الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المكثف حول العنف (1-4)

عقيل الناصري

2017 / 11 / 2
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


المكثف حول العنف (1-4)
في مفهوم العنف:
لم يتم التوصل، علماء الاجتماع والنفس، لحد الآن، إلى تعريف موحّد للعنف، كبقية منظومة المفاهيم العلوم الاجتماعية، ففي بعضها يُعرف العنف بأنّه سلوك عمدي موّجه نحو هدف، سواءً لفظيّ أو غير لفظي، ويتضمّن مواجهة الآخرين مادياً أو معنوياً، وهو مصحوب بتعبيرات تهديديّة، وله أساس غريزي كما يقول بعض علماء النفس الذين اختلفوا في تفسيراته. كما ويُعرف بأنه هو تعبير عن القوة الجسدية التي تصدر ضد النفس أو ضد أي شخص آخر بصورة متعمدة أو إرغام الفرد على إتيان هذا الفعل نتيجة لشعوره بالألم بسبب ما تعرض له من أذى. علماً بأن النزعات العنفية الخطرة أو غير الخطرة، لا تنطلق إلا إذا صادفت وسطاً مادياً مساعدا لظهوره وانتشاره.
لكن بغية الوصول إلى الجذور الكامنة للعنف، فقد تطرح جملة من الاستفهامات عن دور العنف في التاريخ، فهل هو مكتسب من بيئته الاجتماثقافية وموروثاته الفكرية ؟؟ أم أن وراءه عوامل بيولوجية جينية ؟؟ وهل أنه يمارس طواعية ؟؟ أم هو مفروض عليه ومضطر إليه ؟؟ وما دور الدين، بخاصة السماوية منها، في تبني وانتشار العنف، سواءً المادي منه أو المعنوي، وما دور النظم الاجتصادية وصراعاتها مع مكوناتها الاجتماعية في شيوع وتأليب استخدام العنف ؟؟ ولمن الأولوية للبوعث السياسية أم للأسباب الاقتصادية ؟؟ وهل هو غاية أم وسيلة ؟؟ وماهية هذه الغاية ومستلزماتها؟؟ وهل يسود العنف كل المجتمعات وعلى مر التاريخ أم ظهر عند انبثاق الملكية الخاصة ؟؟ وهل الثروة المتراكمة قائمة على أساس العنف ؟؟ وما هي اشكال العنف على مر التاريخ البشري وهل تتغير في شكلها ؟؟ وهل أن الإنسان بطيعته خيراً أم شريراً ؟؟ .
ومن الناحية التاريخية فقد تواجد العنف منذ أن عرف الانسان ذاته الاجتماعية، بل ربما هو قديم قدم الخليقة بخاصة ببعدها الاجتماعي والنفسي.. وقد تطورت أساليبه وتنوعت بتطور التجمعات البشرية والارتقاء بمكوناتها وصيروراتها المتعددة إلى مصافٍ أكثر ملائمة لذاته وتطورها الاجتماعيتين منذ ظهور الملكية الخاصة، وما نجم عنها من تصاعد الاختلاف والتناقض، التناحري وغير التناحري، في المصالح الاقتصادية وغير الاقتصادية، والرؤى الفلسفية وبخاصة في تجلياته الثقافية والفكرية، طالما أن العنف بحد ذاته وسيلة لتحقيق غائية معينة.
أما من الناحية الأسس الاقتصادية فقد أشار أنجلس إلى "... أن الملكية الخاصة لا تمثل في التاريخ ، في حال من الأحوال، كنتيجة سلب أو العنف، إن الأمر على النقيض من ذلك، إذ هي موجودة من قبل، وأن تكن مقتصرة على بعض الأغراض في الجماعيات البدائية القديمة لسائر الشعوب المتحضرة ... بل أن تكوين الارستقراطية البدائية نفسها قد قام، كما هي الحال عند السلتيين والجرمان ةفي البنجاب الهندي على أساس الملكية الجماعية للأرض. لم يكن مؤسساً بادئ الأمر على العنف، في حال من الأحوال، بل على القبول الحر والعادة. فحيثما نشأت الملكية الخاصة، فقد نشأت نتيجة للتغيرات الطارئة في علاقات الانتاج والمبادلة في مصلحة زيادة الانتاج وتقدم التجارة - وبالتالي نتيجة أسباب اقتصادية. ولم يلعب العنف أي دور هنا على الاطلاق. وفي الحقيقة أنه من الواضح أن قيام الملكية الخاصة يجب أن يكون أمراً واقعاً بصورة مسبقة حتى يتمكن السارق من إستملاك ملكية الغير، وحتى يكون بالتالي في مقدور العنف أن يغير صاحب الملكية الخاصة، لكن دون أن يكون في مقدورها أن يخلقها... ". بمعنى أن العوامل الاقتصادية على المستوى الجمعي كانت، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، تكمن وراء العنف بإعتباره الوسيلة لتحقيق غاية.
اما من زاوية علم النفس فـ "... يعد العنف أخطر أنواع العدوان لكونه يتضمن إلحاق أذى أو دمار مادياً جسيما بآخر أو آخرين أو بالممتلكات مع توافر القصد. وهو غير العدوان المشروع لحماية النفس والعدوان لحماية الآخرين والعدوان الوسيلي الذي يعني القيام بفعل عدواني لتحقيق هدف غير عدواني مثل مطاردة الشرطة لمجرم ... ".
ومن المعلوم من ناحية علم النفس الحديث "... أن الإنسان حين لا يتوائم مع بيئته أو يعيش ظروفاً صعبة، فإنه غالباً ما يقع بين أمرين: أن يتفحص جوانب قصوره في سلوكه ومواطن الضعف في شخصيته، أو أن يتفحص ما حوله. وكلا الأمرين يعنيان تفحص الطبيعة البشرية، وهي معضلة حقيقة فعلاً، بل ربما كانت أهم معضلة شغلت التفكير البشري. ومع أن سقراط الذي عّد الموضوع الأعظم أهمية في التفكير هو معرفة النفس. إلا أن معرفة النفس ليست هي العملية النهائية، بل خطوة حاسمة نحو عملية أكثر أهمية هي السيطرة على النفس. والمشكلة أن هذه السيطرة تؤثر فيها أحداث خارجية تتمثل بالبشر والحضارة والتقدم التقني ووسائل الدمار وسبل الفناء العام والخاص، التعاسة البشرية والفوضى العالمية وجرائم العنف... " .
وعلى ضوء ذلك، فقد تعددت تعريفات العنف بتعدد الفلسفات ومناهج المعرفة المستخدمة فى تعريفه، وتعدد الزوايا المنظور منها اليه. وغالباً ما يقترن العنف المادي بالتعذيب الجسدي، أما العنف المعنوي فقرينته تنصب على البعد النفسي. بمعنى آخر"... تعتبر ظاهرة العنف من الظواهر القديمة التي ظهرت في المجتمعات، وهي تسبب الكثير من النتائج السلبية على المجتمع والأفراد الموجودين فيه، وقد تطورت وتنوعت هذه الظاهرة بشكلٍ كبيرٍ ولافتٍ، ومما زاد من ظهورها هو انتشار منظمات حقوق الإنسان التي تقف في وجه العنف وتنبذه وتشجِّع المتضررين بالتحدّث وعدم السكوت، وإنما أخذ حقهم من المتسبب بالعنف لهم مهما كان شكل هذا العنف أو نوعه... ".
وبالاضافة إلى ذلك فهناك العنف الاجتماعي الذي يعود جذوره إلى البدايات الأولى "... ظهور الإنسان على وجه الأرض وجدنا نمو عقله وتطور تفكيره من خلال تفاعله مع محيطه الطبيعي والاجتماعي، ومع نمو مجتمعه برزت ظواهر اجتماعيه سلبيه وايجابية لم يتصرف الإنسان معها تصرفاً حيواناً بل عقلياً، وهذا يعني ان عقله قام بتهذيب غرائزه الموروثة ووجهها نحو الأهداف الإنسانية والإجتماعية، أي قلص حيوية الغرائز وغذى حيوية العقل بالتفكير المفيد والمثمر. بمعنى آخر ضبط غرائزه ووجها نحو فائدته وخدمته المعاشية والمجتمعية. لكن علينا أن نتذكر أن عقل الإنسان ليس دائماً يمل قاعدة مُقيدة وضابطة للغرائز بل تضعف في أغلب الأحيان والأمور أمام طلباتها وضغوطها العاطفية والأنفعالية والنزوات والأهواء وتستجيب لها دون الخضوع إلى أو الاستجابة لحكمة العقل وقوته... ".
كما أن هناك العنف السياسي ، الذي تمارسه السلطة السياسية ضد مختلف الفعاليات والاشكال التعبيرية عن الوجود وعن الإرادة والجماعة على حد سواءً. والسياسة بحد ذاتها ومن بعض أوجهها هي تعبير قد يأتي صريحا مباشراً أو غير مباشر من خلال نقل المطالب السياسية إلى السلطات الحاكمة أو "... إلى جبهة أخرى من جبهات التعبير عن الفعالية السياسية. وفي الحالين يكون هدف السياسة والممارسة السياسية هو تحقيق المصلحة، أكانت فردية أو جماعية، وتنميتها والدفاع عنها، بصورة تتداخلفيها اللحظات الثلاثة، ( التحقيق ، التنمية ، الدفاع)تداخلا عضويا قد يستعصي معه الفرز بينهما. ومن النافل القول إنه بعيداً عن أحكام الأخلاق المجردة ، ما من اجتماع إنساني خلا كيانه من علاقات المصالح، ومن التناقضات التي تنجم عن التبادل الاجتماعي للقيم ... ". وفي الوقت نفسه فإن تحقيق المصلحة، بإعتباره من الأهداف السياسية ، يحتاج إلى قوة مادية أو معنوية ( رمزية) تبغي الوصول إلى الأهداف "... وليست تلك القوة إلا الأدوات والأفكار. وقد تكون الدولة وأجهزة السلطة فيها، هي هذه الأدوات ؛وقد تكون حزب أو المنظمة السياسية هي هذه ؛ وقد تكون القاعدة الاجتماعية ( الشعبية) الملتفة حول برنامج سياسي هي هذه أيضاً... ".
أما من ناحية علم النفس : فيرى فرويد أن العنف هو نزعه طبيعيه في الإنسان، وتستند إلى رغبه تدميريه (ليبدو سالب)، وهي تعبر عن نزعة تلقائية لكل كائن عضوي نحو الموت، ويقابلها نزعه طبيعيه أخرى نقيضه لها هي نزعه الحياة (نزعة الإيروس)، والتي تدفع إلى الإنسان إلى الإبداع ؛
بينما أن إيريك فروم: فيرى أن العنف ليس سلوك طبيعي اساسى، وان علم النفس الحيواني يؤكد أن الحيوانات لا تكون عنيفة إلا في حالات معينه، وان العنف في هذه الحالات هو وسيله وليس غاية .
في حين أن ستانلي ميلغرام: فقد قام بإجراء تجربه أطلق عليها اسم (حدود الخضوع للسلطة)، واستخلص منها انه رغم أن هناك نزعه عدوانيه طبيعيه لدى الإنسان، إلا أن الظروف التاريخية و الاجتماعية هي المحدد الأساسي لظهور العنف .
بمعنى آخر "... هنالك رأيان في العنف:
الأول: يرى أنه ناجم عن أسباب بيلوجية ( وراثي) وإن الناس يميلون بالفطرة إلى التنافس والعدوانية الذي قد يصلإلى التدمير المتبادل, ويرى نيتشه أن وجود ناس لطفاء يتصفون بالرقة هي حالة شاذة بين البشر... ويقف فرويد في مقدمة علماء النفس الذين يؤكدون بيولوجية العدوان في مقولته بوجود غريزتين في الإنسان: (الحياة- إيروس) و(ثناتوس- الموت) تعيشان في صراع دائم، وإن الحل يكمن بتحويل غريزة الموت إلى الخارج بنشاط تفريغي ملائم (الرياضة مثلاً) وإلا فأن الناس يلجئون إلى التصرف بأساليب عدوانية ضد الآخرين لتفريغ ما تراكم لديهم من طاقات عدوانية. وتوصل لورنز الحاصل على جائزة نوبل عام 1973 عن دراسته الخاصة بالأسس الايثولوجية للسلوك إلى أن العدوان غريزي، وأنه طاقة تعمل بصورة مستمرة ومتجددة، وأنه لابد من تصريف هذه الطاقة وإلا تراكمت إلى مستويات خطيرة.
والرأي الثاني يفسر العدوان بأنه استجابة أو ردّ فعل لعوامل بيئية، وأنه ناجم عن الإحباط الذي يعني إعاقة سلوك متجه إلى هدف أو غاية أو قصد، أو هو ما يحول دون صدور استجابة متجهة نحو شيء ما قد حانت لحظته، وإن العدوان يتم تعلّمه (مكتسب) من خلال التعزيز أو تقليد النماذج العدوانية وما تحصل عليه هذه النماذج من مكافآت مادية أو معنوية. وأن الأجيال المتعاقبة تتعلم العنف من خلال ممارسته في الحياة الأسرية والدور الذي تؤديه وسائل الإعلام في تعلّم السلوك الاجتماعي العدواني ".

الهوامش والمصادر
1- "... فأن الشر عند هيغل، هو الشكل الذي تتجلى فيه القوة المحركة للتطور التاريخي. ولهذه الفكرة معنيان: من ناحية، كل خطوة جديدة إلى أمام تظهر بالضرورة كأنها إهانة لشيء مقدس، عصيان على الوضع القديم ، البالي، ولكنه المقدس بفعل العادة. ومن ناحية أخرى ، منذ ظهور التناقض بين الطبقات، غدت نزوات الناس الشريرة: الطمع والتعطش إلى السلطةـ أمخال التطور التاريخي... ". مستل من فريدريك أنجلس، لودفيخ فورباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية ، ماركس وأنجلس، منتخبات في 3 مجلدات ، ج. 2. ص. 210، دار التقدم موسكو1981 .
2 - فردريك أنجلس، دور العنف، ص.13، مصدر سابق.
3- قاسم حسين صالح، الشخصية العراقية، ص. 41، مصدر سابق.
4- المصدر السابق ، ص.9.
5- مستل من موقع ، http://mawdoo3.com/
6-https://ar.wikipedia.org العنف الاجتماعي .
7 -- عبد الإله بلقزيز ، العنف والديمقراطية، ص.17، منشورات جريدة الزمن المغربية، الكتاب الثاني، دار البيضاء 1999. ويشير ذات المصدر،ص.19، إن هنالك نمطين من السياسة أو لنقل في مفهومين للسياسة على طرفي نقيض: في مفهوم وحشي، وفي مفهم مدني... الأول يمثل عملية نزاعية مجردة من كل قيم إنسانية ومن كل قاعدة أخلاقية.، تراعى مصالح الآخرين أو تحترم حقوقهمأو حتى آدميتهم... أما الثاني وقوامه النظر إلى ميدان السياسة بوصفه مجالا عموميا للمجتمع لا ملكية خاصة لفريق دون سواه . وهي في هذا المجال تمثيلا لمصالح نسبية لا لمصالح مطلقةمزعومة، لأنها تتحول إلى طريقة لترجمة التنوع الطبيعي الحاصل في ميدان الاجتماع الوطني. بمعنى آخر إن علينا وجوب الاخذ بالاعتبار حقيقتين اساسيتين: حقيقة الاختلاف في المصالح بين الطبقات الاجتماعية ؛ وحقيقة إنها جميعا تملك الحق في التعبير عن مصالحها.
8- المصدر السابق، ص. 18.
9 - مستل من الموقع الرسمي للدكتور صبري محمد خليل خيري، https://drsabrikhalil.wordpress.com
10- د. قاسم حسين صالح، الشخصية العراقية، ص. 41، مصدر سابق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انطلاق معرض بكين الدولي للسيارات وسط حرب أسعار في قطاع السيا


.. الجيش الإسرائيلي يعلن شن غارات على بنى تحتية لحزب الله جنوبي




.. حماس تنفي طلبها الانتقال إلى سوريا أو إلى أي بلد آخر


.. بايدن يقول إن المساعدات العسكرية حماية للأمن القومي الأمريكي




.. حماس: مستعدون لإلقاء السلاح والتحول إلى حزب سياسي إذا تم إقا