الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاشتراكية : نظام لسعادة المجتمع أم لتعاسته ؟

سيلوس العراقي

2017 / 10 / 19
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها


ان الزمن الذي عاشه الشعب السوفيتي كان استثنائيًا وغير عادي بسبب ثورة اوكتوبر 1917 والغليان الشعبي الذي حدث معها. فلم يعطل أو يهمش هذا الاستثناء ما قام به النظام الجديد الحاكم من عمليات تصنيع وزراعة، حيث سارع النظام في عمليات التحول السريع للمجتمع نحو الصناعة في عشرينات القرن العشرين. انه ليس بالامر الهين ان تحوّل المجتمع، الأمر الذي احدث اضطرابًا اجتماعيًا ، حيث كان الملايين من مواطني النظام مضطرين لتغيير نوعية أعمالهم ،من الزراعة الى الصناعة، كما انهم كانوا مضطرين لتغيير اسلوب حياتهم ومعيشتهم وتغيير ظروف وأمكنة اقامتهم وما يتبع ذلك من تغيير من الريف القروي الى حياة المدن الصناعية. كما أحدث انتهاء فترة الجيراركية الملكية ـ القيصرية تغييرًا في القيم والعادات والسلوكيات الاجتماعية. قيم جديدة تم ادخالها الى المجتمع محلّ القيم القديمة ومن ضمنها مصادرة القيم الدينية وشجب الدين والممارسات الدينية، حيث حلت محله (ديانة) جديدة، لم تكن سهلة أو مقبولة من قبل عدد غير قليل من المواطنين وبالخصوص من جيل الكبار في العمر ومن الشيوخ والبالغين الذين كانوا يحاولون التمسك بها باعتبارها قد شكلت جزءا عميقًا في شخصيتهم وهويتهم.
فالنظام البلشفي الجديد أعلن رسميًا وبوضوح رغبته وقراره بأن يكون عصره ثورويًا بطوليا في انقلاب شامل على القيم الاجتماعية ذات التاريخ المتجذر في وجدان المواطنين، عصر تدمير القيم والصراع ضد كل ما يمت للعالم (الروسي ) القديم من أجل خلق عالم جديد وانسان جديد.
والتزم النظام الجديد بتحويل ثقافي واجتماعي واقتصادي كامل، عزز في حشوه التغييرات الجذرية الراديكالية من دون احترام أو من دون الاخذ بالاعتبار الخسارة والكلفة التي تسببها انسانيًا عمليات الحشو الجذرية حيث انه قام فعليا باضطهاد واحتقار من كانوا يفضلون البقاء بعيدًا من الصراع الثوروي
استخدمت السلطات في كفاحها من أجل التغيير الجذري عقوبات قاسية وهمجية ووحشية ربما تكون أسوأ من الأساليب القيصرية في النظام القديم واعتبر الآخرين المختلفين أعداءًا للثورة البلشفية يجب التخلص منهم بأي شكل من الأشكال وإن كان باستخدام أشد الأساليب قمعًا ووحشية
فوجد الكثير من المواطنين السوفيت حالهم مغتربين ومغرّبين في بلادهم موصومين بالاغتراب الاجتماعي
فلا يمكن والحال هذه اعتبار حياة هؤلاء البشر بأنها كانت حياة انسانية اعتيادية، بالتاكيد كانت حياتهم غير عادية

نضيف الى ذلك ما أحدثته التغييرات الجذرية التي أجراها النظام الجديد من مساويء معيشية في حياة المواطنين اليومية، فاختفت المواد الغذائية فجأة من الأسواق وابتدأت شحتها تزداد في ثلاثينات القرن العشرين بشكل أقسى حيث ابتدأت الشحة المزمنة وبالخصوص المواد الغذائية الرئيسية والملابس والأحذية والآثاث المنزلي وكل هذا نتيجة المركزية القصوى في الاقتصاد حيث كلّ شيء أصبح بيد الدولة الحاكمة وانعدم أي اقتصاد للسوق وللنشاط الاقتصادي، ونتيجة لتكيز السلظات البلشفية على التصنيع، فحدثت مجاعات وشحة حقيقية في المواد الغذائية في عشرينات وثلاثينات القرن العشرين، والسلطة الشمولية (الدكتاتورية ؟) للحزب البلشفي كانت تتأمل بأن الشحة لن تكون مزمنة بل وقتية لكن خاب أملهم الى حد كبير في تأمين المستلزمات لحياة عادية موازية لحياة المواطنين الاوربيين. فتم بناء مجتمع مؤسس على الحاجات المزمنة التي كانت عملية تأمينها شاقة على الحكومة تلبيتها، خلقت صعوبات وعدم راحة إن لم نقل عدم قناعة من امكانية تحقيق رغبات الانسان العادية . أضف الى ذلك ونتيجة له تفكك العائلة بسبب عدم تمكن الوالدين من تأمين حاجات ابنائهم نتيجة شحة المأكل والملبس وغيرها فالمغالاة في المركزية المتبعة من قبل الدولة السوفيتية في تحديد أسلوب حياة ومعيشة الجميع ليس بالأمر المعقول تمامًا، فالمركزية تتدخل في كمية الجبنة واللحمة والخبز والخضراوات وكل المواد الضرورية في مطبخك المنزلي فهي أمرٌ يحدده الحزب الوحيد وقياداته، يحدد كميته كما يحدد ضرورة تأمينه لك أو يتم تقريرهم بعدم أهميته وضرورته لحياتك وحياة عائلتك، بكلمة واحدة كل أمور حياتك ومعيشتك اليومية تحددها اللجنة المركزية للحزب وتحدد لك ما يجب وما لا يجب أن تتمكن من الحصول عليه لتلبية حاجات حياتك ورغباتك ومشتهاك. هذا الأمر يمكن للمتخصصين في علم النفس تحديد مدى خطورته على الانسان المواطن، فبدلا من أن تقوم الشيوعية بتحسين المستوى المعاشي لشعوبها ـ البروليتاريا !! وتلبية حاجات المواطنين ورغباتهم لاسعادهم قامت بالحجر على كل الحاجات الانسانية للمواطنين، وانها وحدها تعرف ماذا عليك وكيف عليك ان تعيش وتأكل وتطبخ وكمية ما تحتاجه أنت وعائلتك، وهذا كان أحد الامور الخطيرة التي لم يتم احترامها ومراعاتها، على أساس ان القيادة تعرف فتأمر ماذا يحتاج القطيع الذي عليه أن يعمل فقط وناتج جهده وعمله بكامله للدولة المركزية البيروقراطية في الوقت الذي كان يتمتع القادة بكل وسائل البذخ. المواطن العادي بكل تأكيد والحالة هذه شعر ببؤس حاله لانه يعيش تحت رحمة القيادة المركزية والعسكرية. وفي هذا الخصوص يكفي العودة الى الآلاف من الفكاهات والنكات التي كان يتداولها ويتناقلها الناس في ذلك العصر لتظهر الحيف واليأس الذي عاش فيه المواطنون


ملل الشعب من قادة البروليتاريا البلشفية

في مسيرات الاحتفال بثورة اوكتوبر 1917 في زمن ستالين، كان أحد المسنين اليهود في المسيرة يحمل لاتفة كتب عليها : شكرًا رفيق ستالين على سعادتي أيام طفولتي
فاقترب أحد الرفاق من اللجنة التنظيمية للمسيرة سائلا المسن : ماهذا ؟ هل تسخر بالحزب القائد والرفيق الأوحد ستالين؟ فالجميع يرونك طاعنًا في السن ولم يكن قد ولد من بعد ستالين !! فرد عليه المسن : وهذا بالتحديد ما جعلني أعيش طفولة سعيدة

استحالة امكانية التعبير عن الفكر والرأي بحرية في هذه الطرف المعبرة عنها

ماذا تعنون بتبادل الآراء في الحزب الشيوعي السوفيتي ؟
حين تذهب الى اجتماع حزبي وتحمل رأيًا أو فكرة معينة ، تكون قد تم تغييرك عند خروجك من الاجتماع لتحمل رأي وفكرة الحزب فقط متخليا عن رأيك

يتندّر البولونيون في الاجابة على سؤال ماهي الشيوعية؟
انها الطريق الأكثر مشقة وآلامًا وصعوبة للوصول الى الرأسمالية

وهذا ماحدث ويحدث في الدول التي كانت محكومة سابقًا من قبل الاحزاب الشيوعية


ماهو الفرق بين دساتير الولايات المتحدة الاميريكية والأخرى السوفيتية، مع أن كليهما تمنح حرية التعبير والرأي والكلام ؟
نعم ، لكن الفرق بينهما هو ضمان الحرية بعد ابداء الرأي والكلام


كما ان الشعب في فكاهاته كان يعبر عن غباء قادته

في اولمبياد عام 1980 كان على بريجينيف السكرتير العام للحزب الشيوعي السوفيتي أن يلقي خطابًا قد تم اعداده له فبدأ في القائه
O
فعلىت تصفيقات الجماهير الحاضرة
O
تصفيق وهتافات
وللمرة الثالثة
O
فنهضت الجماهير الحاضرة في الملعب مصفقة
فأسرع أحد المشرفين على احتفالات الاولمبياد باتجاه بريجينيف هامسًا في أذنه : سيدي هذه الـ
O
ليست حروفًا بل هي دوائر تمثل شعار ـ لوغو - اللجنة الاولمبية. لا داعي ان تقرأها

وفي مناسبة أخرى كان على بريجينيف أن يلقي خطابا مكتوبا لمدة 15 دقيقة ولم ينتهي منه إلا بعد 45 دقيقة
فسأل بعد انتهائه ممن أعدّ له الخطاب: أنا طلبت منك أن تكتب لي خطابا لمدة 15 دقيقة فقط لكنك اعطيتني ما أخذ 45 دقيقة
فأجابه : أعطيتك 3 نسخ من الخطاب


الاعلام البلشفي التخديري للشعوب السوفيتية

لم يتمكن الاعلام السوفيتي إلا أن يكون ترديدًا للايديولوجية ولخطابات القادة الدكتاتوريين على البروليتاريا والشعب المغلوب الذي بدوره عبّر عن ملله وضجره وسخريته من الاعلام باطلاق النكات تنفيسًا على حجر حرياته وملله ويأسه كما في بعض الطرائف الشعبية المعبرة

أيهما أكثر امتاعا وفائدة التلفزيون أم الجرائد الشيوعية ؟
يجيب الناس : بالتاكيد الجرائد
لماذا؟
لأن الجرائد يمكنك لفها واستخدامها في مسحِ أسفلك كلما ذهبت الى المرافق الصحية لقضاء حاجتك

ففي هذه الطرفة دليل أيضًا ليس فقط على الممل الشعبي بل دليل على عدم توفر الأوراق الصحية في المرافق المنزلية ولمللهم من برامج التلفزيون الذي لو كان بامكانهم لتمسّحوا به في المرافق الصحية


شحة المواد الضرورية لحياة عادية ووعود القيادة البلشفية لشعوبها بمستقبل ذهبي

ما هو الفرق بين الوعود التي حملتها ووعدت بها القيادات البلشفية شعوبها عن الوعود التي تحملها الأديان لاتباعها في تحمل الحياة الشاقة والفقر والفاقة والبؤس وتعاسة الحياة والعبودية لأنهم في المستقبل البعيد غير المرئي سيحصلون على كل شيء لم يتمكنوا من الحصول عليه خلال حياتهم على الأرض، وهي الفرصة الوحيدة واليتيمة التي يملكها الانسان للعيش هنا على الأرض حياة انسانية سعيدة ؟


كانت رائجة العبارة البلشفية السوفيتية ازاء الشحة في المواد الغذائية والضروريات اللازمة للحياة اليومية لشعوبها بأنها " شحة وقتية" أو أزمة وقتية عابرة

ففي طرفة شعبية يتم الاجابة على سؤال
ماهي السمة الأكثر ديمومية في الاقتصاد الاشتراكي ؟
انها الشحة الوقتية

العراقيون يتذكرون جيدًا كيف كان يستخدم النظام البعثي ذات العبارة : ازمة وقتية ، شحة وقتية
ايام الازمات على المواد الغذائية: الزيت، الدهن، البيض، معجون الطماطة، اللحوم، الدجاج وغيرها كثير


وازاء الفاقة والملل لدى الشعب كان الفساد بين اصحاب السلطة في قيادات الحزب البلشفي وقادة الجيش الى حد كبير
فالاجابة في نكتة شعبية معبرة على سؤال
في المرحلة الاخيرة للاشتراكية، الشيوعية التي سيتم الوصول اليها هل سيبقى أيضًا الفساد والاختلاسات والسرقات ؟
الجواب: لا بالتاكيد، لأانه في مرحلة الاشتراكية سوف لن يسلم شيء لم يفسد ولم يُسرق ولم يُختلَس

ازاء الأوضاع المعيشية الصعبة جدًا كانت تؤلف الاسئلة الشعبية الرائجة في السؤال عن الفرق بينهم وبين شعوب دول اوربا الحرة ويتبين منها الشعور الشعبي بالدونية ازاء المستقبل
ماهو الفرق بين الحكايات لدى الشعب السوفيتي عن تلك للشعب الانكليزي ؟
الجواب: الحكايات الانكليزية تبدأ بعبارة : في يوم من أيام الماضي ، أو كان في زمن مضى كذا وكذا
بينما الحكايات السوفيتية البلشفية تبدأ بعبارة : سيكون قريبا أو في المستقبل
تندرًا بأن القيادات كانت تريد اقناع شعوبها بمستقبل أفضل

ولم تكن قليلة المقولات الشعبية السوفيتية في تمني أيام الماضي القيصرية في الاجابة على سؤال : ما هي الشيوعية ؟
الجواب : انها الحالة التي سيكون فيها كلّ شيء متوفر في الدكاكين والأسواق مثلما كانت الحال في روسيا زمن القيصر نيكولاس الثاني


كانت أوضاع الشعب الصعبة تدفع الكثير منهم للحلم بالهروب من اشتراكية الاتحاد السوفيتي الى حد تصوير أن كل الشعب يأمل بالهروب في طرفة لطيفة معبرة في الاجابة على سؤال
ماذا سنفعل لو تم فتح الحدود الغربية للاتحاد السوفيتي، أي حرية الخروج الى اوربا الغربية ؟
الجواب : علينا أن نهرب باتجاه سيبريا حالا لتفادي أن يتم دعسنا بأرجل الشعب الذي سيهرب عن بكرة ابيه باتجاه اوربا الغربية الحرة

الى أن توصل بعض الطرف والنكات الملل الكبير من الحياة حتى لدى الرفاق محبي الحزب البلشفي في الاتحاد السوفيتي في الطرفة التالية حول ايفانوف
ملأ ايفانوف استمارة للانتماء الى الحزب الشيوعي وكان عليه بعدها ان يذهب لاجراء لقاء شخصي معه
رفيق ايفانوف هل تدخن؟
نعم
هل تعلم بأن الرفيق لينين لايدخّن وينصح الشيوعيين بعدم التدخين؟
اذا كان لينين من يقول هذا فسأترك التدخين حالا
رفيق ايفانوف هل تحتسي الخمر ؟
نعم لكن قليلا
الرفيق لينين يدين بشدة شرب الخمور
اذا عليّ ان أترك شرب الخمور
رفيق ايفانوف ماذا بشأن النساء ؟
آه أحبهم كثيرا
أتعلم أن رفيق لينين يدين معاشرة النساء؟
اذا كان رفيق لينين يدينه سوف لن أحب النساء من بعد
رفيق ايفانون هل أنت مستعد لأن تضحي بحياتك من أجل الحزب ؟
طبعا بكل تأكيد ، لأنه مَن يحتاج الى حياة مثل هذه ؟
أخيرًا تم اعدام ايفانوف المسكين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاشتراكية مثالية وليست واقعية
شاهين ريبيل ( 2017 / 10 / 21 - 16:05 )
مرحبا استاذ سيلوس
مقالة رائعة وممتعة كما هي حال جميع مقالاتك، الاشتراكية فكرة مثالية ومثالية جدا ،بعيدة كل البعد عن الواقع ،و يستحيل تطبيقها على المجتمعات البشرية ،وقد ذكرني مقالك برواية جورج اورويل -مزرعة الحيوانات- التي تصور واقع المجتمع السوفياتي بشكل شيق وممتع بجانب روايته الاخرى -1984- ،من جانب آخر ارى ان النضام الرأسمالي مع فرض ضرائب جديدة على الاغنياء من اجل تحسين اوضاع الفقراء هو امر جيد ويتماشى مع الواقع.....عاش قلمك


2 - السيد شاهين
سيلوس العراقي ( 2017 / 10 / 21 - 20:52 )
مرحبا وشكرا لمرورك وتعليقك
وشكرا لاطرائك على المقال
مع احترامي ومحبتي

اخر الافلام

.. تفكيك حماس واستعادة المحتجزين ومنع التهديد.. 3 أهداف لإسرائي


.. صور أقمار صناعية تظهر مجمعا جديدا من الخيام يتم إنشاؤه بالقر




.. إعلام إسرائيلي: نتنياهو يرغب في تأخير اجتياح رفح لأسباب حزبي


.. بعد إلقاء القبض على 4 جواسيس.. السفارة الصينية في برلين تدخل




.. الاستخبارات البريطانية: روسيا فقدت قدرتها على التجسس في أورو