الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق المحكوم شيعياً

محمود عباس

2017 / 10 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


حكمت تاريخياً على جنوب العراق بأن تكون مركز النهوض الشيعي، بعد منبته على الخلافات السياسية -الشرعية في المدينة، استغله فقهاء وسياسيي الفرس كمذهب مستقل لمصلحتهم، فقاموا على تقويته وتفعيله، لتحرير ذاتهم قوميا، ولإضعاف هيمنة القبائل العربية البدائية على جغرافيتهم. فحصروا مراكز التبعية والقيادة ما بين كربلاء التاريخية والقم الحديثة، بعد انقلابات في مراكز المرجعيات إلى أن انحصرت القوة في أئمة ولاية الفقيه حيث القم كسلطة دينية، وطهران كإدارة تنفيذية سياسية، مع التقديس التاريخي، دون سلطة سياسية، في كربلاء والنجف، ونتجت عنها علاقة اندماجية روحية تاريخية بين جغرافيتين لا تفصل بينهما سوى حدود جيوسياسية، أصبحت شبه وهمية بعد سقوط صدام حسين، رغم اختلاف اللغة، وأعادت الدولتين إلى أمجاد عهد الإمبراطورية الصفوية أو بالأحرى خلافة علي بن أبي طالب ومن بعده دولة السامانيين الذين أحييوا العنصر الفارسي ولغتهم.
لا شك، هذا التلاحم المذهبي، بين شعبين، أدت إلى وحدة الغايات، والطموحات، وهي في معظمها تتقوقع ضمن مد سيطرة الهلال الشيعي، سياسيا، ونشر أفكار المرجعيات روحياً، وتجرف بهم إلى القيام بأفعال تتنافى ومفاهيم علي أبن طالب أو روحانيات الحسين التي ينشرونها، ولله في هذا حكمة لا يتعظ منها قادة الشيعة السياسيين، ولا يبسطها للعامة مرجعياتهم، فتنتشر بينهم الضلالة المنافية لروح السلام المعروفة بها الحسين. فلو نهض علي أبن أبي طالب اليوم وأبنه حسين السبط لقاتلهم ولربما كفرهم وقال فيهم مثلما قال أيام الكوفة والبصرة وما قبل كربلاء.
. وقد كانت عملية هجوم قوات الحشد الشيعي، المستخدم لغايات حقدية سياسية مذهبية وبسند من القوات العراقية المأمورة من قادة الشيعة العراقيين اسما والإيرانيين فعلاً، على كردستان، واحتلال كركوك، وتحجيم دور الإقليم الكردستاني تنفيذا لمخططهم المرسوم لفترة ما بعد الانتهاء من داعش، ومنها احتلال كل العراق شيعياً، ومن ثم إعادة القوة لسلطة بغداد المركزية، وقد ساعد التشتت الكردي الذي يجاري خباثة أئمة ولاية الفقيه أو سذاجة بل حقد الدول السنية، على تسهيل عملهم، وقد يؤدي إلى صعود الدور الإيراني أو بالأحرى الشيعي في كردستان، حاليا، لكن وعلى الأغلب ستكون وبالا على إيران بالتحديد مستقبلا فيما إذا لم تداركه وتعالج القضية الكردستانية بشكل آخر. فعلى الأغلب الولايات المتحدة الأمريكية ستنتبه إلى تأرجح حيدر العبادي، وستجد بأنها أخطأت في تكتيكها حيث التخلي عن أقرب حلفائها في المنطقة وأصدقهم لكسب جانب السلطة المركزية في بغداد، وضمها إلى الحلف السني العربي، وبالتالي ستندم على عدم مجارات رأي البنتاغون، وقد تتصاعد أصوات أقطاب المؤيدين لقيام كردستان وحينها قد تندم البيت الأبيض على فعلتها، وقد تعود إلى تصعيد الدور الكردستاني، ليس فقط إعادة مكتسباتها إليها، بل إلى درجة قيام دولة كردستان.
ورغم أن القضية الكردستانية بشكل عام من ضمن الحلقات التي اشتغلت عليها إيران طويلاً وببطء، استعجلت فيها مؤخراً تحت حجة الاستفتاء، لئلا تنفتح عليها جبهة إضافية، ولتتجاوز مصاعبها الجمة في الدول التي تحتلها، كسوريا واليمن ولبنان والعراق وأفغانستان وغيرها. ورغم مخطط إيران الواضح تناست السعودية قبل تركيا، بأن إضعاف دور كردستان في العراق، من قبل إيران، الواقعة على حدودها أو ضمن جغرافيتها، وإزاحة الكرد من على ساحة الصراع في هذه المرحلة، مهما كان ثقلهم السياسي –العسكري هزيلا، ستفتح عليهم الأبواب، لتحجيم أو تقزيم دورهم في المنطقة، ولا يستبعد احتمالية زوال سيادة دولهم، بل وتفتتهم كجغرافيات، وقد يسأل: ألا تدرك إيران هذه المعضلة؟ وفي الواقع ليس فقط يعرفونها بل درسوها مع تركيا ولمرات، ووضعوا ليس فقط تكتيكا بل استراتيجية موحدة لمنع قيام دولة كردستان، لكن الإشكالية الكردية في الدولتين تحديدا لها ميزاتها المختلفة، وإيران حتى اللحظة تتحكم بها بأساليب أخبث ودبلوماسية أصح فارسيا مع القضية الكردية من تركيا.
وستتبين مستقبلاً أن عملية دعم دول الخليج وتركيا للعراق ظاهرا ولإيران وتركيا بشكل غير مباشر ضد كردستان، كاستراتيجية مشتركة حول مستقبل الكرد، أفشل الاستراتيجيات في المنطقة، مع ذلك استمروا فيها، وحفزوها، وأسقطوا الكثير من المكتسبات الكردية، وتم حجم دورهم في المنطقة أوضمن حلقات الحروب بالوكالة، ولا زالوا يحاولون القضاء على مطالبهم المستقبلية. في الوقت الذي كان الأنسب لهم كدول ذات ثقل سياسي ضمن حلقات صراع الدول الكبرى، ولتخفيف حدة الصراع في المنطقة، دعم الإقليم الفيدرالي الكردستاني، بل وإقامة فيدرالية كردية في تركيا وسوريا، كأنسب الاستراتيجيات للحد من مد الهلال الشيعي وسيطرته، وليحافظوا على كياناتها الجيوسياسية ولمراحل زمنية طويلة، وهذا ما لا تريد سلطات هذه الدول الوقوف عندها، خوفا من أن تخسر ذاتها، فحضور القضية القومية الكردية تدفع بهم إلى التغاضي حتى عن مصالحهم الوطنية، بل وتنسيهم كل خلافاتهم.
تركز إيران في استراتيجيتها على تقليص جبهاتها الخارجية، ومنها الكردستانية، كعملية استباقية لعدم تكرار الحصار الاقتصادي عليها، فيما إذا تم إعادة تفعيل قضية المفاعل النووية، وتمكنت بحنكة من تحييد بعض القوى الكبرى في العملية، ولا يستبعد بأنها أرضخت أمريكا لتغض الطرف عن التدخلات الإيرانية في قضية جنوب كردستان، والشق الذي افتعلته بين الأطراف الكردستانية، بل وأجبرتها للتخلي عن الكرد في أحلك الظروف، لسلطة العراق المركزية، تحت اسم حيدر العبادي بشكل مباشر، ولمخططها بشكل غير مباشر، مقابل تكتيكات ساذجة، بدأتها إدارة أوباما، وتحفزها إدارة ترمب، تسبقها تهديدات على إلغاء الاتفاقية النووية، وإعادة العقوبات الاقتصادية، والتي في الواقع وحتى اللحظة، لم تحجم من طموحاتها، بل وأعطت لأئمة ولاية الفقيه تبريرات مسوغة لاستخدام نفوذها الشيعي في المنطقة.
لا شك أن الولايات المتحدة الأمريكية، وبشكل خاص وزارتها الخارجية، تعلم أن الصراع في عمقه ليست سوى حروب بالوكالة، وأن إيران ليست سوى أحد الأدوات المستخدمة ضد أمريكا، ولولا مساعدة ومساندة روسيا والصين لها، واستخدامها النفط الشيعي بشكل واسع، وتصريف نفطها الإيراني عن طريق العراق الشيعية لما تمكنت من الحفاظ على مدخولها من العملة الصعبة، والتي ساندتها بالاستمرار في حروبها العديدة، ومنها السنوات السبع في سوريا، رغم ما تملكه إيران من بنية اقتصادية متينة، والتي صرفت ضمن أسواق الدول المحركة لها، لمواجهة الحصار الأوروبي الأمريكي الطويل.
ورغم ما نعلمه من أن مراكز الدراسات الاستراتيجية الأمريكية، وخاصة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، يملكون المعرفة والخبرة الواسعة عن إيران ومخططاتها، لكنهم لم يخرجوا بنتيجة منطقية تعتمد عليها استراتيجية البيت الأبيض أو بالأحرى الوزارة الخارجية ووزيرها الحالي، في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط، وخاصة القضية الإيرانية أو لنقل قضية المد الشيعي، وعلى الأغلب لا تزال مقاصد إيران لديهم من محاولة التحكم بكردستان عن طريق شيعتها في العراق غير واضحة، أو أنهم يتكتمون عليها ضمن تكتيكاتهم المتبعة، وهم يدركون بأنها ليست فقط مركزة للوصول إلى حدود الدولة الإسرائيلية أو إسقاطها.
ومنطق الإدارة الأمريكية هذا يفرض علينا عرض عدة إشكاليات وأسئلة، منها: هل يريدون من تكتيك الضغط غير المجدي على إيران التقرب منها، وإبقائها قوية لمواجهة الدول السنية في المنطقة؟ أو استخدامها كحلقة من حلقات صراعها مع روسيا كالقوى السنية في المنطقة؟ وفي الحالتين وخاصة في الأخيرة تبدي وزارة الخارجية الأمريكية سذاجة أضحل من الأولى.
وفيما إذا عزلنا الإشكالية السابقة، فلا بد وأن تبرز أمامنا احتمالية أخرى لا تقل عن الأولى بساطة، وهي لربما هناك من يقف وراء مخطط رهيب لحجم الإمبراطورية الأمريكية في المنطقة على حساب روسيا وعن طريق التوسع الإيراني-الروسي، وهنا لا نستبعد أن تسقط بعض الدول السنية في المنطقة في نفس المستنقع الذي سقطت فيه جنوب كردستان، لتتبعها أو رضوخها للاستراتيجية الأمريكية دون تقوية الداخل الكردستاني، والإشكالية لربما ناتجة بسبب تفضيل إدارة ترمب الأرباح الاقتصادية على الهيمنة الإمبراطورية، كما يظهر، وهذه ستؤدي إلى توسع النفوذ الروسي، وتراجع الدور الأمريكي.
وهنا بالضبط، وليس دفاعا عن الكرد، بل كواقع سيتوضح قريبا، أنهم كانوا ضحية مصالح اقتصادية، أو لربما من طرف آخر، جهالة وزارة الخارجية الأمريكية والتي تتعارض ومواقف البنتاغون، والتي ترى الكرد أحد ابسط الأدوات وأسهل العملات للمقايضة، والممكن استخدامها وتداولها في أية لحظة والتخلي عنها بسهولة، فالكرد مقارنة بأدواتها الأخرى، لا تزال دون مستوى الاعتماد عليهم كقوة استراتيجية في المنطقة، رغم ما قدموه من خدمات للعالم أجمع بإسقاط أسطورة داعش. مع ذلك ففي المحافل السياسية، لم تتم حتى اللحظة إدراجهم بين القوى الكبرى المعتمدة عليهم في حروبها بالوكالة، علما أن روسيا استخدمت إيران وهذه دفعت بشيعتها العراقية على مهاجمة كردستان معتبرة إياها كأحد أهم أدوات أمريكا، كرد فعل مسبق على احتمالية عدم تجديد ترمب للاتفاقية النووية، مستخدمة سلاحها ضد أداتها الأصدق في المنطقة وهم البيشمركة، وهو السلاح الذي قدمته أمريكا لحكومة حيدر العبادي، لمحاربة داعش، والغريب أنها ترى تماما أن معظم سلاح الحشد الشعبي (الشيعي) هو نفس السلاح الذي قدمته لحكومة بغداد، وتعلم أن هذا الحشد يستخدمه لتطبيق الأجندات الإيرانية.
وفي هذا التخبط، حيث المواقف المتضاربة بين المؤسسات الأمريكية، فسرها بعض المحللين الاقتصاديين، بسيطرة المصالح الاقتصادية الشخصية لبعض الشركات، ومنها التي ترأسها سابقاً وزير الخارجية، والأفراد الأمريكيين، ومن بينهم أبناء الرئيس ترمب ذاته، على مصلحة الإمبراطورية الأمريكية ككل.
وإذا عزلنا هذه الجدلية من الإشكاليات التي تواجه الوجود الأمريكي في المنطقة، فإننا سنظل في واقع الاستراتيجية الخاطئة والتي لا يوافق عليها العديد من أقطاب السياسة في أمريكا بينهم أعضاء في المجلسين الشيوخ والنواب ومن الحزبين، ومعهم وزارة الدفاع، وقادة من البنتاغون، الذين كثيرا ما يوضحونها دون التدخل المباشر في المجال السياسي، وبينهم من بدأ بالانتقال من منطق تأييد القضية الكردية كبعد فيدرالي ضمن العراق الموحد إلى التحدث عن كيان كردستاني مستقل، ونسبة هؤلاء في تزايد، وهو ما يمدنا بالثقة والأمل على أن قادم كردستان يبشر بالانتصار.

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
[email protected]
22/10/2017م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا زادت الجزائر إنفاقها العسكري بأكثر من 76 في المئة؟


.. لماذا تراجع الإنفاق العسكري المغربي للعام الثاني على التوالي




.. تونس: هل استمرار احتجاز المتهمين بالتآمر على أمن الدولة قانو


.. ليبيا: بعد استقالة باتيلي.. من سيستفيد من الفراغ؟ • فرانس 24




.. بلينكن يبدأ زيارة للصين وملف الدعم العسكري الصيني لروسيا على