الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة المضادة لن تمر! - نحو الذكرى المئوية لثورة أكتوبر

مشعل يسار
كاتب وباحث ومترجم وشاعر

(M.yammine)

2017 / 10 / 26
ملف الذكرى المئوية لانطلاق ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا


على الرغم من تزوير المؤرخين البرجوازيين الحاليين الذين يحاولون إثبات أن أي تمرد من جانب كورنيلوف لم يكن موجوداً، وأن هذا كان صراعا فوقيا فقط، يتفق جميع الباحثين الصادقين على أن التناقض بين الرجعيين الأكثر تطرفا (كورنيلوف، كريموف، كاليدين) والمتنازلين البرجوازيين الصغار (كيرينسكي، تشخييدزه ...) آلَ إلى تمرد من قبل الجنرالات، قمعه بشكل رئيسي العمال المسلحون.
وإلى جانب جنرالات القيصر، لعب دورا حاسما في المؤامرة ضد الثورة الكاديت - الديمقراطيون الدستوريون، حزب البرجوازية الكبيرة. وقد أيدهم ممثلو بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، هذه الدول التي كانت تخشى أن تنسحب روسيا من الحرب كنتيجة للثورة. هكذا وصف ستالين الوضع في صحيفة "طريق العمال": "انتفاضة كورنيلوف لم تفعل سوى أنها لخصت نتائج تجربة التحالف خلال الأشهر الستة بكشفها النقاب عن خيانة الكاديت وأضرار سياسة التوافق معهم". في البداية شارك في التآمر أيضا كيرينسكي حين قام بتنظيم مؤتمر أغسطس السيئ السمعة في موسكو من أجل إكساب الانقلاب الذي يجري إعداده طابع "الانقلاب القانوني". كانت هناك خطة سرية لإدخال قوات إلى بتروغراد بغية هزيمة السوفياتات وإعادة تشكيل الحكومة وإنشاء "سلطة ثنائية" ("duumvirate") أي سلطة الرأسين كيرينسكي-كورنيلوف.
مؤتمر أغسطس صادق على البرنامج السياسي لثورة الجنرالات والكاديت المضادة، إلا أنه أصبح مساحة تناقض واضح وحاد بين الرجعيين الأكثر تطرفا وقادة الاشتراكيين الثوريين والمناشفة، على وجه الخصوص، بين لافر كورنيلوف Lavr Kornilov الذي كان مدعوما من قبل كاليدين Kaledin وميليوكوف Miliukov وشولغين Shulgin من جهة، ومن قبل الكسندر كيرنسكي من جهة أخرى.
كان كورنيلوف، وهو الذي شارك في الحرب الروسية اليابانية ووصل إلى رتبة جنرال الجيش خلال الحرب العالمية الأولى، ملكياً متشدداً، وكان رد فعله على ثورة فبراير سلبيا. ومع ذلك، تم تعيينه في يوليو 1917 في منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة. وأصبح مقره الرئيسي في موجيليوف مركز التمرد. فشكل هنا وفي مقار أركان الجبهات وحدات ضاربة خاصة. وكانت تنظيمات الضباط العديدة على استعداد لدعم كورنيلوف في بتروغراد وموسكو وكييف وغيرها من المدن. وافترِض أن تكون القوة الضاربة الرئيسية هي سلاح الفرسان الثالث بقيادة الجنرال كريموف Krymov، والذي كان من المقرر أن يدخل بتروغراد.
في 25 أغسطس (7 سبتمبر)، أمر كورنيلوف الجنرال كريموف بشن هجوم على بتروغراد. وهكذا تحت قيادته شنت الهجوم شعبة جبال القوقاز البرية (حرفياً: شعبة الوحوش) وسلاح الفرسان الثالث وفرقة الخيالة، وكتيبة منطقة أومسك الضاربة. وكانت هذه الوحدات قد انتزعت من الخط الأمامي للجبهة. هكذا فتح كورنيلوف الطريق للألمان إلى عمق البلاد. ووجه كورنيلوف إلى كيرينسكي في الوقت نفسه انذارا، مطالباً باستقالة الحكومة المؤقتة واستقالة كيرينسكي من منصب رئيس الوزراء وذهابه إلى مركز أركان القيادة العامة. فاستقال وزراء حزب الكاديت في 27 أغسطس (9 سبتمبر) معربين بذلك عن تضامنهم مع كورنيلوف. وهكذا، حنث كورنيلوف بالاتفاق الضمني الأولي، واضطر كيرينسكي إلى أن يتدبر أمره بنفسه. فأعلن كيرنسكي كورنيلوف في 26 أغسطس (8 سبتمبر) متمرداً على السلطة وعزله من منصب القائد الأعلى للقوات. وكان كيرينسكي، في تصرفه هذا ضد كورنيلوف، يأمل برفع المعنويات وتقوية النفوذ الهش للحكومة المؤقتة بين السكان. بيد أن حساب الحقل لم يتفق وحساب البيدر، فبات البلاشفة هم القادة الحقيقيين ومنظمي النضال الفعليين ضد الثورة المضادة.
في تلك الظروف البالغة الخطورة، ظروف بدء أعداء الثورة هجومهم السافر، عثر البلاشفة على الصيغة السياسية المقبولة: انضموا إلى قوام اللجنة التنفيذية المركزية للسوفياتات "لجنة النضال ضد الثورة المضادة" التي تم إنشاؤها. وأرسلت اللجنة المركزية للحزب إلى المنظمات المحلية برقية تفسر جوهر التكتيك اللينيني في مكافحة تمرد كورنيلوف وقد جاء فيها: "باسم صدّ الثورة المضادة نعمل في تعاون تقني وإعلامي مع السوفيات، مع الحفاظ بالكامل على خطنا السياسي". وتم تشكيل فصائل جديدة من الحرس الأحمر بسرعة، انضم إليها في خلال ثلاثة أيام 15 ألف عامل من بتروغراد. وسار حوالي 60 ألف عامل من الحرس الأحمر والجنود والبحارة الثوريين المنظمين من قبل الحزب البلشفي في طليعة القوات المخصصة لسحق التمرد.
ولمنع حركة القطارات التي تحمل جماعة كورنيلوف إلى ساحة المعركة، بنيت الحواجز والمتاريس بالقرب من بتروغراد وسارع عمال السكة إلى تفكيك خط السكة الحديدية. وعمل المحرضون البلاشفة مخاطرين بحياتهم بين الجنود والقوزاق في وحدات كورنيلوف. وأنشئت في جميع أنحاء البلاد لجان لحماية الثورة، انضم إليها على نطاق واسع العمال والمثقفون التقدميون. ولعب دوراً كبيراً في الحرب ضد كورنيلوف جنود الجبهة الغربية الثوريون الذين سيطروا على تقاطعات السكك الحديدية في كل من مينسك وغوميل وفيتيبسك وأورشا. وبحلول 30 أغسطس (12 سبتمبر) تم إيقاف حركة كورنيلوف في كل مكان. وبدأ التفكك في قواته.
أطلق الجنرال كريموف النار على نفسه. وتم توقيف الجنرالات المتمردين دينيكين وماركوف وإرديلي والأمير دولغوروكوف Dolgorukov وغيرهم. وعُزلت قوى الثورة المضادة، وقُمع التمرد. وفي 1 (14) سبتمبر/أيلول استسلم كورنيلوف وألقي القبض عليه. وتولى كيرنسكي منصب القائد العام للقوات. وأصبح البلاشفة أبطال الساعة، وبات بإمكانهم أن يكشفوا أمام أعين الجماهير الطبيعة التصالحية لحكومة كيرنسكي.
لقد كشف تمرد كورنيلوف القناع عن المتنازلين من عداد البرجوازية الصغيرة، وأصبح انهيار سياسة المناشفة والاشتراكيين الثوريين واضحا، ما سرّع من "تبلشف" "Bolshevisation" السوفييتات. وقد كتب لينين: "كان يكفي أن يهب "النسيم العليل" لتمرد كورنيلوف الذي وعد بعاصفة قوية ليرتد مؤقتاً كل ما كان آسناً في السوفياتات، ولتبدأ المبادرة الثورية للجماهير بإظهار نفسها على أنها شيء مهيب، عتيّ، لا يقهر".
في 31 أغسطس (13 سبتمبر) اعتمد سوفييت بتروغراد قراراً تقدم به الفصيل البلشفي في السوفييت، ودعا إلى تشكيل حكومة من دون البرجوازية، وإلى إعلان الجمهورية بمرسوم، وإلى تطهير الجيش من أعداء الثورة، وإلى مصادرة الأراضي من الملاك وإلى إحلال السلام. وقد اعتمد هذا القرار من قبل سوفيات موسكو أيضاً.
وبحلول بداية الخريف، أصبح انهيار اقتصاد البلد كارثيا؛ فقد انخفض انتاج السلع الصناعية بشكل حاد. وانخفض حجم استخراج الفحم، واستخدمت أفران الصهر العالي للمعادن بأكثر بقليل من نصف طاقتها، كما أن النقل بالسكك الحديدية "كاد يلفظ أنفاسه". وفي محاولة لخنق البروليتاريا الثورية، لم تعلن البرجوازية وحسب التسريحات التعسفية بإغلاقها المؤسسات، بل بدأت أيضا حملة لتنظيم مجاعة في البلاد. ففي آب / أغسطس، رفعت الحكومة المؤقتة سعر الخبز إلى ضعفه، وجمدت في الوقت نفسه أجور العمال. وهكذا بدأت المجاعة في المدن، على الرغم من أن البلاد كان لديها مخزون كبير من الحبوب باقٍ من حصاد 1915-1916. ووقفت روسيا على شفا الإفلاس المالي الكامل. فقط البروليتاريا الثورية كان يمكنها انقاذ البلاد من الانهيار.
المناشفة والاشتراكيون الثوريون الذين فقدوا الأغلبية في السوفييتات بدأوا مناورة سياسية بأن قرروا بدلا من عقد مؤتمر السوفييت في سبتمبر الدعوة إلى ما سمي "اللقاء الديمقراطي" لتحويل البلاد من مسار الثورة الاشتراكية إلى مسار التطور البرلماني البرجوازي. وفي الوقت نفسه، بدأ الاضطراب في داخل الأحزاب البرجوازية الصغيرة. فكان انشقاق المناشفة إلى دفاعيين وأمميين؛ وحاول الأخيرون التنصل من أخطر أخطاء المناشفة. وتشكل في حزب الثوريين الاشتراكيين جناح يساري، سرعان ما أصبح حزبا مستقلا. وكان هذا الجناح يعبر عن مصالح جماهير الفلاحين الواسعة؛ فهم كانوا، على حد تعريف لينين، الأكثر راديكالية، والأكثر قرباً من البروليتاريا بين منظري الديمقراطية البرجوازية لطبقة الفلاحين. أما الفلاحون المتقدمون فساروا وراء البلاشفة. ففي خمس مقاطعات روسية انتظر الفلاحون أن تسلمهم السلطات الأرض دون جدوى، فاستولوا عليها عنوة. وحرقوا ضِياع الملّاك، وتوزعوا الأراضي فيما بينهم بأنفسهم.
وفي 17 (30) سبتمبر ترك لينين هلسنكي (هلسينغفورس) إلى مدينة فيبورغ طامحاً إلى إقامة علاقات أوثق مع اللجنة المركزية للحزب. وخلال شهر سبتمبر واصل فلاديمير إيليتش لينين العمل على كتاب "الدولة والثورة". وفي الوقت نفسه كتب عددا من المقالات والرسائل ذات الصلة مباشرة بالأحداث الجارية: "البلاشفة يجب أن يأخذوا السلطة"، "الماركسية والانتفاضة"، "الكارثة الوشيكة وكيفية مكافحتها"، "مهام الثورة"، وغيرها. وبدأ لينين العمل على كتيب "هل سيتمكن البلاشفة من الاحتفاظ بالسلطة " وفي 29 سبتمبر (12 أكتوبر) كتب مقالا بعنوان "الأزمة قد نضجت"، دعا فيه الرفاق إلى الثورة.
جينادي أليوخين، فيرا باسيستوفا - جريدة "ترودوفايا راسيا"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تضرب إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية؟ • فرانس 24


.. إدانات دولية للهجوم الإيراني على إسرائيل ودعوات لضبط النفس




.. -إسرائيل تُحضر ردها والمنطقة تحبس أنفاسها- • فرانس 24 / FRAN


.. النيويورك تايمز: زمن الاعتقاد السائد في إسرائيل أن إيران لن




.. تجدد القصف الإسرائيلي على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة