الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ابداع التجربة الحربية المصرية لمعارك اكتوبر 73

السيد نجم

2017 / 10 / 21
الادب والفن


بقلم: السيد نجم
لعله من المناسب الإشارة إلى بعض الروايات التى يمكن أن نطلق عليها روايات النبؤة، تلك التى تنبأت بنكسة 67.. ومنها رواية "اللص والكلاب" ل نجيب محفوظ.. كما أصبح "رؤوف علوان" نموذجا للمرحلة التى مهدت لما حدث, فهو الصحفى والكاتب المرموق والذى يجيد الكلام و رص الكلمات التى أدارت رأس الناس، فى المقابل كان "سعيد مهران" النموذج المقهور, إلا أنه لم يستسلم بمعنى ما، حتى أطلقوا عليه صفة السفاح.. وغيرها من الروايات التى تنبأت بما حدث فيما بعد، نلتقط منها بعض المقولات الدالة:
: "زينب العرش".. يقول الكاتب فى ص 360
" وكانت هذه آخر مرة يصل فيها الشجار بينهما إلى حافة الطلاق, حتى جاء ذلك اليوم الذي سمعت فيه مصر بنبأ فجيعة هزيمتها ليلة 9 يونيو.. صباح ذلك اليوم كانت زينب تصرخ في يوسف بكل ما تعرفه من شراسة ووحشية.."
: "قالت ضحى" على لسان شخصية "سمير"
"... هل تعرف يا أستاذ أن اليهود سرقوا سيناء من خمس سنين...؟".. و تتابع الأحداث و الحوارات التى ترسم كل ما كان خلال تلك الفترة.
: "خالتي صفية و الدير" يقول زعيم المطاريد ضمن ما قيل (ص16):
" .. أنا دمى بيغلى من يوم أولاد الحرام هؤلاء ما أخذوا سيناء, قل للمأمور أن المعلم فارس مستعد أن يأخذ رجاله إلى سيناء ليحارب اليهود إلى أن يخرجوا من البلد.."

إجمالا نشير إلى عدة ملامح لعبت دورها في ملامح الأدب المعبر عن هزيمة 67:
- إبراز تأليه الفرد و عدم المشاركة العامة من أسباب الهزيمة .
- إستخدام الرمز الفنى بديلا جماليا لإبراز بعض وجهات النظر.
- تعدد مستوى قراءة الروايات, ربما بسبب الملمحين السابقين.
- غلبة مشاعر التوتر و القلق, خصوصا في تلك الأعمال التى كتبت بعد الهزيمة.
- ظهور التجريد في الأعمال الروائية و الفنية عموما, كما في الفن التشكيلي.
- كما علا صوت الرومانسية في مقابل مناخ الهزيمة المؤلمة .
*أولا: إبداع التجربة الحربية المصرية قبل معركة العبور (الفترة1967 إلى 1973م)
لن يدهش الراصد للإبداع الأدبي خلال معارك أكتوبر73، أن بدأ الجندى المصرى الجهاد والمقاتلة بعد أيام قليلة من تمام إنسحاب كامل القوات البرية من سيناء، وإنهيار أغلب عناصر قواته الجوية.
لقد كانت معركة رأس العش ثم تدمير المدمرة "ايلات" بالقوارب الصاروخية، الأقل تسليحا والأصغر حجما، يعد الإنذار المبكر، ودليلا على جدية الإرادة والرغبة فى إستعادة الأرض.
فقد تكفل جيل بكامله من المبدعين بمهمة رصد تلك التجربة الحربية التى شغلت الفترة، بداية من الأيام القليلة بعد أحداث 5يونيو حتى تمام معارك العبور فى أكتوبر73، منهم: "فؤاد حجازي- يوسف القعيد- السيد نجم- جمال الغيطانى- إبراهيم عبد المجيد- فؤاد قنديل- قاسم مسعد عليوة- رجب سعد السيد- علاء مصطفى- محمد الراوي- فتحي إمبابى- سمير عبد الفتاح- مصطفى نصر- سعيد بكر- أحمد حميدة– قاسم مسعد عليوه- محمد عبد الله عيسى- سيد الوكيل- ربيع الصبروت- حسن نور، محمد السيد سالم.. وغيرهم.

البطل في الرواية الحربية
صحيح فكرة "البطل" قديمة قدم الأساطير والملاحم, وجنس الرواية.. وصحيح أيضا أن الرواية المعاصرة أصبحت "رواية بلا بطل", ومحاولات قتل البطل مستمرة منذ نهاية الحرب العالمية الأولى, حتى أن "الآن روب جرييه" منظر الرواية الجديدة في كتابه "نحو رواية جديدة" أعلن موت البطل لأنه لم يعد للغرب الأوروبي حاجة إليه. وقال: "ينبغي بناء عالم أكثر صلابة ومباشرة بدلا من عالم الدلالات .. ولتفرض الأشياء والحركات التعبيرية نفسها.."
مع ذلك لا يمكن إغفال "البطل".. إن كان بلا اسم, أو رقم, أو حتى شبح يشار إلى أفعاله ولا نعرف شكله وسمائه.. لا يمكن إغفاله إن تحقق وإنتصر وان زاغ وخبا بعيدا عن العالم في السحاب أو بين طيات النسيان. إن كان فاعلا أو مفعولا به.. و إن كان شيئا من الأشياء.
من هو البطل؟.. لأن التجربة الحربية عامة/ خاصة, فهي قادرة على إنتاج أبطالها. ولأنها لحظة تاريخية للشعوب والأفراد, فكل من يتجاوب معها ويتفاعل, فهو داخل التاريخ . المؤرخون وحدهم هم المسئولين عن تمجيد الاسكندر الأكبر ونابليون وحتى هتلر, أما المبدعون فهم المنوط بهم تمجيد البسطاء والفقراء والعامة, على شرط أن يكون داخل التاريخ فاعلا معطاء ويبذل الجهد والدم.
أنماط البطل في الرواية الحربية.. البطل الأسطوري, وهو الإيجابي والباحث عن المجهول.. البطل الملحمي, وهو الذي يتقدم الجماعة وينتصر.. البطل الشعبي, وهو الذي ينشأ في بيئة شعبية, ويتشبع بروح الجماعة، مع بروز البعد الديني والصياغة الشعبية للرواية.. البطل الدون كيشوتى (نسبة إلى دون كيشوت) الذي حمل قضيته في قلبه وخرج وهو يعلم مقدار المشقة وقلة الحيلة أمام الواقع الخارجي.. البطل المتأمل والمنسحب إلى الداخل.. البطل التعليمي, أو البطل الملتزم, وهو ما يحرص الروائي على إيصال المقولة قبل توفير أدوات إيصالها فنيا و تقنيا.. البطل المحوري, هو التجربة الحربية كلها, على الرغم من وجود الجماعة, وغالبا بتعمد من الروائي الاحتفاء ببطولاته.. البطل المهزوم, المحبط والمتشائم, وربما يصل إلى اللامنتمى.
أتاحت "التجربة الحربية" دروب وحيل للراوي لأن يقول, رفضا أو قبولا لتلك الحرب التي إشتعلت. ربما نشير في عجالة إلى حاجتها في الوطن العربي كله إلى "البطل" لا إلى "شخصية البطل", نبغي الإنجاز والقدرة على التحمل, نريد الواعي والقادر على إعمال القرار, نريد من يفهم أن "الصراع" هو جوهر سر الحياة. أما ذاك البطل المحبط وقد انزوى في عتمة النكوص (أللابطل) فلن نرفضه فنيا..لندع المبدع يقول ما عنده لعله يعلن عن رفض ما ونبؤه بمولد بطل آخر.. عالم آخر, أكثر سلما وأكثر حرية .

