الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الطّفولة

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2017 / 10 / 18
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


ما أكتبهُ حولَ الطفولةِ من الذاكرةِ . لا يعتمدُ على المراجع. عملتُ معلمةً لمدةِ خمسةَ عشر عاماً ،كنتُ أمّاً بنفسِ الوقتِ ، أحبُّ عالمّ الأطفالِ ،يغريني أن أكونَ ضمنَهُ أحياناً . ننظرُ إلى داخلنا . نرى أننا لم نزلْ في مرحلةِ الطفولةِ نرغبُ أن ننطلقَ على سجيتِنا مثلَهم . لكننا نضعُ الكوابحَ لأنفسِنا كي يكونَ هناك توازنٌ بين عمرِنا وسلوكِنا. هي قوانينٌ رسمَها البشرُ لنا .فالتصرفُ على السجيةِ أمرٌ جميلٌ إن كان إنسانياً .
رعايةُ الأطفالِ عمليةٌ صعبةٌ ، لكنّها مثيرةٌ للاهتمامِ .نشاهدُ الطفلَ ينمو ويتطورُ أمامَ أعينِنا ، يكتشفُ الأشياءَ الجميلةَ الرائعةَ، منذُ سنواتِه الأولى نتعرفُ على أماكنِ الإضاءةِ لديهِ. عندما يغادرُ الطفل حضنَ أمّهِ. ذلكَ العالمُ الروحيُّ الساحر، وبعدَ أن يكونَ قد واجهَ خلالَ الثلاثِ سنواتٍ الأولى من حياتِهِ تحدياتٍ هائلةً تعلَّم خلالَها الكلامَ والمشيَ وسيبدأُ بالتفكيرِ الذي سينقلُه إلى الاستقلاليةِ بعدَ أن يكونَ قد تعلّمَ بعضَ المهاراتِ والقدراتِ .
للأطفالِ عالمٌ خاصٌ لابدَّ لنا أن نخترقَه حتى نفهمَ الطفلَ ، أن نبدأَ بروحِ الطفلِ ونتفهمَها .نخلقُ الوئامَ في داخلِه كي يمكننا مساعدتَه في تعلُّمِ المهامِ العمليةِ التي تساعدُه في المستقبلِ على العيشِ . الأطفالُ الصغارُ يتجاوبون مع الإيقاعِ الذي يتدربون عليه، لذا فإنّ الانتظامَ في حياتِهم يخلقُ لديهم ذلك الإيقاعَ الذي يجعلُهم أكثرَ استعداداً للتطورِ .علينا أن نعرفَ دائماً ما يحدثُ عندهم في الداخلِ .نعرفُ ما يحتاجُه الطفلُ للنموِّ في نفسِ الوقتِ . بشكلٍ عامٍّ يحتاجُ الأطفالُ إلى الشعورِ بالأمنِ . إلى فهمٍ وتقديرٍ ،إلى الاعترافِ بهم وبتنوعِ قدراتهم .
كلُّ طفلٍ عالمٌ قائمٌ بذاتِه ، يقولُ لنا على الدوامِ : أنا لستُ أنتم ،لستُ أخي، لست صديقي ،أنا هو أنا فقط. اعلموا هذا جيداً . قد نتجاهلُ لفترةٍ ما يريدُ أن يثبتَه لنا الأطفالُ ، لكنّهم في النهايةِ ينجحون ويتفوقون علينا ،ونعترفُ بهم كما أرادوا . كلُّ طفلٍ حالةٌ مختلفةٌ ، وربما كلُّ إنسانٍ هو حالةٌ مختلفةٌ أيضاً ، وعلينا أن نعرفَ هذا ولا نتجاهلُه .
لابدّ أن يتعلمَ الأطفالُ في المدرسةِ والمنزلِ ومؤسساتِ المجتمعِ الأخرى كي يكونوا على استعدادٍ لدخولِ المراحل الأخرى من الحياةِ . لن يتعلمَ الأطفال وينموا دون لعبٍ ،اللعبُ الذي يرغبون به ، وليس لعباً يشبهُ العقوبةَ في بعضِ الأحيان ،أكثرُ الأنشطةِ التي يحبُّها الأطفالُ ، والتي تُعتبرُ أنشطةً مفيدةً في تطويرِهم هي تلكَ التي نمارسُها في حياتِنا اليوميةِ مثلَ التنظيفِ والطبخِ والخياطةِ والبناءِ . هذهِ النشاطاتُ تشعرُ الطفلَ بالرفاهِ والأمانِ لأنّها حقيقيةٌ . هي تخدمُ غرضَ اللعبِ ، لكنَّها مملوءةٌ بمعاني الحياةِ الأخرى .
الأطفالُ مخترعون بارعون ، يمكنُهم بوجودِ الموادِ تحويلَ أيّ شيءٍ من المواد الطبيعيةِ إلى نوعٍ من اللعبِ . سأستشهدُ بمثالٍ : في إحدى المرّات وعندما كنت أعمل في دبي. ذهبتُ إلى "مول دبي" كانتْ هذه زيارتي الأولى لهُ . توجهتُ إلى المكتبةِ . مكتبةٌ ضخمةٌ لكلِّ المعارفِ والمعلوماتِ، لكنّني لم أجدْ فيها شيئاً لي . رأيتُ أباً يابانياً يبحثُ مع طفلتِه - التي بدتْ لي في السابعةِ - في كتبِ الأطفال . تبعتُهم . وبقيتُ أمشي خلفَهم لأرى عن ماذا يبحثون . أمسكتِ الطفلةُ بكتابِ .
سألتُ الأبَ : عن ماذا تبحثُ ؟
قال : عن كتابِ أطفالٍ يعلِّمُ النجارةَ .
سألتُه : لماذا ؟
قالَ: هي فنٌ ،وابنتي تميلُ لهُ .القراءةُ والكتابةُ تعليمٌ أساسيٌ ولا بدَّ من المهاراتِ هذا ما قاله . هو معلمٌ في مدرسةٍ يابانيةٍ في دبي . يجيدُ عدةَ حرفٍ . هذا شرطٌ لأن يكون معلماً هذا ما قالَهُ لي، كما يجيدُ عزفَ الموسيقى، الشعر .، وقامَ بتأليفِ مسرحية وأخرجَها لطلابِه وأشياءَ كثيرةً لم أفهم ما هي بالتحديد . . عدتُ مملوءةً بالجمالِ الروحي. هناك على الكرةِ الأرضيةِ شعوبٌ تجعلُ الأطفالَ يلعبونَ ويتعلمون بنفسِ الوقتِ . عندها فقط عرفت لماذا اليابان يابان .
في بعضِ البيوتِ ترى اللعبَ مكدسةً في سلالٍ وعلى الرفوفِ ولا أحد يلعبُ بها . وعندما تطلب الأم من طفلها اللعب الأمَّ ربما يأخذَ الطفلُ سلةَ الألعابِ وقيلبَها على الأرضِ وتتوزّع اللعبُ وهذا كلُّ ما في الأمرِ . البعضُ تعوّدَ على اللعبِ الالكترونيةِ ،لا يمارسُها كحبٍّ في اللعبِ ، بل كنوعٍ من الإدمانِ عليها وبرفقتها الطعامُ الغيرُ صحيٍّ .
جميعُنا مررنا بمرحلةِ الطفولةِ . لم تكنْ طفولتُنا رائعةً . لكنّها مرتْ بسهولةٍ أكثرَ مما هو عليهِ الحالُ معَ الأطفالِ الآن . لعبنا بموادِ الطبيعةِ ، بنينا البيوتَ، حتى الزيفَ تعلمناه عندما كنا نراعي مشاعرَ أهلِنا ونكذبُ عليهم كي يشعروا بالراحةِ وهذا ليس مبعثَ فخرٍ . أطفالَنا اليومُ – أعني في وطننا – يقولونَ الحقيقةَ ، ويعتبروننا أ السببَ في ما حصلَ لهم . تعودوا على أن ندرسَ ونأكل ونلعبَ نيابةً عنهم . قلةٌ منهم تتحملُ المسؤوليةَ المناسبة لعمرها . لانفسح لها المجال، ولا نحررَ الطفولةَ من عقدنا ، و نحبُّ الأطفالَ بالطريقةِ التي يرغبونَ بها . نقدرُهم ونحترمُهم حتى يتعودوا على احترامِ أنفسِهم ، ويصبحوا في المستقبلِ شباباً يمكنُ استثمارهم من أجلِ النجاحِ . إنّهم استثمارٌ حقيقيٌّ. فلنحترم الأطفال والطّفولة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عاجل.. شبكة -أي بي سي- عن مسؤول أميركي: إسرائيل أصابت موقعا


.. وزراءُ خارجية دول مجموعة السبع المجتمعون في إيطاليا يتفقون




.. النيران تستعر بين إسرائيل وحزب الله.. فهل يصبح لبنان ساحة ال


.. عاجل.. إغلاق المجال الجوي الإيراني أمام الجميع باستثناء القو




.. بينهم نساء ومسنون.. العثور جثامين نحو 30 شهيد مدفونين في مشف