الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقدمات زيارة الملك السعودي الى روسيا

جورج حداد

2017 / 10 / 17
السياسة والعلاقات الدولية



قبل ان نتناول زيارة الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز الى موسكو، لا بد من التأكيد ان هذه الزيارة لا تدل على أريحية ورغبة سعودية صادقة في اقامة علاقات صداقة حقيقية مع روسيا، والتخلي عن ارتباطها "التاريخي" مع الامبريالية الاميركية (مأخوذة على علاتها مع تقلباتها). ومعلوم انه قبل زيارة موسكو بأشهر، قام الرئيس الاميركي "الفهلوي" طرامب، على رأس وفد ضخم عائلي ـ إعلامي ـ اقتصادي ـ سياسي ـ عسكري، بزيارة استثنائية الى المملكة، واجرى محادثات شاملة مع كل العائلة والسلطة السعوديتين حول مختلف المواضيع (وطبعا بما في ذلك حول مشروع زيارة الملك لموسكو)، وحصلت السعودية على الارشادات "العليا" اللازمة، وفي نهاية الزيارة حصل طرامب على صفقات بقيمة 500 مليار دولار (فقط!). وقبل ان يغادر الملك سلمان الى موسكو صرح لوسائل الاعلام انه سيقوم في مطلع السنة القادمة بزيارة الى واشنطن لتأكيد "استقلالية!" السعودية تجاه القطبين. والواقع انه سيذهب الى واشنطن لتقديم كشف حساب عن زيارة موسكو واخذ التعليمات اللازمة.
خلاصة القول ان النظام السعودي الوهابي، تماما كما هي اسرائيل اليهودية، هو مرتبط "وجوديا" بالامبريالية الاميركية. وكل ملك يخل بقواعد هذا "الارتباط الوجودي" تتم ازاحته حتى بالتصفية الجسدية، كما حدث للملك فيصل بن عبدالعزيز، الذي كان من ادهى ملوك آل سعود، ومع ذلك تم اغتياله حتى وهو يصلي حينما تجرأ على مفاجأة الاميركيين باستخدام سلاح النفط في حرب تشرين 1973.
وفي شكليات البروتوكول الدبلوماسي أتت الزيارة الملكية كرد على الزيارة التي سبق ان قام بها الرئيس بوتين الى السعودية في شباط 2007 وقابل خلالها الملك (حينذاك) عبدالله بن عبدالعزيز وعرض عليه التعاون بين البلدين بالرغم من الاختلافات السياسية والدينية، ولا سيما التعاون في ضبط التوازن في بورصة النفط الدولية باعتبار البلدين من اهم مصدري الطاقة. ولكن الملك عبدالله تلكأ في رد الزيارة ثم مرض ووافته المنية في شهر كانون الثاني 2015. وبروتوكوليا اصبحت الدعوة الروسية موجهة الى خلفه الملك الحالي سلمان بن عبدالعزيز. وكل المؤشرات تدل ان المملكة كانت مصممة على القيام بالزيارة الملكية الى روسيا، بهدف اولي هو تعزيز مكانتها الدولية، طبعا بما ينسجم مع "وحدة الحال" بينها ـ اي المملكة ـ وبين الولايات المتحدة الاميركية واسرائيل، بالرغم من انه خلال هذه المدة فجرت اميركا والسعودية واسرائيل وشركائهم ما سمي "الربيع العربي" المشؤوم، كما توالت التفجيرات الارهابية "الاسلاموية" على الاراضي الروسية، وظهر بشكل صارخ التباين العميق بين الستراتيجيتين الروسية والسعودية دوليا وفي منطقة الشرق الاوسط.
وفي هذه الاجواء "المكهربة" قام رئيس المخابرات السعودية حينذاك الامير بندر بن سلطان (السفير السابق للمملكة في واشنطن، المعروف بأنه "اميركي اكثر من الاميركيين" وكان يلقب "بندر بن بوش") قام بزيارة الى موسكو في 2013. وكان هدف الزيارة جس النبض لامكانية استمالة روسيا الى مسايرة السياسة الاقليمية السعودية، لا سيما في الصراع الدائر في سوريا. ولهذه الغاية اجتمع الامير بندر مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وعرض عليه منح روسيا هبات وصفقات بعشرات مليارات الدولارات، كما قدم وعدا مبطنا بالوعيد انه يتكفل بمنع الارهابيين الاسلامويين من القيام بأية عملية ارهابية اثناء اولمبياد الالعاب الشتوبة في سوتشي في مطلع سنة 2014. وحسب بعض المصادر الخاصة فإن الامير بندر تلقى جوابا جافا بأن روسيا (التي تمتلك ثروات طبيعية لامتناهية، وبنك ادمغة لا ينضب، وشعبا كادحا وجبارا، في السلم والحرب) لا تغريها كل مليارات السعودية، وانها قادرة ان تحمي امنها بنفسها، وانها تستطيع اذا لزم الامر، وبرمشة عين، ان تمحو السعودية من الخريطة. وعاد الامير بندر ادراجه خائبا. واخذا بالاعتبار الوعد المبطن بالوعيد للامير بندر عقد الرئيس بوتين اجتماعا خاصا مع جميع مسؤولي الامن في روسيا الفدرالية ووضع امامهم مهمة منع حدوث اي تفجير ارهابي خلال اولمبياد سوتشي، كمهمة وطنية عليا للدولة. ومعلوم ان هذه المهمة نفذت بنجاح 100%.
وفي سنة 2015 قام الامير محمد بن سلمان (الذي هو الان ولي العهد، والرجل الاقوى في السعودية، واليد اليمنى لوالده الملك سلمان بن عبدالعزيز) قام بزيارتين الى روسيا، واجتمع مع الرئيس بوتين في الزيارتين. وقد جدد الرئيس بوتين الدعوة لملك السعودية لزيارة روسيا. وقبلت الدعوة. وكان من المفترض ان تتم في نهاية سنة 2015 او بداية سنة 2016. ولكنه تمت المماطلة بالزيارة من الطرف السعودي بانتظار جلاء الانتخابات الرئاسية الاميركية.
ثم قام الامير محمد بزيارة ثالثة الى روسيا في شهر ايار 2017 اجتمع فيها ايضا مع الرئيس بوتين.
وكان الهدف من هذه الزيارات استشراف حقول التعاون التي يمكن الحصول عليها من روسيا، لا سيما في مشروع بناء سلسلة من المحطات النووية لتوليد الطاقة الكهربائية الرخيصة (وهو مشروع هائل يعود طرحه الى الامير شخصيا)، وكذلك امكانية الحصول على السلاح الروسي المتطور، بالرغم من تعمق الخلاف الستراتيجي بين روسيا والسعودية، لا سيما فيما يتعلق بسوريا والعراق واليمن والموقف من المنظمات الارهابية التكفيرية.
ويبدو ان الامير محمد بن سمان تأكد من امرين:
الاول ـ ان روسيا لن تزيح قيد شعرة عن تحالفها الستراتيجي المتين مع محور المقاومة في الشرق الاوسط الذي يضم ايران والحكومة العراقية وسوريا وجناح المقاومة وانصارها في لبنان.
ثانيا ـ ان هذا لا يمنع روسيا من مد يد التعاون الايجابي والبناء مع السعودية بالرغم من كل الاختلافات.
وقد اقتنع الامير محمد بن سلمان ان ايجابيات الزيارة ستكون اكثر من "سلبياتها". وهذا الاقتناع هو "الشرط الذاتي" الذي جعل هذه الزيارة ممكنة في الظروف المكفهرة الحالية. اذ بدون موافقة الامير محمد بن سلمان لم تكن الزيارة الملكية السعودية الى موسكو لتتم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مطار أصفهان الدولي يعود للعمل عقب انفجارات وقعت في محيطه


.. مستشار العربية للشؤون العسكرية: طريقة الرد الإسرائيلي على إي




.. مصدر إسرائيلي: استهدفنا قاعدة عسكرية قريبة من موقع نووي إيرا


.. ماذا نعرف عن انفجارات أصفهان حتى الآن؟




.. دوي انفجارات في إيران والإعلام الأمريكي يتحدث عن ضربة إسرائي