*نماذج من الرواية..
: "الأسرى يقيمون المتاريس" للروائى "فؤاد حجازى"(تجربة الأسر)
عن تجربة حقيقية داخل معتقل "عتليت" الإسرائيلى بعد أسر "حجازى" في عام 1967م، تبدأ المعاناة بالإهانة ثم بالحرمان من المأكل والمشرب والنوم. في ظل تلك الأحوال القاسية، يبدو المعتقلون فى ذروة روحهم المقاومية، تلك التى بدت فى مظاهر قد تبدو بسيطة أو هينة، إلا أنها دالة ومعبرة عن ذلك البطل الإنسانى البسيط من فلاحى وصعايدة مصر.. الجندى المصرى.
كما كانت تدبر الحيل من السجناء، برسم "النجمة الإسرائيلية السداسية" على قمصان بيض ثم إحراقها. يكتب الروائى معبرا عن أحوال الأسرى يقول: "بالأمس وأنا أنظر إلى وجوه لا أعرفها إعتراني الحزن.. كان أحدنا جريحًا في فخذه يداه طليقتان تستطيعان الحركة وهو الوحيد معنا الذي يحتفظ ببندقية سريعة الطلقات قام من فوره، فك لي بنطالي الخارجي، وأنزل لباسي وتحاملت عليه، حتى أفرغت أمعائي؛ لم يبد أي ضيق أو تأفف ولم تنمّ عنه أي خلجة تجرح مشاعري؛ في حين كنت أنا متضايقًا جدًّا، وعندما لمح ضيقي، ضحك مخففًا عني وناولني ورقة أنظف بها نفسي.. فعل نفس الشيء مع بقية الجرحى، وقدر لي ألا أتمكن من عمل ذلك ثانية إلا بعد أيام من وصولي إلى إسرائيل"
"كانت أول مرة نرى فيها الإسرائيليين عن قرب، أشار لهم أحدنا أننا جرحى، هم صديقُنا الواقف بجوار الباب بإطلاق الرصاص عليهم تمنيت في فرارة نفسي ألا يفعل... ألقى صاحبنا بندقيته من فرجة الباب أطلقوا علينا النار فورًا أصاب الرصاص صاحب البندقية فخر جسده فوقي وتلقى عني رصاصهم المنهمر وكان أسفي عظيمًا على صاحبي الذي لم يطلق النار في محاولة لإنقاذنا نحن الجرحى وأحسست بوخز لما تمنيته قبلاً".
تتميز الرواية بالبساطة لدرجة الإثارة في تشريح آلام جنود و وطن في صراعه مع العدو, لقد حرم الأسرى من كل شيء, تضميد الجراح جرعة ماء, وجبات الطعام, الملابس النظيفة و الإستحمام, صابون التنظيف وحتى الخطابات القادمة من مصر و الهدايا المرسلة عن طريق الصليب الأحمر. وسط تلك الأحوال تم إصدار صحفا ومجلات حائط من ورق أكياس شكائر الإسمنت يكتبون فيها تحليلاتهم والنكات التى شاعت بينهم، ثم كوّنوا فرقًا موسيقية مسرحية لعرض روايات كثيرة ومنها اوبريت"ليلة مصرية"!

: "اسكندرية 67" للروائى "مصطفى نصر"(تجربة المقاومة الشعبية)
أحداث تلك الرواية خلال الفترة السابقة على أحداث نكسة 1967م وما بعدها بقليل. والحدث الأساسي بها هو تسلل بعض من الضفادع البشرية من القوات الإسرائيلية والإختباء في دهاليز قلعة "قايتباى", ثم فرارهم والإختفاء في عيادة الطبيب اليهودي "دكتور يوسف داود" بحي الأنفوشى, حتى تم القبض عليهم. حصر الروائي الأحداث في حي الجمرك والأنفوشى..
الدكتور احمد الدسوقى, قدم الى الاسكندرية من المانيا قبل النكسة، بعد أن إنتهى من دراساته العليا. وصل يحمل جملة الأفكار التي رفضها العامة من المحتشدين في المؤتمر العام الذي عقد قبل بداية المعارك بقليل, وقد عرض "الدسوقى" رأيه بعدم قدرة البلاد على مواجهة عسكرية مع إسرائيل.. وتنبأ بهزيمة مصر, وهو ما برره بأن الغرب يدفع بعبد الناصر إلى معركة غير معد لها, كما أن الإعلام في مصر هول من قوة مصر, بينما هون من قوة إسرائيل.. فما كان من المصريين الا أنهم ضربوه ضربا مبرحا.
كما أن الولد "حسن" الذي يتسم بالذكاء وحسن التصرف, فهو من نجح في إكتشاف المتسللين من رجال الضفادع البشرية الإسرائيلي بالإختباء داخل القلعة التاريخية. أبلغ سكان الحي ورجال الشرطة. وتوالت الأحداث التي شارك فيها الصبي النبيه.
ثم السياسين المنتفعين بالتنظيم السياسي "الإتحاد الاشتراكي", لعبوا دورا زاعقا ومملا إلى حد أن سعوا إلى معاقبة الدكتور الدسوقى, وترتيد الشعار الذى راج سوف تلقى باسرائيل فى البحر.
قدم الروائي مجموعة من اليهود المصريين المقيمين بالإسكندرية: دكتور داود وقد لعب دورا في إخفاء المتسللين داخل العيادة, الدكتورة "آمال" التي تعتقد أنها مصرية وان كانت يهودية وتشعر بالرغبة في البقاء بمصر أفضل لها من الهجرة إلى إسرائيل كما فعل غيرها. كما أن "فيكتور" اليهودي بقى بمصر وفتتح الكازينو الذي يعد بؤرة للبغاء وممارسة القمار. لذا تعد الرواية من روايات البطولة, وان كانت في ميدان غير ميدان المعارك الصريحة , بطولة شعبية.

