الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لنوقف الحرب ونتصالح صوناً لليمن (1)

منذر علي

2017 / 10 / 30
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


لن ينتصر الشعب اليمني في هذه الحرب البغيضة لأنها ليست حربه. إنها معركة النخب الفاسدة ، التي تتغذى بدم الشعب ، وتتصارع من أجل غاياتها اللئيمة في الهيمنة على السلطة وتعزيز مكانتها السياسية والطبقية، وتنفيذ مشاريع القوى الإقليمية. وفي مثل هذا النوع من المعارك، قد تنتصر جماعة على جماعة أو جماعات أخرى، بشكلٍ مؤقت و جزئي، هنا أو هناك ، ولكن في المُحصِّلة الأخيرة، سيكون الوطن هو المهزوم. ومن يتوهم غير ذلك، فأنَّ عليه أنْ يراجع حساباته بدقة، بدون مكابرة، وينظر إلى تاريخ الحروب الأهلية وإلى تجارب الشعوب الأخرى من حوله.
في الحرب الأهلية اللبنانية، كان يتقدم طرف هنا، ويتراجع آخر هناك، وتحت أوهام الانتصار الممكن والحاسم، التي راودت عقول المتحاربين، استمرتِ الْحرب قرابة خمسة عشر سنة. لقد دُمِّر لبنان خلالها ، ولم تتمكن أي من الفئات المتصارعة، من كسب المعركة لصالحها بشكل حاسم، ، وفرض هيمنتها على بقية الأطراف الأخرى، سواء تلك التي حَظِيتْ بدعم مباشر من الجيش العربي السوري ، أو تلك التي استقوَتْ بالعدو الإسرائيلي ، الذي دخل بيروت وهندس وأشرف على مجزرة صابرا وشاتيلا ـ وقدم دعماً مباشراً للقوى الانعزالية ، ثم خرج مكرهاً من بيروت ، ولكنه أحتل شريطاً واسعاً من جنوب لبنان وربض فيه حتى عام 2000.
وفي الأخير، كان على القوى اللبنانية المتصارعة أن تتصالح مع نفسها ، وتتوافق حول صيغة سياسية معينة ، في كيفية حكم لبنان ، ولكن ذلك التصالح، تم بعد دمار شامل واحتلال خارجي ، ومقتل ما يزيد عن 150 ألف شخص، وتشريد عشرات الآلاف ، فضلاً عن آلاف المفقودين والمخفيين قسراً.
وعلى الرغم من أنَّ لبنان تمكَّن من تحرير أرضه ودحر العدو الخارجي ، عقب التصالح ورأب الصدع الداخلي ، إلاَّ أنَّ الشعب اللبناني مازال يعاني من آثار تلك الحرب البغيضة، بكل أبعادها، وسيظل يعاني لعقود قادمة.
وفي اليمن ، فأنَّ المراهنة على القوى الخارجية ، بشقيها الإيراني والسعودي والإماراتي، لن يجدي نفعا، ليس فقط لأَنَّ هذه المراهنة، تمثل حيلة الكسالى والواهمين، ولكنها مراهنة عمياء، لا أفق لها ولا مستقبل. ذلك أنَّ من يعتقد أنَّ إيران ستجعل أنصارها يقهرون " النواصب"، ويكسرون شوكتهم ، وبالتالي ستمكنه من فرض نفسه وصياً على اليمن ، فهو واهم كبير. ومن يتوهم أنَّ الإمارات ، ستُمكِّنُ أنصارها العميان من السيطرة على جزءٍ من الوطن بشكل نهائي ، فأنه لا يقل وهماً عن سابقيه. ومن يتخيَّل أنَّ دولة قطر، التي سحبتْ قواتها من اليمن عقب الأزمة بينها وبين السعودية والإمارات في الفترة الأخيرة ، ستمكن الإخوان المسلمين ، عبر الدعم المالي ، من التسيُّد على " الروافض" ومن ثم على الشعب، لا بد وأن لديه خلل عقلي. ومن يفترض أنَّ السعودية ستمكن شيوخ القبائل والسلاطين ، والقوى القبلية والدينية التقليدية ، والمرتزقة وغيرهم من عملائها، في حكم اليمن لحسابها ، كما عملتْ بين 1970- 1990 في شمال اليمن ، لا بد وأن يكون معطوب الفكر، ولديه فائض كبير من الغباء، ذلك لأنًّ البيئة السياسة لم تعد كما كانت في الماضي.
وهذا لا يعني ، بطبيعة الحال، أنَّ القوى الإقليمية لن تساعد القوى المتصارعة في اليمن. غير أنَّها ستساعد نفسها في المقام الأول من خلال مساعدتها لتلك القوى. فالمساعدة ستكون في الحدود التي تسمح للقوى الإقليمية بتحقيق مصالحها ، ومصالح القوى الدولية ،وليس مصالح القوى اليمنية المتصارعة ذاتها، أي بتحقيق شرعية هيمنتها واحتلالها لليمن وليس شرعية عبد ربه منصور هادي، أو شرعية عبد الملك الحوثي.
ويمكن النظر إلى مكانة ودور هذه الدول بقدر من التفصيل على النحو التالي:
أولاً، قطر: وهي دولة صغيرة، التي تبلغ مساحتها حوالي 11.521 كم²
حيث يشكل فيها المواطنون 14% من مجموع سكانها، البالغ عددهم 2.542.000 ، ولكنها هي دولة فاحشة الغنى ، حيث يبلغ دخلها القومي السنوي حوالي 248.302 مليار دولار. وهذه الدولة ستساعد الأخوان المسلمين في اليمن ، ممثلين بحزب الإصلاح ، وخاصة التيار العقائدي منه ، لكي توسع و ترسخ نفوذها في اليمن، وسيتم ذلك ، بما يتناسب مع مكانتها الاقتصادية وتطلعاتها السياسية ، التي بدأت في العد التنازلي، عقب الأزمة السياسية التي تعصف بها. وقد لا يكون ذلك في صالح الأخوان المسلمين ، وخاصة إذا جرى تقارب تكتيكي بين قطر و إيران، ولم يرافقه تقارب بين الإصلاح وأنصار الله في اليمن.
على أنَّ توجه قطر في هذا المنحى، ليس له من تفسير سوى أنها تسعى إلى حماية نفسها من التمساح السعودي الزاحف نحوها ، ومن الضغط الإماراتي والمصري المتزايدين عليها ، خاصة في الآونة الأخيرة . ولذلك فأنَّ قطر تمارس تلك السياسية ، التي تشكل مزيجاً من الدفاع والهجوم ، في إطار التعاون مع الحركات الإسلامية ، والتنسيق الوثيق مع تركيا، والتطلع إلى تعميق علاقاتها بعمان والكويت، وتحسين علاقاتها بإيران. وفي هذه الظروف فأن دعمها لأنصارها في اليمن سيضعف كثيراً جراء هذه الأزمة ، وسينحصر في المساعدات المالية، التي قد تنخفض وتتلاشى بدورها مع تطور الأزمتين السياسية والاقتصادية اللتين تحيطان بقطر.
ثانياً، الإمارات: هي القوة الثانية من الناحية الاقتصادية ، بعد السعودية ،في الجزيرة العربية ، وهي تسعى لتحقيق هدفين: أولهما، يتمثل في طرد أنصار إيران من الجنوب، وبسط سيطرتها العسكرية عليه، وقد نجحت في ذلك، ومن ثم التنسيق الوثيق مع القوى الانفصالية، لتقليص نفوذ "الرئيس الشرعي" وتعميق "شرعية وجودها." وثانيهما ، يتمثل في تقويض نفوذ الإخوان المسلمين في الشمال ، المدعومين مالياً من قبل قطر ، وتقليص نفوذ أنصار الله ، المدعومين من قبل إيران ، سواء من خلال الدفع، من بعيد، بالصراع الانتحاري بين هذه القوى، ومن ثم التفرغ لترسيخ وجودها قي الجنوب ، أو من خلال التنسيق مع أحمد علي عبد الله صالح ، للسيطرة على الشمال. والغاية المزدوجة ، تتمثل في ضرب حزب الإصلاح ، وأضعاف نفوذ أنصار إيران، وتقليص نفوذ القوى المنافسة لها في اليمن ، وخاصة قطر والسعودية ، وأن كان خلافها مع السعودية في الوقت الحاضر مؤجل ، بسبب الأزمة القطرية.
لقد سعت الإمارات ، في الآونة الأخيرة ، وبشكل جدي ، إلى إضعاف "الرئيس الشرعي" ، بغية أضعاف الأخوان المسلمين، من خلال تمكين اللواء عيدروس الزبيدي من تشكيل المجلس السياسي الانتقالي، والجمع بينه وبين العميد أحمد علي عبد الله صالح ، سعياً في هذا الاتجاه. كما بدأت تنشط بقوة من خلال حمايته داخلياً ، و فتح منافذ سياسية ودبلوماسية خارجية "للمجلس الانتقالي" للتواصل مع بعض الأنظمة العربية ، كمصر ، وبريطانيا وفرنسا وألمانيا. غير أنَّ الطموح والنفوذ الإماراتي المتزايدين ، مقيداً بالطموح السعودي الكبير ، والصراع بينهما مؤجل لأن المصالح الآنية المشتركة ، لا تسمح بالخلاف بينهما لأنْ يصل إلى مرحلة التصادم.
ثالثاً، السعودية: وهي الدولة الأقوى اقتصاديا في الجزيرة العربية ، والعالم العربي ، إذ يبلغ دخلها القومي 707.379 مليار دولار ، تسعى لمساعدة الأطراف المتصارعة في اليمن لتحقيق هدفين مزدوجين: الأول ، يتمثل في القضاء، بدون مواربة، على النفوذ الإيراني ، الذي يشكل خطراً ماحقاً عليها ، والثاني، يتمثل في تعميق نفوذها في اليمن عبر تمكين أتباعها، من الجماعات الدينية السلفية، والقبلية التقليدية ، و المشايخ والسلاطين وغيرهم من الأتباع والجماعات المرتبطة بها تاريخياً، ولكن أيضاً لاستخدام اليمن لتقليص نفوذ القوى الأخرى ، المتطلعة إلى النفوذ والسيطرة في المنطقة. واضح أن هناك تباين في موقف الدول الإقليمية إزاء اليمن ، والسؤال ، هو: كيف سيتم حل هذه التناقضات بين "قوى التحالف" وما تأثير ذلك على اليمن؟ وهذا ما سنتناوله في الحلقة القادمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قائد الحرس الثوري الإيراني: سنرد من أراضينا على أي هجوم إسرا


.. اجتياح رفح مقابل رد محدود على إيران.. تفاصيل عرض أميركي جديد




.. الأخبار في دقيقتين | رغم تحذيرات دولية.. الجيش الإسرائيلي يؤ


.. أمطار غزيرة تضرب منطقة الخليج وتغرق الإمارات والبحرين وعمان




.. حمم ملتهبة وصواعق برق اخترقت سحبا سوداء.. شاهد لحظة ثوران بر