الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أيام في الزنزانة

مروة التجاني

2017 / 10 / 21
أوراق كتبت في وعن السجن


لم أكن اتوقع أن نشري لمقالات قديمة في صفحة الفيس بوك وانتشارها بين الشعب السوداني ستكون سبباً لدخولي إلى الزنزانة " الحراسات " كما تسمى في السودان ، هي المرة الأولى في مشواري الصحفي وفي عوالم الكتابة التي ادخل فيها في مأزق بسبب مقال هو " الله عارياً " ، حين فتح في مواجهتي بلاغ من النظام العام تحت المادة 125 سب الأديان و126 الردة كنت أتوقع أن يتطور الأمر ويصل إلى الموت وهو التهديد الذي تلقيته من اللواء الذي حضر خصيصاً للتحقيق معي ، لكن تذكرت قصة صديقنا " محمد صالح - البارون " الذي أتهم بالردة قبل فترة قليلة من قضيتي ليتهم بعدها بالجنون ويطلق سراحه فإرتاح بالي .. لاتزال قضايا التعبير عن الرائ ومس التابوهات القديمة تقود أصحابها للموت الأكيد ولا أملك في هذه المساحة سوى تذكر الرسام الكاريكاتوري " ناهض حتر " الذي قتل بسبب رسم يحاول فيه كسر المقدس ، سأترحم عليه وأشكره لأنه لم يكن يملك غير قلمه للتعبير ، هنا تتجلى قوة الرمز وقوة الكتابة حين يصدقها الآخرون وكأنها واقع ، اثناء التحقيق معي كانت لغة المتحدث معي وكأن كل شخصيات مقال " الله عارياً " هي الشاكية على مروة التجاني .. نظرت حولي في الغرفة فلم أجد سوى كائنات بشرية ضخمة ويرثى لحالها فكدت أضحك في وجوههم .

الدخول للزنزانة بسبب قضية رائ كان مصدر سعادة بالنسبة لي على عكس ما يتوقع الكثيرون ، في البداية كنت أظن القضية لها علاقة بمقالات المثلية الجنسية التي كتبت بسببها تعهد عند الحكومة بالا أكتب في هذه القضايا مرة ثانية .. وهكذا كنت أعتقد أن مقالات المثلية الجنسية هي السبب وراء القبض عليّ ، كنت أشعر بالسعادة المعقولة لأن الرائ أياً كان يستحق أن تدافع عنه حتى النهاية وعندما يقود إلى شرفات الموت يجب أن تواجهه بقوة كبيرة ، لم أكن وحدي حيث أستحضرت جميع الشخصيات التي كتبت عنها وكانت الوجوه التي أحبها حاضرة معي في اليوم الأول الذي قضيته في الزنزانة بمفردي ، أصدقكم القول كانت شخصيات مقالاتي وكلماتي هي سبب قوتي وتماسكي وكما قال سيدي " شارل بودلير " كنت أقول " يا أرواح من أحببت ، يا أرواح من أنشدت ، سانديني ، وأبعدي عني الكذب وأبخرة العالم المفسدة " . هكذا وجدتني قوية وسعيدة بكل مقال كتبته .. لأن فعل الكتابة هو ما أدخره لحياتي البعيدة وشيخوختي .


كنت قبل هذه القضية أعاني من الأكتئاب الشديد وتوقفت عن مزاولة العمل الصحفي لفترة طويلة ، كنت غاضبة وحزينة على كثير من أوضاع البلد وأعتقد أن لا أمل في اصلاح شئ ولا أمل في تغيير المفاهيم فعشت في عزلة طويلة كنت أكتب خلالها في صمت ، الآن بعد هذه الصدمة - الدخول إلى الزنزانة مهما كان هو صدمة ما بشكل أو بآخر - عدت للكتابة الصحفية والتي تعني بالنسبة لي إعادة سرد قصص الآخرين وملئ فراغات رواياتهم .

الدخول إلى الزنزانة يعني التعب الشديد وانعدام النوم لأيام لكن الكتابة فعل يستحق العناء لأجله ، فعل يستحق أن تعاني وربما تموت لأجل كلمة . لاتزال هذه البلاد تعاني من الموات ولا تزال عقلية القطيع هي المتحكمة في آليات التفكير وتقتل ببطء من أحبوها بصدق ولا أعني هنا بكلمة البلاد السودان بل جميع دول العالم الثالث التي لا نزال نذرف الدموع لأجلها وهو ما حدث معي في أيام الزنزانة حيث كنت أردد رائعة " سيد درويش - أهو ده اللي صار " وأحزن لهذا الواقع المأساوي . في الزنزانة أنا لا أملك غير ترديد الأغنيات والحزن .

رابط المقال الذي أتهمت بسببه
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=566726

رابط القضية كما نشرتها بعض الصحف السودانية
http://www.aljamaheer.net/2017/09/25/%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AD%D9%81%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D8%B1%D9%88%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AC%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D8%AD%D8%A8%D8%B3%D9%88%D9%86%D9%8A-3-%D8%A3%D9%8A%D8%A7%D9%85-%D9%88%D8%B7%D8%A7%D9%84/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - التعريص في الجنة
شاهر ابو البلوط ( 2017 / 10 / 21 - 14:36 )

أهو لولا فيه تعريص بالجنة إن كان واحد مثل البشير ما بسوى فشكة بصير رئيس لدولة كبيرة مثل السودان لثلاثين عاما
كل من يدعي أنه ما فيش تعريص بالجنة سيسجنه البشير في أقسى السجون وربم يعدمه مثلما أعدم النميري المحجوب


2 - أنت كاتبة رائعة ونحن نتابعك في الأردن
عاطف الكيلاني / الأردن ( 2017 / 10 / 21 - 16:51 )
نعم ... نحن نتابعك سيدتي ونتابع كتاباتك التي نعتقد أنها هامّة كونها تخترق كافة حواجز التابوهات في العقل العربي .
أعتقد أننا جميعا نعاني من نفس عوامل الكبت والقمع الإجتماعي والثقافي والسياسي والفكري ، ولعلمك ، فالشهيد ناهض حتر ، وهو صديقي ورفيقي لم يكن رساما ، ولكنه نشر على صفحته رسما لرسام مغربي عن طريقة فهم ( داعش ) لله وللحوريات ... الخ ، فكان أن قتلوه غيلة على أدراج قصر العدل .
عندنا في الأردن قانون المطبوعات والنشر الذي هبط بسقف الحريات ، وخصوصا حرية التعبير إلى الحضيض ، وجعل جميع الكتاب وأصحاب المواقع الإلكترونية يترددون ويفكرون ألف مرة قبل الكتابة أو النشر .
سأحاول منذ اليوم البحث عن مقالات لك تكون مناسبة للنشر في موقع - الأردن العربي - arabjo.net الذي أتشرف كوني مديره العام ،
يمكنك التواصل معنا من خلال البريد الإلكتروني :
[email protected]
أو هاتف رقم : 00962791328422
شكرا لك

اخر الافلام

.. احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا


.. عائلة فلسطينية تقطن في حمام مدرسة تؤوي النازحين




.. الفايننشال تايمز: الأمم المتحدة رفضت أي تنسيق مع إسرائيل لإج


.. رئيس مجلس النواب الأمريكي: هناك تنام لمشاعر معاداة السامية ب




.. الوضع الإنساني في غزة.. تحذيرات من قرب الكارثة وسط استمرار ا