: "بشاير اليوسفي".. للروائي رضا البهات(تجربة المقاومة على الجبهة وفى الداخل)
"حرب" الإستنزاف الفترة التالية عن معارك 67 إلى منتصف 1970م, وقد بدأت القوات المصرية في إثبات تواجدها والتمهيد لمعركة العبور تقع الرواية في قسمين: "بشاير اليوسفي" و"المبدلون".
القسم الأول, عرض الراوي لذكرياته بالجامعة, ثم التجنيد, ثم أحداث حرب الإستنزاف ثم أحداث أكتوبر والعبور.. بالإضافة إلى وصفة لمدينة السويس حيث أحوال المهجرين بعد 67 وأحوالها صامدة بعد الثغرة. كان وصف المكان شائقا جذابا, فالراوي داخل عربة القطار حيث الطلاب والعجوز والجنود.. وبائعة اليوسفي, ثم ينتقل بريثم أسرع إلى حرب الإستنزاف والحصار. تميز الأسلوب بقدر من الحدية والتوتر بما يتلاءم وتوتر اللحظة.
أما القسم الثاني, نرى مع الراوي القاهرة بكل تناقضاتها, مع الحلول الفردية للبعض بالسفر للخارج أو بالهجرة الكاملة.. وحتى قريته قدمها لنا بتناقض وفرة الأجهزة العصرية في البيوت والعقلية السلفية في الرؤوس. نعيش مع سيدات القرية أمام الفرن والإعداد لإحتفالاتهم الطقوسية التقليدية.. حيث الحياة اليومية, إلا أنها لقطات راصدة تضيف إلى البناء وليست مجانية.وفيه نتعرف على "خلود" الحبيبة التي تبدو ممثلة للفطرية و يبقى هو المثقف المحارب.
ومع القسمين تتوحد روابط قد تبدو بعيدة إلا أنها دالة.. فالراوي مشترك. واليوسفي له حكاية بين الفتيان والفتيات داخل القطار في القسم الأول, ولليوسفي مذاقه الخاص في زمن الحصار.. كان ممزوجا بلسعة من ملوحة البحر. كما أن وصف الراوي للنيل أضاف معنى دلالي وفيه من الترميز ما أضاف إلى العمل الروائي, وان غلبه التوتر فخاطب النيل قائلا: "أيها النيل المتراخي . لماذا أنت مطمئن؟/ أو قل.. ماذا تدبر لنا بعد؟"
وإذا كانت عربة القطار وحدت بين الناس, فالمعارك وحدت بين المقاتلين, والطقوس الحياتية وحدت بين النسوة, والنيل يجرى على أرض مصر.. إنها البطولة غير المفتعلة بطولة الحياة للجندى والمدنى المصرى معا.

: "الرفاعى".. للروائي "جمال الغيطانى"(تجربة فدائى بالقوات الخاصة)
تقع الرواية في ثلاثة أقسام: "العد التنازلي" حيث زمن أحداث معارك أكتوبر73. وقد قدم فيه الروائي صورة بانورامية لإنتصارات ومنجزات تلك المعارك, متضمنا الشخصية المحورية "الرفاعى", وهو قائد مجموعات القوات الخاصة والتي عادة ما تكلف بمهام لا يعلن عنها, وقد تبقى لفترات طويلة غير معلنة, إلا أنها دوما للتمهيد أو للإعاقة.
القسم الثاني "التكوين" وهو إرتداد زمني سابق عن أكتوبر73. بداية من هزيمة يونيو67 ومرورا بجمع الشتات, والتدريب العنيف حيث الرفاعى يتجلى مخلصا لقضية الأرض ولمهمته, ثم العمليات البسيطة التي تم تنفيذها عبر شاطئ القناة, إلى معارك "حرب الإستنزاف" التي شهدت بطولات, ربما لم تسجل بكاملها حتى الآن. وان قدم "الغيطانى"بطله الرفاعى على قدر وافر من الحب والتقدير, وسجل له ولمجموعاته أعمالهم التي قد تبدو شبه معجزة .
القسم الثالث "النشور" حيث أستشهد الرفاعى, وتحول إلى حكاية أو أسطورة يردده البسطاء من الناس والخاصة. كيف لا يحدث ذلك وهو الذي إستشهد من أجلهم. وكأنة أسطورة إيزيس وأوزوريس, فقد تولت الزوجة في هذا القسم مهمة الراوي فأصبح الرفاعى رمزا متجددا للبطولة .
وإن كان القسم الثالث فنيا وظف فن الحكاية الشعبية, والأسطورة, فحياة "الرفاعى" من الثراء بحيث أضافت وربما أوحت إلى الكاتب . فقد كانت شخصية الرفاعى فيها من العمق والصدق والأمانة العسكرية مع الرغبة في التضحية والفداء, ما جعلها مادة ثرية للراوى. فهو الذي اشترك في العمليات الفدائية الفلسطينية, ومع المجموعات الخاصة للقوات السورية. كما كان من النشاط والفاعلية بمصر بحيث نفذ عمليات صعبة وشبه مستحيلة في الصحارى والبحار, أعلى الجبال وفى جزر البحار. (نشر حول هذا البطل فى تحقيق صحفي, ثم كتب قصة قصيرة عنها "أجزاء من سيرة عبدالله القلعاوى".. ثم الرواية)

: "الحرب في بر مصر" للروائى "يوسف القعيد"(تجربة الحرب على فساد الداخل)
الحرب هنا ليست طلقات الرصاص وقذائف المدافع والطائرات.. هى صراعات ومخالفات وتزوير فى احدى القرى بسطوة العمدة، بينما الحرب المعروفة فى خلفية الاحداث وبسببها.
تدور أحداث “الحرب في بر مصر” في قرية من قرى مصر قبيل حرب 1973، حيث يقوم عمدة القرية بسلب ارض الخفير الخاص به بحكم قانون يلغي أحكام الإصلاح الزراعي، ثم يقترح للخفير باستعادته لأرضه في مقابل ان يقوم بإرسال ابنه "مصري" المتفوق في دراسته، بدلا عن ابن العمدة للتجنيد.
برر العمدة فعلته قائلا: "ان والدى يقول لو ذهب أحد منا إلى الجهادية لاهتزت شجرة العائلة وتقوست وأقتربت من الأرض.. ولما كان عمر هذه الشجره يعود الى زمن المماليك والأتراك فى مصر فلا يصبح من حقى العبث به"
بينما أخبر كاتب مواليد البلد العمده بان الشاب الصغير "مصرى" ذهب الى مكتب بريد البلد يسأل عن إستمارة تطوع للجيش والالتحاق به. و علق العمده بارتياح قائلاً: "إن الخدمة فى الجيش هى الوسيلة الوحيدة للحصول على وظيفه مضمونه.. يوجد نظام فى القوات المسلحة ان من يخدم فيها يحصل على وظيفة ثابته بدرجة حكومية بمجرد انتهاء خدمته"
وتتوالى الاحداث بالتحاق "مصرى" باسم ابن العمدة بعد إستخراج أوراق رسمية تثبت الاسم الجديد لابن الفلاح "مصري" باسم ابن العمدة، ويوخذ منه كل ما قد يثبت هويته القديمة. يلتحق "مصرى" بالجيش وتبدأ الحرب الذى يستشهد بها ببسالة لكن الأوراق الرسمية تشير إلى أن ابن العمدة هو الذي أستشهد، و لذلك يضطرالعمدة إلى تقبل العزاء المصحوب بالثناء و التمجيد لبطولة ابنه! بينما الابن الحقيقي حي يرزق! يستمر ظلم العمدة بعدم تسليم الجثة إلى الوالد المكلوم، و تدفن خيوط اللعبة مع الشهيد. هكذا تبدو بطولة المصرى مع عدو الخارج والداخل.

: "الرجل والموت" للروائي "محمد الراوي"..(تجربة ميتافيزيقية عن الموت والحرب)
ترى كيف يكون الحال عندما نفقد حريتنا؟ يقول الروائي "محمد الراوي" إنه الموت.. الحرية أو الموت, بل فقد الحرية يساوى الموت. خلال الصفحات الأولى, حيث الحصار والهلاك, يقول الراوي وهو يمر بين الأبنية المحطمة, والجثث المرئية وغير المرئية.. بين روائح العفن والمخلفات والدم المتخثر.. أما وقد أخذت الراوي سنة من النوم, فسمع من همس في أذنه: "قم..قم.. أيها الرجل وألا قضى عليك الموت, وأنت في مكانك, وأظن أنى أكلم نفسي, وأهمس حيث لا يسمعني أحد ومرة ثانية أتاني الصوت كالهسيس في أذني صوت غريب على.. لم لا تتحرك أبق في مكانك, ولا تقم أبدا حتى يأخذك الموت"
تعد تلك الرواية "النوفيلا" من الأعمال التجريبية, ومع خصوصية التجربة التي غالبا ما تكون الكتابة حولها.. واقعية, ألا وهى التجربة الحربية, حيث الحصار أو قيد الحرية. إلا أن الروائي إستخدم التوثيق أو التسجيل الفني, وهو القائم على الرصد الفني. لكنه –أي الروائي – شاء أن يستخدم تقنيات السينما والفنون الأخرى, بلا إفتعال.. وهو ما أضاف إلى العمل أهمية خاصة.
أما التناول الخاص لمعنى الحرية, فهو ملمح أكيد وهام.. حيث فقد "الحرية" مساويا "للموت" بالمعنى المطلق.. الموت الفزيقى, والميتافيزيقي.

: "الوسام".. للكاتب "عادل النادي"..(تجربة نماذج بطولية)
هو متوالية قصصية للكاتب، عالجت التجربة الحربية، وقد كتب في زمن الحرب, بل في زمن الواقائع, يقول في خاتمة كتابه: "أما هذه الخاتمة فوجدت نفسي أجلس دون أن أشعر فوق حطام من حطامات معدات العدو, فوق دبابة أم60 أمريكية الصنع, وهى أحدث ما أنتجت المصانع الأمريكية. لا بل ليست دبابة, فأنا آسف يا عزيزي, فأنا جالس فوق أطلال دبابة"
ولقد قدم فصول كتابه متفرقة, كل فصل كتبها في مكان محدد ومختلف عما سبقه.. وفى المجموع تشكل الأماكن والفصول التطور الزمني والواقعي للأحداث.. أحداث التجربة الحربية الفعلية في ميدان المعارك. هنا التجربة من الداخل, تفاصيل مكانية مغايرة ودلالات مختلفة.
فقد كتب وسط حطام طائرة فانتوم, وأخرى داخل حصن من حصون بارليف الحصينة التي قالوا عنها أنها صامدة أمام كل التسليح إلا القنبلة الذرية, وثالث أمام علم مصر مرفرفا فوق أرض سيناء, وأخرى فوق حطام عربة نصف جنزير, وأخرى فوق حطام دبابة "باتون" و"سانتريون... وغيرهما. ثم كانت وقفة الكاتب فوق أطلال برج إستطلاع إسرائيلي .

المتابع لتلك الوقفات, والذي عاش تجربة العبور لحظة بلحظة يتأكد أنه مع بداية الصفحة الأولى كانت بداية المعارك, ومع الخاتمة كانت النهاية.. والتي تحمل دلالة غير خفية, وربما مع قراءاتها بعد كل تلك السنوات تتعمق الدلالة وتتأكد.
يبدو الكاتب وكأنه في جلسة سمر يحكى ويقص.. المفردات العربية البسيطة, الحكاية الشيقة التي اكتسبت عنصر التشويق من الأحداث المثيرة التي تتناولها, وعن عمد من الكاتب, ما بين توظيف الأسلوب الاستنكاري والتقريري, مع الأسئلة والإجابات غير المتوقعة, مع الحوار والسرد, حتى بدت الاعمال متوالية قصصية حول أشكال البطولة.

: "دوى الصمت" للروائي "علاء مصطفى"(تجربة الأسر)
يبدو عنوان تلك الرواية دال ويعد نافذة مضيئة عما تتضمنه من أحداث وشخصيات ورؤى، تلك التى يتبناها الكاتب من خلال شخوص الرواية. لعل ذاك التناقض بين كلمتي "دوى" و"الصمت" لا يمكن أن يكون إلا عندما يكون هذا الصمت ليس الموت التقليدي, ربما صمت "الشهيد", ولعله "الشهيد الأسير"..الذي يبقى لفترات طويلة وعلى مدى التاريخ مدويا.
قد يصل الإستشهاد إلى درجة الرجاء في تحققه في زمن الحروب القذرة, وخصوصا مع تجربة الأسر, وهو بالضبط ما التقطه الكاتب مع إحدى الشخصيات المصابة داخل إحدى المستشفيات الإسرائيلية: "جرى إنتخاب عدد غير قليل من الأسرى وضمهم بعنبر نظيف مريح, حيث العناية والرعاية الطبية الفائقتين, ولأن الكرم من جهة العدو نذير سوء, دخلت ممرضتان إسرائيليتان إلى العنبر وإصطحبتا أسيرا مصابا في ساقه, وعلى منضدة العمليات وقبل أن يغيب وعيه أثر حقنة البنج المغروزة في عروقه, تلاعبت ابتسامة رقيقة على شفتي الطبيب وقال:
"إن أحد أبنائنا أصيبت عيناه أثناء الحرب... وحتى يبصر سأحتاج إلى أخذ عينيك!"
وكانت إبتسامة الطبيب آخر ما وقع عليه بصر الأسير إلى الأبد!" قليلة هي الروايات العربية التي تعالج تجربة الأسر في التجربة الحربية, ولولا تلك الرواية "دوى الصمت", و"الأسرى يقيمون المتاريس".. لخلت المكتبة العربية من تسجيل تلك التجربة, على الأقل في الرواية المصرية.

** نماذج من القصة القصيرة
: حكايات الغريب" قصص للقاص "جمال الغيطانى" (تجربة ترميز البطولة)
قصة "حكايات الغريب" واحدة من ست قصص قصيرة بالمجموعة التى تحمل الاسم نفسه. تتناول القصة حياة هذا العامل فى احدى الصحف القومية، وعليه الانتقال مع سيارة توزيع الصحق النتابعة للدار الى أماكن مختلفة من البلاد.. ومواطننا هنا كان فى مأمورية لتسليم الصحف بمدينة بورسعيد.لم تكن حرب 73 وما تحقق وقتها من انتصار، إلا نتيجة لحظات متراكمة من الهزائم، حاول الفيلم تجسيدها في هزائم اجتماعية ونفسية في الأساس، قبل أن تتحول إلى معركة كبيرة في الصحراء. وهي محاولة لتجسيد حال المواطن المصري الذي ظن الجميع أنه تناسي أرضه المسلوبة، وبصيغة بلاغية، شرفه الضائع.
إن فقد هذا المواطن البسيط المجهول جعله شخصية هامة ومحورية عند الجميع: المسؤلون، أهالى المدينة، الزملاء، بل أصبح خبر وإهتمام اعلامى لافت.. وهو لم يكن كذلك مع حضوره الجسدى! ومع تلك الحالة من الغياب التى تعبر عن غياب البسطاء من المصريين، لا يبدو على صفة واحدة ولا خصلة واحدة فقد تبدى نموذجا لافتا: يذكرونه بصفات الشجاعة والاخلاص والمرؤة، بل والتضحية والفداء.. فى المقابل يبدو عند القارىء الحصيف معبرا عن حالة وصفات الشعب المصرى كله خلال تلك الفترة.. (قبل معارك اكتوبر73)
تتواصل رحلات البحث، والسؤال عن صاحب الصورة "عبد الرحمن"، بينما يشتركون فى الوصف يختلفون فى اللقب أو الاسم (محمد- كمال- زخارى– خلف) المُلقب دوماً بالـ (الغريب).. وتبدأ الحكايات حوله بداية من كونه شجاع وبذل الجهد فى نقل المصابين والشهداء، بل وسحب السلاح وقاتل.. وبلغ الأمر بجعله أسطورة بطولية!

: "أوراق مقاتل قديم" قصص للسيد نجم (تجربة الفترة ما قبل و أثناء معركة العبور)
تضم المجموعة سبع قصص قصيرة: الطيور الفزعة- أوراق مقاتل قديم- الهدية- الصفر ليس آخر الأعداد- فريق متضمنش يتحدى- نقص عن الرقيب "عنتر"- دبلة زواج- عودة الغائب منذ فترة طويلة.. (صدرت عام1988م)، عناية بالعالم العسكري، حيث ترصد حياة الجندى المنتظر لحظة الانطلاق أو العبور أو إعلان الحرب! ذلك الجندى يبدو إنسانا قويا صلبا يواجه الموت فى شجاعة، ولا يعلن البطولة، ولا يرى الملائكة إلى جواره تقاتل عنه، وليس فى بنيانه قوة خارقة، أو مزيج من الإلوهية مع البشرية، أو ادعاء لقوة بلا حدود، لكنه يواجه الموت.
"الطيور الفزعة": تلك القصة التى تابعت المجند المستجد فى وحدته الجديدة على الجبهة، حيث رصد الفزع على العصافير فوق اسلاك الضغط العالى القادم من السد العالى الى مدينة السويس القريبة.. تعد القصة الوجه الاجتماعى لحياة الجنود تحت النيران خلال فترة حرب الاستنزاف، ولا تنتهى الا مع اعلان وقف اطلاق النيران فى عام 1970م.
"فريق ما تضمنش يتحدى": أما وقد رصدت احدى القصص مرحلة ما بعد العبور، لا شك أن القارئ سوف ترقد فى ذاكرته صورة ترسمها إحدى القصص لمجموعة من المقاتلين المحاصرين بالعدو وبالموت، ينظمون دوريا للكرة الطائرة التي لا يتقنون فنونها، ويطلقون على فريهم بسخرية عجيبة "فريق ماتضمنش"، فهم لا يضمنون أفوز فى المباراة، ولا يضمنون الفوز فى الحرب، ولا يضمنون الفوز بالحياة فى الصراع مع الموت. لا شيء مضمون، والحياة نوع من اللعب الجاد النبيل فى مواجهة الموت.
"الهدية": أما وقد بدأت المعارك فلا مناص من متابعة تلك الاحداث والمفارقات، كما فى تلك القصة، حيث وصل المصاب الى المستشفى الميدانى، وبلرغم من كل ما يعانيه من أمل بدى معلقا بلفافة فى يدة وكلما حاولوا أخذها منه يرفض.. واخيرا نطقها، انها هديته الى خطيبته، انها قطعة ممزقة من علم الاعداء بعد الاستيلاء على احدى الحصون على الضفة الشرقية.

: "لا تبحثوا عن عنوان.. إنها الحرب. إنها الحرب" قصص "قاسم مسعد عليوة" تتضمن المجموعة بعض تجارب حرب الإستنزاف تلك الحالات المتعددة للتجربة الحربية كما هى وكأنها كل الهم والواجب رعايته، هكذا كان يفكر القاص وهو يضع عنوانا لحوالى عشرين من القصص القصيرة كتبها (من 1970 حتى 1974م) ونشرت المجموعة فى عام 1999م. قصة "الإنفصال".. يفضل الجندى أن يقضى فترة الاجازة الميدانية بمدينة القاهرة، رغبة منه للترفيه عما يلاقيه من عنت وارهاق بالجبهة، ما حدث أن بان للجندى قدر الترفيه الذى تعيشه القاهرة، مما دفعه للعودة إلى وحدته على جبهة القتال غير نادم. قصة "سهرة ماجنة".. تؤكد تلك القصة ما ذهبنا اليه من أن القاص وضع نصب أعينه الالتزام بكل ما هو حقيقى وصادق ومنتمى إلى جملة القيم المصرية، أولها فى تلك الفترة تحرير الأرض, وربما عنوان القصة يشى بجملة دلالة القصة والهدف من ورائها. قصة "لا تبحثوا عن عنوان".. قصة لافتة، لعلها من أكثر القصص تعبيرا بالمشاعر الانسانية الفطرية، وهى التى سميت بها المجموعة القصصية. فقد اشتدت الحرب فى صورة قذف لا يهمد من طائرات العدو ثم بالمدافع حتى كانت محاولة الشاب العفى لانقاذ من يصاب فى تلك البناية الحكومية، وحدث أن شاركته إحداهن لا تقل عنه حماسا ورغبة فى رعاية المصابين.. روايدا تشاركا ورويدا تواصل كل منهما بالآخر، ورويدا تعانقا.. إنها الحياة، الفطرة التى فطر الله الإنسان عليها من أجل البقاء. قصة "التوافق".. وهى ترى التجربة الحربية من زاوية أخرى حيث يرسم القاص صورة الحياة لأحد مصابى المعارك، وعلى قدر ما يعانية الشاب من جراء الإصابة، لا يلقى ما يستحقه من رعاية وإهتمام من المجتمع، ولا حتى من المقربين منه، فزادت المعاناة ولم يتحقق التوافق. قصة "ذات يوم حافل".. تعد القصة على وجهين الأول إنسانى إجتماعى، والآخر رمزى له دلالة خاصة مع التجربة الحربية.. فقد كان أنين المرأة لافتا بينما الشاب منشغلا بأمر ما، فلما إنتبه وذهب إلى مصدر الصوت، بان له أنه أمام سيدة تلد وعليه اتمام مهام القابلة، وبالفعل ساعدته المرأة حتى استقبل الوليد بين ذراعيه, ولنا القول بأن دلالة القصة ليست ميلاد الطفل، بل هى الحياة الباقية مقابل الموت الداهم بسبب الحروب.
*****

ثانيا: إبداع التجربة الحربية أثناء معارك أكتوبر 73
: رواية "السمان يهاجر شرقا" للروائى "السيد نجم"(تجربة الصمود والإحتفاظ بالأرض)
تبدأ الرواية: "التففنا حول الترانزيستور لسماع بيان المفتى, علت صرخة بين أرجاء الوحدة "المستشفى الجراحي تحت الأرض رقم5".. غدا الأول من شهر رمضان, تبادلنا التهنئة, داعين الله بصدق: "ربنا لا يعوده علينا ونحن هنا"
وتنتهى الرواية: "اليوم سوف ينتهي الحصار إعتبارا من ساعة حضورهم"..إنشغل الجندي في حذائه, أخرج مسمارا منها بأسنانه ..حفر هذه الجملة :"بعد مضى 134 يوما انتهى الحصار في كبريت....الضفة الشرقية لقناة السويس".. في الأول من مارس 1974م."
بتلك الفقرتين تبدأ وتنتهى الرواية. تلك التي بدأت مع أيام قليلة قبل السادس من أكتوبر 1973حتى انقضاء بضعة شهور قليلة لا أكثر.
تعبر الرواية عن "تجربة الحصار", ذاك الذي كان وعبر عنه الجنود حول حالتهم النفسية طوال السنوات السابقة عن بداية المعارك. أو الحصار الفعلي, بعدما إنتقل جنود كتيبة المشاة وعبروا منطقة نقطة دشمة كبريت الحصينة على الضفة الشرقية للقناة. تقع الرواية في عدة فصول: "العصفور لا يغرد ولا يبكى"، "الطيور الفزعة"، "السمان يهاجر مرتين"، "الثيران تلتهم التورتة"، "الجمل يجتر ما في جوفه"، "ذكر النحل يموت في أنثاه"، "الطيور لا تأكل عشها"...
وتحت دلالة تلك العناوين, عايش القارئ تفاصيل التجربة.. الملل والضيق النفسي الذي يعانيه الجنود.. بداية رفع درجة الإستعداد مع إستدعاء الجنود الأجازات.. التأهب لإستقبال الأطباء المدنيين المكلفين للعمل بالوحدات الطبية العسكرية, ومنه المستشفى الخامس (وهى أول وحدة طبية عسكرية بعد خط القناة).. مفارقات الحياة اليومية للجنود حتى بداية المعارك على غير توقع من الجميع.. لم يشعر أفراد الوحدة الطبية بالمعارك إلا بعد إنقضاء ثلاثة أيام وحيث بدأت معارك الدبابات.. مع كل مصاب خطوة من خطوات المعارك على أرض سيناء.
أما وقد التحق "طارق" الطبيب المجند على إحدى وحدات المشاة والتي لم تعبر خلال الأيام الأولى من بداية المعارك, أصبح أحد أفرادها.. فور التحاقه صدرت الأوامر بالعبور.. تم العبور وبدأت المعركة بين الجنود المصرية وأفراد حصن كبريت الإسرائيلي.. نجح الجنود في السيطرة على الحصن وأسر الجنود الإسرائيلي.. وبدأ الحصار أيضا, فقد أحاطت القوات الإسرائيلية بحدود الحصن والمنطقة القريبة منه, لانتهاز أقرب الفرص للانفصاد على المصريين, واسترداد الحصن. وبدأت مفارقات وبطولات الحصار.. إنه حصار قاتل, حيث دانات المدافع والغارات الجوية, والهجمات بالأسلحة الخفيفة ليلا. كما أنه الحصار الذي بلا ماء ولا طعام.. ومع ذلك نجح الجندي محمود من إبتكار جهاز تحليل مياه القناة المالحة، ونجح الضابط "أسامة" أو "الذئب" في الهجوم على أفراد نقاط المراقبة الإسرائيلي, والاستيلاء على المواد الغذائية بموقعهم, ونجح الضابط "سامح" في نقل المصابين ليلا إلى أقرب وحدة عسكرية مصرية وهى مهمة قاتلة وخطرة.
نجح الكل في الصمود وتحدى الحصار.. على الرغم من المعارك المتجددة يوميا, وعلى الرغم من استشهاد واصابة العديد من الجنود, لعل لحظات إستشهاد العقيد "إبراهيم عبد التواب" من أكثر اللحظات تأثيرا على القاري.. فقد صلى ركعتين في إحدى المواقع, وأشار إلى موقع سجوده وقال لأحد أفراد وحدته: إن استشهدت أدفن هنا".. وقد كان.. وبقى صمود الجنود بطولة حقيقية.
: رواية "أنشودة الأيام الآتية" للروائى "محمد عبدالله الهادى"(تجربة ذكريات الحرب) تقع الرواية فى أثنى عشر فصلا، لعل اللافت فى تلك الرواية أن الكاتب تناول شخصيات ودلالات الحرب بعيدا عن أحداث أرض المعركة والمعارك. فقد تذكر الراوى طفولته مع صديقه بالمدرسة الابتدائية، فلما مرت الأيام وأستشهد الصديق، تذكره فى صورة ابنه التلميذ الجديد فى المدرسة التى يعمل فيها الراوى (صديق الأب) مدرسا.. وبالفعل هو ابن صديقه الحميم.. هو الوليد الذى ولد فى يوم أستشهاد الأب (صديق الراوى).. فكان إمتداد الايام لصديقه معه.. لم ينتظر طويلا، يصاحب التلميذ ويرعاه، وينتهي الفصل الأخير بزيارة "جزيرة مطاوع" حيث أستشهد الأب (الصديق). يلاحظ القارىء أن بيئة المعارك أو الجبهة لم يتابعها الكاتب إلا فى الفصل الثامن، وهو بعنوان "الميلاد" حيث تلد زوجة صديقه "النجار" ولدها "فتحى" يوم إستشهاده.. وهى دلالة فنية طرحها الكاتب ببساطة وبفنية غير مفتعلة أو مقحمة. يبدو الكاتب حرص على مزج الحرب على الحدود مع فكرة الحرب الداخلية، وهو ما تناوله من خلال شخصية صهره "المعلم أبوالفتوح" الذى تمثله من رجال الأعمال المستفدين مما كان وتم خلال فترة الانفتاح الاقتصادى بعد معركة العبور فى اكتوبر 73، حيث رفض الراوى أن يتعامل مع صهره، ما يعنى رفضه للواقع الإقتصادى الجديد. تعد الرواية مما يوصف برواية الشخصيات، فقد توقف الكاتب مع شخصيات متعددة، ربما تصل الى 32شخصية، كل شخصية منهم لها دورها وصورتها الاجتماعية.. بداية من البسطاء حتى الكبار أو المسئولين والأثرياء: المعلم أبوالفتوح- أحمد أبوعيسى- إبراهيم النجار- فتحى إبراهيم النجار- سناء ابوالفتوح- فوزية.. وغيرهم ممن يشكلون ويشاركون فى معارك الجبهة الداخلية أثناء فترة الحرب (يونيو67 حتى ما بعد أكتوبر73).. هنا بطولة خاصة لا تغفل.
****
**تموذج من القصة القصيرة
: "يوميات على جدار الصمت" للقاص "محمد سالم" (تجربة معركة العبور) وهى القصة التى سميت بها المجموعة التى نشرت فى عام1987م عن سلسلة "أدب الحرب"، ترجع أهميتها إلى كونها رصدت اللحظات والأيام الأولى من بداية معركة العبور، ومن وجهة نظر المعتدى الاسرائيلى.. خلال أيام 7،6،5،4،3 أكتوبر73.. فكل شىء بارد فى سيناء، وفجأة جاء يوم الغفران، وبينما هو فى إنتظار برقية من زوجته (يائيل) لتخبره بميلاد إبنهما الأول.. المصريون يبدون له من بين فوهات حصن "بارليف" وهم يتحركون فى وداعة كعادته، كأنهم يسعون دوما لتشييد المقابر الضخمة. وكانت الأحاديث لمواجهة تلك الرتابة:
"الجنود الذين يقدرون على القتل يا مردخاى من الممكن أيضا أن يقتلوا"
"ذلك قدرنا يا يورى"
"عزيزى يورى.. انك لكى تعيش سعيدا أمنا يجب على الدوام أن تكون موهوبا قادرا"
أما فى اليوم 4 اكتوبر، فقد نشطت وحدة المراقبة فى القطاع الاوسط المواجه لمدينة الاسماعيلية وقد أبلغت عن نشاط غير عادى على الضفة المصرية.. اتصالات تليفونية بالقيادة.. وحدات المراقبة على طول الجبهة صارت جاحظة العيون.. نشطت المطارات.. ارتفعت الخرائط على الجدران وهمس يورى: "هل حان الوقت لتسليمى الى زوجتى وطفلى داخل صندوق"
وفى يوم 5 أكتوبر بدأ الإستعداد للإحتفال بيوم الغفران. نص الاشارة:
"... جنود الملاحظة المصريون الذين لا هم لهم ولا شاغل الا مراقبتنا، وحساب خطواتنا وعد أنفسنا انسحبوا من مواقعهم الامامية وتركوا خلفهم ستارا من الصمت المريب"
وفى يوم 6 أكتوبر وصلت الرسالة: (يائيل أنجبت طفلة جميلة) وفى 6أكتوبر بدأ الاستعداد للغداء، وانتظار بطاقات العيد من الاهالى فى كافة المدن والمستعمرات.. اليوم هو السبت وحرام عليهم العمل الا بأوامر الحاخام الاكبر.. فجأة وصل تقرير جديد .. "قابلناه بأستهانة، فقد تعودنا على تلك التقارير التى لا تعرف إلا التهويل.. "إنهم يعبرون ويهبطون كالجان بصواريخ مضادة للدبابات على ضفتنا".. مزيد من القوارب تعبر.. وتعبر.. الجنود المصريون يفترشون حولنا.. انهم يرفعون علمهم على ضفتنا.
وفى يوم 7اكتوبر تعرض الحصن للهجوم مرة واحدة، عبر أجهزة الإتصالات وصلت الأنباء مرتعشة عن إصابة أحد ضباط القيادة. صرخ يورى: "حولنا جهنم دموى.. هل ستتركونا هكذا"
*****
ثالثا: إبداع التجربة الحربية بعد أكتوبر73
: : رواية "مراعى القتل" للروائى "فتحى امبابى"(تجربة عودة الجندى من المعركة)
كانوا ثلاثة أصدقاء, جمعتهم "قروانة" الوحدة العسكرية, ومعارك الاستنزاف (ما بين عامى67 حتى1970), ثم معارك أكتوبر73. ضاقت بهم سبل العيش (كما أغلب شباب مصر في تلك الفترة) بعد تسريحهم من الجيش. سافروا إلى "ليبيا" حيث الأمل في مصدر رزق جديد في مكان جديد. فكانت الرواية التى تلخص شكوى الاستلاب والتهديد بالموت حتى من أبسط حقوق الإنسان في لقمة تسد الرمق وفى صباح هادئ جديد.
..عالج الروائي فكرته من خلال التوازي والإسترجاع, فلم تكن الحياة قبل التسريح من الجيش أقل أو أكثر من الحياة بعده..في كل منهما التهديد بقنص الحياة, ربما يبدو ذلك مبررا وواضحا لمثل هؤلاء المعرضون لغدر عدو لا يبعد عن وحدتهم العسكرية سوى عرض المجرى المائي لقناة السويس. غير المبرر هو أن يبقى الإحساس نفسه, على الرغم من غور ملاجئ الأعداء إلى أغوار سيناء البعيدة (قبل التحرير الكامل لسيناء).
إستعان الروائي بحيلة فنية أضافت بعدا جماليا إلى سخونة الموضوع وأهميته. إستعان بأحد النصوص الشفهية (المعاصرة) لتغريبة بنى هلال الشهيرة. وهذا الاستحضار التراثي أضاف إلى الحالة بعدا فكريا يستثير العقل للتأمل أيضا، قال: "كنت في جلدي زي بعدى عن ملاحي/ وأوثق صدهم قلبي جراحي/ فسرت من الهوى قدرا وصاح/ ألا يا ليل .. هل لك من صباح..؟"
في البداية نلحظ تكرار الجملة:"الزمن قطر غشيم لا يرجع للوراء". وهى إسقاطه لمعنى ما يريد الروائي تبليغه للقارئ, مع التكرار نتعاطف ونسأل : هل يعنى القطار حقا أم الزمن؟.
أما وقد بدأت الرحلة الغامضة, فلا حيلة إلا اعتلاء الذكرى والتذكر. لم يكن "التذكر" عنا حيلة فنية مقحمة ومفتعلة, كان ضرورة فنية..أما أن يقف "عبدالله" ورفقائه لسؤال المرشد من قبيلة "أولاد على" عن طريق اختراق السلك أو الحدود الرسمية بين ليبيا ومصر, فيقول لهم بتعال وغرور غير مبرر: "كنك يا تيس يا عرس.. راع تنطق بكلمة ولا نضربك بالنار, عهد الله بنترك فيك هون للديابة"
وفى لحظات الغروب تزداد مشاعر الاغتراب, فليس في لون المياه الزرقاء البعيدة جمال, ولا في غروب الشمس وشروقها على أرض الأفق والصحراء. ويتذكر الجميع أحداث مظاهرات الجامعة بعد النكسة حيث جندي الأمن المركزي يقاتل الطلبة بكل جدية ونشاط!. ولا يبقى أمام القارئ سوى الربط الخفي/ الظاهر بين قهر ومأساة المقاتلة على خط النار مع العدو الإسرائيلي , وعدو آخر على خط نار آخر.
ومثلما كانت مشاهد القتلى والجرحى على أرض المعارك هناك, كانت المشاهد نفسها على أرض أخرى وعدو آخر..لكنه هذه المرة ليس إسرائيليا.. وهو ما يعد تفسيرا ومبررا للعنوان الأصلي للرواية "مراعى القتل".
كتب في ص47: "إستيقظوا واحدا بعد الآخر, وأمامهم كانت تسبح سبع جثث من المتسللين المصريين الذين جرفتهم سيول الأمس بينما كانوا عائدين , تسد مدخل مخر السيل".
تتواصل فصول الرواية..ما بين إعادة حوارات وأحداث ما كان بعد معركة 67 وحتى 73, وما هو كائن وممارس فعليا في طريقهم البرى إلى أعماق ليبيا.
وصلوا حدود طبرق, ما زال الغموض يكتنف المصير, فيأتي الليل.. الليل الحقيقي ويأتي معه الليل النفسي المليء بالخوف من صباح جديد, فيقول أحدهم: "ألا يا ليل ..هل لك من صباح؟"
وتعد الرواية من الروايات القليلة التى تناولت موضوع مصير الجندي العائد من الحرب, بالإضافة إلى كونها كتبت بقلم أحد المحاربين, كما أنها كتبت بعد فترة مناسبة من انتهاء المعارك, وهو ما تجلى في وضوح البعد الجمالي الفنى, الذي انعكس وعبر عن نفسه بتلك التقنيات الفنية المستخدمة , وبما يمكن أن نطلق عليه "النفس الهادئ" في التناول والصياغة, وهو ما أكسبها مذاقا خاصا.

: "خوذه ونورس واحد" قصص ل"سمير الفيل" (تجارب ما بعد المعركة)
قسم القاص قصص المجموعة تحت عنوانين منفصلين.. الأول "تنويعات عسكرية" يتضمن القصص: "إجراءات- حبهان على مستكة- صورته- دفعة- عزومة- عريس السرية- لدغة عقرب- بلديات- جندي مؤهلات- مسعد بنزين- خلع الجذور- خوذة ونورس وحيد".. أما القسم الآخر قصص تقليدية قصيرة. سجل القاص: (قصص كتبت من سنة 1974 إلى سنة 1985م)
* قصة "جلسة إجراءات".. تعالج تجربة رفيق الكاتب الذي شارك فى حرب أكتوبر، بينما يشكو من إصابة أثناء المعارك (يعرج) وان كان فى البداية لم يكن ممن يصلحون للخدمة العسكرية! وطالت إجراءات الرفت من الخدمة، فلما جاء يوم خروجه، احتفل به زملائه أيما احتفال.
* قصة "حبهان على مستكة".. وهى تتناول رؤية نقدية لمعاناة الجندي فى الحصول على أبسط احتياجاته، بل وأهمها.. وهى الماء. فقد حان ميعاد وصول سيارة (تنك) المياه، ووقف الصول ليحدد لكل مجموعة (جركن) واحد من المياه، وجميعهم يحلم بالمزيد.
ما حدث أن جاءت سيارة القادة.. ويأمرهم قائدها ملء تسعة جراكن مياه! فلما إعترض الجنود وتذمروا، سمح لهم الصول بملء أكثر من جركن لكل مجموعة.. وبدأت جلسة احتفالية تناولوا فيها القهوة بالحبهان والمستكة.
* قصة "عزومة".. بعد أيام المعارك, استمرت الجنود على حالة التدريب ومعايشة أجواء الحرب.. خلال مناورة تدريبية, تقرر استخدام الوجبات الجافة طوال أيام المناورة.. لكن الجنود نجحوا فى إقامة (عزومة) على وجبة ساخنة طازجة.. بعيدا عن عين الصول.
* قصة "لدغة عقرب".. تبدأ أحداث القصة بعد أن انتهت المعارك. كان ضمن وحدته فى مهمة تدريب.. وما أن هدأ التدريب للراحة, نتبه على مشهد هيكل الدبابة الإسرائيلية المحطمة هناك. ذهب واقترب بشدة منها, زاد فضوله واعتلى الدبابة, وما أن اطل من البرج –برج الدبابة- لدغه عقرب. صرخ وصاح بأعلى صوته كي ينقذونه.. استقبل الصول الحالة والخبر باعتياد من مارس الحرب وكم من العقارب لدغت غيره.
التفوا حول زميلهم, أحدهم مص الدم الفاسد بفمه, وأحاطوا مكان اللدغة بأربطة شديدة, ثم شرب الشاي لساخن وارتاح حتى شفى.. لم يبق إلا التحذير من العقرب.. فى دبابة الأعداء!
* قصة "خلع الجذور".. قد يفعل الزمان أفاعيله.. ومن ضمنها أن ننسى بعض الأحداث والأخبار. لكن فى تلك القصة نسى فيها أحدهم أشياء صديقه الشهيد.. وخرج للبحث عنها كي يعيدها الى أسرته وذويه.. سعى بكل إخلاص أن يجدها, ولم يجدها.
* قصة "خوذة.. ونورس وحيد".. فور انتهاء المعارك, وبدأت دورة جديدة للحياة العسكرية.. حدث أن عاد الجندي إلى موقع تذكره, وتأمل كل شبر فيه.. حتى مكان ما قبر فيه أحد الشهداء رفقاء المعارك.. لم يجد ما يعلق به, انشغل أكثر بذلك النورس الوحيد (بينما طائر النورس دائما فى أسراب)!

بمطالعة قص حرب أكتوبر73 يمكن التأكيد على عدد من الحقائق:
: إن التجربة الحربية لها تأثيرها الفاعل والدائم على جنس السرد النثرى في مصر.
: لا إنفصال ل "التجربة الحربية" سواء كانت في مصر أو فى البلدان العربية.
: لم تكن زاوية الرصد للكاتب مكتفية بالجانب المباشر, بل ما تتسم بالفنية والتقنية العالية.
: بروز تقنية جديدة لم تستخدم من قبل في الرواية العربية.. وهى التوثيق والتسجيل.
ولا يبقى إلا التأكيد على أن التجربة الحربية إرتبطت بالحياة على الأرض المصرية، بالذل والعطاء من أبنائها، وتحت رايتها سواء من مجندين أو حتى المدنيين لخدمت
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أشرف زكي: أشرف عبد الغفور كان من رموز الفن في مصر والعالم ا


.. المخرج خالد جلال: الفنان أشرف عبد الغفور كان واحدا من أفضل ا




.. شريف منير يروج لشخصيته في فيلم السرب قبل عرضه 1 مايو


.. حفل تا?بين ا?شرف عبد الغفور في المركز القومي بالمسرح




.. في ذكرى رحيله الـ 20 ..الفنان محمود مرسي أحد العلامات البار