الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاختراعات والعلاقات الاجتماعية «2»

سمير أمين

2017 / 10 / 30
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


نموذج اختراع «الطابعة ثلاثية الأبعاد»
تتتابع أمواج الاختراع فى العصر الحديث دون توقف. فثمة آلاف الاختراعات التي تنبعث عاما بعد عام وتخص جميع مجالات الإنتاج، فتتيح تخفيض التكلفة أو تحسين الجودة. ويدلى الخطاب الدارج بتقريظ هذا الوضع فينسبه إلى فعل عامل المنافسة الخاص بالرأسمالية. ولكن هذا التقريظ يظل محل تساؤل، حيث إن أغلب الاختراعات تسعى إلى رفع مردودية استثمار المال من خلال وضع حدود زمنية على دوام حياة المنتجات، أى بعبارة أخرى تشجيع تصرف تبذيري يمثل تكلفة اجتماعية ضخمة ومتصاعدة. لن أسترسل فى تناول قضايا هذه الاختراعات ثانوية الطابع، وإنما سأركز على الاختراعات الكبرى التى تتيح إنتاج شىء نوعى جديد أو أسلوب إنتاج جديد كل الجدة. وذلك لأننا دخلنا فى مرحلة تتصف بكثرة ظهور مثل هذه الاختراعات. وسوف أضرب مثالا بالطابعة «ثلاثية الأبعاد».

يتيح الحاسوب الإلكتروني (الكمبيوتر) إنتاج شىء نوعى ذي بعدين اثنين وهي الصفحة المطبوعة. واستوجبت العملية وجود سند ذى البعدين (صفحة ورق) وآلة (الطابعة) ومادة نوعية (الحبر) وقدرة الآلة على أن تختار من ذاكرة الكمبيوتر النص المسجل فتحوله إلى صفحة مطبوعة.

وتحققت نقلة نوعية عندما اخُترع كمبيوتر يتيح تخيل شىء نوعى ثلاثي الأبعاد (كرة أو كوب) وتسجيله فى ذاكرة الآلة، ثم اختراع آلة أخرى جديدة أطلق عليها اسم «الطابعة ثلاثية الأبعاد» من باب التمثيل. فيتطلب إنتاج الشىء النوعى المتخيل مسندا خاصا مصنوعا من مادة نوعية (تسمى «الحبر» من باب التمثيل) ثم تحويل الشىء المتخيل والمسجل فى ذاكرة الكمبيوتر الحديث إلى شىء مادى ملموس، أكان بسيط التشكيل مثل كوب أو مركبا معقدا مثل قلب إنسانى اصطناعى.

نحن هنا أمام اختراع ذى أهمية بالغة. وثمة مجالات أخرى ظهرت فيها حديثا اختراعات كبرى، مثل مجال علوم الجسيمات الصغيرة التى تشكل أجسام المواد المعروفة. وكذلك اختراعات تخص صناعة مواد جديدة. وثمة تكامل بين بعض هذه الاختراعات. فعلم الجسيمات الصغيرة مثلا أتاح بدوره اختراع وإنتاج مواد جديدة لازمة فى تشغيل الطابعة ثلاثية الأبعاد (أى أنواع «الحبر» الذى يتحول إلى مادة صلبة لكى يعطى للشىء النوعى المنتج شكله النهائى المطلوب).

هناك أيضا اختراعات ظهرت فى مجالات أخرى مستقلة، مثل البيوجنية أو الفضاء أو إنتاج أنواع من الطاقة المستديمة.

ينبغى فتح الجدال حول مغزى الاختراعات الحديثة. علما بأن لهذا النقاش أوجهًا متباينة، بعضها يخص مجال العلوم والفنون المعنية وبعضها يتعلق ببعدها الاجتماعى.

على سبيل المثال يستدعى مبدأ الحذر فحص صلاحية البيوجنية التى لا نعلم عواقبها فى الأجل الطويل وتأثيرها على التنوع الجينى. بيد أن مبدأ الربحية المالية السريعة يتجاهل تماما هذا الوجه للقضية. لن أسترسل هنا فى تناول هذه الأمور.

أعود إلى نموذج الطابعة ثلاثية الأبعاد. ما هى الأشياء النوعية الملموسة التى يمكن إنتاجها بهذا الأسلوب؟ يبدو لى أن الآلة قادرة فقط (حتى الآن) على إنتاج أشياء صغيرة الحجم، ولو فى غاية التعقيد من حيث تشكيلها، مثل القلب الاصطناعى. ولكن ثمة العديد من الاشياء الصغيرة المهمة والمفيدة، مثل القطعات التى تدخل فى تركيب الآلات الكبرى (محركات السيارة) والتى سيحل إنتاجها بهذا الأسلوب محل الأساليب الميكانيكية والكيميائية المستخدمة حاليا.

يتعلق السؤال المحورى بطابع العلاقات المتبادلة بين تشغيل هذا الاختراع وتكيف علاقات الإنتاج السائدة له. بيد أن النظر فى هذا الأمر مازال لا يجذب الاهتمام. ويكتفى الخطاب الجارى فى شأنه بالقول إن هذا الاختراع مثل جميع الاختراعات سوف يوفر للجميع حياة مريحة! وليس أقل!

يتطلب تشغيل أى اختراع مهم توفير نوعية جديدة من الكفاءات بالكثرة المطلوبة، هنا جيش من العلماء والمهندسين ومعهم العديد من المساعدين، وتعبئتهم فى مراكز بحوث مكلفة، كما يفترض ازدهار انواع التدريس الجامعى الملائم. بيد أن أقلية صغيرة فقط من الدول نشأت عبر السير بهذه الطريقة للتصدى للأمور. علما بأن تلك الدول تعتمد بالأساس على القطاع الخاص فى تناولها للقضية.

إن أهم سؤال بهذا الصدد هو الآتى: هل يتطلب تشغيل هذا الاختراع تغييرا جوهريا فى علاقات الإنتاج الرأسمالية السائدة؟ أجيب بالنفى. بل أزعم أن هذا الاختراع يدعم سطوة الاحتكارات المالية فى سيادتها على الاقتصاد، حيث إن العاملين فى الصناعات الجديدة سيظلون أجراء تستخدمهم الشركات الخاصة العملاقة.

قطعا يمكن تخيل استغلال المناسبة لإنشاء علاقات اجتماعية أخرى ذات طابع يتجاوز حدود الرأسمالية. ولكن النضال على هذه الأرضية لا يختلف فى طابعه عن النضال العام من أجل الاشتراكية، الذى يخص جميع قطاعات النشاط الاقتصادى، الجديدة والقديمة منها على قدم المساواة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيارة تحاول دهس أحد المتظاهرين الإسرائيليين في تل أبيب


.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in




.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا




.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي