الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مَا بَعْدَ إِعْلانِ مُبادَرَةِ عبيد البريكي : بِنْيةُ المبادرة و مآلاتُهَا المُمْكِنَة

محسن عامر

2017 / 10 / 17
مواضيع وابحاث سياسية



دون مقدمات : كيف يمكننا أن ننظر لأفق جديد لخوض الصراع السياسي اليساري ؟

يطرح أرنستو لكلاو عالم الإجتماع و الفيلسوف الما بعد ماركسي تصورا جديدا لإدارة الصراع السياسي ضد الكتل المهينة طبقيا و سياسيا إذ يقترح "استبدال مفهوم «صراع الطبقات»، بوصفه مواجهةً ثنائية متولّدة عن الطبيعة الذاتيّة للقمع الطبقي، بفكرة أن هناك عدداً كبيراً من التضادّات داخل كل مجتمع، وأن لهذه التضادّات طبائع متنوعة، اقتصادية وغير اقتصادية، وأنه من غير الممكن الحديث عن حتميّة تظافر المطالب الديمقراطية والشعبية في خيار موحّد ضد إيديولوجيا الكّتلة المهيمنة. هنا، يكتسب البُعد السياسي أهمّية أساسية لدوره في مَفصَلة تنوّع التضادّات" (مقتطف من مقال إيثيكيل آدموفسكي "عن معاني الشعبوية و استخداماتها ") أو ما ينظر له مهدي عامل أن السياسي هو حالة الصهر لكل مكونات التضادات الإجتماعية . على ضوء هذا التصور الما بعد ماركسي لإدارة الصراع السياسي داخل الأزمة العالمثالثية التي تعبر في جوهرها الإجتماعي عن حالة تمازج دائمة بين البنى القديمة بل و القديمة جدا التي لا يلعب الإقتصادي فيها دوما المحدد و بنى جديدة فرع التشكل العالمي لرأس المال إقحامها عنوة في غطار تشكل كولونيالي للبنى الإجتماعية الراهنة .
الحدث اليساري الجديد في تونس كان مبادرة عبيد البريكي التي أعلن عنها رسميا في ندوة صحية جمعت شخصيات يسارية متنوعة , و الإعلان عن بداية الخطوات العملية في اتجاه تكوين هذا الحزب الذي خلق رأيا عاما صاخبا داخل اليسار خاصة ووضع رغم عنه على ما يبدو في سياق كونه حالة مناقضة للجبهة الشعبية أو خصم لها (التنافس الرمزي داخل السوق النضالية اليسارية), و لكنه في جانب أعمق من ذلك يطرح تساؤلات ملحة حول بنية اليسار الحالي و المهمات المطروحة عليه ضمن المتغير الداخلي و الخارجي التي على ما يبدو لم ينجوا اليسار نفسه من متغيراتها الهادرة . لنأخذ مقطعا طوليا لمكونات مبادرة عبيد البريكي و نرى ..

يمكننا تشريح بنية مبادرة عبيد البريكي في مستوى التيارات التي ينتمي إليها المبادرون كالأتي:
مجموعة عبيد البريكي التي كانت جزأ مكونا لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد و أغلبهم ينتمون لما يسمى لليسار النقابي الذين دعموا دائما عبيد البريكي في منظمة الشغلية , لعل أبرزهم عضو المكتب التنفيذي البارز في المؤتمر السابق المولدي الجندوبي . هذه المجموعة كبيرة العدد و الأكثر اتساقا و انسجاما مع عبيد ستكون لها اليد الطولى في التأسيس و رسم الخطط اللاحقة في تمشي الحزب .
محمد الكيلاني , و إن كان لا يعبر عن وزن حزبي ذا شأس في الساحة السياسية و لكنه يمثل تاريخيا و رمزيا احد الأقطاب المؤسسين لليسار التونسي و أهم منظريه .
عبد الرزاق عثمني , الأمين العام المؤقت لحزب العمل الذي فشل سابقا في حياة عبر الرزاق الهمامي في مشروع التوحيد في حياة شكري بلعيد و غادر حزبه شق محمد جمور , يعود من جديد نحو عبيد البريكي . هذا التكوين السياسي مفيد من ناحيتين , الأولى رمزية الهوية اليسارية الوطنية الديمقراطية و تجربة الشعلة ساقا و كونه حزب له تمثير داخل المكتب التنفيذي للمنظمة الشغلية بشخص أرملة الأمين العام السابق نعيمة الهمامي و هذا جانب منه كسب أخر لهذه المبادرة .
عدنان الحاجي , الشخصية ذات الشعبية داخل الحو المنجمي ذو التاريخ النضالي في ملحمة الرديف سنة 2008 و النائب الحالي في البرلمان .
تكوينات شبابية ناشطة داخل الجامعة و الحقل السياسي الشبابي و كوادر شبابية مستقلة تنتمي لمشارب سياسية يسارية متعددة . ربما لا نماري حين نقول أن العصب الحقيقي الذي سيخلق الدينامية و الحركة داخل هذا الجسد الوليد سيكون هؤلاء .
الموقع داخل المجال السياسي التونسي : حزب أكثر برغماتية من الجبهة الشعبية سياسيا و أكثر جذرية من "اليسار الإجتماعي" اجتماعيا
من النظر إلى هذا الموزاييك من المشارب الفكرية و التوجهات السياسية اليسارية التي يتزاوج فيها تمشيان أدناه القبول بالممكن الديمقراطي مع السلطة و أقصاها المعادات الجذرية لها . قد يبدو من وجهة نظر سياسية تقليدية أي حسب المعايير اليسارية المؤدلجة حول بنية الحزب و مهامه أن هذا الحزب يطرح مشروعا متناقضا من ناحية بنية تكوينه و بالتالي فهو حالة محكوم عليها بالفشل حسب هذه المعايير التي يتم من خلالها التصنيف. و لكن بالنظر إلى الأزمات التي أنتجته البنى التقليدية لليسار التونسي يبدو أن لفكرة خلق إجماعي يساري ما بعد أيديولوجي بعض المشروعية في خضم هذا المتغير حتى لو وصم هذا التمشي بالشعبوية التي يمدو أنها ترما حاليا هنا و هناك بالمجان . ينظر الكثير من المحازبين أن هذا المشروع السياسي منافسة حصرية داخل سوق الإستثمار النضالي الوحيد حاليا و الذي يزداد ضقا يوما بعد يوم نظرا لازدحام المجال السياسي بقوى جديدة ليبيرالية اجتماعية أثبتت قدرتها على افتكاك مكانها ضمن المعارك المحددة ضد النظام و لعل أهمها مكافحة و التشهير بالفساد و رفض قانون المصالحة (أصبت التيار الديمقراطي لمحمد عبو و مجموعات مانيش مسامح فعالية أكثر من الجبهة الشعبية للتعبئة ضد هذه الخيارات) . لذا و على ما يبدو أن خلق رأي عام جديد يساري يكسر نمطية خلق الحدث السياسي خارج المجال اليساري لليسار أمر حتميا و ضروريا . بل و لنقل بوضوح خلق تصويت مجدي يساري يساري vote utile à gaucheحسب التمشي الأكثر نجاعة سياسيا و أقدرها على تمثل المهام الجذرية ضد النظام. من الممكن هنا أن يتولد فرز داخل التيار اليساري العام قادر على خلق رقابات على هذا الطرف أو ذاك و يدفعه نحو تقييم حقيقي للإخفاقات بدل الإطمئنان المسيطر حاليا .
الحدود
ربما , المشكل الأول الذي تعانيه هذه التجربة أنها لا تقيم محاذير واضحة في علاقة بالنظام القائم . إذا أنها تحوي داخلها حلفاء سابقين لنداء تونس بغض النظر عن الوضعيات التي وجدت فيها إضافة إلى عميدها المؤسس الذي كان وزيرا سابقا . من الوجاهة التخوف داخل الطيف اليسار من مسألة مهمة : لا تحول الحزب إلى حالة إشتراكية ديمقراطية و إنما أن يتحول هذا الحزب إلى مشروع تجيير يساري لخيارات النظام , بمعنى أوضح أن يكون حزبا اجتماعيا رديفا للنظام . ربما مرة أخرى أن عبيد البريكي أعطى إيجابيا إسم" يساري" من أجل توضيح الملامح العامة و لكن هذه المبادرة لم توضح سياسيا في مستوى برنامجها التخوم و المحاذير الحقيقية في علاقة بالسلطة .
الأهم من ذلك أن يتحول هذا الحزب إلى حالة خصم يساري لليسار . فالتاريخ العام لليسار العالمي يظهره دوما صاحب عادة إطلاق النار لا على أعدائه المباشرين و لكن إلى منافسيهم المحتملين . المأزق الذي قد يدخله هذا الحزب هو التحول إلى حالة منازعة شرعية ابتدأت في جانبها الرمزي و قد تتحول إلى نزاع سياسي سيكون تفتيتيا . ربما الجبهة هنا هي من بادرت بإعلان العداء لاعتبارات ذاتية معروفة و مطروح عليها حاليا السعي بكل ما أوتي لها من نفوذ و قوة استباق محاولة عزل هذه الحالة اليسارية و دفعها للخروج خارج سوق الكسب النضالي اليساري (و هذا غير ممكن واقعيا بحكم أن حزب عيد البريكي شريك ذا وزن داخل سوق الإستثمار النضالي هذه بحكم الوزن الرمزي يساريا للمكونين و الوجود الفعلي داخل السوق النضالية كالنقابات و المدتمع المدني و الحراك اليساري الذي سينخرط فيه مناضلوه ).
هذه المبادرة التي أخذت القطار و هو يسير تولد بممكنات كبيرة و بتحديات أكبر. رسم التخوم و جبهة الأعداء و إقامة حدود واقعية لحدود البرغماتية السياسية و تجديد اليات العمل السياسي و الإستثمار . كل هذا ربما سيخلق إضافة سكون إنجازا نوعيا للحركة الإجتماعية و للنضال ضد هيمنة رأس المال و إلا ستعيد إنتاج نفس المعضلة اليساري و تكتفي فقط بصناعة نسخة لا تضيف لليسار سوى طاووسية و خيلاء يسارية تقف على الفراغ ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ساعدت كوريا الشمالية إيران بهجومها الأخير على إسرائيل؟ |


.. مسلسل يكشف كيفية تورط شاب إسباني في اعتداءات قطارات مدريد في




.. واشنطن تؤكد إرسال صواريخ -أتاكمس- بعيدة المدى لأوكرانيا


.. ماكرون يدعو إلى أوروبا مستقلة أمنيا ودبلوماسيا




.. من غزة| 6 أيام في حصار الشفاء