الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أصوات غامضة في كنيس حولون

حسيب شحادة

2017 / 10 / 27
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


أصوات غامضة في كنيس حولون
ترجمة ب. حسيب شحادة
جامعة هلسنكي


في ما يلي ترجمة عربية لهذه القصّة التي رواها فارس (فرص) بن إسحق صدقة الصباحي (الصفري) (١٩٤٣ ، حولوني، مرّنم) بالعبرية على بنياميم صدقة (١٩٤٤)، الذي أعدّها، نقّحها، ونشرها في الدورية السامرية أ. ب. - أخبار السامرة، العددين ١٢٢٨١٢٢٩، ١ شباط ٢٠١٧، ص. ١٩٢٢

هذه الدورية التي تصدر مرّتين شهريًا في مدينة حولون جنوبي تل أبيب، فريدة من نوعها: إنّها تستعمل أربع لغات بأربعة خطوط أو أربع أبجديات: العبرية أو الآرامية السامرية بالخطّ العبري القديم، المعروف اليوم بالحروف السامرية؛ العبرية الحديثة بالخطّ المربّع/الأشوري، أي الخطّ العبري الحالي؛ العربية بالرسم العربي؛ الإنجليزية (أحيانًا لغات أخرى مثل الفرنسية والألمانية والإسبانية) بالخطّ اللاتيني.

بدأت هذه الدورية السامرية في الصدور منذ أواخر العام ١٩٦٩، وما زالت تصدر بانتظام، تُوزَّع مجّانًا على كلّ بيت سامري في نابلس وحولون، قرابة الثمانمائة سامري، وهناك مشتركون فيها من الباحثين والمهتمّين بالدراسات السامرية، في شتّى دول العالم. هذه الدورية، ما زالت حيّة تُرزق، لا بل وتتطوّر بفضل إخلاص ومثابرة الشقيقَين، بنياميم (الأمين) ويفت (حسني)، نجْلي المرحوم راضي (رتصون) صدقة الصباحي (٢٢ شباط ١٩٢٢ــ٢٠ كانون الثاني ١٩٩٠).

”سنوات معبر مندلباوم في القدس

قرأت سلسلة القصص الثلاث حول عجائب الكنيس، أحداها كانت معروفة لي، سمعتها عدّة مرّات. ما وددتُ قوله هو أنّ القصّة حول الأصوات التي سُمعت في الكنيس القديم في نابلس، قبل بداية الصلاة، ذكّرتني بأمر مشابه جرى في كنيس حولون. هذا يُعيدنا إلى ما قبل عشرين سنة تقريبا. لا شكّ أنّك تذكر نلك الأيّام، أيّام صبانا وشبابنا.

كنّا، كجميع السامريين ننتظر أيّام الفسح طَوالَ السنة، كنّا نُغلق بيوتنا في حولون، ندخل سياراتنا ونسافر إلى معبر/بوّابة مندلباوم في القدس، ومن ثمّة إلى جبل جريزيم في نابلس للاشتراك في عيد الفِسْح مع أقاربنا الذين لم نرهم طوال سنة كاملة. أنا أسأل نفسي دائمًا، كيف كنّا نترك حيّنا خاليًا في تلك الأيام، لمدّة عشرة أيّام ولكن، والحقّ يُقال، كانت هناك الشرطة؛ وعند عودتنا من جبل جريزيم حيث كان آنذاك خارج البلاد بالنسبة لكلّ شخص آخرَ في البلاد، كنّا نجد بيوتنا سالمة، بدون ضرر وبدون اقتحام.

والآن، بعد حرب العام ١٩٦٧، زالت الحدود وأصبحنا كلّ يوم قادرين على العودة إلى حولون ولكن هناك خوف دائم يساورنا بأنّنا، بينما نكون في بيوتنا على الجبل، ربّما أنّ مقتحِمًا اقتحم البيت وأفرغه بالرغم من وجود حراسة.

عائلة بن شوشان

لكن، ليس عن هذا الشيء أردت التحدّث، وإنّما ذكرته عَرَضا. ما وددت أن أذكُره لك هو إسحاق بن شوشان، الذي سكن ذات يوم في شيكوننا (عمارة سكنية متعدّدة الطوابق) مع عائلته وهم من أصول مغربية، ومات هناك، رحمه الله. كان إسحاق إنسانًا طيّبا. إنسان متديّن جدًّا وزاول مهنة ممتازة. دهّان من الطراز الأوّل، هناك حتّى اليوم بيوت في الحيّ طلى جدرانها إسحاق المغربي. سكن في الشِّقّة التي يسكنها صديقنا شلبي الدنفي. لا أريد أن أخوض في العلاقات التي ربطت عائلته بنا، ولكن تكفي الإشارة إلى أنّ ما ميّز العلاقة، هو حقيقة تواجد عائلة يهودية واحدة فقط تعيش في حيّ كله من السامريين.

معنى العيش وحيدًا، تجلّى لدى هذه العائلة بشكل خاصّ، أيّامَ سفرنا لعيد الفسح. بإمكانك تصوّر حيّ خالٍ، أبواب البيوت مقفلة، ساحات مهجورة، والجدار النباتي ينمو ”على فياله“. أشجار محمّلة بالثمار التي لم تُقطف. نعم، الأَسْكِدِنْيا، وفجأة كل هذه السكينة حول عشرات البيوت، باستثناء بيت إسحاق بن شوشان الذي يعِجّ بالحياة.

أنت تذكر الرجل وبناته، روزيت، بروريه، آخ، نعم بروريه، وترصه وأبرم ابنه. المهمّ، كان علينا كل سنة إبلاغ الشرطة أنّ في إحدى الشقق تسكن عائلة غير سامرية لتفادي أية مشاكل محتملة.

الأصوات الغامضة

حدث ذلك ذات مرّة، بعد عودتنا من أحد أعياد الفسح، في اليوم التالي للسابع من فسح اليهود، بعد نقل أغراضنا من السيارة إلى البيت. كان ذلك اليوم الأوّل لرجوعنا من جبل جريزيم، والآن حيث الحدود مفتوحة فإنه أكثر الأيّام حزنًا في السنة بالنسبة لي. أظنّ أنّك تشاركني الشعور نفسه، تشعر شعورا سيّئا.

إذن، وصلت سيارة الأجرة رأسًا من بوابة مندلباوم في القدس. آنذاك كنت أعزبَ، سكنت مع والديّ، رحمهما الله وشقيقيّ مِنَشْ ودَلو، كنّا حَزانى، جلسنا في البهو وقالت أمّي: هذا هو، خلاص، يا مين يعيش للسنه الجايه (هكذا في الأصل)؟ من يدري أيّ جنون يعدّه الأردنيون لنا؟ هذه السنة قاموا بما يكفي من المتاعب.

ذهبت أمّي لتحضير الشاي ’لإغراق‘ حزننا فيه. بعد ذلك، وبينما هي توزّع كؤوس الشاي علينا وإذا بجارنا إسحاق بن شوشان يدخل فجأة.

كان جارنا، شِقّته مقابل شقّتنا، وكان له صوت قوي هادر. إنّك تذكر كيف كان يصرخ: بروريه، أدخلي البيت، هؤلاء ليسوا لك (فوتي علبيت، هدول مش خَرْجِك!)! ثم يُقهقه. ابتسامة عريضة ارتسمت هلى وجه إسحاق بن شوشان، تقدّم نحونا وصافحنا جميعًا، مستفسرًا عن حالنا. ”كيف كان الاحتفال؟، لماذا أنتم حَزانى، الحمد لله على السلامة، بارككم الله المبارك دائما، جميل أنّكم عدتم أخيرا، لم يكن لي فسح كهذا بعد“، قال إسحاق. لماذا؟ ماذا حدث يا إسحاق؟ سأله أبي. دائمًا أبي استلطف إسحاق بن شوشان لأنّه كان ورعًا، وحرص على أن يحترم أولادُه التقاليد -، إحكِ لنا، إجلس، إحكِ لنا ما حصل لك في هذا الفسح؟ طلب والدي.

”إسألوا زوجتي، إسألوا ابني أبرم، إسألوا روزيت، بروريه، ترصه، إسألوا بناتي. لم يشعر أحدٌ منّا بأنّكم سافرتم. كان الحيّ خاليًا نهارًا أمّا في الليل وفي كلّ ليلة عدتم“، قال إسحاق بن شوشان بابتسامة عريضة. نظر الواحد منّا نحو الآخر بدهشة شديدة، ماذا جرى لجارنا، يبدو أنّ الأسبوع الذي قضاه وحيدًا قد أثّر عليه. ”ماذا، عُدنا؟“ تساءل أبي - ”نحن لم نكن هنا بالمرّة! كنّا على جبل جريزيم، وراء الحدود، عمّا تتحدّث؟“

”أعلمُ، أعلمُ“ - ضحك إسحاق بن شوشان - ”لكن ما حدث لنا في هذا الفسح، لم يحدث قطّ! “. ”ماذا جرى“، سألنا كلّنا معًا تقريبا. روى إسحاق بن شوشان بصوت منفعل: ”في كلّ ليلة، كنّا نستفيق في ساعات الصباح على أصوات صلاة عالية، كأنّ أُناسًا وقفوا بجانب البيت وغنّوا مباشرة إلى أذاننا“. في الليلة الأولى التي سمعنا فيها هذه الأصوات، خرجتُ متتبّعًا مصدر الأصوات، إلى أن وصلت كنيسكم. من هناك سُمعت الأصوات. ما كان نور في الكنيس، إلّا أنّني، بلا ريب، سمعت أصوات مصلّين. قلت في نفسي، ما هذه الأصوات؟ فالسامريون الآن على جبل جريزيم، قد يكون هؤلاء لصوصا؟ لكن لا، قلتُ لنفسي، منذ متى يصلّي اللصوص؟ لأنّ الأصوات كانت أصوات صلاة.

الأصوات مستمرّة

توقفّتِ الأصوات عند وصولي الكنيس. ظننتُ أن تلك أصوات الرياح الملاطمة للنوافذ، لكن كلّها كانت مغلقة. لم نتمكّن من النوم في اليوم التالي. سُمعت الأصوات منذ المساء ولغاية منتصف الليل. بعد ذلك كان انقطاع لساعتين، ثم تجدّدت الأصوات. هكذا كان طَوال الأسبوع. والآن، ها أتيتم، هلّا احكوا لي، إذا كنتم كلّكم على جبل جريزيم، فمن هم هؤلاء الرجال الذين كانوا يصلّون في كنيسكم؟ نظر كلّ منّا إلى الآخر باستغراب، وسُرعان ما تحوّل الاستغراب إلى ابتسامات اعرضّت شيئًا فشيئا. كان أبي أوّلَ الضاحكين ثم تبعه الجميع، مِنَشْ ودَلو أيضا.

”إنّي الآن متأكّد أنّه إلى الفسح القادم ستمضي السنة بسهولة ويسر“، قال أبي ثم التفت نحو أمّي قائلًا: يا جميلة (شفره)، قدّمي كأس شاي للضيف، ألا ترينه عطشانا“.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضربة إسرائيلية ضد إيران في أصفهان.. جيمس كلابر: سلم التصعيد


.. واشنطن تسقط بالفيتو مشروع قرار بمجلس الأمن لمنح فلسطين صفة ا




.. قصف أصفهان بمثابة رسالة إسرائيلية على قدرة الجيش على ضرب منا


.. وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير تعليقا على ما تعرضت له




.. فلسطيني: إسرائيل لم تترك بشرا أو حيوانا أو طيرا في غزة