الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طفولة عقل (2)

ماهر رزوق

2017 / 10 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لايزال موضوعنا الأساسي (تحليل و تفكيك العقل العربي) جارياً ، و كما أشرت سابقاً ، أنه قد يبقى جارياً حتى زمن متقدم ... لأن ذلك العقل أثبت في هذه المرحلة الراهنة و المصيرية في حياته ، أنه مازال غير قادر على قيادة مصيره و التحكم بالظروف بما يخدم مصالحه ... مازالت الظروف هي التي تتقاذفه من مصير إلى مصير ، و هو من ناحية أخرى ، مازال متشبثاً بنفس الطريقة في التفكير و التعاطي معها ... و لذلك مازالت تجاربه تقدم نفس النتائج التي قدمتها في قرون سابقة !!

ما نراه أمامنا اليوم ، واضحاً و جلياً ، أن الثورات العربية لم تكن ثورات حقيقية ذات منهجية عملية و منظور سياسي محدد ، لم تكن منظمة تنظيماً حقيقياً يضمن نجاحها و استمرارها ، ببساطة لأنه لم يكن مخطط لها أساسا ... كانت صدمة و حدث طارئ على مجتمعات نسيت معنى الممارسة السياسية منذ زمن طويل ... لذلك يطلق عليها أغلب المفكرون المعاصرون اسماً يظنونه أكثر تلاؤما مع ظروفها ، ألا و هو (فورة) ... لأنها كانت ردة فعل أكثر من كونها فعل منظم و مدروس ...

المهم أن تلك الثورات قدمت خدمة كبيرة للباحثين في الشأن العربي ، فهي ساعدت على كشف أسوأ و أفضل ما يمكن أن يقدمه العقل العربي خلال محاولاته الانتفاض على واقعه المتخلف ، و تغيير وضعه ، من مسيّر و مجبر و مفتعل به ... إلى قائد الدفة و سيد الموقف و المصير ...

وعندما تسلم ذلك العقل زمام الأمور ، و كثرت الخيارات أمامه ، ظهر لنا على حقيقته بكامل وضوح صورته ، بدون أي نوع من أنواع الأغلفة المزيفة (التكنولوجية و العمرانية مثلا) التي كان يتقنع بها منذ زمن ، ساتراً بها تخلفه ، و مختبأً خلف إصبعه ...

أهم الظواهر السيئة التي أفرزتها تجربة ذلك العقل في الانتفاض _ نقطة ذكرتها سابقاً و أعيد ذكرها لاعتقادي أنها نقطة هامة جداً و مصيرية في مسيرة ذلك العقل نحو خلع عباءة التخلف و التحرر منها للأبد _ هي طريقة تعامل ذلك العقل مع أضعف مكونات مجتمعه و التي هي المرأة ...
فالحراك العربي لم يقم به رجال فقط ، و إنما شاركت به النساء أيضاً ، في مشهد درامي غريب عن الساحة العربية ، أو يمكن القول أنه مشهد طبيعي أساساً ، و تم إضفاء الغرابة عليه ، على مدى سنوات طويلة ، لأهداف سياسية و دينية ...

شاركت المرأة في ذلك الحراك ظناً منها أن الحرية عندما تتحصل ، فإن خيرها يعم على الجميع ... لكنها صدمت بواقع أن العقل العربي مازال يتعامل مع واقعه بعقلية قروسطية لا تتفق مع المبادئ التي خرج ينادي بها أساساً !!

حيث صدم ذلك العقل بالمطالب النسوية التي أنتجها ذلك الحراك و التي لا تتفق أبداً مع طريقة تفكيره و تعاطيه مع الأمور ... فالمرأة العربية بدأت تثير قضية التساوي بالحقوق و الواجبات بشكلٍ فعال و حقيقي ، كما أنها لم تعد تنظر لنفسها كتابع و تنظر للرجل كوصي عليها ... أصبحت تبحث عن ذاتٍ مستقلة كانت قد فقدتها منذ زمن طويل ، بفعل أثر التيارات الدينية المتشددة التي اجتاحت المجتمعات العربية لعقود عديدة قبل الحراك ... تلك التيارات التي وظفت من قبل الدول الاستعمارية و الانظمة العربية للسيطرة على تلك المجتمعات و إبقائها ضمن دائرة التخلف و التبعية ...

فالمرأة في ظل هذه الأحداث ، أثارت قضايا عديدة ، مثل مسألة الحجاب بأنها مسألة عادات و تقاليد فقط لا غير ، و ليس لها أساس ديني صريح في القرآن ... و كذلك مسألة التساوي في الميراث التي أصبحت ضرورة في ظل ظهور المرأة العاملة و المستقلة ... و مسألة اعتبارها ناقصة عقل و غير مؤهلة للقيادة ، في ظل دراسات علمية حديثة تؤكد أن التفوق العقلي للرجل مجرد خرافة قديمة ، بل إن المرأة قد تتفوق عليه أحياناً !!

هنا شعر العقل العربي بخطورة الموقف ، و صعوبة السيطرة على استقرار مجتمعه عندما تجتاحه الحريات و تمطره التساؤلات و المطالبات من كل حدبٍ و صوب ... فما كان منه إلا أن ارتد إلى قوقعته و عاد إلى تراثه ليستخلص منه حلولاً لذلك المأزق الطارئ ... مما دعا إلى فشل ذلك الحراك في استقطاب الرأي العام الداخلي و الخارجي ... فالإنسان العربي أصبح يفضل حكم الديكتاتور على حكم العقلية الدينية القاسية التي أعطت مثالاً صريحاً عن قسوتها في الإعدامات و الجرائم الانسانية التي ارتكبتها داعش و غيرها من الجماعات المؤدلجة دينياً و المدعومة عالمياً من قبل الدول ذات الأهداف الاستعمارية التي تستخدمها للحفاظ على تبعية المجتمعات العربية لها ، ثم تتخلص منها في مشهد درامي خرافي و مثير للسخرية ...

لذلك مازلنا نوصّف حالة ذلك العقل ، بأنها حالة طفولية و غير مسؤولة ، و غير قادرة على قيادة المصير نحو الأفضل ... و هذا يفسر (برأيي) الارتداد الذي حصل في كثير من الدول العربية و عودتها إلى حضن الحكم العسكري و الديكتاتوري رغم تجربتها السيئة و المريرة معه ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل شخص وجرح آخرين جراء قصف استهدف موقعا لقوات الحشد الشعبي


.. فايز الدويري: الهجوم رسالة إسرائيلية أنها تستطيع الوصول إلى




.. عبوة ناسفة تباغت آلية للاحتلال في مخيم نور شمس


.. صحيفة لوموند: نتيجة التصويت بمجلس الأمن تعكس حجم الدعم لإقام




.. جزر المالديف تمنع دخول الإسرائيليين احتجاجًا على العدوان على