقة لتحقيق ذلك(50). فهل أن ذخائر التفجير الشديدة لا تؤدي إلى تعطيل صهاريج الوقود ؟
تعتبر شركة " جنرال ديناميكس"، وهي واحدة من مصنعي عائلة ذخيرة 30 مم، أن قذيفة الذخيرة شديدة التفجير تسبب التدمير والإحراق عند استخدامها ضد الأفراد، وسيارات الشحن، ومستودعات الذخيرة وأهداف عديدة أخرى.(51) وعليه، فإن هذه الذخيرة كانت كافية لتحقيق الهدف بضرب صهاريج الوقود وتعطيلها دونما الحاجة لاستحدام سلاح اليورانيوم المنضّب.
دائماً ما تتذرع الولايات المتحدة الأميركية بأن استخدامها سلاح اليورانيوم المنضّب كان لضرب أهداف لا يمكن تدميرها إلا باستخدام هذا السلاح. فمثلاً في غزوها للعراق عامي 2003، زعمت أن استخدامها سلاح اليورانيوم المنضّب كان لتدمير العربات المدرّعة. إلا أن منظمة السلام الهولندية PAX والتحالف الدولي لحظر أسلحة اليورانيوم، نشرا تقريراً بعنوان أهداف الصدفة(Targets of Opportunity) ، في العام 2016 تضمن معلومات هامة تدحض كذب مزاعم الولايات المتحدة بشأن الأهداف التي تم قصفها بسلاح اليورانيوم المنضّب. فبحسب التقرير المستند لسجلات الضربات الجوية الأميركية على العراق في أثناء حرب 2003، تم الكشف عنها لجامعة جورج واشنطن، استجابة لطلب تقدم به أرشيف الأمن القومي التابع لها في عام 2013، وفق قانون حرية المعلومات، فإن الأهداف المستهدفة لم تكن مدرعة، إنما هي سهلة مثل السيارات والشاحنات والجنود والمباني(52).
وفيما يتعلق بالتلوث الذي سببه استخدام هذا السلاح في سوريا، فتشير خبيرة الاشعة لورين مورت Leuren Moret ، إلى أن جميع مناطق القتال في سوريا ملوثة باليورانيوم المنضّب. وبحسب رأيها لم تكتف الولايات المتحدة باستخدام هذا السلاح، بل أمدت الجماعات الإرهابية به. كما دعت مورت إلى تنظيف المدن الملوثة قبل إعادة بناءها وهي أجزاء من دمشق، حلب بكاملها، إضافة إلى بعض القرى التي دارت فيها المعارك. وشككت الخبيرة الأميركية أن تكون الولايات المتحدة قد استخدمت سلاح اليورانيوم المنضب فقط في الضربتين الجويتين المعلن عنهما 2015، ورأت أن استخدام هذا السلاح يعود إلى ما بعد إعلان الرئيس فلاديمير بوتين من أن روسيا ستساعد الحكومة السورية في طرد الإرهابيين من سوريا(53).
تجدر الإشارة إلى أن الاشعاعات يمكن أن تنتقل إلى أماكن عدة عن طريق نقل خردة الحديد الملوّث إلى مناطق أخرى، وهذا ما يمكن أن يحصل في حال جمع خردة صهاريج الوقود وإعادة تدويرها، أو بيعها، أو لهو الأطفال بها (كما حصل في العراق بعد انتهاء حرب الخليج الثانية)، ما يعرّض العمّال والمواطنين لأخطارها المهلكة. وتبقى مسألة إجراء الأبحاث والدراسات وقياس مستوى الاشعاعات في المناطق السورية التي تعرضت للقصف باليورانيوم المنضّب، صعبة حالياً نظراً لسيطرة تنظيم داعش على هذه المناطق. والسؤال الذي يطرح كيف سيتم التعامل مع انتشار اليورانيوم المنضّب في المناطق السورية الملوثة به في مرحلة ما بعد تنظيم داعش؟ فهل سنشهد عراقاً آخراً ملوثاً بالاشعاعات دون اهتمام محلي ودولي؟
الخاتمة
لا يُخفى على أي إنسان مدى الصعوبات التي تواجه المفاوضات الخاصة بالأسلحة ونزع السلاح. فالدول المالكة لها ستقف حجر عثرة في طريق إبرام اتفاقيات تقيّد أو تحظر الأسلحة حفاظاً على مصالحها الخاصة. ولا أدل على ذلك، موقف الولايات المتحدة الأميركية الرافض دائماً لإبرام اتفاقية تحظر سلاحاً ما. فمثلاً كانت هذه الدولة تعرقل أي مفاوضات تجري بخصوص إبرام اتفاقية تحظر استخدام سلاح النووي. ومع ذلك فقد تمكنت الأمم المتحدة في 7 حزيران/ يونيو 2017 ، وبعد جهد جهيد، وسنوات طويلة من النقاش، إلى إقرار اتفاقية تحظر تطوير وتخزين الأسلحة النووية أو التهديد باستخدامها. إن إقرار اتفاقية حظر الأسلحة النووية تشكل بداية لابرام اتفاقيات أخرى تحظر الأسلحة المحرّمة ومن بينها سلاح اليورانيوم المنضّب.
لقد آثار استخدام السلاح الكيميائي في سوريا عام 2013 استنكار المجتمع الدولي، وبدأ التلويح بتدخل عسكري، على اعتبار السلاح الكيميائي هو من الأسلحة المحرّمة دولياً واستخدامه يُعدّ عملاً مخالفاً للمعاهدات والأعراف الدولية. ولكن، لماذا لم يحرّك هذا المجتمع الدولي ساكناً عندما أعلنت الولايات المتحدة الأميركية استخدامها لسلاح اليورانيوم المنضّب في سوريا؟ ألم تأخذ الأمم المتحدة على عاتقها حماية الأجيال القادمة من ويلات الحروب كما ذكرت في ديباجة ميثاقها؟
لقد آن الآوان لتدرك الدول خطورة سلاح اليورانيوم المنضّب على البشرية ومستقبلها، وتقف جنباً إلى جنب ضد تعنت الدول الرافضة لحظره. لقد حان الوقت لكسر حاجز الصمت تجاه الجرائم المرتكبة بحق الإنسانية. إلى متى سنبقى نحن كبش المحرقة؟
الهوامش
(1) Sue Warehm, The Human and Environmental Costs of the Iraq and other Wars, Ending War, Building Peace, edited by Lyndaa- ann Blanchard, Leah Cha,Sydneey University Press, 2009,p.34.
(2) محمد علي قبيسي، الغبار القاتل حروب اليورانيوم: العراق، البلقان، أفغانستان، لبنان، الطبعة الأولى، دار قابس للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت،2009، ص 54.
(3) مثنى عبد الرزاق العمر، نظرة تحليلية للآثار البيئية للعدوان على العراق- العوامل والآثار الاجتماعية لتلوث البيئة، مجموعة باحثين، ط1، بيت الحكمة، بغداد، 2001، ص275.
(4) محمد حسين العيد، اليورانيوم المنضّب، مجلة النبأ، عدد 58، 2001.
(5) يتكون اليورانيوم من أربعة نظائر (230و234و235و238) وهذه الأرقام التي سميت بها النظائر هي أعداد كتل نواتها. وأهم هذه النظائر هو النظير 238 الذي يستخدم في البحوث والدراسات والتشخيص، وفي العلاج الكيمياوي، أما النظير 235 فيستخدم في المفاعلات النووية لاستغلال طاقتها سلمياً، وتصنيع القنبلة الهيدروجينية.
(6) سعاد ناجي العزاوي وآخرون، التلوث البيئي الناجم عن استخدام قذائف اليورانيوم المستنفذ في العدوان على العراق عام 1991، مجلة اتحاد الجامعات العربية للدراسات والبحوث الهندسية، كلية الهندسة، جامعة بغداد، المجلد 6، العدد 2، 1999، ص 48-49.
(7) بهاء الدين حسين معروف، التلوث باليورانيوم المنضّب في العرق، مجلة أم المعارك، العدد 16، مركز أبحاث أم المعارك، بغداد، 1998، ص 129.
(8) Dan Fahey, Science´-or-Science Fiction ? Facts, Myths and Propaganda in the Debate over Depleted Uranium Weapons, March 12, 2003. http://www.antenna.nl/wise/uranium/pdf/dumyths.pdf
(9) Lesley Wexler,-limit-ing the Precautionary Principle: Weapons Regulation in the Face of Scientific Uncertainty, University of California, Davis, Vol.39,2006,p.469.
(10)مقابلة أجريت مع خبير الأسلحة داي وليامز على قناة الجزيرة بتاريخ 15/1/2003.
(11) تعرض لبنان للقصف بذخائر اليورانيوم المنضّب في أثناء حرب تموز عام 2006. فبعد انتهاء الحرب قام الخبير النووي د. محمد علي قبيسي بأخذ عينات ترابية لبعض المواقع التي تعرضت للقصف وفحصها في مختبرات متطورة في الخارج، فتبيّن وجود يورانيوم منضّب في أحدى الحفر في منطقة الجلاحية في جنوب لبنان. وفيما بعد، بدأت تظهر على بعض اللبنانيين عوارض مرضية شبيهة بعوارض حرب الخليج والبلقان كالدوار والغثيان، فقام د. قبيسي بإجراء فحوصات بولية لهؤلاء الأشخاص، فتبيّن وجود يورانيوم منضّب في عينات البعض. بالمقابل نفى المجلس الوطني للبحوث العلمية وفريق الأمم المتحدة للبيئة وجود يورانيوم منضّب في التربة اللبنانية. للمزيد حول موضوع اليورانيوم المنضّب في لبنان راجع محمد علي قبيسي، مرجع سابق، ص149-190. وأيضاً تمارا برّو، استخدام الأسلحة في القانون الدولي العام، الطبعة الأولى، دار المنهل اللبناني، بيروت، 2015، ص 459-466.
(12) Richard Lightbown, The Devatating Consequences of Israeli Weapons Testing,13 March 2011. http://www.globalresearch.ca/the-devastating-consequences-of-israeli-weapons-testing/23686
(13) Mahdi Darius Nazemroaya,Nato War Crimes:Depleted Uranium Found in Libya by Scientists.Global Research,July 05,2011. http://www.globalresearch.ca/nato-war-crimes-depleted-uranium-found-in-libya-by-scientists/25510
(14) http://www.bandepleteduranium.org/en/users
(15) http://www.iaea.org/newscenter/focus/depleteduranium/properties.pdf
(16) محمد جبار أتويه، المسؤولية الدولية عن التلوث البيئي في العراق، رسالة ماجستير في الحقوق، كلية الحقوق، جامعة بيروت العربية، بيروت، 2011، ص89.
(17) http://www.alitthad.com/paper.php?name=News&file=article&sid=35943
(18) سما سلطان الشاوي، استخدام سلاح اليورانيوم المنضب والقانون الدولي، أطروحة دكتوراه في الحقوق، جامعة بغداد،2004، ص7.
(19) محمد جبار أتويه، مرجع سابق، ص 91,92. أنظر أيضاً سما سلطان الشاوي، مرجع سابق، ص 11,12.
(20) Karen Parker,The Illegality of DU Weaponry,p.5.available at http://www.traprockpeace.org
(21) سما سلطان الشاوي، مرجع سابق، ص 127-128.
(22) سما سلطان الشاوي، مرجع نفسه، ص 152.
(23) سما سلطان الشاوي، مرجع نفسه، ص 243-244.
(24) http://www.bandepleteduranium.org/en/members
(25) http://www.un.org/ar/documents/viewdoc.asp?docnumber=A/RES/71/70
(26) http://www.bandepleteduranium.org/en/ep-urges-eu-governments-support-unga-du-res
(27) Ian Fairlie, Depleted Uranium: Properties, Military Use and Health Risks, Medicine, Conflict and Survival, Vol.25,No.1,January- March 2009,p.57Robert Edward, WHO Suppressed Scientifics Study into Depleted Uranium Cancer Fears in Iraq, The Sunday Herald, February22,2004, http://www.commondreams.org/headlines04/0222-08.htm
(28) Baverstock, K Motherstill, C & Thorne, M Radiological toxicity of DU, Repressed WHO Document, November 5, 2001, International Physicians for Prevention of Nuclear War, 2001, available at http://www.whale.to/b/radiological_toxicity_of_du.html
(29) سما سلطان الشاوي، مرجع سابق، ص 5.
(30) James Denver,Horror of Us Depleted Uranium In Iraq Threatens World , http://rense.com/general64/du.htm
(31) آمي ورثنغتون، كيف تقصف امريكا أبناءها بالسلاح النووي، مركز دراسات الوحدة العربية، العدد 27، 2003، ص 108.
(32) leuren Moret ,Depleted uranium – -dir-ty Bombs ,-dir-ty Missiles ,-dir-ty Bullets, http://www.rense.com/general69/du.htm
(33) جيمس بول وسيلين ناهوري، الحرب والاحتلال في العراق، تقرير للمنظمات غير الحكومية، ترجمة مجد الشرع، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2007، ص 62.
(34) Bob Nichols,Radiation in Iraq Equals 250,000 Nagasaki Bombs, available at http://stgvisie.home.xs4all.nl/silentWMD s.html
(35) Wim Zwijnenburg, In a State of Uncertainty: impact and implications of the use of depleted uranium in Iraq, 2013, available at https://www.paxforpeace.nl/ourwork/programmes/depleted-uranium
(36) كاظم المقدادي، التلوث الاشعاعي وضحاياه في العراق، مجلة البيئة والتنمية، العدد 79، تشرين الأول/أكتوبر، 2004، ص 22-23.
(37) Scott Petrson, Remains of toxic bullets litter Iraq, May 15/2003,http://www.csmonitor.com/2003/0515/p01s02-woiq.html
(38) Wim Zwijnenburg, In a State of Uncertainty,Op.Cit.,p.35
(39) Wim Zwijnenburg, Doug Weir, Targets of opportunity,p.6 2015, http://www.bandepleteduranium.org/en/docs/227.pdf
(40)Peter Phillips, Project Cesnsored, Censored 2005, The Top 25 censored stories ,New York 2004.p.50
(41) Chris Busby ,Malak Hamdan ,Entesar Araibi, Cancer ,Infant Mortality and Birth sex-Ratio in Fallujah, Iraq 2005-2009,International Journal of Environmental Research and Public Health. Available at http://www.mdpi.com/1660-4601/7/7/2828/pdf
(42) http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=data/2011/10/10-21/...htm.
(43) Sarah Morrison, Iraq Records Huge Rise in Birth Defects ,New Study Links Increase with Military Action by Western Forces ,The Independent, Sunday 14 October 2012,available at website http://www.independent.co.uk/life-style/health-and-families/health-news/iraq-records-huge-rise-in-birth-defects-8210444.htm
(44)Ibid.
)45) العزم المتأصل هو الاسم الذي أطلق على الحملة العسكرية التي يقوم بها التحالف الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميريكة، ضد تنظيم داعش في كل من العراق وسوريا.
(46) http://www.politics.co.uk/comment-analysis/2015/01/09/comment-britain-s-nonsensical-faith-in-depleted-uranium
(47) http://foreignpolicy.com/2017/02/14/the-united-states-used-depleted-uranium-in-syria/
(48)Ibid.
(49)Ibid.
(50) Ibid.
(51)http://www.asharqalarabi.org.uk/%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7-%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AD%D8%A7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A9-2722017_ad-id!410232.ks
(52) Wim Zwijnenburg, Doug Weir, Targets of Opportunity,Op.Cit.,p.7-12
(53)http://www.presstv.ir/Detail/2017/02/17/510986/Syria-is-plagued-with-radioactive-contamination-Dr-Leuren-Moret








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية على مستوطنين متطرفين في الضفة الغربية


.. إسرائيلي يستفز أنصار فلسطين لتسهيل اعتقالهم في أمريكا




.. الشرطة الأمريكية تواصل التحقيق بعد إضرام رجل النار بنفسه أما


.. الرد الإيراني يتصدر اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية




.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن