الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأعراض المرضية السعودية

نضال الصالح

2017 / 10 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


صعدت الى الطائرة المتوجهة من دبي، حيث كنت اعمل واعيش مع عائلتي، إلى الرياض، عاصمة المملكة السعودية، حيث كان اخي يعمل ويعيش مع عائلته. في الحقيقة كان هدف رحلتي هو عمان لزيارة الأهل، ولكن اخي أصر علي ان أقف في طريقي في الرياض لزيارتهم.
جلست في معقدي وربطت حزام الأمان وكنت اشعر بالتوتر في جميع انحاء جسدي وخاصة في معدتي. لم أكن مرتاحا لهذه الزيارة ولم تكن السعودية على قائمة البلدان المحببة لي ولم أكن ارغب، لولا إصرار اخي وعائلته، في زيارة السعودية. ولقد زاد من توتري ذكرى حادثتين غريبتين حدثتا مع اخي.
قبل عامين جرى الاتفاق بيني وبين أخي ان يزورنا وعائلته لكي نقضي العيد سويا. قرر اخي السفر إلى دبي بسيارته وعندما وصل الحدود السعودية، قام رجال الحدود السعوديين بفك ارقام السيارة والاحتفاظ بها، وطلبوا من اخي ان يستمر في رحلته بدون ارقام السيارة. حاول اخي ان يقنع رجال الحدود بأنه لا يستطيع السفر في سيارته بدون ارقام فكان دائما جوابهم بأن القانون السعودي يحرم على الأجانب المقيمين في السعودية، السفر بسياراتهم خارج البلاد وعليها الأرقام السعودية. ولقد طمأنوه بأن القطريين سيعطونه أرقاما مؤقتة. وهكذا تحرك ولكن عندما وصل الحدود القطرية وجد من شرطة الحدود رفضا قاطعا للسماح له المرور بقطر من دون ارقام. وبعد رجاء من اخي وبكاء اطفاله، قرر المسؤول القطري السماح لهم بالاستمرار في رحلتهم ولقد أكد لهم ان شرطة الحدود الإماراتية لن تسمح لهم بدخول الأمارات بدون أرقام ولقد صدق في كلامه. فلقد امتنعت شرطة الحدود الإماراتية عن السماح لسيارتهم بدخول الأمارات بدون ارقام وقاموا بشتم السعودية ووصفها بأبشع الأوصاف.
وقف اخي مع عائلته لا يدري ماذا يفعل، وبعد وقوف دام أكثر من ساعة والأطفال يبكون وينظرون إلى والدهم منتظرين منه الفرج، سمع اخي صوت مدير مركز شرطة الحدود الإماراتية يدعوه للحضور إلى مكتبه فلبى الطلب. دخل مكتب المدير وطلب هذا من اخي الجلوس، فجلس. قال له: يؤلمني الموضع الذي وضعتك وعائلتك فيه السعودية وانا لا أستطيع باي حال من الأحوال ان اسمح لك بدخول الأمارات بسيارتك وبدون أرقام، وقول المسؤولين السعوديين بأننا نعطيك أرقاما مؤقتة هو من صنع خيالهم. ثم تابع: أقدم لك حلا واراه مناسبا، في الخارج تقف شاحنة ثلاجة تحمل الفواكه إلى دبي والسائق فلسطيني مثلك ولقد تحدثت معه وهو مستعد أن ينقلكم معه إلى دبي وبإمكانك انت وعائلتك الجلوس في كابينة السائق وهناك سعة لكم. يمكنك ترك سيارتك في الحفظ عندنا وستأخذها عند عودتك من زيارتك. وافق اخي على هذا العرض، فلم يكن امامه حل آخر.
كنت انتظر اخي وعائلته على الغداء، ولكن وقت الغداء مر ثم بدأت الشمس تغيب ولا خبر من أخي وعائلته، ولقد بدأنا نقلق على مصيرهم، فلم يكن في ذلك الوقت هواتف نقالة ولم يكن هناك طريقة كي نسأل عنهم وأين هم. مر الوقت وبدأ الظلام يخيم على مدينة دبي ونحن ندور حائرين مثل الحيوان المسجون في القفص. وفجأة سمعت صوت أولادي وهم يصيحون، بأن شاحنة ضخمة قد وقفت امام بيتنا فخرجنا جميعا إلى الحديقة ليفاجئنا منظر لن انساه في حياتي، اخي وافراد عائلته يخرجون واحدا تلو الآخر من كبينة الشاحنة.
الحادثة الثانية حدثني إياها أخي فقال: دخلت حمام الشركة التي اعمل فيها وإثناء وجودي في الحمام سمعت صراخا يأتي من داخل أروقة الشركة ففتحت باب الحمام ونظرت متلصصا فشاهدت هجوما لمجموعة كبيرة من المطاوعة فأغلقت باب الحمام واختبأت وبقيت مختبئا حتى عم السكون خارج الحمام فخرجت مستطلعا فوجدت الشركة فارغة من الموظفين، فلقد القى المطاوعة القبض على جميع العاملين في الشركة بمن فيهم مدير الشركة وهو سعودي المولد والجنسية وألقوا بهم في السجن لوجودهم اثناء وقت الصلاة في العمل. ولم يخرجوا من السجن إلا بعد ان تدخل امير الرياض ولقد جرى إطلاق سراحهم تحت شرط ان يأخذوا دورة تدريبية في أمور الدين والشريعة وأوامرها. "هاتان الحادثتان وردتا في كتاب أخي الذي صدر أخيرا تحت عنوان" لقطات بين الماضي والحاضر".
تفاصيل هاتين الحادثتين كانت تضغط على أوتار اعصابي وتزيد توتري وتوجسي من هذه الرحلة وكلما اقتربنا من الرياض زاد توتري وقلقي كأنني أحمل طردا من المخدرات. وصلت الطائرة مطار الرياض وبدأ الركاب في الخروج من الطائرة والتوجه نحو نوافذ مراقبة جوازات السفر. تقدمت بزواج سفري إلى رجل ملتحي رسم على وجهه العبوس والشعور بالقرف. أخذ جواز سفري وتصفحه كأنه يبحث عن ممنوعات مختبئة داخل صفحات الجواز ثم أعاده إلي وأشار بإصبعه علامة تدل على انه يشير لي بأن انقلع من أمامه فانقلعت.
أخذت حقيبتي وتوجهت نحو الجمارك، حيث وقف رجلان بلباسهما الوطني، أحدهما مشغول بنقر أنفه حتى شعرت أن إصبعه سيثقف غشاء انفه ويخترق عينيه، أما الأخر فوقف يمشط لحيته بأصابع يديه وعلامة الفخر على وجهه. أمرني ذو اللحية بأن افتح حقيبتي، ففعلت وهجم الاثنان على محتوياتها كأنه بينهما وبين حقيبتي ثأر قديم. لم يتركا لباسا، أو أي من محتويات الحقيبة الأخرى إلا عاثا فيه فسادا، وعندما تصورت أصابع أحدهما المغمسة بمخاط أنفه، تلعب في ملابسي، أصابني القرف والغثيان.
فجأة بدأت علامات الفرح الممزوج بشعور الانتصار تظهر على وجهيهما ونظرا إلى وفي يدهما جواز سفر أردني باسم ولدي ذو السبع أعوام. كان منتهي الصلاحية فأخذته معي كي اجدده في عمان. قالا معا، لماذا تحمل جوازي سفر. وهكذا بدأت عملية الشرح المتعبة لإثنين مستوى الفهم عندهما شبه معدوم. هذا جواز سفر أردني لولدي ذو السبع أعوام وهو منتهي الصلاحية ولقد أخذته معي لتجديده في عمان. ولكن لا حياة لمن تنادي وعاد السؤال" لماذا تحمل جوازي سفر وهو ممنوع". واستمر حوار الطرشان لأكثر من ساعة وبدون نتيجة. أخذ الرجل ذو اللحية جواز سفري وجواز سفر ولدي واختفى. وبعد أكثر من ساعة عاد ومعه ضابط يحمل على كتفيه مجموعة من النجوم. قلت، لعل هذه النجوم تدل على مستوى الفهم ولكنني كنت مخطئا وعاد حوار الطرشان حتى كل صبري فقلت لصاحب النجوم: أمامك أمران، إما ان تطلق سراحي وتدعني أخرج، مع جوازي السفر، لأهلي الذين ينتظرونني لساعات، وإما تضعني على أول طائرة متوجهة إلى الأردن أو الأمارات وتدعني أغادر. صمت عدة دقائق واختفى وبقيت منتظرا.
عاد صاحب النجوم وطلب مني الذهاب معه لمقابلة رئيسه. دخلنا مكتبا ضخما يجلس فيه ضابط يحمل على كتفيه مجموعة من النجوم وتاج وسيفين. نظر إلي، وفي يديه جواز سفري وجواز سفر ولدي، متسائلا: ماذا نفعل بك؟ أعدت عليه ما قلته لصاحب النجوم. صمت طويلا ثم التفت لصاحب النجوم وقال له، يسمح له بدخول المدينة، اعطاني جوازات السفر وصافحني قائلا، ما تؤاخذنا. خرجت لأجد اخي في انتظاري وفي نظراته تساؤلات قلقة.
لقد زرت بلدانا ومدنا يصعب حصرها، من كوريا وفيتنام مرورا بروسيا إلى كندا وأمريكا. لقد زرت بلدانا عربية كثيرة من الكويت إلى العراق وسوريا ومصر وتونس وليبيا ولم أجد بلدا مملا مثل الرياض، هي صحراء جغرافية وحضارية وثقافية، بكل ما للكلمة من معنى. لا يوجد فيها دور سينما ولا مسارح ولا أي نوع من انواح المتع والتسلية. برامجها التلفزيونية يصعب مشاهدتها بل يستحيل على أي انسان ذو حس وثقافة ان يتحمل ترهاتها. حتى المشي في شوارعها يعرضك، ولأي سبب كان، لعقاب المطاوعة بعصيها المصنوعة من الخيزران. قد تعاقب لوجودك في الشارع أثناء الصلاة، وقد تعاقب للبسك قميصا عليه صور أو تضع ربطة عنق وأسباب العقاب كثيرة يصعب حصرها.
المجمعات التجارية هي مسرح اللهو والمتعة، حيث تأخذ عربتك ومعك جميع افراد عائلتك وتشتري بعض اللوازم ثم تعود إلى البيت. التسلية الوحيدة هي مشاهدة الأفلام الذي يجري استئجارها من محلات الفيديو، وهي أفلام ذاقت نقمة مقص الرقيب حيث تحذف منها جميع المشاهد العاطفية من لمس وقبل ومواقف الحب. لن تجد في تلك الأفلام أي كلمة أو إشارة تدل على الحب، فالحب ممنوع.
كان علي أن أقيم عند أخي وعائلته عدة أيام ولكنني اضطررت أن اختصر إقامتي وارحل من مدينة الأشباح، لأنني شعرت بالاختناق وانا رجل معتاد على الحرية وعاشقا للجمال في كل اشكاله. لقد حزنت على اخي وعائلته الذين اضطروا، من اجل لقمة العيش، ان يعيشوا في هذه الصحراء الجغرافية والفكرية واي ثمن باهظ يدفعونه مقابل هذه اللقمة. غادرت الرياض ولم أعد لزيارتها أو زيارة السعودية أبدا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا تنظر في حصانة ترامب الرئاسية في مواجهة التهم


.. مطالب دولية لإسرائيل بتقديم توضيحات بشأن المقابر الجماعية ال




.. تصعيد كبير ونوعي في العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل|


.. الولايات المتحدة تدعو إسرائيل لتقديم معلومات بشأن المقابر ال




.. صحيفة الإندبندنت: تحذيرات من استخدام إسرائيل للرصيف العائم س