الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظام الحكم وتدافع التشريع والشريعة

محمد ليلو كريم

2017 / 10 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


منذ عام 2003 والطائفية مصطلح يقترن بالعملية السياسية التي نشأت على مبدأ المحاصصة ، وتبلورت المحاصصة على مبدأ تعريفي في التطبيق أن في العراق ثلاث مكونات رئيسية وأساسية تحتم جمعها تحت قبة ( شرعية ) لصياغة عراق جديد : الشيعة والسُنة والكرد ، وباقي المكونات نوافل في عُرف الدستور الديموقراطي المحلي الذي وِلدَ طائفياً بتدين إسلامي فتصدرت ديباجته آية قرآنية دون كل النصوص العراقية الدينية الكثيرة والقديمة ، وأيضاً ؛ فالنص القرآني المتصدر لم يُكرِّم المواطنة بل توجه بالتكريم لتلك المرحلة المفترضة الطبيعية من تاريخ تواجد الجنس البشري (( الديباجة : بسم الله الرحمن الرحيم ، ولقد كرّمنا بني آدم )) ومن الجدير بالذكر أن هذا النص يقع في سورة الإسراء ، الآية 70 ..
كيف لأي عاقل واقعي أن يرى في هذا النمط من التفكير المنغلق أي تحضر أو حداثة ودراية بسبُل إدارة التنوع سياسياً ، وكيف يمكن لهكذا تفكير تنشأة مجتمع على أسس المواطنة والمساواة والعناية بالمؤسسات عنايةً علمية تخصصية ودفع البلاد نحو الإستقرار والتعايش السلمي ..
بسبب تشبث الحكومات العراقية المتعاقبة بنظرية دولة البُعد الواحد تعرض التنوع الإجتماعي الى تصفيات متعاقبة ، فبين ليلة وضحاها اختفى النوع اليهودي ، وبعد عقود تعرض النوع المسيحي لنفس مصير اليهود ، وبعد سنوات وفي محافظة الموصل الكبيرة حل صباح وإذا بالأزيديين قد اختفوا !!! .. وإذا رجعنا للدساتير التي سار بمقتضى شرعها العراق سنجدها بحق دساتير البُعد الواحد ، والحق إنها دساتير شرعية وليست تشريعية ، وإن واجهنا المدافعين عن دولة البُعد الواحد ودستور الشريعة أتحفونا بالذريعة البالية فدعواهم أن النبي أسس لمجتمع مدني بدّالة تغيير إسم يثرب وكذلك وضِع دستور المدينة ، ولكن يا سادة نحن لسنا في عصر النبي ، وأرجو الإلتفات الى أن عصر النبي والوحي قد ولى قبل 1400 عام ، ولم تَعُد السماء تُدير الدولة مباشرةً كما نقلت لنا النصوص والأحاديث حيث كان الوحي ينزل ليتدخل في كل التفاصيل ، وعليه ؛ لماذا يُفكر حكام اليوم كما وإن النبي بيننا والوحي يزورنا كل يوم ؟؟!! ..
نحن اليوم في خضم اشكالية تطوح بوعينا كمجتمع غادره الحكم الشمولي قبل سنوات قليلة ، وحكام وحكومة اليوم داعية ديني يلوي عنق كل نظام وحقيقة ليُطبِق شرائع الماضي البعيد ، وكل تنازل أو لين منه حقيقته مراوغة ، ولن يتنازل عن فكرة أن هناك صراع أزلي بين المقدس والمدنس ، فيكون من التقديس إفتتاح دستور عهد عراق ما بعد 2003 بآي من القرآن مسبوقة بالصلاة على محمد وآله وملحوقة بفتاوى المراجع العِظام المقدسين ، وأوسطه حكومة دعوية دينية .....
لم تتعرض المكونات العراقية للتصفية في الواقع المادي فحسب ، بل تم تصفيتها تاريخياً وأدبياً ولغوياً وسياسياً وثقافياً ودستورياً وبضربات سريعة خاطفة أودت بكتل بشرية كبيرة لتختفي من على وجه خارطة العراق ، وجعلت أرض اقدم الحضارات حلبة صراع لطائفتين ذاب فيها التنوع والتعددية لتُبتلَع إيديولوجيات وتنظيمات ومعتقدات وتُهضم لتُفرز على شاكلة أحدى الطائفتين ، وإلا فمصير الرافضين للتشكل المتطيف الموت أو المغادرة ، وهل وصل لسدة الحكم مسيحي أو صابئي أو يهودي ، وهل نال أهل هذه الأنواع حصص محترمة في عراق المحاصصة ، أو فاجؤونا ببيان انقلابي أو تشبثوا بالسلطة لعقد وأكثر ...
الحروب الداخلية والانقلابات والسحل والثورات وكل عنف جرى في العراق لم تشارك فيه المكونات التي وصفت بالأقليات ، أي أن المسيحيون والصابئة والأزيديون واليهود لم يشتركوا في حروب وصراعات الطوائف على طول تاريخ الدولة العراقية ، ولأن هذه المكونات كانت خارج معادلات القوة والصراع أُبعدت عن السلطة ثم ابعدت عن مؤوسسات الدولة ثم عن المشهد الثقافي ثم عن أرض العراق ، ونفسها معادلة القوة والصراع أزاحتهم بالتدريج الى أن افرغت البلاد منهم واليوم تتشكل السلطة على شاكلة المجتمع .
اليوم ؛ تُسخَر ملايين المواطنين للدفاع عن مقدسات دينية منها المادية كالمراقد وأخرى غير مادية كالنصوص الشفاهية والقصص الملحمية ، وهذه الملايين تنقسم الى مدافعين شيعة وسُنة ، أي أن الغالبية العظمى من مواطني العراق جنود ومجالدين في جيشين ، جيش شيعي وجيش سُني ، وهذا التسخير فعّال لديمومة الحروب الداخلية تغذيها دعاية صاخبة وتحريض للعواطف وإستحضار دائم لرموز بشرية مقدسة تنقل النصوص الروائية صرخات استنجادها ومظلوميتها وقد تعرضت للجور والإدماء والهوان أو تدنيس العِرض بالتدليس والتلفيق ، وتأتي الإستجابة مشحونة بغضب جارف تُطلقه الجموع المليونية كصيحات هادرة تطلب الثأر من أحفاد اولئك الذين اهانوا المقدسين وارتكبوا أبشع الجرائم بحقهم ، وترى رحى الصدامات والتهديد والوعيد تدور لتطحن آلاف المواطنين وهم يقتلون وينكلون ببعضهم البعض ويُمزقون وطنهم لأن نصاً عتيق يتحدث عن حادثة مر عليها الفية ونصف من الزمن تحكي قصة حفيد نبيٍ قُتِلَ ظلماً أو زوجة نبي تعرض شرفها الجسدي للإفك ....
إما أن يُعلن عن قيام دولة المحاجة المذهبية ببيان للمثقفين المواطنين وننتهي الى عقود قادمة من طرح السؤال البليد حول هل أن دولتنا ديموقراطية أم دينية ، أو يرفض المثقفون هذه الدولة الدينية الجدالية المتآكلة ويربطون مواطنتهم بشرط قيام دولة ديموقراطية تكفل الحقوق لجميع مواطنيها بالتساوي وتتكفل بإرجاع مواطنيها المُبعدين بغض النظر متى تم تجريدهم من مواطنتهم أو حق تواجدهم في وطنهم أو انتزاع حقهم في المساواة الدينية والثقافية .
الإعلان عن قيام دولة المحاجة المذهبية بيان يعترف به المثقف أن أي مشروع توافق مع هكذا دولة مصيره الفشل ، ورفض الدولة الدينية هو اعتراف المثقف بفشل أي تواصل مع دولة المحاجة المذهبية ، والإعلان موقف يلتزم به المثقف الهدف منه تجريد هذه الدولة الدينية المذهبية الجدالية القائمة من الموقف الثقافي الداعم بل أن المثقف سيقف كمعارض لنظام الدولة ومُفسر لموقفه المعارض .
ما اهمية المعارض المثقف ؟
الموقف المنتظر من المثقف قِبال هكذا نظام دولة هو في جوهره مواجهة الديباجة التي تصدرت دستور العراق ، وأنا لا أعني رفض النص بل رفض انفراد نص بميزة تصدّر الدستور دون باقي النصوص ، فإما تُدرج نصوص كل المكونات وحسب القِدَم التاريخي أو يخلو الدستور من أي نص ديني ، وهذا ما يُناط بالمثقف لرفعه كطرح وطني عابر للخزعبلات الضيقة ومُسّخِف لكل إنفراد يُحاط بقدسية هي في حقيقتها تدنيس لقيم الإنسانية السامية .
يكبر في ذهني عجبٌ والمكونات المهمشة والمُبعدة لم ترفع الى الآن شعار : هذا الدستور لا يُمثلنا ، ولا هذا النظام يُمثلنا . على الأقل شعار .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س