الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضرورة التعلم من الأعداء

ميشال يميّن

2017 / 10 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


كان بريزينسكي رجل السياسة الأميركي الذي توفي مؤخرا واشتهر خلال حياته السياسية مثلما هنري كيسنجر وألكسندر هيغ وأمثالهما (عائلته البولندية الأصل تلفظ بجيزينسكي) خصماً قوياً ولدوداً للاشتراكية، صادقاً في كرهه لها. وكان حرياً بقادة الاتحاد السوفياتي أن يقرأوا انتقاداته بعناية ويأخذوا بها حين كانت مفيدة للبلد. فهو سمى بين أسباب انهيار الاتحاد السوفييتي فقدان فعالية الإدارة في فترة ما بعد ستالين. وبالرغم من كراهيته الشديدة لستالين كخصم طبقي عنيد، اعتبره "رجلاً قديرا وذكيا بشكل لا يصدق"، واعتبر أن النظام الذي أنشأه ستالين كان على "مستوى عال" من حسن الإدارة وفعاليتها.
ليس بريزينسكي هو من يقع عليه اللوم في المقام الأول في أن الاتحاد السوفياتي بدأ يتحلل من الداخل منذ أيام خروشوف. ولم يخفِ بريزينسكي فرحته بإدخال القوات السوفياتية إلى أفغانستان فقال: "لقد حصل السوفيات على حربهم الفيتنامية". فقد تنطحت القيادة البريجنيفية آنذاك لتغيير بنية بلد بدائي تقريبا وفقا للنموذج السوفيتي؟!
كتب بريزينسكي في عام 1994 يقول: "روسيا يمكن أن تكون إما إمبراطورية وإما ديمقراطية، ولا هذا وذاك في نفس الوقت ... وبدون أوكرانيا ستكف روسيا عن أن تكون إمبراطورية، بينما هي مع أوكرانيا، إذا ما اشترتها وأخضعتها لها، ستتحول تلقائيا إلى امبراطورية". عشرون عاما ونيف لم تكن كافية لتفهم القيادة الروسية حكمة بريزينسكي هذه. وماذا في الحصيلة؟ الحصيلة معروفة اليوم: أوكرانيا ذات نظام فاشي معاد لروسيا حتى العظم، وهي مثابة خنجر في خاصرتها.
لقد كانت الأنواع والأشكال المختلفة من الحكومات في الولايات المتحدة، تلك التي "ركّبها" بريزينسكي وأمثال بريزينسكي، تعمل باستمرار وعلى مدى عقود طويلة على إضعاف الاتحاد السوفياتي وتدميره، ولكن لم يتمكن قادته من بناء منظومة فعالة من التدابير المضادة.
فها هي روسيا الآن أضعف بكثير من الاتحاد السوفياتي حتى في حقبته المتأخرة، والهجوم عليها لم يضعف عما كان عليه آنذاك رغم "رأسماليتها" الآتية متأخرة. وفي الوقت نفسه، هي لم تغير من نهجها، علما أن المرء ينبغي أن يتعلم من أخطائه. فلا يزال ورثة بريزينسكي حتى اللحظة يضربون في روسيا ليصيبوا منها مقتلاً. ومع ذلك تستثمر مليارات من أموال الدولة الروسية في البنوك الأمريكية، وروسيا رغم كل العداء السافر لها وانتهاك حرمة سفاراتها وقنصلياتها و"اصطياد" مواطنيها وهم في بلدان أخرى ومحاكمتهم وحبسهم لا تفكر حتى في أن تسحبها من هناك. ربما خوفا على سعر صرف دولارات أوليغارشييها!!! ويتم رص صفوف الأوليغارشيا الكومبرادورية، ولا تزال روسيا في هذا الميدان سباقة حيث تُفرِخ الملياردير تلو الملياردير على خلفية مزيد ومزيد من افتقار الشعب. والمنظمات غير التجارية (الإنجاءات NGO) المشكوك في أمرها وأمر أنشطتها، والعملاء الأجانب، وعملاء النفوذ المزروعون هنا وهناك، والمعارضة "المتأمركة" تغذيها كلها المنح النقدية الأمريكية، وروسيا تتملق في هذا الوقت لبعض المخرجين والفنانين السخيفين الفارين من هناك هربا من الضرائب الملاحقين قانونيا على عدم دفعها في بلادهم. والبلاد تهزها الهجمات الإرهابية بين الفينة والفينة، ولكنها لم تنشئ بعد حماية فعالة ضدها. ولا يزال في عدد من "الجمهوريات القومية" يوجد من يأمل في أن "يحوش" أكبر قدر من السيادة يمكنه "اقتناصه"، فكأن السلطة الروسية لا يمكنها التفكير في تحسين الإدارة إلا باسترضاء بارونات الأقاليم الذين ما عادوا ليشبعوا من شدة النهم.
لقد وصل الأمر إلى حد أن راح بعض السياسيين الأميركيين يعلنون الحاجة إلى سحب الرئيس الروسي من الكرملين "ولو بالقوة"، في حين أن آخرين يهينون الروس بالسباب والشتيمة على الهواء على شاشات القنوات التلفزيونية الغربية الكبرى. والقادة الدمى في بعض أشباه الدول اللواحيق (جمهوريات البلطيق وبولندا وكل الجوقة المعادية لروسيا حديثا بإيعاز وتحريض غربي أو بدونه) يكادون يهددون روسيا بغزو عسكري.
في كل الأزمان كان العدو في بعض الأحيان أكثر إفادة من الصديق، ومن الفائدة بمكان التعلم منه والانتباه إلى انتقاداته. فبطرس الأكبر مثلا تعلم من أعداء روسيا، فعزز قوة ومنعة الجيش الروسي في صراعه مع ملك السويد كارل الثاني عشر على أوكرانيا (معركة بولتافا). أما السلطة البرجوازية الروسية فمهتمة برعاية مصالح رجال الأوليغارشيا والنخبة المؤلفة من البوموند السخفاء وبتفريخ المزيد منهم باسم زيادة الدخل القومي وتقوية ودعم الفعاليات الاقتصادية التي يرتكز عليها النظام، فيما هي لا تقيم وزنا لشعبها المحروم وتزيد من إخضاعه لمصالحم بالأجور الزهيدة وبالاستفادة من الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالعالم ومن انخفاض أسعار النفط عالميا لتزيد التضخم النقدي وتضعف الروبل إلى نصفه وأكثر خلال فترة وجيزة وتحمّل الشعب الكادح البسيط أعباء الأزمة وحده، وتجعل تحصيل العلم الكامل والمتنوع في المدارس والجامعات حكرا على الأغنياء عبر خصخصته أو خصخصة الجزء المتقدم منه، ولا تعطي الشعب فرصة حقيقية لحكم البلاد رغم ادعاء الديمقراطية. وروسيا لا تزال واحدة من البلدان المتقدمة القليلة التي لا تستثمر أموالاً حقيقية في شعبها. كما أن السلطة الحالية لم تحقق أية إنجازات تذكر حتى الآن في مجال رفع مستوى الصناعة والعلوم بعد أن دمر معظم ما تحقق في العهد السوفياتي لصالح اقتصاد ببع الثروات الطبيعية. مفهوم أن مجمع الصناعة الحربية سيكون دائما محرك التقدم في روسيا، ولكن هناك أيضا وسائل النقل، ومد الطرق، والكيمياء والإلكترونيات وغيرها. فهي كلها تقريبا متخلفة فيها عما في الدول الصناعية الرائدة. وهناك ضرورة مكافحة الجريمة مثلما كان يكافحها ستالين، بيد من حديد. كانت حماتي تقول: في أيام حكم ستالين كنا ننام وأبواب بيوتنا مفتوحة على مصاريعها! وكانت الأسعار تنزل سنويا، ولم تكن هناك أية ندرة في السلع التي تأتي إلى السوق....
والضرورة البارزة أيضا هي أن يكف التلفزيون وباقي وسائل الإعلام التي يسيطر عليها خاصة "الطابور الخامس" المتمثل في لوبي يهودي ليبرالي متصهين عن رمي الأوساخ على الماضي وبخاصة عهد ستالين والعهد السوفياتي عموما واستخدام كل أدوات الدعاية والأكاذيب النازية التي راجت في عهد هتلر لتشويه الحقبة السوفياتية خاصة. وعن التقليل من أهمية الإنجازات الكبيرة حتى في فترة ما قبل الاتحاد السوفيتي، حيث تميزت روسيا على الدوام بوجود رجال عظام وبتضحيات شعب عظيم وبإنجازات عظيمة كثيرة. وهل يمكن باسم الديمقراطية وحرية إبداء الرأي التسامح مع الكره لكل ما هو روسي المنتشر في أوساط بعض المعادين لروسيا وللاتحاد السوفياتي في وسائل إعلام تملكها الدولة؟! وكيف تتعامل السلطة الحالية مع أراضي الأجداد التي يسكنها شعب روسي وشعوب صديقة أخرى كانت ذات يوم جزءا من الاتحاد السوفياتي، وبات سكانها اليوم يعانون من محاولة تحويلهم إلى مواطنين من الدرجة الثانية؟ وهل ستكون استعادة شبه جزيرة القرم مثلا إلى الحضن الروسي مدخلا إلى تحسين حياة السكان هناك، أم أنها ستضحي مرتعا لمضاعفة رأس المال المنهوب في زمن الخصخصة الظالمة والمقيتة في تسعينيات القرن الماضي وأوائل الحالي؟ ومن الضروري أيضا ليس فقط تصنيع وإنتاج أسلحة جديدة وجديدة، ولكن من وقت لآخر التلويح بإمكان استخدامها ضد كل من تراوده في الأراضي المتاخمة للدولة الروسية (وثمة جزء منها اقتطع بطريقة غير مشروعة من الأراضي الروسية) فكرة أن ينهج سياسة عدوانية ضد روسيا، وأن ينشر قواعد حلف الناتو وأن يبادر إلى استفزازات عسكرية على الحدود وهلم جرا.
مثل هذه الأفكار تراود كل من يحرص على أن تستعيد روسيا مكانها المرموق في ركب الحضارة ودورها في إنارة طريق التقدم للشعوب الأخرى وفي أن تُعامَل كما يليق أن يعامَل شعب عظيم بإنجازات أبنائه البارزين وبتفاني بسطائه وتقديمهم التضحيات الجلى ليس فقط لوطنهم بل أيضا للشعوب الأخرى التائقة إلى التحرر من الاستعمار والتبعية والتخلف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أنصار الله: نفذنا 3 عمليات إحداها ضد مدمرة أمريكية


.. ??حديث إسرائيلي عن قرب تنفيذ عملية في رفح




.. فوز الديمقراطية -سمر لي- بالانتخابات التمهيدية في بنسلفانيا


.. بايدن يؤكد التزامه بأمن إسرائيل بعد إقرار حزمة مساعدات لدعمه




.. بعد إقرار مساعدات لأوكرانيا.. بايدن: نحن لا ننحني لبوتين