الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إصلاح هيكلية البيشمركة .. الإستراتيجية الثانية لإقليم كردستان

محمد حبش كنو

2017 / 10 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


كتبت الكثير من مراكز البحث الدولية ومعاهد الدراسات الإستراتيجية والعسكرية عن هيكلية قوات البيشمركة وقوى الأمن في إقليم كردستان و التي أثبتت فعالية في مواجهة تنظيم داعش وفرض الأمن والإستقرار في الإقليم عكس المناطق الأخرى في عموم العراق والتي ظلت تشكو الفوضى والتفجيرات منذ سقوط نظام صدام حسين ولكن قوات البيشمركة بقيت تحمل في طياتها الكثير من الخلل خاصة بعد سنوات الرخاء النفطي و هنا سنتطرق إلى بحث نشره معهد كارنيغي في 16 كانون الأول ديسمبر 2015 ولعله سيفيدنا ويلقي الضوء على الأسباب التي أدت إلى الإنكسارات الأخيرة في كركوك والمناطق المتنازع عليها .

يورد التقرير مقابلة لمحمد حاجي محمود وهو قائد مخضرم في البيشمركة يقول فيها بأنك إذا نظرت إلى البيشمركة فستظنهم متحدين ظاهريا ولكن كل واحد سرعان ما يهرع إلى حزبه إذا أتته الأوامر من القيادة الحزبية وهو ما قد يؤدي إلى الإنشقاقات في أي وقت ويقول جبار الياور الناطق باسم البيشمركة أنهم أخفقو في توحيد قوات البيشمركة رغم كل المحاولات .

يذكر التقرير أن الخلل لا يكمن فقط في سطوة الحزبين الرئيسين على قوات البيشمركة بل في تحكم الأفراد داخل أحزابهم أيضا فلكل مسؤول بيشمركته الخاصة به فعلى سبيل المثال يمتلك كوسرت رسول قوات الهيزكاني والتي يتراوح مقاتلوها ما بين ألفين إلى ثلاثة آلاف مقاتل ويمتلك بافل طلباني قوات مكافحة الإرهاب التي لا تتبع وزارة البيشمركة أو أية جهة قانونية أخرى ورغم أن بافل يعتبر إبن هيرو زوجة الطلباني فإن لدى هيرو أيضا بيشمركتها الخاصة بها أما نيجرفان البرزاني فلديه قوات خاصة به مهمتها حماية حقول النفط في كركوك .

التوظيف في البيشمركة

إحدى أكبر العقبات التي واجهت قوات البيشمركة بعد اتفاقية الحكم الذاتي وسنوات الرخاء هي قضية التوظيف والرواتب ومستويات الفساد في ذلك فمن أجل أن يستفيد البيشمركة من الرواتب التي تدفعها الحكومة الإتحادية لقواتها قامت بتسجيل الكثير من الأسماء الوهمية ما بين أسماء لأناس متوفين أو أسماء لا وجود لها على أرض الواقع أو أسماء أناس سجلو دون أن يتواجدو ضمن القوات وهم يذهبون لقبض رواتبهم على رأس كل شهر وربما يذهب الراتب مناصفة بين الضابط المسؤول والمسجل ويورد تقرير المعهد بأن عدد قوات البشمركة الفعليين أقل بكثير من العدد المتداول إعلاميا .

يذكر التقرير أيضا نقطة مهمة وهي أن بيشمركة الإتحاد الوطني تقبل المتطوعين الغربيين في صفوفها بينما ترفض قوات كمال كركوكي ذلك ولعل ذلك يفسر جزئيا تواطؤ الغرب مع بعض قيادات الإتحاد الوطني في الأحداث الأخيرة ويبقى أن نشير إلى أهم نقطة وهي أن التنسيق بين بيشمركة الإتحاد الوطني وإيران والميليشيات الشيعية وكذلك تنسيق بيشمركة الديمقراطي مع تركيا كان أكثر بكثير من التنسيق بينهما رغم أنهما من المفروض أن يكونا جسما واحدا في وطن واحد .

يوصي التقرير في نهايته بعدة توصيات لإصلاح بنية هذه القوات ويذكر المحاولات الأمريكية التي فشلت في ذلك ومن هذه التوصيات إنشاء أكاديمية واحدة للبيشمركة بدل الأكاديميتين الحزبيتين المتواجدتين في زاخو وقلاجولان وما سيتبع ذلك من استقطاب المتطوعين المستقلين وكذلك دمج قوى الأمن والمخابرات وإنهاء حالة الفساد وتغيير الحرس القديم الذي كان يحكم أيام الحرب الأهلية بين الحزبين لنسيان آثار الماضي ورفد القوات بدماء جديدة تعمل بمنطق المصلحة الوطنية بدل الحزبية خاصة إذا علمنا ان تنظيم داعش ذكر في إحدى دورياته الشهرية أنه على علم بهذه الخلافات بين الحزبين ويريد إستثمارها وإذا كانت داعش قد فشلت في ذلك فإن الحكومة العراقية وقاسم سليماني قد نجحو في ذلك لأبعد الحدود .

ما المطلوب من الإقليم حتى يصحح المسار ..؟؟

بعد أن استعرضنا ما ورد في تقرير معهد كارنيغجي كنوع من فهم الأسباب سنحاول الآن تقديم بعض الحلول إعتمادا على أبحاث عسكرية أخرى وكذلك ما يجري من معارك في الشرق الأوسط بعد أحداث الربيع العربي والأسباب التي أدت إلى نجاح بعض الجيوش والميليشيات وإخفاق أخرى مع استعراض بعض من استراتيجيات التاريخ .

لتصحيح مسار القوات الكردية فإن الإقليم لديه إستراتيجية مهمة تلجأ إليها الكثير من الدول في حالات الخطر وهي فكرة عسكرة المجتمع وكان على الإقليم أن يلجأ إلى ذلك منذ التسعينات بما أن الكرد في خطر وجودي منذ الأزل والتراخي الذي حصل في سنوات الرخاء كان بسبب التواكل المقيت عبر فكرة أن المجتمع الدولي وخاصة أمريكا ستحمي الكرد من أي إعتداء قد يطالهم في أي وقت متناسين أن التاريخ الكردي مليئ بالغدر من الدول العظمى بما فيها أمريكا نفسها .

عسكرة المجتمع لها آليتان رئيسيتان تتفرع عنها آليات أخرى وعلى الإقليم الإستفادة هنا من تجربة قوات الحماية الشعبية في روجآفا كونها نجحت في عسكرة المجتمع وتطويعه وهنا علينا أن نشرح هاتين الآليتين بشيئ من التفصيل :

الآلية الأولى التجنيد الإجباري

إن اهم مبدأ تعتمد عليه الكيانات حديثة المنشأ هو مبدأ التجنيد الإجباري وهذا ما أتقنته إسرائيل منذ بداية نشأتها ورغم ما امتلكته بعد ذلك من قوة عسكرية ونووية تفوقت بها على المنطقة أجمع فإنها لم تتخل عن هذا المبدأ بل جعلته فرضا على الرجال والنساء على حد سواء لأنها اعتبرت دائما أن وجودها مهدد عكس ما حصل في إقليم كردستان في سنوات الرخاء النفطي حيث ذهب الضباط والمسؤولون لبناء القصور والإستفادة من الإمتيازات وشراء ولاءات المتطوعين من البيشمركة عبر المكاتب الحزبية وليس عبر حالة وطنية جامعة تشكو الزوال في أية لحظة ومحاطة من جميع أطرافها بالأعداء .

