الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تركيا؛ دولة غاصبة

دلور ميقري

2017 / 10 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


" سعيدٌ من يقول أنا تركي "؛ هذا القول، يجده المرء مكتوباً على مداخل المدن التركية وفي ساحاتها. وهوَ يلخص عقلية السياسة هناك، منذ أن أطاح أتاتورك بالدولة العثمانية وفرضَ إديولوجيته القومية الشبيهة بالفاشية. هذا في بلد متنوّع الأعراق، ويشكل فيه الكرد حوالي ثلث سكانه. وإذاً فخسارة الأتراك لمعظم أراضي الأمبراطورية العثمانية، ما لبثوا أن راحوا يعوضونه بمحاولة الاستيلاء على أراضي الدول المجاورة.
أستهلوا ذلك بولاية الموصل ( إقليم كردستان اليوم ) في أواخر عشرينيات القرن الماضي بزعم أن أغلبية سكانها هم من التركمان. إلا أن استفتاء جرى لسكان الولاية من قبل عصبة الأمم، أجهض آمال الأتراك حينما صوّتت الغالبية الكردية برغبتها في البقاء ضمن عراق محميّ من قبل بريطانيا. وإذا بحكام أنقرة يلتفتون هذه المرة إلى سورية، المشكلة حدودها حديثاً والواقعة تحت سلطة الإنتداب الفرنسيّ. بدأوا بإثارة الأقلية التركية في لواء اسكندرون، ثم رفعوا الأمر إلى عصبة الأمم. في العام 1936، قام مندوبو المنظمة الدولية بإحصاء لسكان اللواء ليتبين أن نسبة الأتراك لا تبلغ 10 %. طوي الموضوع، إلى أن كانت عشية الحرب العالمية الثانية وإكتساح ألمانيا النازية للأراضي الفرنسية. فدخل الجيش التركي إلى لواء أسكندرون دون سابق إنذار، وتم ضمه للمحافظات التركية تحت مسمى ( ولاية هاتاي ).
بعد انتهاء الحرب، راحت أنقرة تتحرّش بجزيرة قبرص، وكانت تحت الحماية البريطانية، بدعوى أن اليونانيين يضطهدون الأتراك. على الأثر، نشبت القلاقل في الجزيرة واستمرت طوال ربع قرن من الزمن، لتنتهي باجتياح الجيش التركي لشمالها. وعلى الرغم من حقيقة أن الأتراك في الجزيرة كان عددهم حوالي 20 % من سكانها، فإنهم أحتلوا أربعين بالمائة من مساحتها واعلنوا عليها دولة ( شمال قبرص ) والتي لم تعترف بها سوى أنقرة.
يبدو أن شهية الأتراك لم تكن قد خمدت فيما يخص ولاية الموصل السابقة ( إقليم كردستان )، فلم يكفوا عن الضغط على الحكومات العراقية لمنع قيام حكم ذاتي حقيقي للكرد. حتى إذا سقط نظام صدام، فإنّ أنقرة أستغلت الفوضى الضاربة أطنابها بالبلد، نتيجة إرهاب تنظيم القاعدة وفلول البعث، لكي تعاود تكرار أسطوانتها عن الأغلبية التركمانية في " شمال العراق! "؛ حيث أدعت في حينه أنها تبلغ المليونين ونصف المليون. على أن التركمان، كما هو معروف، لم يتمكنوا من نيل اكثر من بضعة مقاعد في انتخابات البرلمان العراقي لعام 2006. ومثلما باعت أنقرة التركمان أيام صدام حسين وأسلافه، فإنها كررت ذلك حين أنفتحت على اقليم كردستان لتفيد منه وخصوصاً إقتصادياً لناحية النفط والإعمار. غير أن آمالها في كبح طموحات الكرد، ما لبثت أن أنتعشت مجدداً مع ظهور تنظيم داعش صيف عام 2013، وأنه سيتمكن من إحتلال مدن الإقليم. فلما خاب أمل أنقرة، خاصة مع تمكن كرد سورية أيضاً من إقامة إدارة ذاتية، فإنها بدأت بخلط الأوراق والتخبط بالتحالفات والعداوات لدرجة أنها باتت بلا أصدقاء تقريباً في المنطقة، اللهم سوى دويلة قطر. واليوم، تنتعش آمال الأتراك على أثر استفتاء إقليم كردستان وما تبعه من أجتياح الحشد الشعبي لكركوك لكي تعيد القول بتركمانية المدينة. وعلى الأرجح، ستمنى هذه الآمال بالخيبة بما أن أوراق تركيا في العراق محروقة كلها وبما في ذلك الأقلية التركمانية ذات الولاء للمرجعية الشيعية.
تركيا، منذ البداية لم تكن تريد تغيير النظام في سورية. لأنها كانت تخشى أن يتبع ذلك منح الكرد السوريين حقوقهم الثقافية والسياسية ونوعاً من الإدارة الذاتية. لذلك كانت رسائل الأتراك لقيادة النظام، في بداية الثورة السورية، تتمحور حول ضرورة إجراء بعض الاصلاحات والانفتاح على جماعة الأخوان المسلمين. وكما نذكر، فإن أردوغان بذل هكذا محاولة طوال العقد الأول من القرن الجديد وبمعية ( حماس ) عندما كان قادة هذه الأخيرة يقيمون بدمشق في ظل نظام الأسد.
أردوغان، كان دوماً صديق الطغاة وحاول باستماتة منع سقوط أنظمتهم. مثال ليبيا، أيضاً نذكره جيداً، عندما كانت تركيا هي البلد الاسلامي الوحيد الذي عارض التدخل الغربي لدعم الثورة الشعبية ضد القذافي. كذلك الأمر بالنسبة للتدخل الغربي لإسقاط صدام حسين، حين منع أردوغان القوات الأمريكية من استخدام الأراضي التركية وأجج مشاعر شعبه ضدهم. وكل ذلك، كان بهدف منع كرد العراق من نيل حقوقهم المشروعة.
وها هو أردوغان، " أسد السنّة! "، يضع يده بيد ايران عدوتهم التقليدية اللدودة؛ فيدعم بقوة حصار إقليم كردستان بل ويهدد باجتياحه سواء عن طريق جيشه أو بوساطة الحشد الشيعي العراقي الذي يقوده المندوب السامي الصفوي، الجنرال سليماني. وفي سورية، وبعد أن سلم أردوغان حلب في تسوية حقيرة مع الروس والايرانيين والنظام بهدف إطلاق يده ضد الكرد، فإن قواته توغلت بالأمس في محافظة إدلب وفق التسوية نفسها وبشروطها.
أردوغان، لو كان مسلماً حقاً لأعطى كرد بلاده حقوقهم الثقافية والسياسية، فوفّر كل تلك المآسي على السوريين والعراقيين. فمن يكنّ الحقد على المسلمين السنة، من مواطنيه الكرد، من المستحيل ألا يكون كذلك مع العرب السنة في خارج حدود بلده.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أردوغان هنا لتنفيذ خطط الحلف الأطلسي
أفنان القاسم ( 2017 / 10 / 18 - 11:33 )
فلا تظن أنه يفعل كل ما يفعل بأمره، وبالمقابل تم تثبيته في الحكم بعد محاولة اغتياله التي تمت فبركتها على يدي السي آي إيه...


2 - العزيز المبدع، أفنان القاسم
دلور ميقري ( 2017 / 10 / 18 - 19:37 )
أردوغان، عقليته أخوانية، وبالتالي، ميكيافيلية: فمرة هو مقاوم ممانع، ومرة هو جندي مطيع من جنود الناتو
لكنه، بكل الأحوال، وجه أتاتوركي بقناع اسلامي: وهذا ما يبحث فيه المقال
تحيات ومحبة

اخر الافلام

.. 200 يوم على حرب غزة.. ماذا حققت إسرائيل وحماس؟


.. سمير جعجع لسكاي نيوز عربية: لم نتهم حزب الله بشأن مقتل باسكا




.. قطر: لا مبرر لإنهاء وجود مكتب حماس | #نيوز_بلس


.. بكين ترفض اتهامات ألمانية بالتجسس وتتهم برلين بمحاولة -تشويه




.. أطفال في غزة يستخدمون خط كهرباء معطل كأرجوحة