الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الخرافة و التخلف

ماهر رزوق

2017 / 10 / 30
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع




لنبدأ نقاشنا بهذه الأسئلة البسيطة : لماذا وجدت الخرافات ؟ و ما هي الظروف التي رافقت وجودها ؟ و ما الضرر الذي يسببه هذا الوجود ؟ و ما علاقتها بالتخلف ؟؟

أقتبس هنا من الكتاب العبقري للدكتور ابراهيم بدران و الدكتورة سلوى الخماش ، و الذي عنوانه : دراسات في العقلية العربية(الخرافة) ، حيث جاء فيه ما يلي :

"و منذ القدم ارتبطت الخرافة و تداخلت مع الأديان لدى مختلف الشعوب ، و ذلك على اعتبار أن كلاً من الخرافة و الدين تتمثل فيهما محاولة تفسير ظواهر الكون المختلفة التي لم يكن الانسان قد بلغ بعد من المعرفة العلمية ما يمكنه من تفسيرها"

إذن يجيبنا هذا المقطع هنا على سؤالنا الأول ، و الذي تساءلنا فيه عن سبب وجود الخرافة ... فالخرافة وجدت لتجيب الانسان عن الظواهر و الأحداث الغريبة التي لم يكن لها تفسير علمي في ذلك الوقت ... و كذلك أضيف إلى ذلك موضوع الأمراض التي لم يكتشف علاجها أو أسبابها ، حيث كان الانسان يعزي سبب هذه الأمراض إلى الخرافة (كالمس الشيطاني أو التباس الجن أو عقاب إلهي على فعل ما) ، و كانت الحلول (ومازالت في كثير من الدول المتخلفة) تعتمد على تعويذات و أضحية و نشاطات دينية معينة ...

أما عن الظروف التي رافقتها و عززت مكانتها ، فكان أهمها كما ذكرنا ، غياب التقدم العلمي ... و مازال حتى الآن ذلك السبب مؤثراً ، حيث أن التعليم في البلاد المتخلفة لايزال يشكل عائقاً كبيراً أمام التفكير و التحليل المنطقي و العلمي ... فالفصام الذي يعاني منه المدرس يؤثر سلباً على الطلاب و يستنسخ شخصية المدرس الفصامية ...
لأن المدرس لُقّن ، مذ كان صغيراً ، تفسيراً دينياً (غير منطقي) للظواهر و الأحداث ، و عندما كبر و درس في الجامعة ، تلقى تعليماً يقدم تفسيراً آخر لتلك الظواهر ، يناقض تماماً تفسيره الأول .. و هذا أدى إلى ذلك الشرخ الفصامي في شخصيته و الذي يرافقه و ينقله بدوره إلى طلابه ...
و كدليل على كلامنا هذا ، نقتبس من كتاب الدكتورة نوال السعداوي (الرجل و الجنس) هذا المقطع :

"عندما كنت في كلية الطب حيرني موقف أستاذ الفيسيولوجي المتناقض تجاه نظرية التطور ، حيث كان يعتقد أن الانسان الأول ولد من غوريلا و لكن يعتقد أيضاً أن المرأة خلقت من ضلع الرجل !! ، و عندما كان يشرحها لنا وجهت له الأسئلة التالية :
_تقول لنا يا أستاذ أن الغوريلا هي التي ولدت أول انسان ظهر في تاريخ البشرية
_قال : نعم
_و حيث أن هذا الانسان الأول عرف باسم آدم ... فإن آدم ولد من رحم غوريلا !!
_قال : نعم (و احمر وجهه و ارتجفت شفتاه)
_و بالمنطق فإن حواء أول أنثى أيضاً ولدت من رحم غوريلا !!
_قال نعم أيضاً و احمر وجهه أكثر ...

عرفت عندها أن هذا الاستاذ كان يفكر بطريقة علمية حتى أعطي هذا الانسان الأول اسم (آدم) ، عندها اعترى تفكيره شيء من العاطفة ، و ظهر الانفعال في نبرة صوته"

لنتحدث الآن عن الضرر الذي قد يسببه الإيمان بالخرافة ... على المستوى الطبي ، عندما تلجأ كثير من العائلات إلى الشيوخ بدلاً من الأطباء ، بحجة أن ولدهم أو بنتهم ، قد تلبسها أو تلبسه الجن ... ربما يؤدي ذلك الأمر إلى أذية نفسية و عصبية و جسدية دائمة لذلك الطفل الذي هو أساساً يعاني من مرض عصبي (صرع مثلاً) ... كذلك يؤثر الأمر على المستوى الاقتصادي حيث يطلب ذلك الشيخ أن تقدم الأضحية و العطايا للجن حتى يزول مفعول السحر ... بينما يكون أحياناً علاج المرض العصبي في كثير من البلدان مجانياً (على نفقة الدولة)

أما على المستوى الاجتماعي سنجد أذية من نوع آخر ، فالخداع يصبح مباحاً و سهلاً ، و الاستسلام للخداع يصبح رائجاً و طبيعياً ... و نورد هنا قصة تتحدث عن هكذا نوع من الخداع ، من نفس المصدر السابق و الذي هو : دراسات في العقلية العربية(الخرافة) د.ابراهيم بدران _ د.سلوى الخماش ...
حيث تتحدث القصة عن رجل متزوج يريد أن يختلي بعشيقته في منزله الخاص ... فيقنع زوجته أن بنت ملك الجان تعشقه و تريد أن تتزوجه ، و إذا لم ينفذ رغباتها فإنها ستؤذيه هو و زوجته و أولاده ... و بسبب إيمان الزوجة المطلق بوجود الجان و قدرتهم على الأذية .. نجح الزوج في مسعاه ، و كان يختلي بعشيقته في الصالون لساعات معينة ... لكن الجيران الذين انتبهوا لدخول امرأة غريبة الى البيت في ساعات متأخرة من الليل ، انزعجوا من الأمر و أرادوا أن يتصرفوا إزائه .. فقاموا بالقبض على تلك المرأة بحجة أنها سارقة و أخذوها إلى مركز الشرطة ...
في مركز الشرطة تكتشف الزوجة خيانة زوجها عندما تعرف أن تلك المرأة عادية و ملموسة و ليست من الجان ، فتصرخ طالبة الطلاق من زوجها مباشرة ... لكن تحدث الصدمة عندما تقترب عشيقة الزوج من الزوجة و تهمس في أذنها انها بنت ملكة الجان و أنها ستدمرها هي و أطفالها إذا انفصلت عن زوجها ، عندها تتراجع الزوجة عن كلامها و تنقذ زوجها و عشيقته من الورطة عن طريق إقناع الشرطة أن تلك المرأة صديقتها و ليست عشيقة زوجها !!

إذن تغلبت الخرافة التي تعززت في دماغ الزوجة منذ الصغر ، على الدليل القاطع الذي ينفيها ... و هنا تكمن خطورة الخرافة ، فهي تتحدى حتى أعتى و أقوى الأدلة العلمية ، و تبقى هي المرجع الأول و الأخير للإنسان المتخلف !!

و أخيراً ، أقدم لكم هذا الاقتباس المهم من ذات المصدر السابق ، و الذي يلخص الأمر بشكل واضح :

"و مما ساعد على ذلك أن كلاً من الخرافة و الدين لا يستندان بطبيعتهما إلى التعليل العقلي المطلق و لا يخضعان للتجربة العلمية ... كما أن ربط الخرافة بالدين سواء ربطا أصيلاً أو افتراضياً مع الزمن يكسبها قوة و يدفع الجماهير الجاهلة إلى قبولها و تصديقها ، مما يتيح لمحترفي الشعوذة في المجتمع فرصة أكبر لاكتساب مكانة أكبر على الصعيدين الاقتصادي و الاجتماعي و أحياناً السياسي كما تجلى في المكانة التي وصل إليها (راسبوتين) في روسيا القيصرية"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشدد مع الصين وتهاون مع إيران.. تساؤلات بشأن جدوى العقوبات ا


.. جرحى في قصف إسرائيلي استهدف مبنى من عدة طوابق في شارع الجلاء




.. شاهد| اشتعال النيران في عربات قطار أونتاريو بكندا


.. استشهاد طفل فلسطيني جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي مسجد الصديق




.. بقيمة 95 مليار دولار.. الكونغرس يقر تشريعا بتقديم مساعدات عس