الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الذّكريات

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2017 / 10 / 18
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


يصفون مسيرةَ عمرِنا أنّها رحلة . هي رحلة العمر. نشعر أحياناً بجمالِها ، و في أحيانٍ أخرى لا نشعرُ بما يجري حولَنا وكأنَّنا نعيشُ في غيبوبةٍ أو أنَّ غمامةً على أعينِنا، قد لا نجيدُ التعاملَ مع مخاطرِ هذهِ الرحلةِ ، نسمحُ للخوفِ أن يخترقَنا، نعيشُ حالةً من الإرهاقِ النفسيِّ الذي يجعلُنا نغرقُ في ماضينا . نتمسكُ بكلِّ ما في هذا الماضي من تجاربَ وعواطفَ، نبقى في حالةِ حزنٍ وضياعٍ ، ونغلّف مشاعرَنا بأكياسٍ محكمة الإغلاقِ تبقينا في الماضي ،و تكون الذريعةُ كافيةً كي نبقى على ارتباطٍ بتلكَ الأكياسِ ،كي نغرقَ في الحزنِ ويغمرُنا، نفشلُ في مساعينا في الحياةِ ، ثمّ نعلِّقُ فشلَنا على الماضي .هي ذريعةٌ وهميةٌ نقنعُ عقلَنا الباطنَ بها ، و نستسلمُ لراحة الاكتئابِ بعدَ ذلكَ ، نبتعدُ عن العملِالبنّاءَ ، لأنّهُ عملٌ صعبٌ يحتاجُ إلى جهودٍ على مدارِ الساعةِ ، بينما الاكتئابُ لا يحتاجُ سوى لرفعِ رايةِ الاستسلامِ .
نحملُ الماضي على ظهورِنا خشيةَ أن نفقدَه ونخرجَ من دائرتِه، و لكي تبقى دائرةُ الحزنِ مغلقةً وبذلكَ لا نتوجهُ إلى الحبِّ والفرحِ . لماذا لا نفرجُ عن الماضي ؟
لا يمكنُ لنا معرفةَ معنى الفرحِ والحياةِ بينما أكتافنا تثقلُها الأحمال. الأمتعةُ التي نحملُها ستجرُنا إلى الأسفلِ لو لم نتخلصْ منها، ستجرُنا إلى الألمِ وعدمِ رؤيةِ النِّعم الكثيرة التي تحيط ُبنا. ليسَ لنا مصلحةٌ على الإطلاقِ في القضاءِ على عمرِنا ضمنَ علبِ وأكياس .لا تصلح الأحمال من أجلِ الحاضرِ .
ماضينا هو جزءٌ منّا ،هو نحنُ بتاريخٍ قديمٍ ،أن نتعلمَ منهُ ونعرفَ كيف نأخذُ قراراتَنا تجاهَ المستقبلِ، ثمّ نتجاوزُه كي نعيشَ الحاضرَ والحياة التي نريدُها. قد يكون لدينا بعضُ الجروحِ التي سببُها لنا شخصٌ ما ، فلا بدَّ من البدءِ بعمليةِ الإفراجِ عن تلك المشاعر كي نبدأَ والتّحرّر منها. التحررُ لا يجري بسهولةٍ . بل يمرُّ بمراحلَ مختلفةٍ آخرُها الغفرانُ الذي هو بحد ذاته أمرٌ صعبٌ يحتاجُ للدعمِ والتدريبِ كي لا نتذكرَ من الماضي سوى الإيجابيات ، ولا نعيرُ اهتماماً كبيراً لما نعتقدُ أنه خطأ ارتكبناه. هي مجردُ تصوراتٍ مرَّتْ وأصبحت قديمةً ، لا نقلقَ من عودتِها ونتحركُ إلى الأمام دونَ الاهتمامِ بما يشعرُه أحدٌ ما بسببِ أخطائنا إذا كنّا قد فعلنا كلَّ شيءٍ من أجلِ تصحيحِها ولم نجدْ نتيجةً ،ليعشْ ذلك الإنسانُ في عالمه لأنّه هو من اختارَه ولا يمكنُنا مشاركتَه في الاختيار .
أفضلُ طريقةٍ للتخلصِ من مشاعرِ الماضي السلبيةِ أن نتركَها ترحلُ. ربما يكون الأمر بغايةِ الصعوبةِ أن ترحلَ كلياً، لكنّ التخفيفَ من هذه المشاعر يعملِ تخفيفِ المعاناةِ في داخلِنا، وبذلك نجهزُ أنفسَنا لتركِ الأشياءِ التي تزيدُ متاعبَنا وبخاصةٍ تلك التي مضى عليها الوقتُ ، والبدء بعقليةٍ جديدةٍ مصممةٍ على المساعدةِ في تجاوزِ الماضي المخزّن في دماغِنا . التخلي عن هذه الأحمالِ الثقيلة التي تشملُ العلاقاتِ، المخاوفَ ،القلقَ، وكلُّ الصراخِ الزائدِ هو الذي يجعلُنا نعيشُ بأسلوبٍ يتعبُنا دائماً . تلك الأصوات هي أصواتٌ زائدةٌ عن الحاجةِ،عندما تبتعدُ تفسحُ المجالَ لوعينا أن يفكِّرَ من جديدٍ بطريقةٍ موضوعيةٍ ،وهنا يأتي دورُنا في تحديدِ العناصرَ التي علينا أن نتخلى عنها .
كلُّ من يملك الحاضر لديه ماضٍ ، وقد يكونُ ا ذلك لماضي أفضلَ من الحاضرِ ، وفي أحيانٍ كثيرةٍ نريدُ أن ننساه. نسيانُ الماضي لا يعني إزالتَه من ذاكرتِنا . فقط إزالة تأثيره على مستقبلِنا، و تأتيَ لحظةٌ ما نعرفُ أنهُ فقدَ أهميتَه بالنسبة لنا .
لو نستطيع أن لا نفكرَ بالماضي ولا حتى بالمستقبلِ لأنّهما لا يقعان تحتَ سيطرتِنا. اليومُ الوحيدُ الذي يمكنُنا السيطرةَ عليه هو "اليوم " فقط . في الماضي كانتِ الدروسُ والأخطاءُ التي قمنا بها وعلينا أن لا نكررَها ، والمستقبلُ يتوقفُ على ما تعلمناهُ في الأيام التي خلت، و في يوم من الأيامِ قد نكون قطعنا على أنفسِنا العهودَ أن نسيرَ في طريقِ النجاحِ ، وقد لاي سمح الحاضر لنا بتنفيذها ،لكنّها حاضرةٌ، نبقيها في خياراتنا حتى نتعاملَ معها بشكل سليم عندما تسنحُ لنا الفرصةَ .
في هذا العالم الذي يسودُه الإجهادُ والقلقُ . لابد أن نولي عنايةً كاملةً لأنفسنا كي نتخلصَ من تلك الأمراض. لم يتوصّل العلمُ إلى دواء من أجلِ الشفاءِ من الماضي والعثور على السلام ، يأتيَ الحلُّ من الداخلِ حيث ندرّب عقولنا أن تكفّ عن الثرثرةِ، وتنهي حالة المللِ ونفاذ الصبرِ ليعمَّ الهدوءُ الداخلي. إنه الأمر مهارةٌ مكتسبةٌ تحتاجُ إلى الرغبةِ والدافعِ والصبرِ والمثابرةِ ، و أهمُ الأشياء هو أن نسمحَ لأنفسنا بتقبل المسؤولية عن مشاعرِنا ونبتعدُ عن المثاليةِ . نقبلُ أنفسَنا بجميعِ نقاطِ القوةِ والضعفِ الخاصةِ بنا لأنَّ المثاليةَ فكرةٌ غيرُ قابلةٍ للتحقيقِ ، ويشكّلُ الاسترخاءُ ،التأملُ ، القراءة ، المشي ،وقضاءُ الوقتِ بين أحضانِ الطبيعة، و في النهايةِ لكلِّ إنسانٍ طريقتُه في الوصولِ إلى الحلِ .
ينطق جسدِنا بمعاناتِنا ، ويعبّر خارجنا عن داخلنا، تلاحقنا الذّكريات ، ولا نستطيعُ أن ننساها، ولو اعترفنا بها لكان الأمر أفضل. القبولُ والتسليمُ يجعلُ مشاعرَنا تبتعدُ عن الحربِ التي يمكنُ إيقاظُها في داخلنا على الدوام . إن اجتاحنا الغضبُ والألمُ لن يغيرا شيئاً في الأمورِ، و احتواءِ الألم وقبولِه مثلما نقبلُ أولادنا ناجحين أو فاشلين، كذلك الأمر مع الذّكريات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجارات أصفهان.. قلق وغموض وتساؤلات | المسائية


.. تركيا تحذر من خطر نشوب -نزاع دائم- وأردوغان يرفض تحميل المسؤ




.. ctإسرائيل لطهران .. لدينا القدرة على ضرب العمق الإيراني |#غر


.. المفاوضات بين حماس وإسرائيل بشأن تبادل المحتجزين أمام طريق م




.. خيبة أمل فلسطينية من الفيتو الأميركي على مشروع عضويتها | #مر