الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عصرالعقوبات البدنية وعصرحقوق الإنسان

طلعت رضوان

2017 / 10 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



هل يمكن تعويض البرىء الذى طارتْ رقبته أو جـُـلد أو قـُـطعت يده؟
ألا تستغل أنظمة البطش الإعدام لأسباب سياسية؟
أعتقد أنّ العقوبات البدنية المنصوص عليها فى الديانة العبيرية (خاصة الشعبة الأولى " اليهودية " والشعبة الثالثة " الإسلام ") فرضتها ظروف البيئة والعرف الاجتماعى والظرف التاريخى ، مثلها مثل العقوبات المنصوص عليها فى قانون حمورابى السابق على الديانة العبرية ، والتى أخذتْ الكثير من أحكامه.
وقد نفــّـذتْ السعودية فى يوم الثلاثاء18/10/2016حكم الإعدام على أحد أفراد الأسرة الحاكمة (تركى بن سعود بن سعود الكبير) لأنه قتل الأمير السعودى (عادل بن سليمان عبدالمجيد) وتناقلتْ وكالات الأنباء العربية والعالمية الخبر، مـُـذيلا بتأكيدات السعوديين أنّ هذا الحكم هو الأول فى تاريخ المملكة. وأنه لا فرق بين مواطن ومواطن. والسؤال الذى تجاهلته (كل) وكالات الأنباء : لو أنّ أميرًا سعوديـًـا (أو أى مواطن سعودى) قتل مواطنـًـا مصريـًـا أو يمنيـًـا إلخ، كان سيتم تطبيق حكم الإعدام على القاتل السعودى؟
ورغم أهمية هذا السؤال، فإننى أرفض استمرار تنفيذ العقوبات البدنية (قص رقبة، قطع يد والجلد) من حيث المبدأ وذلك للأسباب الآتية :
أولا: ظهور براءة المتهم بعد تنفيذ الحكم. وقد اعتبرتْ منظمة العفو الدولية أنّ من بين فضائح الولايات المتحدة الأمريكية فى مجال حقوق الإنسان استخدامها لعقوبة الإعدام فى بعض الولايات، خاصة بعد أنْ ثبت براءة 23شخصـًـا فى عام واحد بعد إعدامهم (نقلا عن كتاب عقوبة الإعدام ضد حقوق الإنسان من مطبوعات منظمة العفو الدولة- وكذلك نشرة سبتمبر92)
ثانيـًـا : أشارتْ منظمة العفو الدولية أنّ الإعدامات تــُـطبـّـق على السود ولا تــُـطبـّـق على البيض فى كثير من الحالات.
ثالثــًـا : خطورة الإعدامات التى تتم لأسباب سياسية : حيث أشارتْ المنظمة الدولية أنّ النظام الليبى اعتمد رسميـًـا سياسة تصفية الخصوم السياسيين بتلفيق التهم إليهم وإعدامهم. كذلك النظام العراقى فى عهد صدام حسين، فإنّ الإعدامات تزايدتْ، وتمّ إبلاغ المنظمة عن ((إعدام المئات كل عام على جرائم سلب وسرقة، وكان التنفيذ علنيـًـا والمحاكمات غيرعادلة، ولا حقّ فى الاستئناف ضد أحكام تفرضها (محكمة الثورة) كما تـمّ إعدام أطفال وإعدام سجناء رغم الحكم عليهم بالسجن)) (المصدر السابق- ص167) وفى السودان تـمّ إعدام فضيلة الشيخ محمود محمد طه الذى شـُـنق علـنــًـا داخل سجن كوبريوم18يناير1985بأوامر من الخليفة جعفر النميرى. مع ملاحظة أنّ الشيخ محمود محمد طه كان على درجة عالية من التقوى والورع، شهد له بهما كل من تعاملوا معه، وكان أحد زعماء الإخوان الجمهوريين، ولم يكن ضد تطبيق الشريعة الإسلامية، ولكنه كان ضد تطبيق شريعة النميرى الإسلامية. لأنّ الشيخ الفاضل كان يرى أنّ قطع يد السارق يــُـطبـّـق على الفقراء فقط ، ولا يــُـطبـّـق على الفاسدين من بطانة الحاكم. وكان يستشهد بما فعله عمربن الخطاب فى عام المجاعة. ورغم نداءات معظم رؤساء الدول ومنظمات حقوق الإنسان لانقاذ حياة الشيخ الفاضل، فإنّ الرئيس المؤمن النميرى أصرّ على رأيه وأعدم الرجل. وأذكر أنّ الشيخ محمد الغزالى كتب فى جريدة الشعب الإسلامية (التى كان يصدرها حزب العمل برئاسة المهندس إبراهيم شكرى) ردًا على كل من يستشهد بواقعة عمربن الخطاب ((وهل يعلو عمرعلى القرآن؟)) وماحدث فى الدول العربية حدث مثله فى إيران بعد سيطرة الخومينى وأتباعه على الحكم.
وفى مصر بعد المذبحة التى دبـّـرها ضباط يوليو1952ضد عمال مصانع كفر الدوار يوم13 أغسطس1952(أى بعد20يومًـا من سيطرتهم على مصر) تمّ إعدام العامليْن مصطفى خميس ومحمد البقرى (يوم7/9/52) لمجرد المطالبة بحق العمال فى نقابة مستقلة مع بعض المطالب الاقتصادية. وهى المذبحة التى أيقظتْ من بئر الأحزان مذبحة دنشواى عام1906، مع مراعاة أنّ الذين أعدموا زهران وزملاءه كانوا من الإنجليز(الأعداء) بينما الذين أعدموا خميس والبقرى كانوا من الضباط (المصريين) ومراعاة أنّ البكباشى عاطف نصار الذى ألقى البيان (العسكرى) بحكم الإعدام قال إنّ ((مصطفى خميس كان يـُـعادى الله ورسوله، فحقّ عليه القتل)) (المؤرخ العمالى - عبدالمنعم الغزالى - فى كتابه : بعد أربعين عامًـا براءة خميس والبقرى) ومع ملاحظة أنّ عـُـمـْـر أحد العامليْن 19سنة والثانى5ر18سنة. وملاحظة أنّ طفلا عمره 11سنة، كان من بين المقبوض عليهم، وملاحظة أنّ مافعله ضباط يوليو تطابق مع المذبحة التى تمّ التخطيط لها ضد عمال شيكاغو عام1886، وبعد عدة سنوات اعترف الضابط الذى ألقى القنبلة (وهو على فراش الموت) بتفاصيل المؤامرة ضد العمال. مما أدى إلى تعويض أسر الضحايا وصار يوم الأول من مايو كل عام عيدًا للعمال. وبينما أنّ هذا لم يحدث فى مصر طوال أكثرمن ستين عامًـا، بل إنّ السادات يوم14/8/52 حضرمؤتمرًا عقده قادة الحركة العمالية للإفراج عن عمال كفرالدوار فقال إننا ((سوف نـُـعلق المشانق فى شبرا الخيمة على أبواب المصانع، إذا حدث أى تحرك من العمال)) (المؤرخ العمالى- طه سعد عثمان- خميس والبقرى يستحقان إعادة المحاكمة- شركة الأمل للطباعة والنشر- عام93- ص35) وقال الضابط وفاء حجازى (المسئول عن المخابرات) أثناء اضراب عمال مصنع الشوربجى عام53 ((لقد أعدمنا خميس والبقرى ونحن مستعدون لإعدام مليون لتعيش الثورة)) (فوزى حبشى- معتقل لكل العصور- ميريت للنشر- عام2004- ص120) فكافأه عبدالناصر بأنْ عينه سفيرًا فى دولة أوروبية. وقـدّم د. سليمان الطماوى (عميد كلية حقوق عين شمس) نصيحة لضباط يوليو قال فيها ((لقد أعدمتم اثنين من العمال، فسكت العمال جميعـًـا، ويحتاج الأمر إلى إعدام اثنين من الطلاب كى يسكت الجميع)) (د. رفعت السعيد مجرد ذكريات- هيئة قصور الثقافة- عام2008- ص116)
وأعتقد أنّ العقوبات (الحدية/ البدنية) أو ما يـُـطلق عليها حدود شرعية/ إسلامية، تــُـواجهها عقبات وتحديات كثيرة، لعلّ أهمها سؤال : ماذا بعد تنفيذ الحكم وثبوت براءة المتهم؟ فى الأنظمة الحديثة توجد آلية (التعويض المادى) وآلية (رد الاعتبار) بينما الأمر فى العقوبات البدنية شديد الاختلاف : فكيف يتم تعويض من طارتْ رقبته؟ أو من قـُـطعتْ يده؟ أو من جـُـلد؟ فى الحالة الأولى استحالة تركيب رقبة بدل التى طارتْ. وفى الثانية فهل النظام القمعى الذى يـُـطبق تلك العقوبات يعترف بقواعد الرحمة ويتحمل تكاليف يد صناعية؟ أما فى الثالثة : فمن يستطيع محو الأثار النفسية داخل الإنسان الذى جـُـلد ظلمـًـا؟ كما تروى صفحات بريد القراء فى الصحف المصرية (خاصة فترة إشراف الراحل الجليل عبد الوهاب مطاوع على باب بريد قراء الأهرام) فهل ما فعلته السعودية مؤخرًا سيكون خطوة لإلغاء العقوبات البدنية؟
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القبض على شاب هاجم أحد الأساقفة بسكين خلال الصلاة في كنيسة أ


.. المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهدافها هدفا حيويا بإيلا




.. تونس.. ا?لغاء الاحتفالات السنوية في كنيس الغريبة اليهودي بجز


.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب




.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل