الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما الذي يمكن للبهائية أن تقدمه للمسلمين اليوم ؟

أحمد عصيد

2017 / 10 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يعتقد معظم المسلمين بأنهم مكتفون بذواتهم أغنياء عن غيرهم في الجانب القيمي، في الوقت الذي يعيشون فيه تدهورا قيميا خطيرا مقارنة بغيرهم من الأمم والشعوب المتحضرة، ومرجع ذلك إلى عوامل كثيرة منها أسلوبهم في فهم الدين وتوظيفه، والذي هو أسلوب أصابه التقادم وعلاه الصدأ من زمن بعيد، لأنه مبني على بديهية خاطئة يرون بموجبها أنّ كل ما كان قبل الإسلام وما جاء بعده هو دون الإسلام حكمة وعلما وحقيقة، ما يجعل الإسلام يبدو كما لو أنه بداية ونهاية التاريخ، وقد عاقهم هذا الاعتقاد عن مسايرة التطور السريع للحضارة الإنسانية، والاستفادة من تجارب الأمم المختلفة، وخاصة منها تلك التي فاقتهم خبرة وتجربة وتقدما في جميع المجالات.
ولقد عثرت وأنا أتفقد أوراق البهائيين بمناسبة مرور 200 سنة على ميلاد نبيهم "حضرة بهاء الله"، على ثلاثة نصوص أعتقد أنها في غاية الحكمة التي يفتقدها المسلمون اليوم، وقد سمعت من يقول: لا شيء نتعلمه من البهائية أو غيرها، فلدينا الإسلام وهو خاتم الديانات والرسالات السماوية. لا شك أن لدى الإسلام الكثير مما يمكن أن يقدمه للبشرية، لكن المسلمين فشلوا في إيصاله بسبب أسلوبهم في التفكير، فإذا تحلينا ببعض النزاهة والتواضع، ونظرنا في هذه النصوص التي أهديها للقراء الأعزاء بهذه المناسبة، فقد نجد فيها ما ينفع في تصحيح أخطائنا، وخاصة منها ما يتعلق بأسلوب التعامل مع الدين وطريقة فهمه وتوظيفه، إضافة إلى أنها نصوص تتعلق بقضايا هي من أكبر أسباب تخلف المسلمين.
ترجع النصوص الثلاثة إلى بداية القرن العشرين، وهي من خطب الخليفة الأول لـ"بهاء الله" الذي يحمل لقب "عبد البهاء":
النص 1
"لتكن جميع معتقداتكم متوافقة مع العلم، فلا يمكن أن يكون هناك تعارض بينهما، لأنّ الحقيقة واحدة. فعندما يتجرّد الدين من خرافاته وتقاليده ومذاهبه غير المعقولة، ويظهر اتّفاقه مع العلم، عندئذٍ ستكون هناك في العالم قوّة عظيمة موحّدة ومطهّرة تجرف أمامها كافّة الحروب والنزاعات والخلافات والصّراعات، عندئذٍ سيتوحّد الجنس البشريّ في قوّة محبّة الله".
النص 2
"دقق النظر في عالم الوجود. كلّ الأمور يلزمها التجديد. فانظر إلى العالم المادي كيف قد تجدّد الآن، والأفكار قد تجدّدت، والعادات تجدّدت، والعلوم والفنون تجدّدت، والإدراكات أيضا تجدّدت. فكيف يمكن إذًا لقوّة عظيمة كالدّين، وهو الضّامن للتقّدم الهائل لعالم الإنسان وعلّة الحياة الأبديّة ومروّج الفضائل اللامتناهيّة ونورانيّة العالميْن، أن يبقى دون تجدّد ؟"
النص 3
"إنّ النّزاع بين الأديان والأمم والأجناس ينشأ عن سوء التّفاهم، وإذا نحن تحرّينا الأديان في سبيل اكتشاف المبادئ التّي تقوم عليها، فسنجدها جميعًا متّفقة فيما بينها، لأنّ حقيقتها الأساسيّة واحدة، لا تعدّد فيها، وبهذه الطّريقة سوف يصل أهل الأديان في العالم إلى ملتقى الوحدة والوئام".
يشير النص الأول إلى ضرورة استحضار الوعي الديني لنتائج العلوم، حتى لا يكون الوعي الديني والسلوك الديني متخلفين عن ركب العلوم التي هي مرتكز الحضارة المعاصرة، فيكرسا أفكارا وسلوكات لا يقبلها العلم والعقل وقيم الزمن الراهن، مما يؤدي إلى كوارث كثيرة كالتي تحدث اليوم في عالم المسلمين، الذين عجزوا عن تجريد الدين "مما ليس معقولا" كما يقول النص أي من الأفكار المتطرفة واللاإنسانية التي علقت به عبر الحقب والأزمنة، ولعل أجمل ما يضيفه هذا النص هو اعتباره الله "محبة" لا خوفا وعقابا وترهيبا، في الوقت الذي ما زال فيه المسلمون يعتمدون كثيرا في تربيتهم الدينية على التخويف والترهيب.
ويشير النص الثاني إلى ضرورة إخضاع الدين نفسه لسنة الحياة العظمى التي هي الصيرورة والتغير، وذلك بالتجديد الفكري والاجتهاد العقلي والتغيير الدائم، وهو ما يمثل أحد الأعطاب الكبرى للعقل الإسلامي المعاصر، الذي ما زال يعتقد بأن الدين فوق التاريخ وواقع الناس، وأنه ثوابت نهائية قطعية مفصولة عن أي سياق تاريخي وأرضي، مما أنتج الجمود الفكري ومحاولة إخضاع الواقع المتحرك المفتوح دائما على المستقبل، لقواعد ونصوص ثابتة ونهائية.
وأما النص الثالث فهدفه أنسنة الأديان وإزاحة الحواجز فيما بينها، لإنهاء الصراعات الدينية والمذهبية وإقرار الاحترام المتبادل بين البشر، فما زال المسلمون يعتقدون بتشدد بالغ أحيانا بأنهم الأفضل والأرقى دينيا، وأن دينهم الأصح، وأنه الذي ينبغي أن يغزو العالم، وينتشر في كل البلدان، وأنهم "طاهرون" والآخرون "دنسون"، والمشكل أنهم يعتقدون في ذلك دون أن ينجحوا في تقديم نموذج واقعي للصلاح الذي يعتقدونه في أنفسهم.
قديما قيل: يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر، فإذا أضفنا إلى النصوص الثلاثة السالف ذكرها أن البهائية تقرّ بصورةٍ قاطعةٍ مبدأ المساواةِ بين الرجلِ والمرأةِ في الحقوق والواجباتِ بشكل مطلق، جاز لنا أن نقول إن المبادئ المشار إليها هي بمثابة الترياق بالنسبة لمسلمي اليوم، الذين يجتازون ظروفا عصيبة، جعلتهم في وضعية فقدان البوصلة، فالعقلانية العلمية والروح النقدية والتدين الإنساني المنزع والمساواة التامة بين الجنسين هو ما ينقصهم، وما داموا عاجزين عن استخراج ذلك من الدين الإسلامي ، فقد يكون للآخر دور في إرشادهم إليه، حتى يجدوا أنفسهم في سلام مع ذواتهم ومع العالم.


ملحوظة:
تعتبر الديانات بالنسبة لكاتب هذه السطور متساوية في قيمتها الإنسانية ، ومتكاملة من حيث غاياتها السامية، ولا يعتبرها مسؤولة عن أخطاء البشر، ويعتبر البشر مسؤولين ـ في سياقات تاريخية محددة ـ عن توظيف الديانات في الاتجاه الخطأ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - إمساك العصا من الوسط
بارباروسا آكيم ( 2017 / 10 / 21 - 19:33 )
الأُستاذ أَحمد عصيد المحترم ..

اليوم نحن في خضم تحولات جذرية يشهدها العالم ، لذلك الوقوف على الحياد أَو قياس الجميع بمسطرة واحدة لم يَعُد يُجدي نفعاً

كتبت مقالاً وعنونته بشكل إِستفهامي

ما الذي يمكن للبهائية أن تقدمه للمسلمين اليوم ؟

ثم تختم المقال بعبارة تنويهية كالتالي :

تعتبر الديانات بالنسبة لكاتب هذه السطور متساوية في قيمتها الإنسانية ، ومتكاملة من حيث غاياتها السامية، ولا يعتبرها مسؤولة عن أخطاء البشر، ويعتبر البشر مسؤولين ـ في سياقات تاريخية محددة ـ عن توظيف الديانات في الاتجاه الخطأ.

طيب مع فائق إِحترامي لمقامكم ولقلمكم
لماذا تكتب أَساساً ؟!
ماهي لو كانت كل الديانات متساوية .. فلماذا إِذا تريد معرفة إِضافة الديانة البهائية !!

بالنتيجة ستكون البهائية حالها حال الإسلام !
أَلَيْس كذلك ؟!

أَخي العزيز سياسة إِمساك العصا من الوسط لا تؤدي الى شيء

وتقبلوا إِحترامي وتقديري


2 - أشك وأعترض على نظرية البهائية في الحياة1
ليندا كبرييل ( 2017 / 10 / 22 - 13:43 )
الأستاذ أحمد عصيد المحترم
تحية وبعد

أستاذة الديانة البهائية في هذا الموقع بشّرتْ ذات يوم فقالت

النصارى عاندوا مثل سابقيهم أي اليهود في قبول الرسالة الإلهية(إلا قلة منهم)وفشلوا في إدراك الحكمة الإلهية من التغيير والتجديد ورفضوا الانصياع إلى أوامر خالقهم مما أدى إلى اختيار الله قوما غيرهم فوقع الاختيار على ملة العرب وأصبحوا فيما بعد(خير أمة أخرجت للناس)

لاحظْ من فضلك تناقض السيدة المبشّرة وهي تدعو إلى استيعاب كل الأديان في بوتقة واحدة، والتآلف وقبول المختلف، وهي تردد هذا الشعار الديني المميِّز بين الناس تمييزا فجا! والحكمة الإلهية القرآنية التي أضاعت رُشْد البشر وصوابهم في تلمّس طريق الألفة والسلام

والأكثر خطورة القول
- ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه -

الإسلام الدين الحق الذي لا يقبل الغفور الرحيم من عباده سواه !فما عداه من الدين باطل وضلال وهو خالق الأديان!
(إن الدين عند الله الإسلام)
لا البهائية، ولا المسيحية، ولا اليهودية،ولا دين مُجِلّ الوثن،ولا دين عابد الصنم
فهؤلاء إلى جهنم،وسيُشوى عابد الأبقار مع بقرته في النار في دار البوار

يتبع لطفا


3 - خبيصة دينية محشوّة بالشعارات التمييزية2
ليندا كبرييل ( 2017 / 10 / 22 - 13:46 )
لنعلمْ أن الإله لم يتمكن من جمع البشر حول ديانة واحدة صحيحة رغم أنه القادر على كل شيء

هذه هي البهائية التي تؤمن بدين يعلن تفوقه وتميزه ويتضارب مع جميع أديان الأرض

ومع ذلك تدعو إلى احترام كل هذه الأديان ووضعها في بوتقة واحدة، نخضّها لتتآلف مكوناتها فتصبح خبيصة دينية محشوّة بالشعارات التمييزية مرشوشة بسكر من ناعم الكلام

البهائية دعوة مثالية مسالمة لا مجال لتطبيقها في عالم يغصّ بشرائع دوّختْ البشر لشدة تباينها

نحن أبناء مجتمع يتبنّى علناً ثقافة إقصاء الآخر المخالِف، ولا يرى أي استهجان فيها بل هي واجب عليه
وكل ما تفعله البهائية أنها تلتفّ ببراعة على هذه الثقافة في حركة ماهرة لتجد لتعاليم الوفاق في ديانتها مكانا تحت الشمس

لا أنفي حق الدين البهائي في هذا المسعى لو وقف عند شعارات الاتحاد والتآخي والمحبة...، لكنه يعلم تماماً أنه لو وقف عند هذه الحدود فلن يُكتب النجاح لنظريته، وكان لا بدّ من عامل مميز لجلب الأتباع في عصر يتفجر بالعصبيات والكراهية المتبادَلة بين الأديان والأثنيات،

يتبع


4 - ليس أكثر رحابة من شريعة حقوق الإنسان3
ليندا كبرييل ( 2017 / 10 / 22 - 13:48 )
وكانت خطوة البهائية غير المسبوقة في تبنّي كل الأديان؛
المسالِمة والمحارِبة،الناهِضة والمناهِضة، بكل تراثها القوّام منه والهدّام

تقول الأستاذة المبشرة

مع لحظة ظهور الإسلام انتهى منهج الإنجيل السابق ولزم على أتباعه الانتقال إلى المرحلة الجديدة والإيمان بها وبرسولها

كأني بها تريد أن تقول
مع لحظة ظهور البهائية انتهى منهج الإسلام السابق ولزم على أتباعه الانتقال إلى المرحلة الجديدة والإيمان بها وبرسولهابهاء الدين!

فالاعتراف بكل الرسائل الإلهية والشرائع وسيلة لحماية الذات من كل نقد متوقَّع

البهائية بهذه الخطوة أبقت على كل الديانات وتناقضاتها ثم اعتلت عليها جميعا،وهذانوع من الوصاية الأبوية العطوف،وتكريس للتمايز والسيادة

ولا أستطيع توقّع مستقبل البهائية إن كانت ستبقى مسالمة مكيّة الطابع فيما لو أتيحت لها حرية نشر عقيدتها

وأنا أدعوك أستاذ عصيد كما دعوت السيدة المبشرة إلى تبني ديانة أكثر رحابة من كل أديان الأرض مجتمعة،يلتقي الجميع في رحابها الجليل
إنها شريعة حقوق الإنسان
حيث ستجد كل ما حوته الأديان بما فيها البهائية من قيم إيجابية غير متضاربة وغير مشكوك بما تضمره من أبعاد سياسية

احترامي


5 - البهائية دين ديمقراطي
sarfati ( 2017 / 10 / 23 - 09:50 )
الكثيرون لا يعرفون البهائية، وإن سمعوا بها فهم لا يعرفن عنها غير الإسم. درست البهائية مثلما درست ديانات أخرى، وأعجبت وتعجبت من ديمقراطية هذه الديانة. فالبهائيون على سبيل المثال لا يفرضون على أبنائهم عقيدتهم، ويتركون لهم حق خيار المعتقد عندما يبلغون سن 16 سنة. كما أن البهائيين لا يتدخلون في اختيار أولادهم لشريك حياتهم، ولا يشترطون أن يكون من ديانتهم، والأهم من ذلك أولادهم لا يكونون بهائيين بالولادة أي بالوراثة كما هو الشأن للمسلمين، بل هم من يختارون أن يكونون بهائيين أو اعتناق ديانة أخرى.
لكل هذا أتفق مع الأستاذ أحمد عصيد لأنه فعلا للبهائية أشياء كثيرة قد تفيد المسلمين وترتقي بهم إلى قيم الإنسانية العادلة والديمقراطية والحضارية.

اخر الافلام

.. شاب كويتي «مبتور القدمين» يوثق رحلته للصلاة في المسجد


.. القبض على شاب هاجم أحد الأساقفة بسكين خلال الصلاة في كنيسة أ




.. المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهدافها هدفا حيويا بإيلا


.. تونس.. ا?لغاء الاحتفالات السنوية في كنيس الغريبة اليهودي بجز




.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب