الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة سريعة حول مفهوم -العلمانية-

الاء السعودي

2017 / 10 / 21
مواضيع وابحاث سياسية



العلمانية، تلك الكلمة التي اصبحت تشكل ما يشبه الكابوس لدى اغلب الجمهور العربي، فانقسمت الاراء واحدثت شرخ في وجهات النظر بين مؤي ومعارض، يميني ويساري، متحرر ومتشدد، فمجرد ذكر كلمة "علماني" حتى يتم التغاضي عن المفاهيم والفلسفة الخفية التي تحويها العلمانية، اضافة الى امكانية العلمانية على بناء الحضارات وصنع الامجاد وصياغة دساتير جديدة لدول كثيرة استطاعت على اثرها اجتياز الكثير من العقبات السياسية والدينية منها خصوصا، ليتم ربطها بالشذوذ والانحراف وفي حالات كثيرة يتم ربطها بالالحاد ايضا!! طيب كيف سنرد اذا ما ربط احدهم الدولة العلمانية على انها دولة الحادية؟ الجواب هو يكمن بالعودة الى التاريخ قبل سبعة عقود، فالدولة الالحادية هي تلك التي أسستها الشيوعية وفرضت بالقوة على جمهوريات الاتحاد السوفيتي، وفرضت الاشتراكية كنظام اقتصادي ومنعت الناس من اداء طقوسهم الدينية على اختلافاتها، حيث ان السياسة السوفياتية التي كانت ترتكز على ايدولوجيا وفلسفة الماركسية واللينية اللتان جعلتا من الالحاد المذهب الرسمي للاتحاد السوفيتي، فتم تهديم الكنائس والمساجد والمعابد ايضا، اضطهادات وابادات واعدامات، اغتيالات وحرق وقتل لكل من يظهر عليه أي ميول ديني، حيث انه يقدر عدد الضحايا لسياسة الاتحاد السوفييتي الالحادية بين 12-20 مليون من المسيحيين فقط!! وهذا ما فعله وفرضه الرفيق ستالين احد ابرز زعماء الشيوعية، حيث انه كان يمنع الناس بالقوة او التهديد بالسبي او النفي او الطرد او القتل من الذهاب إلى الكنيسة الأرثوذكسية لأداء الصلاة أو حضور القداس، ولكن شتان ما بين ذلك وبين ما تنص عليه العلمانية!! لكن التقصير يقع على الحركات العلمانية العربية في توعية الشعوب حول ماهية العلمانية الحقيقة وكيف يجب ان تكون، الكثير من الحركات العلمانية العربية هي علمانية "ظاهريا" بينما "باطنيا" لا تطبق اي من تعاليم ومنهجيات العلمانية التي تستند على أسس العدل والمساواة بالمقام الاول والتحرر من القيود التي أوجدتها الأديان والتي تخالف وتناقض زمنيا وثقافيا وحضاريا ما تعيشه المجتمعات الاخرى التي نحن متأخرون عنها "زمنيا" بناءا على اننا نعيش بالقرن الحادي والعشرين، العلمانية تنادي بالمحاكاة بين التطور المعرفي والعلمي والتقدم التكنولوجي الهائل الذي نعيشه وبين العقل تلك الماكينة التي قد تعطلت للأسف داخل رؤوس الكثيرين، الحركات العلمانية العربية ربما تجهل اننا بحاجة الى التغيير والتطبيق الفعلي وغسل الكثير من العقول التي قد تسممت بافكار الحركات الاخونجية والسلفية اكثر من الجلوس واستخدام مواقع التواصل للسخرية والاستهزاء على الدينيون والمتعصبون فكريا والمتزمتون بالعادات والتقاليد، فذلك هو اكثر ما يشغل بال العلماني العربي، العلماني العربي لا يعرف عن العلمانية سوى انها تنادي بالفصل بين الدين والحكومة، فهمه الوحيد هو الاستهزاء والسخرية من الدينيين والمتعصبين منهم، لكن لا يعرف شيء عن احترام العلمانية لجميع الأديان والمعتقدات!! واحترامها ايضا لجميع وجهات النظر واختلاف الرأي!! العلماني العربي لا هم له سوى الطعن بالاديان وتهجمه على "الإيمانيات" عند الآخرين بأسلوب غير لبق نوعا ما، ولكن ذلك ليس ما تضمنته وتدعو اليه العلمانية، العلمانية هي فلسفة تنادي باحترام الجميع، وتمنحهم الحرية في ممارسة اية شعائر يريدونها دون ان يتم الاساءة اليهم، هي نتيجة واقعية عن تجارب الصراع بين رجال الدين والمجتمع من جهة، ورجال الدين بين بعضهم من جهة أُخرى، هي نتاج معرفي قائم على احترام الأديان ومحاججة اتباعها المتعصبون منهم على وجه الخصوص، بالمنطق والدليل العلمي لا بالحيلة والبدعة، حركة العلمانية حركة وعي ثقافي، جوهرها العقل والوعي العلمي القائم على الأدلة وتستنزف جهده في الشأن الحياتي لجعله أفضل، يجب التوعية اكثر لذلك، لأن العلمانية لا تمنعك من الإعتقاد بأي دين أو فكر تريده، لكنها ستوقفك اذا حاولت الإعتداء على فكر غيرك!! العلمانية هدفها التعايش الإنساني وليس خلق صراع جديد من اجل إثبات تمردك وتميزك كشخص متحضر ولكن بقناع زائف!! العلمانية تعني الحوار بمنطق وعقل وليس السب والشتم وخلق حجج وهمية من اجل محاولة إثبات وجهة نظرك ومنطقك، العلمانية تعني فكرة التعايش مع ثقافة القرن الحادي و العشرين والسير على مبادئ التبادل الفكري و الثقافي بين الشعوب التي وصلت الى اوجها في المجتمعات الغربية (بغض النظر عن السياسة الخارجيّة)!! لكن عوضا عن ذلك، يستمرون بقفي خطى أشخاص لا يعلمون فقه التعاطي! فاحترام حرية الاخر هي مبدأ مقدس لا يجب المساس به طالما لا يلحق الاذى او يفرض اي رأي معاكس لإرادة الاخرين.

كذلك الكثير من الحركات العلمانية العربية لا تطبق الديمقراطية، ولا يجيدون حتى التمييز بينهما!! الديمقراطية هي توأمة العلمانية، لا تجوز الديموقواطية بدون العلمانية، العلمانية تقضي ابعاد الاديان عن السياسة، لان بدون هذا الابعاد يبقى الفكر مقيدا بالتوجه الديني وغير متحرر، ونرى مثالا حيا في العراق ومصر وتونس، حيث تمت فيها الانتخابات التي حدثت خلال السنوات المنصرمة بشكل ديموقراطي دون تطبيق العلمانية، اذا ما الفائدة؟ وماذا نتج عن عدم ابعاد الاديان؟ الجواب سيكون توجه الناخبين حسب انتماءاتهم الدينية والطائفية وبروز مجلس امة طائفي القوام لا يمثل الغاية الحقيقية للديموقراطية والعلمانية ايضا! طيب والخلاصة؟ الجواب هو لا ديموقراطية بدون علمانية!! وابعاد العقائد الباطلة والقيم المتخلفة والقوميات عن السياسة؛ لان العلمانية تعني منع وقطع أي علاقة تربط مع تجار الدين الذين مارسوا كل انواع الموبقات المذهبية والطائفية في التاريخ العربي المعاصر بالذات ونشروا الانقسام والتشتت والتفتت من جهة و في خدمة السلطان من جهة اخرى هذا غير مجاراة ظلمه وانحرافاته وخيالاته وشهواته والتي ستكون عاجلا ام اجلا مرخصا بها عن طريق فتاوي لا تسمن ولا تغني من جوع والتي هي منافية للعقل والذوق الانسانيين، العلمانية هي الحل وهي المنطق وهي القانون وهي المعرفة الكاملة.

طيب، ماذا عن الذين يسألون عن ما هو مرجع العلمانية؟ وعلى ماذا تستند فلسفتها وتشاريعها؟ الجواب بسيط، فالعلمانية مرجع تشريعها هو المصلحة العامة وليس النص، طبعا دون ان يمنع ذلك من الاستفادة من النصوص طالما انها لا تتعارض مع المصلحة العامة والتي تقاس على الجميع، أي ان العلمانية لا تمانع ان تستمد جزءا من تشاريعها من الاديان دون ان تعارض تلك التشاريع مبادئ المساواة والحرية واسس العدل التي تقوم عليها العلمانية، فأي سياسية علمانية، هي تقتضي المساواة امام القانون وامام الدولة، وتمحى كليا الفروق القائمة على الدين والجنس والعرق واللون والخ الخ الخ، حيث يصبح الجميع ودون استثناء امام القانون!! العلمانية هي ليست فقط مجرد بناء حاجز فاصل بين الدين عن السياسة بقدر ما هو تحرير السياسة من الجمود الديني والكهنوت ورفع راية المواطنة والمساواة، العلمانية لم تسيء لأي دين او معتقد، كل ما في الامر ان العلمانية يصبح الدين فيها شأنا شخصيا، جميع هذه المفاهيم والأفكار تتبلور في كنف كتب الفلسفة العقلانية التي تأسست على اخضاع المعطيات للمنهج العقلاني والبرهنة على جميع أفكارنا بالتجربة وتفنيد نظرية الافكار الفطرية، كما أن العلمانية والكتب التي تتحدث عنها بنيت على قاعدة ليبرالية تغذت على الافكار الثورية للمتنورين أمثال فولتير ودلامبير وروسو وجون لوك الداعين للدفاع عن الحرية والمساواة وعن التسامح والمواطنة واقرار العدالة الاجتماعية والفصل بين السلطات، وهذه هي العلمانية بكل بساطة!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قوات الاحتلال تقتحم بلدة شرقي نابلس وتحاصر أحياء في مدينة را


.. قيادي في حماس: الوساطة القطرية نجحت بالإفراج عن 115 أسير من




.. هل باتت الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله أقرب من أي وقت


.. حزمة المساعدات الأميركية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان..إشعال ل




.. طلاب جامعة كولومبيا الأمريكية المؤيدون لغزة يواصلون الاعتصام