الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لمحة عن الصراع في الحركة القومية الكردية

خالد صبيح

2017 / 10 / 20
مواضيع وابحاث سياسية



طبع الشقاق والمنافسة الحركة القومية الكردية منذ لحظة تشكلها الأولى. فقبل أن تتبلور آمال الشعب الكردي في رمز وقائد، بشخص الشيخ محمود الحفيد، كان الصراع قائما بين زعماء القبائل المحليين، مفتتح القرن العشرين، ابان الصراع الذي دار في المنطقة وحولها بين الاتراك الآفلين، والبريطانيين الصاعدين. وكان حينها ما أن يوالي زعيم قبلي جهة ما، حتى يوالي خصمه القبلي، نكاية به، الجهة الاخرى. ولهذا ناصب الزعماء الهيركيون والسورجيون والبرادستيون الشيخ الحفيد، في فترة منافحته عن الحلم الكردي، العداء، وتركوه وحيدا يواجه مصيره وتبدد آماله أمام القوات البريطانية في معركة بازيان.

سَيحول هذا التنافس والصراع، القبلي وغير القبلي، على الدوام دون توحيد المواقف السياسية للكرد، وسيعين خصومهم على إجهاض آمالهم.

متعبا من النفي والملاحقة والحصار الاقتصادي، دون أن يفارقه شبح شقيقه الأكبر، عبدالسلام البارزاني الذي اعدمه العثمانيون في العام 1916، قرر الملا مصطفى البارزاني أن يكف عن مواجهة الحكومة على أن تتركه يحيا وشقيقه، الشيخ أحمد، بسلام في بارزان، معقلهم الجبلي الحصين.

بيد أن نزعة الزعيم القبلي المتحررة، وجنوحه للتوسع، ولجم منافسيه القبليين، التي كان عليها الملا مصطفى، تتعارض مع ميل المركزة حول الذات الذي أرادت أن تحققه دولة العراق الفتية بلملمة شتاتها الوطني وتأسيس هيبتها. لهذا وجد الملا نفسه في مواجهة مع الدولة التي تحد بمركزيتها من تطلعاته كزعيم ينشد الزعامة المطلقة. وكان الصدام عام 1943 الذي انتهى، كما هي نهاية سلفه الشيخ الحفيد، بنكسة عسكرية وهروب عبر الحدود تجنبا لمصير النفي القاسي. وهكذا لجأ "الملا" الى مهاباد ليربط مصيره بتجربة جمهوريتها. طوال هذا المسار كان الملا يواجه خصوما قبليين ينافسونه على الزعامة والكلأ. الزيباريون، والبرادستيون، والطالبانيون، ولم يكن "الملا" استثناء عنهم، فقد أوشك أن يدخل في منافسة مع "قاضي محمد"، قائد الحركة القومية الكردية في إيران، الذي لجم تطلعاته في الاستقلال عنه.

" هناك حزب واحد ويجب ان لا تعملوا بشكل مستقل عنه".

لكن الملا رد على القاضي في الساحة العراقية التي لم يشأ أن يتركها، فأوعز بتشكيل حزب قومي كردي عراقي يكون هو زعيمه.

بالتوازي مع هذا التزعم القبلي لمسار الحركة القومية الكردية، نشأت قوى علمانية مدنية كرست رؤيتها القومية أيدلوجيا وسياسيا، فكان تأسيس الحزب الديمقراطي الكردي، في العام 1946، محاولة ضمنية لجمع الأحزاب والتنظيمات الصغيرة التي سبقته " منظمتي "هيوا" الأمل، و "آزادي كرد" تحرير الكرد.

وما أن لجأ "الملا" إلى الاتحاد السوفيتي بعد سقوط جمهورية مهاباد، حتى تنامت حظوظ القوى المدنية المؤدلجة في الحزب الديمقراطي الكردي بانتخاب "إبراهيم أحمد" سكرتيرا عاما للحزب. وبهذا تشكل الخصم العنيد للزعامات القبلية للحركة والذي سيقسم الحركة، حتى اللحظة الراهنة، الى اتجاهين متناحرين سيكرسان جهدهما ويعملان ضد بعضهما البعض طوال مسار الحركة اللاحق.

ما أن عاد الملا الى العراق بعيد ثورة تموز 1958، حتى استأنف الصراع مجددا من أجل استعادة زعامته للحركة القومية، وإنشاء اقطاعته الخاصة، وتحييد ولجم منافسيه.

وسيشهد عقد الستينات ذروة الصراع بين الاتجاهين يبلغ حد الصدامات المسلحة، وكالعادة سوف يستقوي الطرفان ضد بعضهما بالدولة المركزية. وبعد انتكاس الحركة المسلحة في العام 1975 أخذ الانقسام طابعا أكثر حدة وأكثر وضوحا، بتأسيس تنظيم "الاتحاد الوطني الكردستاني"، " اوك" بزعامة جلال الطالباني.

جاء تاسيس "اوك" كرد فعل على الهزيمة وبلورة ختامية للصراع الداخلي في الحركة القومية الذي دار طوال السنوات السابقة داخل التنظيم الأم " الحزب الديمقراطي الكردستاني" "حدك".

غير أن "اوك" لم يكن تنظيما متجانسا فكريا، فقد تشكل من ثلاثة تيارات اكتسبت خصائصها من سمات زعمائها المؤسسين. إذ اتسم تنظيم كوملة "كادحي كردستان"، بقيادة "نوشيروان مصطفى، بالتطرف والميل الى القسوة والعنف، ولم يكن يتوانى عن الغدر بخصومه كما باعضائه مثلما حدث مع "آرام وشيخ شهاب"، القياديين في التنظيم الناشئ، الذيّن اعدمهم النظام عام 1978 ويُشك أن لـ "نوشيروان" يد في الايقاع بهم لدى النظام البعثي لإبعادهم عن منافسته. وكذلك اكتسب تنظيم "ثوار كردستان" مسحة عشائرية وميل مفرط للزعامة لدى مؤسسه "جلال الطالباني" رغم الحاحه في صراعه مع "الملا مصطفى" على نقد اسلوبه القبلي "المتخلف" في إدارة الكفاح وتفرده بالقرار.

سيحمل "اوك" بحكم هذا التشكل، بذرة الانقسام في احشائه التي ستتوج بولادة حركة "تغيير"، أكبر انشقاق داخلي يعيشه الإتحاد، بعدما شهد انسلاخات وانقسامات في داخله طوال تاريخه.

لكن رغم كل شيء فان الخلاف بين التنظيمين لم يكن خلافا بين قوتين ووجهتي نظر وحسب، وإنما هو تباين نوعي بين عقليتين. فقد كان يشغل البارزانيون، الأب والأبناء، على الدوام الميل الى الزعامة على الحركة ومد النفوذ واتساع رقعة السيطرة، لذا بدا، رغم بعض التحولات في بنية تنظيمهم السياسي المتمثل بـ"حدك"، وكأنهم يسخّرون المشروع السياسي القومي لخدمة زعامتهم، فيما نحى خصمهم، "الطالباني"، رغم تلوثه بهاجس الزعامة المطلقة للحركة، الى توظيف مطامحه الشخصية بالتزعم لخدمة مشروع سياسي بأفق قومي.

غير هذا مال الطرفان الى تكريس خلفيتهما وما يدعوان اليه عبر اشارات رمزية موحية، فقد دأب "كاك" الاخ مسعود" على أن يتقيد في لباسه بالزي القبلي العسكري "لباس البيشمركة" في دلالة رمزية موحية لتُناقض السلوك المترف للمثقف ابن المدينة، (شكى ذات مرة "الملا مصطفى" من "جبن وعدم فعالية ووقاحة ساسة "حدك" وكان يعني إبراهيم أحمد و الطالباني) وأخذ البارزانيون يكرسون، وهم في السلطة، تلك الرمزية في لباسهم. بينما دأب "الطالباني"، وبعض المنتمين لـ" اوك"، على تكريس الصورة النقيضة، بحسب خطابهم، صورة المثقف مقابل الجاهل والمتخلف القبلي، ولهذا حرص "الطالباني" في الكثير من صوره الفوتوغرافية على أن يظهر وخلفه مكتبة عامرة بالكتب، أو و هو يقرأ، أو وهو يكتب.. وكثيرا ما تفاخر بأنه حافظ لشعر الجواهري... وهكذا. لكن لا يبدو أن الرموز الإشارية للطالباني قد انتقلت لأبنائه.

الحقت كنية "مام" العم، الشعبية، وهي قريبة للمزاج القبلي، باسم الطالباني في زمن متأخر"

يذكر في هذا الصدد أن "حدك" قد عانى من قلة المثقفين في صفوفه، وهي النقيصة التي كان يعيّره بها خصمه "اوك" المتفوق عليه والذي ضم في صفوفه، بعد الحزب الشيوعي، اكثرية المثقفين والمتعلمين الكرد. ولجأ "حدك" لسد هذه الثغرة بالاستعانة بعد 2003 بمثقفين شيوعيين أداروا له مؤسساته الإعلامية والثقافية، ووظف بعضهم في "تسقيط" مثقفين وكتاب كرد تابعين لـ"اوك"، باستدراجهم للكتابة في مديح "حدك" وأسرة البارزاني وسلطتهم.

كان معروفا في الوسط السياسي الكردي كم الكره الذي يكنه "الملا مصطفى" لـ" إبراهيم أحمد" ولـ "الطالباني". وستوَّرث هذه المشاعر " وهي مترجمة غالبا الى مواقف سياسية" الى الأبناء والأحفاد. فكان إدريس البارزاني يكن كراهية خاصة لـ" إبراهيم أحمد"، و "الطالباني" لـ "إدريس"، وهكذا.. وصولا الى جيل الشباب في الأسرتين والتنظيمين.

سياق الصراع بين التنظيمين والاتجاهين طوال فترة العمل السياسي الذي جمعهما على أرض واحدة، اظهر استحالة التوافق بينهما، فهما، حتى وإن تهادنا تحت مظلة تطمين مصالحهما وتطلعاتهما السياسية والأسرية المشتركة، ينتهي بهما المطاف غالبا الى الاختلاف ثم التصادم. في الحقيقة لا تطيق طموحات التزعم بين الطرفين أي نجاح لـ "زعامة" على حساب أخرى، وإذا ما ترجحت كفة أحدهما في لحظة ما، فان الطرف الآخر سيقوض مساع ونجاحات غريمه بأي شكل، ومهما كان الثمن. هكذا كان الوضع في الثمانينات، فترة الكفاح المسلح، وفي التسعينات فترة استقلال الادارة في الاقليم. ولا يمكن لمن تتبع تاريخ هذه المنافسة، وطبيعة الصراع والخلاف بين الطرفين، من تجنب الظن بإن ما حدث في كركوك قبل ايام، من تفاهم جناح من " اوك" مع السلطة الاتحادية، لم يكن من أجل إفشال زعامة "مسعود" المحتملة التي كان سيكرسها نجاحه في خطوة الاستفتاء، رغم أن "اوك" كان قد وافق على الاستفتاء في البداية، نتيجة لضغوطات "مسعود"، لكنه تخلى فيما بعد عن المشروع برمته، وذلك ليس فقط ليجنب الكرد مخاطر مواجهة غير متكافئة مع حكومة المركز، في ظل ظرف دولي وإقليمي مقلق، كما برر الموقف، وإنما، ضمنا، من أجل نزع وشاح البطولة من على صدر غريمه الأبدي "مسعود البارزاني" الذي كان سيوشحه به نجاح الاستفتاء.

لا يبدو أن لهذا الصراع نهاية منظورة. ولن يتغير هذا الواقع الذي يربك ويحرف على الدوام اتجاه الحركة القومية الكردية، ما لم تتغير مجمل الخارطة السياسية في الإقليم، وتأخذ قوى سياسية ونخب مثقفة، بوضع أسس فكرية وأخلاقية تساعد على تخطي نزعة التزعم والاحتكار التي طبعت سلوك ومواقف وتطلعات الساسة الكرد. ولا يبدو أن تحقق هذا التصور، في ظل التوازنات وظروف الاقليم ومحيطه وارثه الثقافي والاجتماعي، ممكنا الآن، لكنه، بالتأكيد، ليس مستحيلا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - صراع
عبد الرضا حمد جاسم ( 2017 / 10 / 20 - 21:50 )
انه صراع التكايا
انه صراع الدراويش
يبدو ان تلك المنطقة الجغرافية الخلابة الغنية النقية و تلك الكتلة البشرية الكريمة الصابرة المبدعة ابلت و تبتلي و ستبتلي برموز الطرق الصوفية و اجتهادات دراويشها الذين تركوا السلم و الامان و حملوا السلاح و عيونهم على دعاء من هذا الدرويش او ذاك
او الاحتماء ببخت صاحب الطريقة هذه او تلك
و الدعاء و البخت و الاحتماء لم ينقذ الدرويش نفسه
ان احلامهم كما يبدو و عندما وضعوها امانة عند الدراويش سوف لن تتجاوز ضرب الدرباشة
....................
تحية طيبة


2 - تحياتي
خالد صبيح ( 2017 / 10 / 21 - 14:11 )
ممكن صديقي العزيز مع بعض التجوز التاريخي اشراك الخلفية الصوفية بالاقليم، بحكم وحدة
الدين والمذهب لدى الكرد، بالشقاق الكردي الابدي، بين الطريقة النقشبندية والقادرية.

تحياتي

اخر الافلام

.. -بيتزا المنسف-.. صيحة أردنية جديدة


.. تفاصيل حزمة المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل وأوكرانيا




.. سيلين ديون عن مرضها -لم أنتصر عليه بعد


.. معلومات عن الأسلحة التي ستقدمها واشنطن لكييف




.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE