الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حدود تحرك البوليساريو كجبهة وكجمهورية

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2017 / 10 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


أثار اللقاء بين الاتحاد الإفريقي وبين اليابان سابقا ، وبين نفس الاتحاد ، والاتحاد الأوربي المنتظر انعقاده يومه 29 و 30 من الشهر القادم ، جملة أسئلة حول مدا مشروعية اللقاء من عدمه ، بين أطراف النزاع المغربي من جهة ، والجزائر وجبهة البوليساريو من جهة أخرى .
فبينما يرفض المغرب أيّ لقاء دولي بين الاتحاد الإفريقي ، وهو يضم جمهورية غير معترف بها من قبل الأمم المتحدة ، ولا منْ قبل الدول او الاتحادات التي لا تعترف كذلك بالجمهورية ، لأنه لا يعقل الجلوس للتباحث مع شيء لا تَعْترف به ، أي شبح ، ولأنه إن حصل سيكون اكبر ضربة عبث توجه للقانون الدولي الذي يحدد العناصر المكونة للدول . وبين الجزائر وحلفاءها الذين يحاولون ما أمكن فرض حضور الجمهورية لقاءات مع دول لا تعترف بها .
وإذا لم يكن بالإمكان عقد لقاءات في الماضي بين هذه الدول ، وبين الجمهورية الصحراوية ، فالاجتهاد الجزائري بجعل أي لقاء مع الاتحادات الدولية ، هو لقاء مع الاتحاد الإفريقي لا مع الدول الإفريقية ، لتمرير حضور الجمهورية الصحراوية الغير المعترف بها ، من قبل تلك الاتحادات او الدول ، هو نوع من التدليس الذي افتضح أمره ، عندما تبين ان الجزائر وحلفاءها يهدفون من وراء فرض حضور الجمهورية الصحراوية ، فرض أمر واقع ينتهي بعد نهاية اللقاء ، بجعله اعترافا بالجمهورية الصحراوية .
عندما تم إنشاء جبهة البوليساريو في سنة 1973 من قبل مقاومين مغاربة كانوا متمركزين بالجزائر ( الفقيه محمد البصري – الجناح العسكري في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ) ، فذلك لتوظيف الجبهة كأداة لتحرير الصحراء من الاستعمار الاسباني ، وتوظيفها لما أسموه بتحرير المغرب من النظام الملكي . ان شعار الحزب ( تحرير – وحدة – اشتراكية ) غني عن الجواب .
لكن عندما دخلت الجزائر على الخط بتوجيه من هنري كيسنجر ، وخلقت الجمهورية الصحراوية في سنة 1976 ، حتى اختلطت الأوراق ، وأضحت الجبهة توظف في تصفية الحسابات بين الأنظمة و بين الشعوب ، كما وُظّفتْ لفرز الصراع الإيديولوجي الذي كان بين المعسكر الاشتراكي المنحل ، وبين المعسكر الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية .
ومما يجب الإشارة إليه ، ان الأردن كان الدولة الوحيدة التي أرسلت السلاح الى الجيش المغربي ، وبقيت واشنطن تنتظر الى ان حصل الهجوم على طانطان ، حينها امر الرئيس الأمريكي بمد المغرب بالأسلحة الدفاعية .
يحصل هذا في الوقت الذي كانت فيه الجزائر ، وليبيا ، وكوبا ، وأن غولا ، وإثيوبيا ، و أوربة الشرقية .... الخ ، ترسل الأسلحة الى البوليساريو ، وتمدهم بالخبراء العسكريين من مختلف أنواع أسلحة حرب العصابات .
خلال هذه الفترة التي شهدت معارك قوية بين الجبهة وبين الجيش المغربي ، كان يوازيها حضور مكثف للجبهة بالمحافل الدولية ، وبالعديد من الدول التي كانت تعترف بالجبهة كحركة تحرير وكمكتب إعلامي ، ومنها ما كان يستقبلها كجمهورية ، خاصة من طرف العديد من الدول الإفريقية ، ودول أمريكا اللاتينية . فكانت المسألة الصحراوية في أوج العلاقات الدولية بدول عدم الانحياز ، وبالقارة الإفريقية ، وبأمريكا اللاتينية والجنوبية ، وحتى بالدول العربية كسورية ، وليبيا ، والجزائر ، واليمن الجنوبي ، وموريتانيا ، ومنظمة التحرير الفلسطينية .... الخ .
بعد قبول الجبهة ومعها الجزائر لمطلب وقف إطلاق النار ، وهو مقلب للحسن الثاني ، رهن به المنطقة بلا حرب وبلا سلم منذ 1991 ، منذ التوقيع على وقف إطلاق النار ، ومع مرور السنين والأعوام ، والجبهة ومعها الجزائر ينتظرون تنظيم الاستفتاء الذي كان متوقعا في سنة 1992 او 1993 على ابعد تقدير ، حتى تراخت الجبهة الى الكسل .
وبمرور أجيال من الشباب المفصولة عن الخطابات الثورية ، وتحول قاعدة الجبهة الى مجموعة من المنتفعين ، تمركزوا ليسيطروا على مفاصل الجبهة المختلفة في المؤتمر الرابع عشر للجبهة ، تحولت البوليساريو الى منظمة سياسية تبرع في تنظيم المهرجانات الخطابية ، والكرنفالات المسرحية ، عند عرضها لدبابات ومزمجرات ، لا تهدد بها المغرب لأنه لا يخافها ، ولكن لتطفئ بها غضب الصحراويين الذين يعانون في المخيمات ، منذ اثنتا وأربعين سنة دون حل .
ان آية منظمة تكون قد مارست النضال العسكري المسلح ، يسهل استقطابها وتوظيفها ، ثم تمييع دورها ، عندما تترك البندقية ، وترتمي بلا هوادة في مسلسل المفاوضات الذي قد يستغرق لسنين ، دون ان يعرف طريقه الى الحل .
ولنا أمثلة في منظمة ( التحرير ) الفلسطينية ، التي تحولت منذ مؤتمر أسلو ومدريد ، الى جماعة من الانتهازيين الذين تركوا وتخلوا عن البندقية ، وارتموا في الحضن الإسرائيلي ، حيث التنسيق البوليسي والمخابراتي ، يجري على قدم وساق ، بين الموساد و البوليس السياسي الداخلي ، وحيث لا تترد قيادة منظمة التحرير بتقديم أسماء مناضلين الى إسرائيل كما حصل مع احمد سعْدات الذي سلمه الى اسرائيل احمد الرجوب .
منذ التوقيع على وقف إطلاق النار ، وتحت إشراف الأمم المتحدة في سنة 1991 ، وتحول جبهة البوليساريو الى منظمة سياسية تمتهن العمل السياسي والدبلوماسي ، وبعد سقوط جدار برلين وحل الاتحاد السوفيتي السابق ، وسقوط الأنظمة التي حكمت باسم الشيوعية المفترى عليها بأوربة الشرقية ، ومع طغيان المصالح الاقتصادية والدولتية ، على حساب الشعارات التي عمّرت طيلة الحرب الباردة ، أصبح الصراع بالمنطقة ، بين المغرب وحلفاءه ، والجزائر والجبهة وحلفاءهما ينزع الى السلمية ، والتحجج بالأذلة والحجج المتضاربة ، وأصبح المنتظم الدولي حرجا في التعامل مع الرغبات الجزائرية والمطالب المغربية .
هكذا سنجد الاختلاف في التعامل مع البوليساريو ، أصبح اختلافا في الصبغة القانونية التي يتعامل بها معه ، كجبهة او جمهورية .
فبينما تتشبث الجزائر بسياسة فرض الجمهورية الصحراوية في المحالف الدولية ، يرفض المغرب هذا الخيار ، لأنه ضد الطبيعة ، وضد القانون الدولي ، وضد قرارات مجلس الأمن ، وضد إرادة الدول وسياساتها المستقلة في رفض قبول لقاء شيء لا يعترفون به ، اي شبح .
فهل يحق مجالسة الأشباح للتذاكر والحوار ، حول المسائل الاستراتيجي ، من أمنية ، واقتصادية ، وسياسية ؟
شيء لا يمكن لعقل سليم قبوله ، وكما قلت أعلاه سيكون اكبر عبث يسود العلاقات الدولية .
لكن سنجد ان مناضلي الجبهة او الجمهورية ، ومعهما الجزائر وحلفاءهم ، يتحججون بمنظمة التحرير الفلسطينية التي رغم ( عدم اعتراف ) الاتحاد الأوربي بها فهو يجتمع معها كم يقولون .
ان اكبر خطأ هنا ، والفرق واضح بين منظمة التحرير الفلسطينية ، وبين الجمهورية الصحراوية ، هو ان المنظمة هي سلطة سياسية قريبة من الدولة ، يعترف الاتحاد الأوربي ، وكندا ، والولايات المتحدة الأمريكية ، واليابان ، واستراليا ، والهند ، وروسيا ، والصين ، ونيوزيلندا ، وبريطانيا ، وكوريا الجنوبية ، والدول العربية ، والإسلامية ، والاتحاد الإفريقي . كما ان منظمة التحرير ، تعترف بها الأمم المتحدة ، حيث تعتبر عضوا مراقبا بالجمعية العامة ، ورايتها الى جانب كل الدول ترفرف بالأمم المتحدة .
فهل الجمهورية الصحراوية تتوفر على مثل هذا الاعتراف ألأممي ، بمنظمة التحرير وبسلطة رام الله ؟
ان مقارنة العصا بالسيف سيكون بمن يقلل من قيمة السيف ، فلا مجال للمقارنة بين منظمة التحرير وبين الجمهورية الصحراوية .
هنا يجب ان نميز بين نوعين من الأنشطة ، التي تقوم بها البوليساريو ، كجبهة وكجمهورية .
فبالنسبة للأنشطة التي تجري داخل الاتحاد الإفريقي ، كلقاءات افريقية -- افريقية ، فالبوليساريو يحضرها كجمهورية ، لان أغلبية الدول الإفريقية تعترف به مقابل رشاوى دفعتها الجزائر من بترول شعبها ، ولان الجمهورية الصحراوية هي عضو بالاتحاد .
هنا لا يمكن لأي كان ان يمنعها من حضور كل الأشغال ، التي ينظمها الاتحاد الإفريقي داخليا ، لأنه لا يمكن إلغاء عضوية عضو بسهولة ، وان الأمر يتطلب مسطرة للوصول الى تطبيقها ، يلزم تغيير السياسات ، ويلزم الصبر والتأني ، والنضال بين أروقة الاتحاد ، ومع الدول التي انحازت إلى أطروحة الجزائر ،استجداء للدولار ، او رشوة ، او لتصفية حسابات سياسية قديمة مع نظام الحسن الثاني .
لكن السؤال الذي يجهل جوابه اطر جبهة البوليساريو والجزائر، هو بالنسبة للقاءات التي تجري بين الاتحاد الإفريقي ، وبين الاتحادات الدولية ، كالاتحاد الأوربي ، وبين الدول التي لا تعتبر عضوا بالاتحاد الإفريقي .
فهل مثل هذه اللقاءات ، او الأشغال ان حصلت ، تكون لا تتناغم مع القانون الدولي و لا تتناغم مع العلاقات الدولية ، وتكون لا تتم ضمن القرارات التي يصدرها مجلس الآمن كل شهر ابريل من كل سنة ؟
إذا كان مجلس الأمن لا يزال يبحث عن حل يكون مقبولا ، وأؤكد هنا على شرط القبول من قبل أطراف النزاع ، لم يتوصل بعد الى هذا الحل الذي لا نعرف هل ستقبل به أطراف النزاع ، ام اتهما سيرفضانه ، تحت تحلل اي حل من قوة الفرض رغم رفض الأطراف له .
وإذا كان مجلس الآمن والأمم المتحدة ، بناء على قرارات المجلس المُعلّقة على شرط القبول ، لا يعترفان بالجمهورية الصحراوية .
وإذا كانت الاتحاد الأوربي كمنظومة دول ، لا يعترف بدوره بالجمهورية الصحراوية .
وإذا كان الولايات المتحدة الأمريكية ، وكندا ، واستراليا ، والصين ، وروسيا ، وكوريا الجنوبية ، و نيوزيلندا ، والهند ، وبريطانيا العظمى .....الخ لا يعترفون بالجمهورية الصحراوية .
وإذا كانت كل الدول العربية ، باستثناء الجزائر وموريتانيا لا تعترف بشيء يسمى بالجمهورية الصحراوية .
وإذا القانون الدولي واضحا في تحديد معايير وأركان الدول ، وهي الأرض ( والجمهورية بدون ارض موجودة بتندوف ) ، و السيادة ( وهي جزائرية صرفة ) ، والشعب ( وهو يوجد بالمغرب بالأقاليم الجنوبية المسترجعة ، وبمخيمات الاحتجاز بالجزائر ) .
فان تحرك البوليساريو كجمهورية غير معترف بها ، يبقى وضعا شادا متعارضا مع القانون الدولي الذي يحدد أركان الدول ، ومع العلاقات الدولية السليمة ، حيث ستجتمع الدول بالأشباح ( خاص غيرْ دْراكولة ) ، ومتعارضا مع قرارات مجلس الأمن الذي لا يزال يبحث عن الحل المقبول من طرف الجميع .
فهل يعقل ان تقبل أوربة ، الجلوس مع جمهورية لا تعترف بها ، إي مع شبح ؟
ان الجمهورية الصحراوية التي أنشأها الهواري بومدين ، ومعمر القدافي ، تفتقر الى أهلية الوجوب ( حرامية ) ، وتفتقر إلى أهلية الأداء . ومن ثم فان كل تصرفاتها وتحركاتها في المجال الدولي ، كعقد لقاءات مع الاتحادات الدولية ، ومع الدول الغير العضو بالاتحاد الإفريقي ، تبقى عديمة الجدوى ، ولن تترتب عنها أية قيمة قانونية تضاف ، سواء لحل النزاع سلميا ، او تعقيده بما يطيل في عمره إلى ما لا نهاية .
الخلاصة :
1 ) الجمهورية الصحراوية يمكن لها ان تتحرك عندما يكون الاشتغال والعمل إفريقيا -- إفريقيا ، اي بين دول الاتحاد الإفريقي . هنا لا يستطيع أياً كان التعرض على هذا التحرك ، لان الجمهورية عضو بالاتحاد ، ومقعدها علني الى جانب مقعد كل الدول المكونة للاتحاد .
2 ) ان عدم اعتراف الأمم المتحدة ، والاتحاد الأوربي ، وكل الاتحادات الدولية ، بالجمهورية الصحراوية ، يبطل حضورها لأشغال يحكمها القانون الدولي . فكيف لدولة او اتحاد لا يعترف بدولة أخرى ، ان يقبل الجلوس معها للتباحث والتداول والنقاش ؟ فهل يقبل شخص ان يجلس مع شبح ؟
3 ) رغم هذه الحقيقية ، فان الاتحاد الأوربي والعديد من العواصم كواشنطن ، يعترفون بالجبهة كمحاور ، حيث يفتحون لها مكاتب إعلامية ، واتصالات بعواصمهم وبمدنهم ، ويُمكنوهم من ممارسة أنشطة سياسية ضمن المجتمع المدني بتلك الدول .
فلسطين ليست هي الجمهورية الصحراوية . والمقارنة معيبة في شكلها ومضمونها، وتبقى إساءة لتاريخ الشعب الفلسطيني ، وللقضية الفلسطينية التي تجمع على مشروعيتها كل دول المعمور .
ان مقارنة هذا السيف بتلك العصا ، هو تقليل من قيمة السيف .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لبنان - 49 عاما بعد اندلاع الحرب الأهلية: هل من سلم أهلي في


.. التوتر يطال عددا من الجامعات الأمريكية على خلفية التضامن مع




.. لحظة الاصطدام المميتة في الجو بين مروحيتين بتدريبات للبحرية


.. اليوم 200 من حرب غزة.. حصيلة القتلى ترتفع وقصف يطال مناطق مت




.. سوناك يعتزم تقديم أكبر حزمة مساعدات عسكرية لأوكرانيا| #الظهي