الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فيورباخ-ماركس-فرويد...والاغتراب/تداعيات اغتراب ذاتي خارج النسق(1)

ماجد الشمري

2017 / 10 / 29
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


"الاغتراب"..ب"أل"تعريف كبيرة،هو ظاهرة انثروبولوجية محض،حالة او وضع انساني بأمتياز.رافقت وباطنت الوجود البشري منذ بدء تاريخه.عندما انتصب الانسان قائما،واستخدم يديه لصنع ادواته،ونطق بأول كلمة ليعبر عن نفسه.ويمكن القول:ان تاريخ الانسان هو في نفس الآن تاريخ اغترابه عن عالمه الحيواني وكجزء من الطبيعة انسلخ عنها ليواجهها بذاتيته الجديدة ووعيه المتشكل.ونستطيع القول،وبلا مبالغة:ان الانسان حيوان اغترابي.بل واكثر من ذلك،ونذهب بعيدا في الافتراض ونقول ب:بايولوجية اغتراب الانسان،منذ مغادرته عالمه الحيوي المظلم،والذي احتضنه لشهور تسعة،خارجا من كهفه الرطب الدافيء الى عالم غريب بارد وقاسي.ومن هنا تبدأ رحلة اغترابه طوال فترة حياته:انطولوجيا، وميتافيزيقيا،ولاهوتيا،وسيسيولوجيا،وسايكولوجيا،وبكل ابعاد وجوده وحياته القصيرة المحدودة،والتي تنتهي بلا منطق او معنى،بالموت.. نطرح اسئلة متداعية تتناسل،برسم التفكر والتأمل اكثر من الاجابة،وخارج الانساق المعروفة.فماهو الاغتراب؟.ماحقيقته؟.ماهيته؟.جذره وعناصر تشكله؟.ماهي العلل التي تسببه؟.ماهي العوامل التي يتكشف من خلالها ليكون جزءا من بنية الانسان:العقلية والفكرية والنفسية؟.هل هي ميتافيزيقية-لاهوتية كأصل لتخلق الكينونة؟!.هل هي تاريخية-اجتماعية-اقتصادية-سياسية،وتتغير حسب الظروف المحددة للازمان والامكنة،وهي طارئة وقابلة للزوال بأختفاء عللها؟.هل هي سايكولوجية تغوص عميقا في اغوار النفس البشرية وغرائزها الدفينة،وتتجلى على السطح كدوافع للسلوك اللامألوف والرغبات الخفية؟.ام هو لايقتصر على عامل واحد مما ذكرنا،بل يحتويها كلها وغيرها مجتمعة؟.
وعلى مستوى آخر من طرح الاسئلة كتأمل وحوار داخلي ذاتي صرف،نسأل:هل الاغتراب تجريد نظري يقبع في اذهان النخب الفلسفية والفكرية،ويروج من قبل المثقفين المتلقين الحالمين ولا اساس له على ارض الواقع العياني الاجتماعي الخشن؟!.ام هو على العكس،واقع غليظ متجذر يلطم العقول المتفلسفة ويهزها لتقرأه بدقة،ويفقأ عيون التعالي التجريدي النظري الفردي بتحديه لفهمه وتفسيره؟.هل الاغتراب هو مجرد خطاب المختلف،وميزة المتمرد،ولعبة هلاوس واستيهامات،واضطرابات عصبية؟.ام العكس تماما،هو رصانة عقلية ترصد ظاهرة الاغتراب بتجاذب قلق بين قطيعية بلا ملامح او روح،وبين الحملان السوداء الضالة والمارقة والباحثة عن ذاتها ومغزى وجودها خارج الاطر والمعايير المتكلسة؟.هل الاغتراب مرض انساني-سايكولوجي مزمن لاشفاء منه؟.ام هو مرض الانظمة الاجتماعية-الطبقية التي تستغل الانسان وتقمعه وتغربه عن جوهر وجوده،ومن الممكن،بل من الواجب السعي من اجل التغيير والتحرر والشفاء من الاغتراب؟.هل الاغتراب هو جزء من البنية التكوينية للانسان بعد خروجه من عالمه الطبيعي-الحيواني،وارتقائه بالعقل والوعي وبناء الحضارة،والاغتراب هو ثمن الانجاز والتطور؟.هل هو ظاهرة عارضة وتاريخية،وقابلة للتلاشي والزوال مستقبلا؟.هل الاغتراب جزء من آلية دفاعية،ومتراس اخير للمواجهة المتفاوتة بين الفرد الانساني الاعزل،وبين الضغوط والتناقضات والصراعات التي تسحقه داخل المجتمعات في حراكها وتحولاتها المحتدمة؟.هل الاغتراب ضرورة-بمعنى حتمية تعرض الانسان له-،نتيجة،افراز،لامناص منه؟.ام هو نفاية ايديولوجية-ثقافية، وقيح رأسمالي يلوث روح الانسان وطبيعته الحقة؟.ام هو بطر نخبوي برجوازي يملأ فراغ حياة قاحلة لتستمتع بقلقها ووحشتها وافتقارها للمعنى،وسيكنسه المجتمع الجبار المتماسك والمحافظ على نظافته بمكنسة التطبع والعادة المستقرة، والرتابة اليومية،ليحافظ على جماعيته-قطيعيته من كل مروق او شذوذ؟!.كل هذا واكثر مطروح للتأمل والتسائل والفحص والدراسة والبحث الملح عن صيرورة ظاهرة الاغتراب،ومضيها نحو منافذ لتخفيف حدة وعسر حالة الاغتراب بكل التهابها وتشظيها على اقل تقدير.دون الكف والسعي من اجل ازالة كل مايعيق زوالها في كل المجتمعات.
انهمار وتداعي الاسئلة،الصحيحة منها والخاطئة،الذاتية منها والموضوعية،المنطقية الجادة و السفسطائية الهازلة لايتوقف.وبين مطرقة توكيد وتحقيق الذات،وسندان الضغوط والكبت الاجتماعي والنفسي يصنع الاغتراب للفرد المستلب جحيمه الدنيوي الخاص.فالاغتراب كما يتوهم او يعتقد المنخلع الفردي ،هو دليل صحة عقلية واستقلال فكري،وتميز وتعالي على ثقافة وقيم القطيع،ولكن شقاءه يأتي من فرديته المعزولة والمحاصرة والمرفوضة من الاكثرية لكل آخر غريب.فهم عبارة عن جزر صغيرة عائمة وسط محيط متلاطم من البشر التافهين المنجرفين كأمواج متشابهه مكررة غبية!. هل الاغتراب نخبويا متعالما فرديا؟ام هو اجتماعيا شاملا افرادا وجماعات حيث يجري تسليع كل شيء حتى الانسان؟!.الاسئلة التي طرحت كلها صعبة ومعقدة ومن العسير الاجابة عنها،ولكننا سنحاول ان نسلط بعض الضوء على جوانب واجزاء من تلك الظاهرة المتعددة الوجوه والدلالات والتي لايمكن بلوغ ضفافها،وتحديدها الدقيق،وفهمها الشامل بكل ابعادها-ناهيك عن تفسيرها وحلها-وسيقتصر تناولنا المتواضع على ثلاث قامات متميزة:فلسفية،وفكرية،وسايكولوجية،تصدت لاشكالية الاغتراب وحاولت تحليله واعطاءه التفسير المناسب،كما افترضت وتصورت. وهم:فيورباخ،وماركس،وفرويد.دون ان يعني ذلك انهم وحدهم من درس وبحث وحاول فهم ظاهرة الاغتراب .فهناك الكثير من المفكرين من بحث و كتب عن الاغتراب منهم:هوبز وروسو وفيخته وشيلر وهيجل وفيورباخ وماركس وفرويد ودوركايم،وخاصة ماركس الذي كان ماكتبه هو العامل الرئيسي في تسليط الاضواء وجذب الانظار لظاهرة الاغتراب رغم انسانية الظاهرة وشموليتها التاريخية.وكل من زاويته ووجهة نظره.فالاغتراب كما ذكرنا صاحب الانسان منذ فجر التاريخ ،وقد وردت اشارات ونصوص دالة على الاغتراب في الكثير من الكتابات الفلسفية و الدينية القديمة،وكان ذلك الرصد ينطلق من الاسس الغيبية الاسطورية والدينية والفلسفية،كما في سفر التكوين،وسفر الجامعة مثلا -ويمده البعض الى فجر اليهودية،والى ابراهيم بالذات،كأنسان بلا اسرة او بيت او ارض او وطن او دين،والذي انتهت غربته بأمتلاكه ارض غريبة لغريب!-.،وفي الميثولوجيا اليونانية،وشذرات الفلاسفة في اليونان.ليتطور لاحقا-مفهوم الاغتراب- في الازمنة الحديثة والمعاصرة،بأعتماده على عناصر الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي في العصر الرأسمالي الحديث بعد الثورات الدينية و الفكرية والسياسية والعلمية-الصناعية-التكنولوجية الظافرة،والتي قلبت الكثير من الافكار والمفاهيم الثقافية والقيم الاجتماعية والاخلاقية.ولكن تبقى ظاهرة الاغتراب ظاهرة انسانية-اجتماعية-نفسية قديمة وجدت في كل المجتمعات والثقافات والاديان،لتصبح عنوانا كبيرا،ومطروقا في الكثير من البحوث والدراسات الحديثة في الفلسفة والاجتماع والانثروبولوجيا وعلم النفس وغيرها من العلوم الانسانية بعد العصر الصناعي والتكنولوجي،والتقنيات الدقيقة التي ضاعفت وكثفت من حدة واتساع وتعقد ظاهرة اغتراب الانسان وضياعه بابتعاده عن طبيعته الانسانية النوعية.فالاغتراب مفهوم تعددي ومركب،بل ومتنافر وتناقضي،وله سمات ووجوه تتمظهر بأشكال مختلفة،وفي نفس الوقت بينها صلة قربى ووشائج حميمة وتشابه في المسارات والتعبير.........
..................................
يتبع
وعلى الاخاء نلتقي...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الانسان المغترب
محمد عبد الجبار ( 2017 / 10 / 29 - 20:04 )
بدأ اشكر الاستاذ ماجد الشمري على هذا الاختيار الموفق لموضوع - الاغتراب- لم يركز عليه اغلب كتاب الحوار ، بل همش و اصبح يذكر كملحق لموضوع ما - اقتصادي ، سياسي ، اجتماعي ، سيكولوجي . هذا الشعور الفردي الانساني الذي نجهل كنهه ، كيف بدأ الانسان ادراكه ؟ ومتى ؟ و لماذا ؟ . اتمنى من الاستاذ ماجد الشمري ان يثري القراء بكل ما يخص هذا الموضوع المهم ، خصوصاً و ان اختياره كان موفقاً بالتركيز على الاغتراب عند فيورباخ و ماركس و فرويد .

اخر الافلام

.. انفجارات أصفهان.. قلق وغموض وتساؤلات | المسائية


.. تركيا تحذر من خطر نشوب -نزاع دائم- وأردوغان يرفض تحميل المسؤ




.. ctإسرائيل لطهران .. لدينا القدرة على ضرب العمق الإيراني |#غر


.. المفاوضات بين حماس وإسرائيل بشأن تبادل المحتجزين أمام طريق م




.. خيبة أمل فلسطينية من الفيتو الأميركي على مشروع عضويتها | #مر