الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثلاث رسائل لمئوية ثورة أكتوبر

حارث رسمي الهيتي

2017 / 10 / 30
ملف الذكرى المئوية لانطلاق ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا




مرت في اكتوبر عام 2017 الذكرى المئوية الأولى لقيام ثورة اكتوبر ، هذه الثورة التي غيرت مجرى التاريخ العالمي ، وهي تعد أعظم الاحداث التي عرفتها البشرية وسجلها التاريخ ، وهي بحق كانت محاولة لتحقيق حلم راود الانسان بصورة عامة منذ بداية نشوء الاستغلال وظهور الملكية الخاصة ، الحلم بمجتمع تسوده العدالة والمساواة بين البشر ، وقليل هم من لا يعدون هذه الثورة من أهم احداث القرن العشرين ، فالمؤرخ الانجليزي ايريك هوبسباوم قد اعتبر القرن العشرين هو قرن ثورة اكتوبر بالفعل ، القرن الذي ابتدأ في 1917 وانتهى مبكراً في 1991 مثلما كان القرن التاسع عشر هو قرن الثورة الفرنسية .
هذه الورقة ستكون مخصصة لطرح ثلاث اسئلة لنحاول الأجابة عليها وخوض نقاش فيها ، أسئلة حول أسباب قيام الثورة اضافة الى الكيفية التي قامت بها ، وما الذي حققته ، وماهي الدروس التي تعلمناها ؟
السؤال الاول :- لماذا قامت ثورة اكتوبر وكيف ؟
الجواب على هذا السؤال يتطلب معرفة حتى وان كانت بسيطة بتاريخ روسيا القيصرية قبل عام 1917 ، فروسيا التي يحكمها نظام ( تســار ) وهي كلمة روسية تعني قيصر والذي احتفل بلاطه الامبراطوري عام 1913 بالذكرى المئوية الثالثة لاستلام آل رومانوف السلطة كانت من البلدان الرأسمالية الأكثر تأخراً . ( 1 )
فهي البلاد التي شهدت لتوها نمو أولى نبتات الرأسمالية الصناعية الحديثة في المدن الكبرى مثل موسكو وسانت بطرسبرغ ، حتى أن مدراء المصانع كانوا يستوردون من انكلترا . ولكي نتوقف عند حالة العمال الروس دعونا نقرأ ما كتبه جون ريد في ( عشــرة أيام هزت العالم ) حين يذكر ان وليام وولنغ وهو عالم اقتصاد واجتماع امريكي والذي الف العديد من الدراسات عن الاشتراكية والحركة العمالية يذكر في كتابه ( رسالة روسيا ) الصادر في امريكا عام 1908 أن ( العمال الروس كانوا يرون انه من الممكن حتى في ظل أكثر الحكومات حرية أن يبقوا في حالة المجاعة التي يعانون منها اذا ما سيطرت على الحكم طبقات اخرى غير طـــبقاتهم ) . ( 2 )
وهذا الاستنتاج الذي توصل اليه العمال الروس هو خير جواب للسؤال الذي سيطرح لاحقاً وهو لماذا التحق هؤلاء العمال بحزب البلاشفة الذي خرج لتوه من العمل السري في 3 / آذار/ 1917 وهو قليل العديد نسبياً ، ليتحول فيما بعد كما وصفهم نيال فيرغسون وهو مؤرخ اسكتلندي ولد عام 1964 في كتابه حرب العالم حيث يقول ( اجتاحت العالم في عام 1918. اثنان من الأوبئة كان الاول هو الأنفلونزا الإسبانية وكان الثاني وباء البلشفية، الذي بدا لبعض الوقت معديا تقريبا، ولكنه أثبت في نهاية المطاف أنه مميت مثل الإنفلونزا ) . ( 3 )
علاوة على ما تقدم فان 80 % من الشعب الروسي كانوا يعملون في الزراعية ، وهؤلاء الفلاحين كانوا في دين أبدي لملاكي الارض ، والكنيسة الارثوذوكسية التي احاط القيصر نفسه بها والتي قاومت وعلى الدوام كل محاولة للاصلاح حفاظاً على اراضيها ومصالحها كانت تدعم وبقوة نظام القيصر الروسي .
وهناك سبب آخر يعد من الاسباب الابرز والاهم بقيام ثورة اكتوبر وهو دخول روسيا الحرب العالمية الاولى هذه الحرب التي اشتركت فيها روسيا بـ ( 15 ) مليون جندي على الجبهات ، هؤلاء الجنود الذين فتك بهم الصقيع ولعبت بهم المجاعة لعبتها وخذلهم البلاط الملكي الذي اعتمد على الاساقفة والدعاء والعدد الكبير للجنود وغفل عن التسليح آنذاك حتى أن احد الجنرالات قال متهكماً أن ( الالمان يعتمدون على الحديد و نحن نعتمد على أرواحنا ) .
حتى يذكر البعض أن المصنع الوحيد الذي لم يتوقف في الحرب هو مصنع صناعة الاطراف الاصطناعية !!
اما بخصوص الاجابة عن كيفية قيام الثورة فيجب علينا أن نشير الى الاحداث الثورية التي شهدتها روسيا عام 1905 تلك الاحداث التي اطلق عليها لينين اسم البروفه العظمى للثورة رغم عدم تمكنها من ابرز اهدافها وهو الاطاحة بالنظام القيصري ، الا انها بحق كانت مقدمة لثورة عام 1917 وملخص الاحداث هو ان مجموعة من الفلاحين تقدموا نحو قصر الشتاء ليقدموا جملة من المطالب الى القيصر الذي سرعان ما اعطى اوامره باطلاق النار عليهم ، بعد عام 1905 واحداثها الدامية تم تأسيس مجلس " الشعب " يضم حزبين شكليين اعطاهما القيصر بعض الصلاحيات الشكلية وسرعان ما انهار هذا المجلس بسبب المشاكل بينهما .
مثل هذه الاحداث كانت بالفعل تدريب بالذخيرة الحية أن صحت التسمية لثورة لاحقة أكبر واعظم تمثلت بثورة عام 1917 .
في عام 1915 زاد الزخم الثوري والسخط الشعبي نتيجة الى المجازر التي كانت تحدث بالخنادق اضافة الى الظروف الاقتصادية الخانقة التي كانت تعم المدن والقرى الروسية ـ هذه اثرت بظهور سخط عارم لدى العمال والفلاحين وحتى الجنود في الجبهات وهم الذين يقارنون بين بؤسهم الذي يتفاقم وحرمانهم مقابل كل حياة الترف التي كان يعيشها القيصر وحاشيته .
نتيجة لكل هذا اشتدت الحركة الفلاحية المعارضة لسلطة تسار الامر الذي دفع الحكومة الى ان ترسل قواتها العسكرية عد مرات في عام 1916 للقيام بعمليات المداهمة ضد اولئك الذين كثيراً ما تحركوا ضد الاقطاع . حركات الرفض والاحتجاج هذه لم تقتصر على الفلاحين فقط بل شملت المدن الكبرى في روسيا فظهرت لنا مجالس العمال والفلاحين والجنود ( السوفيتات ) التي اعتبرها لينين شكل دكتاتورية البروليتاريا الخاص بروسيا .
في يناير عام 1917 تجاوز عدد المضربين ليصل الى ما يقارب 300 الف شخص وفي شباط من نفس العام كانت طوابير المتظاهرين وهي تسير في وسط العاصمة وتحمل شعارات " تسقط الحرب " و " عاشت الثورة الروسية الثانية " لتصل اعدادهم بعد عشرة ايام الى 300 الف في بتروغراد وحدها ، وفي 25 / شباط اصبح اضراب العمال اضراباً عاماً وبدأت الاشتباكات مع الشرطة القيصرية . ( 4 )
ففي هذا اليوم وقع القيصر اوامر اطلاق النار على المتظاهرين فاطلقوا النار في الهواء ثم اعطى اوامراً جديدة لفوج بافلوفسك باطلاق النار على العمال الا انهم وجهوا فوهات بنادقهم الى الشرطة وهذه ايضاً كانت نقطة حاسمة وتذكر بعض المصادر ان الاعداد التي كانت في الشارع تعد بالملايين .
ورغم تأكيد قوات الشرطة على عودة النظام الى العاصمة فقد أدى هذا العمل الى اثارة مقاومة قسم من قوات حامية بتروغراد وباتت كما قلنا تنتقل وحداتها الى جانب الثورة وفي مساء 27 / شباط اصبحت العاصمة كلها بيد الثوار .
ويجب أن لا ننسى هنا ان ما حصل في 23 / شباط اليوم الذي تزامن مع اليوم العالمي للمراءة العاملة ، حيث تجمعن النساء وتظاهرن احتجاجاً ضد انعدام الخبر وضد ارسال ابنائهن وازواجهن الى جبهات القتال حيث انتقلن من معمل الى معمل محرضات لرفاقهن العمال من اجل خوض الاضراب ، فمن معامل النسيج امتد الاضراب سريعاً وبعفوية ليشمل مجمل بروليتاريا بتروغراد العاصمة انذاك ، ولم تمر ايام قليلة حتى كان الاضراب الجماهيري يتحول الى انتفاضة ‘ فقد رفعن المتظاهرات شعارات من قبيل ( نريد الخبز ، يسقط القيصر ) وحين بدأ الفلاحون مسيرتهم منظمين الى العمال والجنود فقد سحبوا بهذا من تحت النظام أي قاعدة اجتماعية .
ويضعنا غريك اوكسلي من الحزب الشيوعي الفرنسي في تصور كامل عن حال المدينة بعد ثلاث ايام من الاضراب والكفاح ، حيث ينقل لنا سلسلة من الاسئلة التي كتبها الجنرال ايفانوف الى احد ضباطه المكلف بقمع المظاهرات حيث يدور الحديث التالي :-
- الجنرال ايفانوف : كم عدد الجنود تحت امرتك وكم عدد المتمردين منهم ؟
- الضابط : تحت امرتي اربعة كتائب من الحرس ، بقية الجنود انظموا الى جانب الثوار ، هنالك جنود يتجولون ويجردون الضباط من اسلحتهم .
- الجنرال ايفانوف : ما هي الشوارع التي يسودها النظام ؟
- الضابط : المدينة بكاملها تحت سيطرة الثوار والهاتف لا يعمل وليس هناك امكانية للتواصل مع الاحياء .
- الجنرال ايفانوف : ما هي وحدات الشرطة تحت امرتك ؟
- الضابط : ولا واحدة .
بعد ان اصبحت الاوضاع هكذا تشكلت لجنة مؤقتة لمجلس الدوما ضمت ممثلي اجزاب وتكتلات برجوازية ، استمرت هذه اللجنة في محاولاتها لانقاذ الملكية ، وعندما وضعت هذه اللجنة بين خياريين أما ان تنحاز للثورة العارمة في الشارع واما ان تقضي على نفسها بالهلاك مع الحكم الاستبدادي فاعلن رئيس المجلس قرار الجنة القاضي بتشكيل حكومة مؤقتة خشيةً من ان يعلن سوفيت بتروغراد نفسه سلطة جديدة .
حركة الجماهير التي كانت تسيطر على الشارع في روسيا كانت تمتلك مجالس سوفيتات تمثل العمال والجنود والفلاحين حيث ان هؤلاء هم مطلقي الثورة يدعمها الجيش الاحمر المدجج بالسلاح ، ومنذ هذه الفترة شهدت روسيا ازدواجية فعلية في السلطة ، بين حكومة مؤقتة تقف على رأس جهاز دولة برجوازية في حالة تفكك وانهيار مقابل مجالس سوفيتات أخذت تشتد يوماً بعد آخر ، الصراع احتدم وبدا واضحاً عندما قرر الجنرال كيرنسكي الذي يقود السلطة المؤقتة الاستمرار بسياسة الحرب والتمسك بالاحلاف العسكرية التي كانت قد عقدتها روسيا قبل الثورة . وجد الشعب الروسي مجدداً نفسه امام خيبة أمل جديدة من هذه السلطة التي لم تفعل له شيئاً فلم توقف الحرب التي استنزفته ولم توفر له الخبز .
هنا طرح الحزب البلشفي بقيادة لينين برنامجه الثوري الذي التفت حوله الجماهير الروسية بعد ان طرح لينين شعاره الذكي " اوقفوا الحرب من أجل السلام للجنود والأرض للفلاحين والحرية للعمال " ، وصول لينين الى روسيا في نيسان 1917 لعب دوراً بارزاً ومهماً في عملية الثورة اذ يشير تشرتشل فيما بعد ويقول : ان الامان استخدموا أبشع الاسلحة ضد الروس عندما نقلوا أو سهلوا عملية نقل لينين الى الاراضي الروسية .
ونتيجة لما حصل في السابق والتطور الحاصل في الاوضاع الروسية قرر المؤتمر السادس لحزب البلاشفة التوجه الى الانتفاضة المسلحة للاطاحة بالحكومة البرجوازية التي لم تفعل شيئاً ، حيث دعى الى ضرورة انتقال السلطة الى السوفيتات بدلاً من البرجوازية وان الشعار الدقيق الذي يتم رفعه الآن هو القضاء التام على دكتاتورية البرجوازية .
وفي أواخر آب وبداية أيلول عام 1917 وخلال قاومة تمرد كورنيلوف ساد البلاد وضع فريد حيث ظهر جلياً ضعف سلطة الحكومة المؤقتة في المدن والاقاليم يقابل ذلك تعاظم نفوذ ونشاط مجالس السوفيتات واللجان اذ قرر حزب البلاشفة أن يستفيد من هذه الحالة . استمرت التناقضات بالحالة الروسية الى ان بلغت الازمة الثورية قمتها وتوفرت الظروف الموضوعية التي حددها لينين هذه التناقضات التي جعلت من الطبقة الحاكمة غير قادرة على قمع الثورة لحظة نشوبها ، يواكب ذلك نهوض جماهيري وجيش قوي مستعد أن يدافع عن الثورة حال قيامها ووجود قيادة ثورية تحدد البديل للنظام القائم .
السؤال الثاني : - ماذا حققت ثورة اكتوبر ؟
يطرح هذا السؤال ايماناً بأن الثورة الروسية لم تقم من اجل اقامة نظام اكثر عدالة في روسيا وحدها فقط ، بل تعدت ذلك كثيراً وهو ما اكسبها طبيعتها العالمية و الانسانية فهي قدمت الكثير للمجتمع الروسي سنتناولها أولاً ثم ننتقل الى ما هو عالمي .
فيما يخص ما قدمته ثورة اكتوبر على الصعيد الداخلي فيمكن أن نذكر منها : -
1. استطاعت ورغم كل الظروف التاريخية المعقدة وتعدد جبهات العداء لها ، داخلياً وخارجياً وتكالب الراسمالية العالمية وتآمرها عليها من أن تنتقل بمجتمعات عديدة من حالة العوز والفقر والتخلف الى مجتمعات جديدة قائمة على اساس ومبادى العدالة والمساواة .
2. وارتباطاً بالنقطة اعلاه ، بذلت الثورة ايضاً جهداً هائلاً لمحو الامية وتوسيع التعليم فمراجعة بسيطة للأرقام تبين لنا أن موازنة التعليم كانت عام 1916 قبل عام من الثورة تقارب 195 مليون روبل زادتها ثورة فبراير 1917 الى 940 مليون روبل لترتفع بعد اكتوبر من العام نفسه الى 2.9 مليار روبل عام 1918 ثم عشر مليارات عام 1919 .
3. الانجاز الكبير الذي تدين به البشرية للاتحاد السوفيتي هو الحاق الهزيمة بالنازية والفاشية نعم كانت هناك جبهة موحدة ضد هذا العدد الا ان الدور الحاسم والنهائي كان للجيش الاحمر . ( 5 )
4. وجود الاتحاد السوفيتي كقطب ثاني للعالم وقطب كبير كان قادراً على الوقوف بوجه الاطماع الامبريالية في العالم وتنفيذها للعديد من المشاريع والمخططات وبدا هذا الامر واضحاً وجلياً بعد انهياره ليصبح العالم عبارة عن لعبة بيد هذه الاطماع والاحلام الامبريالية حيث تهيمن الراسمالية المنفلتة .
5. الخطاب الذي القاه لينين امام المؤتمر الثاني للسوفيتات لعرض سياسة السلطة الجديدة المنبثقة من اكتوبر ، كان تقريره بصدد السلام حيث نجد فيه تأكيداً شديداً اللهجة على حق الامم في تقرير مصيرها هذا الخطاب الذي لا تزال نبراته الديمقراطية ذات راهنية كبرى حتى اليوم .
6. في المسألة الزراعية احدث الاتحاد السوفيتي تقدماً كبيراً لصالح الفلاحين فوفقاً لتحقيق عام اجري عام 1920 تراوحت المبالغ التي كان على الفلاحين ان يدفعوا الى ملاكي الارض تتراوح بين 50 – 100 % من الدخل الصافي للمزرعة . حيث قدم لينين بعد ذلك مرسوم الارض وبناء عليه وضعت تحت تصرف اللجان الزراعية ( لجان الارض ) في النواحي و سوفيتات نواب الفلاحين من كل الاقضية كل املاك العقاريين وكذلك جميع اراضي الاسرة القيصرية والاديرة والكنائس .


السؤال الثالث : ماذا تعلمنا من ثورة اكتوبر ؟


1.سبق انتصار البلاشفة في اكتوبر 1917 مواجهات وانتفاضات اتسمت بالعنف مرة وباللاعنف مرة أخرى شملت هذه الفعاليات الارياف والمدن الكبرى ضد القيصر الروسي وسلطته ورجال الاقطاع وكبار مالكي الارض ، انبثقت من جراء هذه التحركات مجالس للعمال والفلاحين والجنود ( سوفيتات ) كانت تجسيداً حقيقياً للديمقراطية المباشرة ، بحيث اعتبرها لينين شكل دكتاتورية البروليتاريا الخاص بروسيا ، هذه المجالس التي لم يحافظ عليها البلاشفة فيما بعد واقصد المحافظة على جوهرها .
2. ولوجود العديد من العوامل والاشكاليات التي رافقت لحظة الاستيلاء على السلطة والتي شخصها لينين ورفاقه ومنها :
أ / لم تكن روسيا تمتلك الشروط المادية لقيام الاشتراكية
ب/ تخلف قوى الانتاج في روسيا
جـ / الطابع البرجوازي للراسمالية الروسية
د / عدم بلوغ العلاقات الراسمالية درجة النضج الكافي لانجاز البناء الاشتراكي
كل هذه من جهة ومن جهة اخرى ظهور صراع محتدم حول اتجاهات الثورة ، فهناك من كان يرى امكانية قيام الاشتراكية في بلد واحد والانتقال السريع بالثورة من مرحلة البرجوازية الديمقراطية الى المرحلة الاشتراكية وهذا ما دافع عنه لينين . وبين من كان يرى بحصر الثورة في افقها البرجوازي الديمقراطي ، واتجاه ثالث كان يرى ان الانتقال الى الاشتراكية ياتي بقيام ثورات عمالية في البلدان الراسمالية المتطورة .
3. ارتباطاً بالنقطة اعلاه وبعد فترة قصيرة من هذا الصراع المحتدم قامت السلطة البلشفية في 5 / 1 / 1918 بحل الجمعية التأسيسية وتحويل السلطة كاملة الى السوفيتات . إما النقطة الجوهرية التي اكد عليها لينين وهي خصوصية الظرف واستثنائية المرحلة هي التي دفعت بالبلاشفة الى تبني مثل هذه الخطوة التي حرمت الطبقات الاخرى من ممارسة حقوقها الانتخابية الا ان الطامة الكبرى هي ما اعتبر لاحقاً مثل هذه الخطوة قاعدة عامة وابرز ملامح لشكل الدولة السوفيتية .
4. بعد وفاة لينين وتولي ستالين قيادة الحزب والدولة هذه الشخصية التي تحدث عنها لينين قائلاً :
" الرفيق ستالين فظ جداً ، وهذه المثلبة ليست مقبولة عند رفيق يضطلع بوظائف السكرتير العام " وبعد أن هزم ستالين جميع معارضيه أصبح يسيطر على الحزب وعلى جهاز الدولة ، عمد الى سياسة حرق المراحل التاريخية وهذه كانت تتطلب :
أ / التعجيل بعملية تركز وتمركز الانتاج في الصناعة والزراعة
ب / يتطلب التعجيل في رفع وتيرة التصنيع وتكوين المزارع الجماعية ومزارع الدولة حتى وان استخدمت الدولة الوسائل القسرية في سبيل انجاح ذلك
جــ / بالنتيجة أدى كل هذا من تجميع قسري للارض والفلاحين الى نشوء نظام تخطيط مركزي وشامل مفرط في مركزيته ادى الى توفير شروط حصر سلطة القرار بيد قيادة الحزب الشيوعي الذي اصبح عام 1922 هو الحزب الوحيد في السلطة الى الحد الذي صرح به زينوفييف عضو المكتب السياسي قائلاً :
" لقد أصبحنا الحزب الشرعي الوحيد القائم في البلاد وبتنا نحتكر العمل السياسي ، لقد قمنا بحرمان خصومنا من أي حرية سياسية ، لكن لم يكن في وسعنا ان ننهج نهجاً آخر " .
5. هذا التوجه المفرط في مركزة القرار وحصره بيد مجموعة من صغيرة ثم تدريجياً بيد ستالين حصراً ساعد ومهد لظهور البيروقراطية التي تحكمت فيما بعد بالانتاجين الروحي والمادي للمجتمع . وبالطبع كان لهذه الفئة امتيازاتها ومصالحها التي دافعت عنها بشتى الوسائل والسبل حتى لو كانت التصفية الجسدية في سبيل عدم القيام باصلاحات تهدد امتيازاتها . وبهذا صدق تنبؤ روزا لوكسمبورغ حين تسائلت عن ما العمل لضمان ان طبقة جديدة او بيروقراطية جديدة لا تستولي على السلطة ؟
6. أن سمات الاشتراكية الثلاث التي تطرحها وثيقة خيارنا الاشتراكي تمثل نقطة غاية في الاهمية يفترض أن لا تغيب عن بال أي شخص يتناول تقييم التجربة السوفيتية فهذا الترابط الجدلي بين الديمقراطية والمساواتية وتشريك الجزء الاكبر من الاقتصاد ، ما لم تؤخذ بعين الاعتبار ستولد لنا نظاماً دكتاتورياً حتى لو ارتدى رداءً بلشفياً كما يقال ، فالملكية العامة التي يتم الفصل بينها وبين الديمقراطية ستولد حتماً تسلط الدولة على المجتمع .

• المصادر
1. انهيار الاتحاد السوفيتي والتجربة –الاشتراكية ، فالح عبد الجبار ، مقال متاح على موقع الحوار المتمدن .
2. عشرة أيام هزت العالم ، جون ريد .
3. مفكرون عالميون يتحدثون عن ثورة اكتوبر- 1917ترجمة/ أحمد الزبيدي ، مقال منشور في جريدة المدى .
4. ثورة اكتوبر العظمى ... قاطرة القرن العشرين ، صالح ياسر ، سلسلة مقالات منشورة في جريدة طريق الشعب .
5. وثيقة خيارنا الاشتراكي .
6.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف إسرائيلي على مركز رادارات في سوريا قبيل الهجوم على مدينة


.. لماذا تحتل #أصفهان مكانة بارزة في الاستراتيجية العسكرية الإي




.. بعد -ضربة أصفهان-.. مطالب دولية بالتهدئة وأسلحة أميركية جديد


.. الدوحة تضيق بحماس.. هل تحزم الحركة حقائبها؟




.. قائد القوات الإيرانية في أصفهان: مستعدون للتصدي لأي محاولة ل