لا بد من الإشارة هنا أن التجنيد الإجباري لن يلاقي ترحيبا من الشعب في بداياته ولكن هناك أساليب كثيرة تعتمد على فهم سيكولوجيا الجماهير تبدأ بمسألة التمهيد الإعلامي الذكي لذلك وتفصل مهام المجندين حيث يجب أن يكون التمهيد لها بأن إختصاص المجندين ستنحصر في حماية المدن والقرى أما مهام المتطوعين فهي جبهات القتال حتى لا يتخوف الشعب من مسألة زج أبنائهم في جبهات القتال ومن المهم أيضا تقصير مدة التجنيد لتنتهي القضية بأن تصبح أمرا واقعا ربما تتجاوز مهماتها أكثر مما خصص لها فيما بعد .

الآلية الثانية إنشاء قوة رديفة من المهمشين .

هذه الفكرة تضرب بجذروها في عمق التاريخ وقد أتقنها إسكندر المقدوني في حروبه لتوسيع إمبراطوريته التي إمتدت شرقا وغربا وخاصة في معركة غوغاميلا أمام الملك الفارسي داريوس وما زالت هذه المعركة تدرس في كبرى المعاهد العسكرية حول العالم حتى يومنا هذا وفي إعتقادي أن ما بات يعرف حديثا بالحرب الهجينة والتي تستخدم فيها قوات رديفة مع الجيوش النظامية هي استنساخ لفكرة الإسكندر الأكبر وقد أتقنها التحالف الدولي مع وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا وكذلك أتقنها النظام السوري حين جلب حزب الله وكتائب عراقية وأفغانية حقق بها الكثير من الإنتصارات داخل سوريا ولفهم القضية أكثر لا بد أن نعرج على معركة غوغاميلا ببعض من الشرح .

للمفارقة وبما أننا نتحدث عن إقليم كردستان فإن معركة غوغاميلا وقعت قرب مدينة أربيل في السهل الممتد بينها وبين الموصل في عام 331 قبل الميلاد حيث حشد الملك الفارسي داريوس قوة عظيمة هناك قدرتها بعض المصادر بمئتين وخمسين ألفا مع مئتي عربة مجندلة وعدد من الفيلة وفرق كبيرة من الخيالة والفرسان بينما لم يتجاوز جيش إسكندر سبعة وأربعين ألفا منهم سبعة آلاف فارس والبقية من المشاة ورغم ذلك فقد إنتصر الإسكندر إنتصارا ساحقا على جيش داريوس وأنهى حكم الإمبراطورية الإخمينية العظيمة وغير خارطة الشرق القديم .

ما يهمنا في هذه المعركة وأهم إستراتجياتها هي القوات الرديفة من أبناء الفقراء والمهمشين حيث عمد إسكندر المقدوني إلى إنشاء قوة كاملة سميت بالبيسيليت بأسلحة غير نظامية و كانت ترافق الجيش كمشاة وهدفهم إثارة البلبلة في صفوف العدو وأسلحتهم كانت الحجارة والمقاليع اليدوية المصنوعة من الخيوط وكذلك العصي وكانو يقومون أحيانا بإثارة الأتربة والأصوات في وجه الخيالة ويتميزون بخفة الحركة والتنطط في أرض المعركة هنا وهناك وقد نجح الإسكندر في تقسيم جيشه إلى عدة فرق حيث كانت هناك فرقة أخرى تسمى البلتاست وفرقة تسمى الهوبليت وهذه الأخيرة هي القوات النظامية الرئيسية التي تحارب بمفهوم الجيوش أما البلتاست فكانت قوة رديفة أيضا تجمع ما بين خفة الحركة لدى البيسيليت وقوة شكيمة الهوبليت وكانت ترافق الفرسان والخيالة بالرماح كقوة مساندة من المشاة .

بعد أحداث الربيع العربي وسيطرة ميليشيات غير نظامية على مساحات واسعة في سوريا والعراق ثبت أن الجيوش النظامية لا تستطيع مواجهة هذه التشكيلات رغم أنها تتفوق عليها في السلاح وتمتلك القوة الجوية التي لا تمتلكها هذه التشكيلات وعليه فقد انهزم الجيش السوري والعراقي أمام تنظيم داعش الذي اقترب من أن يبتلع المنطقة برمتها وبرزت الحاجة هنا إلى قوات رديفة استخدمها النظام السوري سواء كانت ميليشيات من خارج سورية أو ميليشيات داخلية كقوات الدفاع الوطني واضطر الجيش العراقي أيضا لإصطحاب ميليشيات الحشد الشعبي في كل معاركها فيما بعد .

التحالف الدولي إعتمد هذه الإستراتيجية أيضا وخاصة فيما يتعلق بقوات الحماية الشعبية في سوريا والتي تشكلت من أبناء الفقراء والمهمشين وتعتمد فكرة صنع القوات الرديفة من هذه الطبقة أنها تكون عادة عاطفية ومقدامة وأهم من ذلك كله انه ليس لديها ما تخسره بعكس القوات النظامية في الشرق الأوسط التي نخرها الفساد ويخشى ضباطها من زوال إمتيازاتهم ومصادر رزقهم وهذا كان أحد أسباب إنهيار الجيش السوري قبل أن يطعم بالقوات الرديفة من قبل إيران والقوات الجوية من قبل روسيا وهذا ما حدث مع قوات البيشمركة أيضا في الأحداث الأخيرة كما أشرنا في تقرير معهد كارنيغي عن حجم الفساد والإمتيازات حيث بات تقاسم ثروات البترول والمعابر وبناء القصور والمنتجعات والتحكم الحزبي عائقا أمام فدائية هذه القوات التي ابدت بسالة عظيمة سابقا في مواجهة جيش صدام الذي كان يفوق المليون مقاتل رغم ان قوات البيشمركة كانت أقل عددا وعدة من الآن ولكن لأنهم كانو يحاربون وليس لديهم ما يخسرونه من إمتيازات .

لا شك أن الأمريكيين درسو بنية المنطقة بشكل جيد وكانو بحاجة إلى مقاتلين أشداء للسيطرة على منابع الغاز والبترول في سوريا واستخدمت ثغرة هجوم داعش على كوباني التي كانت تشهد نموا وإزدهارا ملحوظا وبدى أن أهلها غير عابئين بقتال داعش لأسباب كثيرة منها فساد القيادات كحالة شبيهة بما يحصل في كردستان العراق ومنها حالة الإزدهار والإستقرار فكان قرار تدمير المدينة والتي نجح بموجبها التحالف أن يجعلها مفرخة للمقاتلين بعد تدميرها وتم تنظيم قوات جديدة بعد تحريرها وإمساك التحالف بزمام الأمور و تجنيد أبناء الفقراء والمهمشين كقوات رديفة تحارب إلى جانب قوات الكوماندوس الأمريكية والفرنسية والتي حققت نجاحات باهرة على الأرض وما لا نتمناه لإقليم كردستان أن لا يكون الثمن تدمير مدنهم وإمتيازاتهم وإستقرارهم لتنظيم قوات جديدة تتطلب الدخول في حرب طويلة مع العراقيين أو الإيرانيين باستخدام إستراتيجية الهدم الكلي للبناء من جديد والتي استخدمها التحالف في كوباني بل نتمنى لهم أن يصلحو هيكلية قواتهم بشكل جدي لمواجهة كل الصعوبات التي ستأتي في المرحلة القادمة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أوروبية جديدة على إيران.. ما مدى فاعليتها؟| المسائية


.. اختيار أعضاء هيئة المحلفين الـ12 في محاكمة ترامب الجنائية في




.. قبل ساعات من هجوم أصفهان.. ماذا قال وزير خارجية إيران عن تصع


.. شد وجذب بين أميركا وإسرائيل بسبب ملف اجتياح رفح




.. معضلة #رفح وكيف ستخرج #إسرائيل منها؟ #وثائقيات_سكاي