الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأسئلة المربكة في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي

عوني المشني

2017 / 10 / 27
القضية الفلسطينية


السؤال الاول الذي أربكني قليلا وجهه لي احد الاسرائيليين في جلسة شارك بها اكثر من ثلاثين اسرائيليا نقدم فيها انا وصديقي ميرون بوبارت افكارا جديدة للخروج من عبثية الصراع الذي امتد اكثر من قرن من الزمن دونما نهاية في الأفق له ، السؤال كان : هذه حرب ، انتصرنا عليكم ، انتصار لا جدال فيه ، في الحروب المهزوم يدفع فاتورة الحرب ، هكذا في كل العالم وفِي كل مراحل التاريخ ، لماذا تكابروا ؟؟؟؟ لماذا تضربون رأسكم في الحائط ؟؟؟؟ ببساطة عليكم القبول بنتائج الحرب والتسليم بها ، لماذا ترفضون ذلك ؟؟ والى متى ؟؟؟ فقط انتم تستنزفون انفسكم في صراع تم حسمه ، خسارة على الوقت والضحايا ، اعترفوا بهزيمتكم واقبلو النتائج بروح رياضية ، الم يحن الوقت لذلك ؟؟؟
انتهى هذا الشاب الاسرائيلي من سؤاله وسط وجوم الحاضرين من طريقته الاستفزازية التي طرح فيها سؤاله .
السؤال الثاني وجهه لي مواطن فلسطيني وفِي مناسبة مشابهة للأولى ، بعد استماعه للنهاية وقف وتساءل : جيد ، تريد رأيي هذا جيد ، لا يهم كم هو جيد ، دولتان في وطن واحد جيد ، وحل دولتان جيد ، وحل دولة واحدة لشعبين جيد ، كل الحلول جيدة بنِسَب ما ، وما قيمة ذلك ؟؟؟؟ الاسرائيليين لا يرغبون باي حل مهما كان ، الاسرائيليين اسكرتهم القوة ، يعتقدون ان القوة وحدها هي الحل ، اتريد ان تقنعنا ؟؟؟ ها قد اقتنعنا ، وبعد ذلك ماذا ؟؟؟ لا شيئ ، ببساطة الاسرائيليين لا يريدون . وإياك ان تقول اننا ستقنع الاسرائيليين !!!! الاسرائيليين لا يغير رأيهم المنطق ، فقط الضغط والكلفة العالية هو ما يغير موقفهم ، هكذا انسحبوا من سيناء ، ومن جنوب لبنان ، ومن غزة ، فقط الضغط والكلفة العالية ، هذا ما يغير الاسرائيليين ، المنطق لا قيمة له عندهم ، الاسرائيليين يغيرون قناعتهم بالقوة والقوة فقط .
انتهى الشاب الفلسطيني من وجهة نظرة وسط إيماء الأغلبية بالموافقة .
أجبت على السؤالين كل في وقته ، محور السؤالين كانت القوة ، طرف يعتقد ان القوة السبيل الوحيد لفرض الاستسلام على من يعتقد انه المهزوم ، وطرف اخر يعتقد ان القوة وحدها كفيلة بتحقيق تراجع القوة المحتلة الغاصبة عن احتلالها ، هذه المقالة هي جوهر الإجابة على السؤالين .
القوة هي سياج الدول وضمانة سلامتها ، ومنتهى القوة هو في ادارتها على نحو يحقق الهدف منها دون استخدامها ، فان تكون قويا للحد الذي يمنع أعداءك من مجرد التفكير في الاعتداء عليك هو الهدف الاسمى للقوة . الدول التي راكمت القوة من اجل استخدامها فشلت وان كانت قد حققت نجاحات في بداية الامر الا انها في النهاية فشلت ، التجربة الألمانية في عهد هتلر اكبر دليل ، واحيانا منتهى الضعف قوة فلا يوجد اضعف من دولة سويسرا الا الفاتيكان هذا من ناحية عسكرية ، الان ان كلاهما دول راسخة وثابتة ومستقرة اكثر بما لا يقارن من كوريا الشمالية وإسرائيل ، وان كان الوضع في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية له لا يمكن ان ينسحب على الشرق الأوسط فانه وحتى في الشرق الأوسط فان دولا صغيرة ولا تمثل معادلة في ميزان القوى مثل تونس ولبنان قبل ان تتشابك الخيوط فيه وتتعقد اثر الحرب الأهلية والتداخل السوري الفلسطيني قد أصبحت متجذرة اكثر بكثير من الدول التي تعتمد قوتها العسكرية !!!!! وحتى في الدول التي تمتلك قوة عسكرية كبيرة فاغلبها تكرس قوتها كعنصر ردع لحماية ذاتها ، هذه هي فلسفة الدول الحكيمة عندما تضخم ترسانتها العسكرية .
في اسرائيل الوضع مختلف جدا الى حد ان للقوة فلسفة مغايرة تماما ، فالعقيدة العسكرية الاسرائيلية تقوم على مراكمة القوة من اجل توسيع الحدود وصولا لإسرائيل الكبرى التي هي اكبر من فلسطين التاريخية ، وحدود اسرائيل هي المكان الذي يستطيع فيه الجندي الاسرائيلي ان يصل اليه ، هذا الوضع تم تشريعه قانونيا بإبقاء اسرائيل دولة دونما تعريف قانوني وتشريعي لحدودها .
نقطة القوة في العقيدة الاسرائيلية انها تراكم قوة رادعة بشكل كبير وتعمل ليل نهار على تطوير قدراتها بشكل لا ينافس . واكثر من هذا فهي حاضرة دوما لاستغلال اي مناخ سياسي ملائم للتوسع وزيادة مساحتها ، وربما عبر القوة هذه ، والقوة فقط ، استطاعت ان تفرض وجودها كأمر واقع سلم فيه مؤقتا كل جيرانها ، نقول مؤقت لان التسليم بوجود اسرائيل مختلف جذريا عن التسليم بشرعية هذا الوجود ، وحتى الان لا يوجد احد في الإقليم يقر بشرعية هذا الوجود ، ومهما تراكمت قوة اسرائيل وعظمت فإنها لن تصل لتحويل الإقرار بالأمر الواقع الى إقرار بشرعية هذا الامر ، فالقوة هنا وصلت للذروة التي حققت ما يمكن ان تحقق . هذه اهم نقاط الضعف في العقيدة العسكرية الاسرائيلية ، القوة وصلت الى الحد الاقصى فيما يمكن ان تحقق على صعيد فرض الوجود الاسرائيلي ، ولكن هذا الوجود بقي مرتبطا بثبات عنصر التفوق العسكري ، هذا يعني ان تغيير ميزان القوى ولو بعد حين سيترك تاثيره على الاعتراف والقبول بالوجود الاسرائيلي ، هذا ما يجعل المؤسسة العسكرية توظف جل اهتمامها لاستمرار التفوق العسكري ، هنا تبرز نقطة ضعف اخرى انه في ظل تطور تكنولوجيا السلاح فان مفهوم النصر والهزيمة قد اختلف كليا ، قد تنتصر وتحتل ارض الخصم ولكن بعد ان تكون بلادك قد دمرت تماما !!!! ان الصواريخ البلاستية وانظمة الحرب الالكترونية وربما الليزر بعد بضع سنوات جعل كلفة الحرب على المنتصر تتساوى مع كلفتها على المهزوم ، ان الف صاروخ بقوة تدميرية يمتلكها الخصم قادرة على تحويل اي نصر إسرائيلي الى نصرا بطعم العلقم ، خاصة ان لدى اسرائيل جبهة داخلية هشة لا تحتمل هذا الثمن الباهظ ولا حتى من اجل نصر كبير !!!! لهذا السبب تكثف اسرائيل من التصنيع والتطوير لوسائل الدفاع القادرة على اعتراض الصواريخ اكثر من اي شيئ اخر وحتى في هذا المجال فان وصول الف صاروخ من مجمل عشرة آلاف صاروخ يطلقها حزب الله في حرب قادمة كافيا لأحداث تغيير دراماتيكي في كل مفاهيم النصر والهزيمة . ان عناصر العقيدة العسكرية الاسرائيلية الاساسية الثلاث
جرى تآكلها بفعل المتغيرات التقنية والجيوسياسية ، الحرب الاستباقية المباغتة ، الحسم السريع ، ابقاء المعركة على ارض العدو ، هذه العناصر والتي تمثل جوهر العقيدة العسكرية الاسرائيلية لم تعد قائمة ، فالمباغتة والاسبقية في الحرب قد تعطي فرصة ذهبية لتدمير ما امكن من قوات العدو ولكن في ظل الإنفاق العميقة يصبح هذا قليل الفائدة ، خاصة ان هناك عدوا لا يعتمد على سلاح الجو حيث ان تدمير مطاراته تشل قواه العسكرية ، اما المعركة السريعة فتلك لم يعد الاسرائيليين فقط صاحبي الكلمة الاخيرة في هذا المجال ، فقدرة تحمل الخسائر هي التي تقرر نهاية الحرب اضافة لعناصر اخرى ، اما المعركة على ارض العدو فتلك حكاية انتهت منذ زمن طويل بفعل تطور وسائل القتال . القول ان كل أركان العقيدة العسكرية الاسرائيلية تنهار قد يكون مبالغ فيه ، ولكن الأكثر موضوعية ان تلك العقيدة لم تحاكي في تطورها تطور أدوات واشكال الحرب التي وصلت للحد الذي لا منتصر في اي حرب حديثة لان كلا طرفيها سيتم تدميره . صحيح جرى تطوير مهم في العقيدة العسكرية الاسرائيلية واضيف عنصر مهم وهو كثافة وعمق واتساع الضربات لأحداث حسم إدراكي للقيادة السياسية ولتعزيز قوة الردع ، لكن هذا لوحده غير كافي فمجرد استيعاب الضربة الاولى من قبل الخصم فانه سيرد بطريقة تجعل الالم كبيرا في اسرائيل وهذا ما يساعد في احتمال الم الخسائر لدى الخصم .
المخرج الوحيد لهذا الوضع كان متوفرا ، فرصة سلام حقيقية مع الشعب الفلسطيني تحول الاعتراف بإسرائيل من اعتراف بدولة الى اعتراف بشرعية وجود اسرائيل كدولة ، بهذا كان يمكن ان يكون مخرجا حقيقيا ، ولكن تمسك اسرائيل باستراتيجية التوسع والسيطرة والمفاهيم المستندة للعقيدة العسكرية السابقة جعل اسرائيل تفقد تلك الفرصة ، نعم فقدتها ، وادعي ان اسرائيل وصلت الى خط اللاعودة في هذا السياق ، ان زرع ثلاث ارباع مليون مستوطن في الضفة الغربية ، وتحويل الاستيطان من احتياج أمني سياسي الى ايدلوجية شعبوية جعل إمكانية التراجع شبه مستحيلة ، فالاستيطان الاسرائيلي لم يعد كما بشريا وإنما تحول الى قوة قرار سياسي ، واذا كانت اسرائيل تتصف سابقا بأنها " جيش له دولة " فإنها الان أصبحت " مستوطنين لهم دولة " بمعنى لقد اختطف الفكر الاستيطاني القرار السياسي في اسرائيل وجعلها اسيرة له ، ولهذا فقدت اسرائيل فرصة سلام يحول الاقرار بالوجود الى الاعتراف بشرعية الوجود . اكثر من هذا فان تشكل وضع إقليمي جديد أخذ في التبلور يزيد المصاعب على اسرائيل ليس سياسيا فحسب بل وعسكريا ايضا ، فتشكل حلف يمتد كهلال من ايران مرورا بالعراق وسوريا وصولا الى لبنان يعتبر في ظل تطور مفهوم الحرب خطرا حقيقيا لم يسقط العقيدة الأمنية الاسرائيلية فقط بل ويفقدها اي معنى ، صحيح ان اسرائيل تحاول جاهدة إقامة حلف موازي يمتد من الخليج العربي الى مصر والأردن ، ولكن امام هذا الحلف مصاعب حقيقية ، فالقضية الفلسطينية ستبقى العقبة الاهم ، والاخطر ان هذا الحلف وان اختلف مع ايران الى حد التناقض فانه لن يغامر بسهولة في خوض حرب من اجل " عيون اسرائيل " هذا أضافه لكون اي حرب تخاض من قبل هذا الحلف ستدفع اسرائيل فاتورتها الغالية بتوجيه النار عليها كون الحلف الاخر يدرك تمام الإدراك ان اسرائيل هي الدافع والمحرك لهذه الحرب ، ما حصل إبان الحرب الامريكية على العراق بقصف صدام لإسرائيل بصواريخ بعيدة المدى رغم ان اسرائيل لم تشارك بالحرب وقتها سيحصل هذه المرة وان كان بوتيرة ونوعية مختلفة تتناسب مع تطور أدوات الحرب الحديثة .
ان الوضع الذي وصلت اليه اسرائيل هو " العيش على حد السيف للأبد " وفق الوصف الذي قدمه نتنياهو في إجابته على تساؤل حول الموضوع ، والعيش على حد السيف لن يكون للأبد ، على اعتبار ان ذلك مرهون بموازين قوى وتطور أدوات الحرب ، وايضاً مرهون بالقيادة السياسية الاسرائيلية مستقبلا ، ولكن ليس على المدى القريب المنظور ، لان اليمين وحتى شعار اخر اخر هو المهيمن على السياسة الاسرائيلية ، ولان الخروج من النفق الذي وضع اليمين اسرائيل فيه لن يكون بالسهولة التي يعتقدها البعض ، فبناء مستوطنة قد يصبح في ظل تنامي الفاشية الاسرائيلية في أواسط جمهور اليمين الاسرائيلي اكثر سهولة من الانسحاب منها . وليس صحيحا ان السلام مع الفلسطينيين سيكون دوما في متناول اليد ، الفلسطينيين اصبح ظهرهم في الحائط ووصلوا الى الحد الاقصى من التنازلات في اكثر حالات ضعفهم ، ولهذا فأي تغيير في الوضع السياسي لن يكون للأسوأ عندهم ، لأنهم وصلوا الأسوأ واستنفذوا ما فيه من التنازلات ، اي تغير سيكون افضل وسيرفع سقف مطالبهم .
قليل من الاسرائيليين يدركوا هذا الوضع ، وهذا القليل قلق الى حد الفوبيا من الادارة السياسية الاسرائيلية ، ولكن في ظل هيمنة اليمين الاسرائيلي على الاعلام ، وفِي ظل سكرة القوة الاسرائيلية المتنامية لا احد يعير تلك الأقلية اهتماما .
من سيوقظ الشعب الاسرائيلي من هذه الحالة ؟؟!!!!
وبما هي الصدمة وحدها ، عندما تضرب رأسهم في الحائط ستكون لليقظة ، وحينها سيكون قد فات الاوان .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما الهدف وراء الضربة الإسرائيلية المحدودة في إيران؟|#عاجل


.. مصادر: إسرائيل أخطرت أميركا بالرد على إيران قبلها بثلاثة أيا




.. قبيل الضربة على إيران إسرائيل تستهدف كتيبة الرادارات بجنوب س


.. لماذا أعلنت قطر إعادة -تقييم- وساطتها بين إسرائيل وحماس؟




.. هل وصلت رسالة إسرائيل بأنها قادرة على استهداف الداخل الإيران