الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حقوق الإنسان أساس الأمن

أسعد العزوني

2017 / 10 / 18
مواضيع وابحاث سياسية



أصاب رسول كسرى إلى الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه كبد الحقيقة ،عندما قال مخاطبا عمر:"عدلت فأمنت فنمت"،ولخص القول المأثور الحكاية بأسرها بثلاث كلمات يوزنّ بالألماس بدلا من الذهب "العدل أساس الملك".
وللتذكير فقد وصل رسول كسرى المدينة المنورة للقاء الخليفة عمر بن الخطاب ،وعندما دخل المدينة سأل عن المكان الذي يوجد في الخليفة فأخبروه انه في المسجد،ولدى وصوله المسجد النبوي الشريف صعق أيما صعقة وهو القادم من سرايا كسرى ملك الملوك ،صاحب القصر الذهبي.
كان مبعث صعقته أنه رآى الخليفة عمر نائما تحت شجرة ،وقد إفترش الأرض هكذا بدون حراس ولا فراش وثير ،ولا ما يحزنون ،وبعد أن إلتقط أنفاسه قال مخاطبا الفاروق قولته المشهورة :"عدلت فأمنت فنمت".
هنا يربط رسول كسرى مقومات الحكم والأمن بالعدل ،وباللغة الحالية حقوق الإنسان ،فعندما يحصل الجميع على حقوقهم ،تنخفض نسب المساس بالأمن بكافة أوجهه ،فلن يكون هناك سرقات ولا جرائم ولا رشاوي ،لأن الخلل المجتمعي الذي نشهده في المجتمع أساسه الظلم والحرمان والتهميش والإقصاء،وهذا ما جعل الخليفة عمر بن الخطاب ينام تحت شجرة في صحن المسجد،أما قضية إغتياله فقصة أخرى لا مجال للدخول فيها.
مطلوب من المعنيين سواء في الحقلين الأمن المدني "المخابرات "أو الأمن العسكري"الشرطة"،الإلتزام بحقوق الإنسان ،ولا أريد القول، بالشرعة الدولية لحقوق الإنسان ،لأنها مبتكرة حديثا ،فالإسلام سبق الجميع وشرع للناس ما يحتاجونه لحياة كريمة ،بلا ضرر ولا ضرار.
ويتوجب علينا فهم التطورات الحاصلة بعد الثورة الصناعية في العالم وثورة الإتصالات وبزوغ عصر وسائل التواصل الإجتماعي،بمعنى ان العالم اصبح قرية صغيرة، وان التواصل بين الشرق والغرب أو بين الشمال والجنوب أصبح بكبسة زر ،وهذا ما وضعنا أمام أخطار كبيرة بسبب سهولة الإتصال ،ومانزال نعيش مرحلة تنظيم أجهزة الدول"فرع الإستخبارات السرية الإسرائيلية"ISIS"الملقب بداعش ،كما أننا أمام خطر آخر محدق وهو خطر إختراق الموساد لمجتمعاتنا عن طريق وسائل التواصل الإجتماعي،وهذا يتطلب منا توعية آمنة أول مظاهرها إحترام حقوق الإنسان حتى لا نضطر مواطننا وفي لحظة طيش أو إنتقام إلقاء نفسه إلى التهلكة.
المهمة الأولى المناطة بالمعنيين إعادة صياغة العلاقة بين الحاكم والمحكوم ،ولا أعني هنا الحاكم الذي يحتل الرقم واحد بل المسؤول كل في مجاله ،فإن هو إحترم حقوق الإنسان وعاملهم معاملة تليق بإنسانيتهم،حتى لو كانوا مخالفين للقانون فإنهم سيرتدعون، ليس بالتعذيب والضرب والشبح والحرمان والإهانات بل بالمعاملة الحسنة، وأنا لا ادعو للإنفلات الأمني وان تكون المور سايبة بدون حسيب أو رقيب ، بل للمعاملة الحسنة حتى لمخالفي القانون ،لأن علينا توفير الأجواء السليمة لهم حتى لا يضطروا للمخالفة ،فليس هناك مجرم بالفطرة ولا لصا بالفطرة ولا مرتش بالفطرة ولا فاسد بالفطرة ،بل ينمو سلوكه إما بضغط الحرمان والظلم والتهميش،او بالإنفلات الأمني وخاصة من كان ينتمي لفئة ضعاف النفوس.
عندما نطبق قواعد حقوق الإنسان على الجميع وننهل من نبع النبوة بعيدا عن الظلامية والتزمت ،ونهتدي بقول نبينا الكريم"والله لو ان فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " وبمقولة "الناس امام القانون سواسية كأسنان المشط"،وبسلوك عمر عندما طلب من إبنه الإجابة على سؤال أعرابي سأل عن سر ثوب عمر الطويل بعد إحدى الغزوات وتوبيخه لإبن عمر بن العاص الذي صفع قبطيا سبقه"متى إستعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرار"،وغيرها من صور العدل والإحسان وحسن المعاملة التي تصب كلها في موضوعة حقو الإنسان ،نصل إلى بناء مجتمع يستطيع المسؤول أي مسؤول أن ينام آمنا مطمئنا تحت أي شجرة وفي أي مكان .
تأمين الجبهة الداخلية لا يحتاج للأمن الخشن بل للأمن الناعم الذي يغلب عليه العدل والرحمة ،فلا ضرر ولا ضرار ،وبناء المواطنة الحقة ،وإشعار المواطن بأن حقوقه محفوظة حتى لو أخطأ ،وسيكون خطأه الأول بسيطا وربماعفويا نابعا من ردة فعل لمظلمة أو غير ذلك،ويمكن علاج الخطأ بالمعاملة الحسنة ،لكننا وفي حال تعاملنا معه بقسوة من خلال العقاب والتعنيف ،فإننا سنزرع فيه بذرة الشر ،وسندخله عنوة في سجل المجرمين ،إنتقاما منا وردة فعل غير محسوبة ربما تصل إلى القتل.
المواطنة الحقة هي أساس بناء المجتمع السليم فمن إرتضينا له العيش بين ظهرانينا فإن علينا حق إحتضانه وإحترامه وتوفير ما نستطيع لإسعاده ،ولا أعني تأمين "صرة "له بل على الأقل حفظ حقوقه في الحياة كالعمل والدراسة وما أشبه.
إبتسامة رجل الأمن مدنيا كان او عسكريا هي التي تطفيء الشر في الروح الشريرة التي يستيقظ فيها الشر عند الشعور بالظلم والحرمان والتهميش والإقصاء،وهذه الحالات موجودة في صفوف حتى المسؤولين الكبار لسبب أو لآخر،ولذلك نجد المرتشي والمهمل في وظيفته واللامنتمي مع أن هؤلاء يتمتعون بمزايا الصف الأول.
ما نتحدث عنه لا يقتصر على الشارع بل علينا الإهتمام بالمنافذ البحرية والبرية والجوية والجمارك،ولا أعني عسكرة هذه المواقع فالحفاظ على سلامة الوطن امر مفروغ منه ،ولكنني اعني ان علينا تعزيز الأمن في هذه المواقع الحساسة من خلال حفظ حقوق العاملين فيها حتى لا ينحرفوا وما أسهل إنحرافهم ،ورأينا ذلك لدى الدول المجاورة وكيف تدخل الشاحنات او الأفراد المسافرين إلى البلد دون تفتيش ،بسبب تعيين مرتشين او مهملين في هذه المواقع الحساسة .
حتى الموظفين في قطاع الأمن بشقية العسكري والمدني ،بحاجة للإنصاف حتى يقوموا بواجباتهم خير قيام ولا يقعون في زلة الرشوة أو الإهمال ،ونؤتى من مأمننا ،وكم من جريمة فقدنا أثرها إرتكبت لأن متنفذين غطوا عليها وسهلوا تنفيذها إما بمقابل وهذا في أغلب الحالات او إنتقاما وإهمالا في حالات قليلة.
ما اتحدث عنه امر خطير لأن التعلق بأهداب الدول الكبرى لا يخلق ديمومة حكم ،وقد رأينا ذلك بعد العام 2010 في العديد من البلدان العربية حيث إختطف الربيع العربي وحاولت قوى عظمى تخريب الوطن العربي من خلال قوى الظلام والعتمة ،وقد سلمنا الله من التداعيات ونجا الأردن من الفخ المنصوب له ،وهاهم يلعبون على وتر الإقليمية والدعوة لحل القضية الفلسطينية على حساب الأردن ،ومحاولاتهم إثارة النعرات في البلاد لزعزعة الأمن مكشوفة.
أختم أن الحفاظ على حقوق الإنسان وتنميتها لخلق المواطنة الحقة هي الطريق الوحيد والسهل لديمومة الحكم أي حكم ،ولن يتأتى لنا ذلك إلا بتطبيق قواعد العدل للوصول إلى الأمن والأمان ،ولا يغيبن عن البال أن علينا تثقيف الجميع وتأهيلهم جيدا لتمكينهم من التعامل السوي مع المواطنين ،فكم من خطيئة إرتكبت بحق الوطن جراء خطأ بسيط ربما إرتكبه مسؤول لم يدرك سوء عاقبة تصرفه الأرعن وهو على رأس عمله مغترا بسلطاته ومسؤولياته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمة القميص بين المغرب والجزائر


.. شمال غزة إلى واجهة الحرب مجددا مع بدء عمليات إخلاء جديدة




.. غضب في تل أبيب من تسريب واشنطن بأن إسرائيل تقف وراء ضربة أصف


.. نائب الأمين العام للجهاد الإسلامي: بعد 200 يوم إسرائيل فشلت




.. قوات الاحتلال تتعمد منع مرابطين من دخول الأقصى