الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إلينا بالغربال !

نايف سلّوم

2017 / 10 / 25
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


تعقيب مقتضب على مقالة محمد سيد رصاص: "ماذا بقي من الماركسية؟"!
يوحي عنوان مقالة رصاص بفهم محدد للماركسية ، فهي حسب وجهة النظر هذه: تراث ماركس النظري وما تم الاجتهاد عليه من قبل غرامشي ولوكاش. ما يعني أن الماركسية هي جهد هؤلاء المفكرين العظام وحسب ، وبالتالي فأي انحراف عن هذا التراث حتى لو كان تحت ضغط الأحداث والوقائع الجديدة، هو انحراف وضلال ، إن من يقرأ المقالة بتأني وتدقيق يجد أن الهدف من غربلة "الماركسية" هو إبعاد لينين وكل التراث البلشفي عن التراث الماركسي و"تكفير" انجلز بتهمة الهرطقة الوضعية ، بالتالي إبعاد ديالكتيك ماركس عن ماديته وإدانة إنجلز لاهتمامه بحقول معرفية لم يتثن لماركس الانشغال بها ، وإدانة نبرته التعليمية في بعض أعماله كأنتي دوهرنغ، مع أن ماركس شارك في هذا الكتاب عبر كتابة الفصول الخاصة بالاقتصاد السياسي ، و كان يطمح وهو يكتب رأس المال لوضع كراس تعليمي عن الفلسفة يلخص فيه ما هو عقلاني في منطق هيغل، يكتب ماركس أثناء العمل على رأس المال : "وعلى أي حال ، فإن الأمور تتطور بصورة مرضية. لقد رميت إلى البحر بكل مذهب الربح كما كان موجوداً حتى الآن . وفي منهج المعالجة ، فإن نظرية جديدة ألفيتها بمحض الصدفة ، في منطق هيغل أدت لي خدمة جليلة. لقد عثر فرايلغراث على بعض المجلدات لهيغل كانت في الأصل تخص باكونين وأرسلها إليّ كهدية . وإذا ما سنحت لي ذات يوم الفرصة من أجل مثل هذا العمل مرة ثانية، فلشد ما سوف أود أن أضع في متناول الذكاء الإنساني العادي ، في ملزمتين أو ثلاث ملازم مطبوعة، ما هو عقلاني في المنهج الذي اكتشفه هيغل لكن لفّه بالصوفية في الوقت ذاته.."
يقول محمد سيد رصاص: "استخدم كانط نظرية المعرفة للوصول إلى مفهوم للوجود، وكذلك هيغل النظرية التاريخية ، وأيضاً أوغست كونت عبر استخدامه للعلم كأساس لفلسفته، فإن ماركس قد استخدم الاقتصاد السياسي كأساس معرفي لرؤيته الفلسفية الشاملة للكون والمجتمع والإنسان، .."
هذه المقاربة الأنطولوجية لفلسفات متنوعة تبدو غير مجدية ومضللة لأنها تقوم على تشابهات سطحية لا تعطي إمكانية رصد دور كل منها عبر تطور أوربا، كما أنها مصابة كونها أنطولوجيا بعيب الوضعية التي لا تستطيع تفسير الانقطاعات في التاريخ الأوربي، إضافة إلى عجزها عن تفسير معنى فلسفات انحطاط وفلسفات صعود تاريخي. (فلسفة رجعية و فلسفة ثورية)
على سبيل المثال فقد لعبت "لا- أدرية" كانط في نظرية المعرفة دوراً تقدمياً على مستوى التطور التاريخي الأوربي. فقد استخدم كانط مفهوم "الشيء في ذاته" الذي لا يمكن معرفته ، بحيث تم الفصل هكذا بين الجوهر والمظهر؛ لقد قال باستحالة معرفتنا لجوهر الموجودات وأن معرفتنا تقتصر على المظهر من هذه الموجودات . إن سر تقدمية رأي كانط في سياق الصراع الاجتماعي الأوربي هو السعي من قبل مفكري البورجوازية التجارية الصاعدة (القرن الثامن عشر) لكف يد الدين كمعبّر وحيد واحتكاري للحقيقة ، أي التمهيد النقدي والسلبي لكسر احتكار الحقيقة من قبل الكنيسة ورجال الدين كمفكرين اكليريكيين (ظلامين) عضويين للإقطاع. لقد كان عمله الفلسفي سلبياً ، ولكنه كان جباراً على مستوى قدرته على التشكيك بقدرة مثقفي طبقة بائدة على معرفة حقيقة الكون الاجتماعي والتاريخي. كان ضمنياً هجوماً خجولاً على الأيديولوجيا الدينية المستبدة وعلى هيمنة الإقطاع.
أما هيغل فقد تقدم خطوتين إلى الأمام: واحدة عبر انتقاده لـ لا أدرية كانط وسلبيته ، والثانية إشارته العبقرية إلى قدرة الطبقة الجديدة ومثقفيها على معرفة حقيقة الكون الاجتماعي الجديد ، لقد أشار هيغل إلى الأدوات الجبارة الجديدة التي جاءت بها الطبقة الجديدة ؛ أدواتها في الكشف العلمي والاجتماعي التاريخي عن حقيقة كونها. إحدى هذه الأدوات التي هي الديالكتيك كانت من عمل هيغل ذاته، أما الأخرى وهي العلم التجريبي الحديث فكان غاليليو أبرز رموزها. كل ذلك كان مع شروق جديد للشمس؛ شمس الثورة البورجوازية الفرنسية.
"كونت" كان تعبيراً عن بداية انحطاط الدور التاريخي لفكر البورجوازية، حيث نكست البورجوازية عن مهمة كشف حقيقة الكون الاجتماعي إلى المهمة الأصغر وهي كشف حقيقة الكون الطبيعي عبر الوضعوية في الفلسفة . سوف يتم نقل مهمة الكشف العلمي من الحقل الاجتماعي التاريخي إلى الحقل الطبيعي في حركة تاريخية ناكسة تشير إلى بداية انحطاط الطبقة البورجوازية وبداية تدهور دورها التقدمي التاريخي.
لقد أعاد ماركس الاعتبار من جديد لدراسة التشكيلة الاجتماعية عبر دراسة تنظيمها الاقتصادي ، وأعاد الاعتبار لاكتشاف هيغل العظيم؛ اكتشاف الديالكتيك، لكن بعد أن أعاد توجيهه من جديد وبعد أن جعل مقولة التناقض في موقع الهيمنة في الديالكتيك الجديد (المادي)، بالتقابل مع الديالكتيك المثالي عند هيغل الذي تهيمن عليه مقولة النسق . كان ماركس يعبر بهذا عن الدور التاريخي الصاعد لطبقة متقدمة جديدة هي البروليتاريا الأوربية بعد ثورة 1848 في فرنسا. لقد كان "بيان الحزب الشيوعي" 1848 نشيد البداية لمرحلة لاحقة من الكشف العلمي التاريخي الاجتماعي عبر كتاب الرأسمال. يكتب ماركس : "إن الهدف النهائي لمؤلفي (رأس المال) هو الكشف عن القانون الاقتصادي لحركة المجتمع المعاصر(البورجوازي)" كان على ماركس أن يدمج كل انجازات العالم القديم والحديث في عمل عبقري واحد هو الرأسمال. وكان عليه أن يعمل قطعاً مع الميتافيزيقا القديمة عبر تضمين الديالكتيك في الرأسمال، أي القطيعة مع التجريدات الميّتة الفارغة والانتقال إلى دراسة التشكيلة الفعلية ؛ الرأسمالية في كونها الخاص في القرن التاسع عشر وعبر النموذج البريطاني. يكتب لينين: " إذا كان ماركس لم يخلف وراءه "منطقاً" (بالحرفL الكبير Logic ) فقد ترك لنا منطق الرأسمال ، ويجب أن نستفيد من ذلك على أكمل وجه ممكن . فيما يخص هذه المسألة (المنطق في رأس المال) يطبق ماركس على علم واحد ؛ وهو الاقتصاد السياسي كل من (المنطق، الديالكتيك، ونظرية المعرفة المادية. لا حاجة لثلاث كلمات ، إنها أمر واحد)، آخذاً كل ما له قيمة عند هيغل ومطوِّراً إيّاه."
ليس س. ج. أرثر ولا لوكاش ولا اكتشاف "مخطوطات ماركس الاقتصادية- الفلسفية 1844 " جميعها هي التي أشارت إلى استخدام ماركس للديالكتيك في رأس المال ، بل ماركس نفسه أشار إلى فضل هيغل على رأس المال، لكن بعد قلبه وإعادة توجيه جميع مقولات الديالكتيك الذي غدا مادياً. وسوف اقتبس من ماركس عدة فقرات لأبين أنه هو من أشار صراحة إلى ذلك في عدة مناسبات، يقول ماركس: "إن المعلقين الألمان يزعقون، بطبيعة الحال، بصدد السفسطائية الهيغلية . أما مجلة "فيستنيك يفروبي" الصادرة في بطرسبورغ فتجد ، في مقالة مكرسة على وجه الحصر لطريقة "رأس المال" (عدد أيار / مايو عام 1872 ) أن طريقة بحثي واقعية بصورة صارمة ، أما طريقة العرض فهي ، لسوء الحظ، ديالكتيكية على نحو ألماني." .. إن المؤلف ، بوصفه على هذا النحو الموفق لما يسميه بطريقتي الفعلية وبنظرته بعين الرضا إلى أساليبي الشخصية لتطبيق هذه الطريقة ، لم يصف بذلك شيئاً آخر سوى الطريقة الديالكتيكة... صحيح ، أن أسلوب العرض لا يمكنه من ناحية الشكل إلا أن يتميز عن أسلوب البحث . فعلى البحث أن يحيط بالمادة في تفاصيلها وأن يحلل شتى أشكال تطورها وأن يتتبع الصلة الداخلية لهذه الأشكال . وفقط بعد أن يتم انجاز هذا العمل يمكن تصوير الحركة الفعلية كما ينبغي . وإذا أفلحنا في ذلك وحصلت حياة المادة على انعكاسها الأمثل فقد يبدو أننا أمام بنيان مجرد صرف. إن طريقتي الديالكتيكية من حيث أساسها لا تختلف عن طريقة هيغل وحسب، بل وتناقضها بصورة مباشرة . وبالنسبة إلى هيغل فإن عملية التفكير ، التي يحولها حتى تحت اسم الفكرة إلى ذات مستقلة ، هي خالق مبدع الواقع الذي لا يشكل سوى مجرد مظهر لتجليها الخارجي . أما عندي فعلى العكس ، فالمثالي ما هو إلا مادي منقول إلى رأس الإنسان ومحول فيه. .. إن الديالكتيك بشكله العقلاني لا يثير لدى البورجوازية وأيديولوجييها المتحذلقين الجامدين سوى الحقد والذعر، إذ أنه يتضمن إلى جانب الفهم الإيجابي لما هو موجود فهم نفيه أيضاً وهلاكه المحتوم ، وينظر إلى كل شكل مجسد من خلال الحركة، وبالتالي من خلال جانبه العابر أيضا ، والديالكتيك لا يعبد أي شيء وهو انتقادي وثوري من حيث جوهره ذاته. "
نتابع السيد رصاص حين يقول: "هذا النص (يقصد كتاب رأس المال ) تكثيفاً ملخصاً لآلاف الصفحات التي استغرقتها الكتب الثلاثة من "رأس المال" ، من حيث كونها قد عرضت آليات الانتقال من (الضرورة ) ، والقوانين الناظمة لها نحو (الحرية)"
لا يمكن اختزال جهد رأس المال النظري بهذه الصيغ العامة التي تميل للحنين إلى المقاربات الأنطولوجية (الوجودية العامة) ، كما تميل إلى رد هذا الجهد المركز أصلاً على بنية تاريخية بعينها و محاولة استنباط تنظيمها الاقتصادي وقوانينه إلى مجرد عرض للانتقال من الضرورة إلى الحرية . لقد قال هيغل مرة أن الحرية هي وعي الضرورة ، ونقلها عنه الكثير من الماركسيين من دون وعي كاف بالعبارة. إن أولى أهداف رأس المال هي وعي الشرط البورجوازي من حيث كونه شكلاً تاريخياً للتنظيم الاقتصادي واكتشاف وصياغة قانون هذا التنظيم ، واكتشاف حدوده التاريخية، ولادته وموته بالاعتماد على الديالكتيك المادي المُضمَّن في رأس المال. في هذه المرحلة من العمل يبقى ماركس بالمعنى الأخلاقي في الحقل الهيغلي، أي يبقى "عند محاولة الفهم" يكتب هيغل في تصدير كتابه "أصول فلسفة الحق": "هذا الكتاب ، إذن، وهو يحتوي على علم للدولة ، لا يريد أن يكون أكثر من محاولة لفهم الدولة ورسم صورة لها بوصفها شيئاً عقلياً في ذاتها. ولا بد له - بوصفه عملاً فلسفياً - أن يكون بعيداً عن محاولة بناء دولة ما على نحو ما ينبغي أن تكون عليه الدولة ... إنه لا يبين إلا الكيفية التي ينبغي أن تفهم بها الدولة بوصفها عالماً أخلاقياً. هنا رودس هنا نقفز"
إن تقدم التاريخ الأوربي وظهور البروليتاريا كطبقة جديدة على المسرح السياسي جعل مهمة ماركس بحاجة إلى تكملة ، وهي أنه لا يكفي تفسير العالم ، بل لا بد من تغييره. لقد طرح التاريخ على ديالكتيك ماركس مهمة أخلاقية جديدة وهي، إضافة إلى فهم الشرط البورجوازي في تنظيمه الاقتصادي ، مهمة تغيير هذا الشرط وتجاوزه . بكلام آخر: ليس فقط الكشف عن القانون الاقتصادي لحركة المجتمع البورجوازي المعاصر ، بل العمل على تغييره وتجاوزه عبر بناء الحزب الثوري للطبقة الجديدة (البروليتاريا) وبناء إستراتيجيتها الثورية في التحالفات الطبقية وعبر تكتيكاتها السلمية والحربية. لم تعد النظرية الماركسية معنية بالفهم وغبطته فحسب، بل بات مطلوب منها أن تشير إلى الطريق الذي يؤدي إلى تجاوز الشرط البورجوازي. لقد غدت قضية التنظيم هي التكملة الضرورية للكمال العلمي الذي أنجزه رأس المال. وبات مفهوم العلم ذو وجهين نظري وعملي يربطهما برنامج الطبقة الجديدة السائرة نحو هيمنتها التاريخية. يكتب ماركس: "لم يفعل الفلاسفة حتى اليوم سوى تفسير العالم بطرق مختلفة ، لكن الأمر الهام هو تحويله"
وماركس لا يرسم ملامح الحقبة القادمة ولا الأشكال العينية للمجتمع الجديد، بل هو يعرّفه سلبياً ويعتبره نتاج التجاوز الفعلي للمجتمع القائم البورجوازي. يكتب في الأيديولوجية الألمانية: "إن المقصود بالنسبة إلى المادي العملي، يعني بالنسبة إلى الشيوعي ، هو تثوير العالم القائم، مهاجمة الأوضاع القائمة ، كما يصادفها وتحويلها عملياً" .. ويضيف: "تختلف الشيوعية عن جميع الحركات التي سبقتها حتى الآن في أنها تقلب أساس جميع علاقات الإنتاج والتعامل السابقة ، وتعالج بكل وعي ، للمرة الأولى، جميع الشروط السابقة الطبيعية على أنها صنائع البشر الذين سبقونا حتى الوقت الراهن، وتجردها من طابعها الطبيعي وتخضعها لسلطان الأفراد المتحدين، ولذا فقد كان تنظيمها اقتصادياً بصورة جوهرية، ألا وهو الإنتاج المادي لشروط هذه الوحدة.. إن الأوضاع التي تخلقها الشيوعية هي على وجه الدقة الأساس الحقيقي الذي يجعل من المحال وجود أي شيء كان بصورة مستقلة عن الأفراد" . إن الشيوعية بقضائها على علاقات الملكية الرأسمالية الخاصة تمهد الأرض للقضاء على كل بنيان طبقي وعلى كل استغلال ، وتمهد الأرض لتنقل علاقات إنتاج البشر من علاقة "تحوم" فوقهم وتستعبدهم إلى علاقة بينهم تغني فرديتهم وتجعلها تزدهر وتتطور بشكل لا نهائي.
إن العيب في مقالة سيد رصاص هو أنه يقتبس عن قراء لماركس وانجلز ولينين ولا يقتبس من المصادر الكلاسيكية مباشرة ، وهو ما جعل "العامل الاقتصادي" يلتبس عليه ، كما أن هذا الالتباس جعله يغفل الدور الحاسم لعلاقات الإنتاج الرأسمالية في تحديد الهوية التاريخية لهذه التشكيلة ، وأن هدف الشيوعيين النهائي هو تحطيم هذا الشكل من علاقات الملكية والتعامل التي تجعل الأفراد في غربة عن قوة عملهم ومنتجات هذه القوة.
كذلك يلتبس الأمر على سيد رصاص في ضبطه لعبارات من نوع "التحديد" و"الشرط". حيث يجعل الشرط لأسلوب الإنتاج، والتحديد لفاعلية الإنسان الذهنية التي تختار أيديولوجيتها طبقاً لانتماءاتها الاجتماعية.
يحدد تطور القوى المنتجة على المستوى العالمي حالة انقسام العالم (تقسيم العمل) إلى بلدان رأسمالية مركزية غنية (بورجوازية إمبريالية) وبلدان طرفية هامشية فقيرة (بورجوازية متخلفة)، وتسود في المراكز والأطراف علاقات متبادلة بين الناس في عملية الإنتاج الاجتماعية ؛ وهي علاقات إنتاج رأسمالية قائمة على الملكية الرأسمالية الخاصة ، وعلى السوق الرأسمالية (التداول والتبادل الرأسماليين/ علاقات السوق ). لقد عممت البورجوازية الإمبريالية علاقات الإنتاج الاجتماعية الرأسمالية (علاقات الملكية الخاصة الرأسمالية) لكنها احتكرت تطور قوى الإنتاج في أقطارها القومية المركزية، وأعاقت هذا التطور في أطراف النظام الرأسمالي.
يسمّي ماركس مجمل علاقات الإنتاج باسم بنية المجتمع الاقتصادية ، بيد أن مثل هذه العلاقات لا تعدو كونها العلاقات المتبادلة بين الناس في عملية الإنتاج الاجتماعية . وبنتيجة ذلك فإن أي تغيير يطرأ على علاقات الإنتاج هو تغيير في العلاقات القائمة بين الناس ؛ تغير ناجم عن النشاط السياسي للطبقات الهامشية ضمن هذه العلاقات الاقتصادية للمجتمع.
نحن نرى أن ما يحدد فعالية الأفراد الذهنية وغير الذهنية في آخر المطاف هو أسلوب إنتاج الحياة المادية ، أو شكل التنظيم الاقتصادي للمجتمع ، وهذا الأسلوب مكون من نقيضين هما علاقات الإنتاج التي هي في جوهرها أو أساسها علاقات الملكية الخاصة الرأسمالية (علاقات اجتماعية طبقية)، وعلاقات السوق أو علاقات التبادل والتداول والتوزيع تظهر على السطح (علاقات اقتصادية بحتة). العلاقات الاجتماعية تعمل وفق قانون فضل القيمة أو استغلال قوة العمل من قبل الطبقة المسيطرة ، والعلاقات الاقتصادية يحكمها قانون القيمة أو تبادل سلع متساوية في السوق الرأسمالية.
إذن، يرجع التحديد لأسلوب الإنتاج، بينما الشرط مقولة ترجع للصراعات الطبقية/ السياسية . البورجوازية تحاول تأبيد الوضع القائم عبر إعادة إنتاج رأس المال الموسّع والذي يكرس سيطرتها، ويؤبّد تنظيمها الاقتصادي للمجتمع، والبروليتاريا الثورية تريد تجاوز هذا الوضع القائم عبر تحطيم و تجاوز التنظيم الاقتصادي البورجوازي للمجتمع المعاصر عبر صراع طبقي/ سياسي طويل الأمد ، ذو جولات وكرّات. إن بروز المستوى السياسي على سطح الصراع يعني أننا في راهنية عمل ثوري، أما تواريه خلف صراع نقابي/ اقتصادي يعني أن البروليتاريا ما تزال في كنف البورجوازية ووضعها القائم.
يظهر سوء فهم آخر في مقالة رصاص وهو شكل فهمه للمنهج عند ماركس أو في الماركسية. إنه يفهم الديالكتيك المادي عند ماركس على أنه "منهج تحليلي معرفي.." ، ونحن نعرف أن الديالكتيك هو منهج تحليلي /تركيبي في ذات الوقت. يكتب ماركس: "إن الطريقة المستخدمة في رأس المال قد أسيء فهمها ، وهذا ما تدل عليه التقييمات المتناقضة لهذه الطريقة. .. يكتشف السيد م. بلوك أن طريقتي تحليلية ويقول فيما يقول: "لقد أثبت السيد ماركس في هذا الكتاب أنه واحد من أبرز أصحاب العقول التحليلية".. أما مجلة revieu positive فتلومني على أنني أعالج الاقتصاد السياسي بصورة ميتافيزيائية.. أما مجلة فيستنيك يفروبي .. فتجد أن طريقة بحثي واقعية بصورة صارمة ، أما طريقة العرض فهي لسوء الحظ ديالكتيكية .. حيث يورد المؤلف مقطعاً من مقدمتي لـ "مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي " برلين 1859 حيث عرضت الأساس المادي لطريقتي.." . وهنا يذكر ماركس كلمة المادي وكلمة الديالكتيك والتي يتجنبهما سيد رصاص في مقالته مدعياً أن ماركس لا يذكرهما.
التباس آخر يظهر في فهم رصاص لعلاقة المنهج بالمعنى المجرد مع النظرية الماركسية في أشكالها التاريخية. لقد قدم رصاص المنهج الماركسي على أنه تحليلي معرفي، وأن النظريات التي خرج بها ماركس وانجلز ولينين ما هي إلا خلاصات مجسدة لتطبيق المنهج التحليلي . بهذا الشكل غاب عن السيد رصاص تاريخية المنهج الديالكتي أو ماديته، بقول آخر غاب عنه المحتوى العلمي التاريخي للمنهج الديالكتيكي. بالتالي أفلت من يده ديالكتيك "المنهج- الشكل" مع النظرية-المحتوى العلمي التاريخي. فعلى سبيل المثال لا يمكن أن يتضمن ديالكتيك هراقليطس ولاحقاً أفلاطون على مقولة القيمة وفضل القيمة لأن الأخيرين ظهرا تاريخياً كمحتوى علمي بعد أفلاطون بقرون. أيضاً لم يتضمن ديالكتيك ماركس كمحتوى تاريخي على نظرية الإمبريالية إلا بشكل جنيني بينما تضمن ديالكتيك لينين نظرية الإمبريالية كظاهرة اقتصادية/سياسية جديدة في الرأسمالية (الاحتكار) وما نتج عنها من انتهازية الطبقة العاملة الأوربية ولا حقاً انقسام البروليتاريا العالمية، وما نتج عنها من ظاهرة تفاوت التطور وتركّبه ومن تراكب وترابط الثورتين الديمقراطية والاشتراكية ومن بروز المسألة القومية في الأطراف الرأسمالية كمسألة ديمقراطية بامتياز، الخ.. يكتب لينين: "نمت الإمبريالية من جنين إلى نظام سائد، وشغلت الاحتكارات الرأسمالية المكان الأول في الاقتصاد الوطني والسياسة، وتم حتى النهاية اقتسام العالم... الإمبريالية هي عهد الرأسمال المالي والاحتكارات التي تحمل في كل مكان النزعة إلى السيطرة ، لا إلى الحرية. ونتائج هذه النزعة هي الرجعية على طول الخط في ظل جميع النظم السياسية (ديمقراطية كانت أم فاشية أم بونابرتية) .. يشتد بوجه خاص الظلم القومي والميل إلى الإلحاق، أي الاعتداء على الاستقلال الوطني (ذلك لأن الإلحاق ليس إلا الاعتداء على حق الأمم في تقرير مصائرها) ويشير هلفردنغ وهو على حق إلى الصلة بين الإمبريالية واشتداد الظلم القومي .. إن كاوتسكي إذ ينكر تشديد الإمبريالية للرجعية السياسية يحجب مسألة غدت في منتهى الوضوح، هي مسألة استحالة الوحدة مع الانتهازيين في عهد الإمبريالية" ويشير لينين إلى أنه من الخطأ الظن أن ميل الرأسمالية إلى التعفن والاحتضار في عصرها الإمبريالي "ينفي نمو الرأسمالية بسرعة أكبر" يقول : "بالإجمال تنمو الرأسمالية بسرعة أكبر جداً من السرعة السابقة ، إنها تنمو ولكن " بشكل متفاوت إلى حد كبير، وتنمو اقتصادياً بسرعة كبيرة "أشبه بسرعة السيارة الحديثة التي تخترق الطرقات بشكل يعرض للخطر الراجل الغافل وركابها أنفسهم"
لم يستطع رصاص التقاط هذا الديالكيك بين الشكل والمحتوى في المنهج الماركسي بالتالي غابت عنه تاريخية المنهج؛ أو المحتوى التاريخ للمنهج الديالكتيكي. وهكذا كان من الطبيعي أن يتهم انجلز ولينين بالوضعية الفلسفية ، مع أنه قال أن ثورة أكتوبر مرت عبر المنطق الكبير لهيغل. يقول مرقص: "إن الطريق الذي قاد إلى أكتوبرالروسي مر بـ "المنطق الكبير" لهيغل في مجادلات لينين اللاحقة مع "الماركسية اليسارية"، "مع روزا لوكسمبورغ، مع بوخارين، بيتاكوف، حول الإمبريالية والمسألة القومية .. تحتل الديالكتيك (أي الفلسفة) مكاناً بارزاً " ... "بالنسبة للينين، الديالكتيك والمادية لا ينفصلان "المنطق، الديتالكتيك، النظرية المادية للمعرفة...هذا شيء واحد"" . إذاً لا يجوز علمياً وضع لينين في سلة واحدة مع كل من بوخارين وستالين ولا حتى مع بليخانوف في مسألة المنهج أو الديالكتيك الماركسي.
بخلطه هذا بين بوخارين ولينين ينسى رصاص جدالات لينين مع بوخارين حول "الديالكتيك والاختيارية" في موضوع النقابات ، وجدالات لينين مع بوخارين وروزا حول العدمية القومية والاقتصادية الإمبريالية (كاريكاتير الماركسية). إن غرامشي الذي يستشهد به رصاص كثيراً ، يفرّق بشكل واضح بين لينين (العقل الديالكتيكي النابض) وبين الكتيب التعليمي الشعبوي لبوخارين . كما أن لوكاش يصيغ بطريقة ملتوية جداً التجربة التنظيمية للبلشفية تحت عنوان "ملاحظات منهجية عن قضية النظيم " في كتابه الشهير "التاريخ والوعي الطبقي"
يقول رصاص: "أليس من الضروري القيام بهذه الغربلة؟" وأقول ، نعم إلينا بالغربال/المسرد! لكن مسرد السيد رصاص بلغ من اتساع الثقوب أنه هرّب الحب وأبقى على العيدان الجافة!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي


.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا




.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024


.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال




.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري