الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العشائرية في العراق الى اين ؟

علي عبد الواحد محمد

2006 / 2 / 21
المجتمع المدني



كن الأنسان مرتبط بالعشيرة منذ ايام المشاعية ا لبدائية ، حيث كان افراد هذه العشيرة يعيشون سوية في تجمعات مناا جل البحث عن الطعام بشكل جماعي، تنظم حياتهم البسيطة مجموعة من القوانين التي تحميهم وتجنبهم الوقوع في المهالك ، وتؤمن لهم شكل من العيش بالكاد يسد رمقهم ، ولذلك كان الإلتزام بهذه القوانين الصارمة يعني الحياة لعضو العشيرة، ومع التطور الحضاري اللاحق وظهور المجتمعات الرعوية والمجتمعات الزراعية لاحقاً، بقيت الارض المشاعة الرئيسية التي تؤمن حياة متساوية لكل اعضاءها، مع ملاحظة التطور والتوسع في القوانين السابقة التي كانت سارية ايام البحث عن الطعام، اصبحت العشيرة الآن تنتج طعامها فلابد من قوانبن جديدة لحمايته، وتصبح هذه القوانين اكثر شدة لحماية القرى الزراعية والمدن التي ظهرت على تخوم القرى كأسواق لتبادل السلع المختلفة ، فظهرت فيها نواتات الحكومات والمحاكم والشرطة والسجون ، الشئ الملفت للنظر إن الناس الذين سكنوا في المدن الجديدة جاءوا من القرى والبوادي القريبة منها ، فهم إذا من عشائر مختلفة ولكن سكنهم المشترك في المدينة الجديدة جعلهم يتقبلون القوانين المدينية ، وبالتالي يصبح ولائهم للمدينة اكثر من الولاء لعشيرتهم السابقة، ومع ذلك يلاحظ في تلك الفترة المبكرة من حياة الإنسان لم تكن هناك إختلافات كثيرة بين القوانبن في القرية عنها في المدينة لأن عمليات البيع والشراء كانت تجري في المكانين.ومع التطور الصناعي الكبير في المدن ، وولادة المجمعات الصناعية الضخمة ، ولدت قوانين ومسميات جديدة تنظم العمل والسكن والإقتصاد والصحة والتعليم وغيرها ، ذلك ادى الى الإرتباط الواضح لإبناء الر يف بالمدينة وحدوث الهجرات الكبيرة الى المدن ، مما ادى الى حدوث الأزمات والتناقض الحاد ما بين طباع وقوانين القرية وطباع وقوانين المدينة في الشخص الواحد ، وما بين الأشخاص المختلفين ، وتجلى ذلك في التجمعات السكانية والعمالية الكبيرة، فالتعامل هنا بين إناس من عشائر مختلفة واديان مختلفة بل حتى بين قوميات مختلفة، في التجمعات العمالية الكبيرة يقضي العامل اوقاتاً كثيرة مع اقرانه العمال اكثر مما يقضيه مع افراد عائلته او عشيرته ،وبذلك يكون إحتياجه للقانون المديني اكثر من إحتياجه للقانون العشائري ، يؤدي ذلك الى الإضمحلال التدريجي للقانون العشائري، ولكن في بلدنا العراق لم تجر الأمور وفق هذه الميكانيكية، إذ من المعروف إن الحكومة العراقية الحديثة تأسست في اوائل عشرينيات القرن الماضي ، إلاّ ان قانون العشائر بقي هو القانون المفضل لدى الناس وخاصة في الحوادث الكبيرة مثل القتل والسلب والنهب وغيرها، وعمدت الحكومة الى ترسيخ قانون العشائر في الثلاثينيات من نفس القرن الماضي ، عندما منحت الحكومة او بالأحرى سلطات الإحتلال الإنكليزي شيوخ العشائرملكية الأراضي الأميرية( التي كانت تمثل الأرض المشاعية للعشيرة)، وما سمي في حينها اللزمة او قانون تسوية حقوق العشائر، بذلك تحول شيخ العشبرة من زعيم ابوي ينال حصته من تبرع اعضاء عشيرته ، الى زعيم شبه إقطاعي ينال حصته كاملة من ريع الأرض ، ثم يوزع الريع العيني على الفلاحين مقابل إشتغالهم في ارضه(التي اصبحت ملكه لوحده بعد ان كانت ملك العشيرة بأجمعها) ، الوضع الجديد حتم قوانين جديدة ، في القسمة وفي ضبط الديون وفي السقي وفي حراسة المحصول وتسويقه وفي الخدمة في بيت الشيخ ، باختصار اضيفت قوانين تحفظ الحق الطبقي الجديد للشيخ.

وبعد ثورة 14 تموز سنة 1958يصارالى إلغاء قانون العشائر بطريقة رائعة في العراق الثائر ، الذي هب شعبه لمقارعة التخلف ، وكانت هنال عوامل عدة ساهمت في نجاح هذه العملية اهمها:
1ــ الحكومة الثورية التي وضعت نصب اعينها ، الغاء العلاقات الإقتصادية الإجتماعية شبه الإقطاعية التي كانت سائدة في الريف والمدينة ، حيث اوكلت هذه المهمة الى إناسي شرفاء وضعوا مصلحة تطور بلادهم فوق كل إعتبار وساروا خطوات جبارة في تحطيم الأساس الإقتصادي لإنتعاش القوانين العشائرية ، ومن خلال إحترام قوانين الدولة، وتحويل مراكز الشرطة ورجال الشرطة الى مبادرين لتطبيق القوانين، ونبذ الرشوة والفساد، ولعبت قوات الجيش وخاصة الإنضباط العسكري دورا مساهما في حل النزاعات.

2ــ لعبت الجبهة الوطنية ( جبهة الإتحاد الوطني) في بداية الجمهورية واحزابها دورا كبيرا في تعبئة الجماهير وقيادتها ودفعها لتعزيز الحكم الجمهوري في العراق وإسناد قوانينه التقدمية ، وبعد إنفراط جبهة الإتحاد الوطني ، إستمر الحزب الشيوعي العراقي والحزب الوطني الديمقراطي والإستقلال على نهجهم في إسناد ودعم الجمهورية.

3ــ لعبت المنظمات الديمقراطية العراقية وبالذات إتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي ، إتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية ، رابطة الدفاع عن المراة، ونقابات العمال والجمعيات الفلاحية الى بث روح الإنتماء الى العراق والى التآخي العربي الكردي ، وروحية التسامح لدى ابناء الشعب العراقي إزاء بعضهم البعض، وتكاتفهم تحت شعار الدفاع عن الجمهورية وخطت قضية حرية المراة خطوات هامة ازعت القوى الرجعية.

4ــ لعبت مجالس العزاء الحسينية والردات واللطميات دورا كبيرا في تعبئة الإنسان العراقي بروح حب العمل والتآخي والدفاع عن الجمهورية.

5ــ عملية التصنيع وإنطلاق المشاريع الصناعية وبناء المدن الجديدة ، ادى الى ظهور قيم جديدة التزم بها المواطنون كبديل عن القوانين العشائرية القديمة والتاثيرات الواضحة في المجتمع ، فصار ينظر الى الإنسان نظرة جديدة ، يلعب فيها حب الوطن والولاء له الدور الأساس في التقدير والإحترام لاعلى اساس العشائرية ، اسطع مثال على ذلك هو الإستقبال الكبير الذي حظي به الملا مصطفى البرزاني ورفاقه في البصرة إثر عودتهم من الإتحاد السوفيتي آنذاك .
وتجلى حب الوطن وحب العمل في تصدي المواطنين لمحاولات التخريب وحرق محطات البنزين والى الوقوف بوجوه شيوخ العشائر وغيرهم من العناصر التي جهرت بالعداء للثورة،وازدادت اللحمة ما بين الناس في محلات سكناهم ، فكانوا يتزاورون ويسهرون سوية لتابعة وقائع محكمة الشعب التي كانت تحاكم اقطاب العهد البائد والمتآمرين الجدد .
إلا إن الرياح لاتأتِ دائما بما يشتهي السَفَنُ
حيث تتكالب القوى الرجعية وبالتحالف مع البعث العفلقي لتسقط التجربة الثورية في البلاد ،و لتمتد عصور الظلام منذ 8شباط 1963 الى 2003 حيث السقوط المدوي لنظام البعث الدموي ، الذي تشير كل مراحل حكمه بانه بعيد عن تمثيل الشعب العراقي ، خاصة منذ مجئ صدام الى السلظة وخوضه الحروب المتتالية ، التي اضرت كثيرا بمصالح الشعب العراقي ، فاصبحت الدولة ومؤسساتها عبئا على الشعب ،وليست المؤسسات القانونية من محاكم ومراكز شرطة بعيدة عن ذلك ، فقد سادت فيها المحسوبية والمنسوبية والفساد والرشوى وتحولت مراكز الشرطة الى مراكز لسلب المواطنين بدلاً من إعانتهم وادى رجوع الحكومة العراقية الى العشيرة وتوظيف رؤساء عشائر جدد بهدف جمع الشباب الهاربين من محارق حروبها التي لامعنى لها،الى دفع المواطن اكثر فاكثر نحو القوانين العشائرية ، على الرغم من التناقض الذي يشعره المواطن ما بين الحل العشائري لمشاكله التي تزيد من تبعيته الى القرية والعشيرة وما بين إنتماءه الى المدينة، التي لايشعر فيها بالامان ، ولكن بعد سقوط النظام البعثي الدكتاتوري يصبح من الضروري على الدولة امتلاك الجدية لقيام دولة القانون والمؤسسات والعمل بنفس جدية حكومة ثورة تموز المجيدة في إزالة قانون العشائر وترسيخ القوانين المدنية ، فمنذ سقوط النظام البعثي ولحد هذا اليوم لم نلمس خطة جادة لتطوير المجتمع العراقي على اساس منظمات المجتمع المدني ، وإطلاق طاقات هذه المنظمات بما يضمن مساهمتها الفاعلة في تطوير المجتمع بهذا الإتجاه ناهيك عن القيود غير المرئية المفروضة في المجتمع والجامعات ، وسيادة ذهنية التحريم والممنوعات ، و الفساد المستشري في دوائر الدولة وإستخدام الرشاوى وغيرها من الأساليب للتخلص من التهم وتحويل القضايا للحل عشائريا ، يضاف الى كل ذلك الوضع الإقتصادي الصعب الذي تعيشه الجماهير من جهة وتعطيل العديد من لمؤسسات الإقتصادية التي كانت تساهم في زيادة إرتباط المواطنين بالمدينة وقوانينها ، اضف الى ذلك إن الكثير من القيم التي كانت سائدة في النظام السابق ، بقيت على حالها في النظام الجديد و,اضيف اليها قيم الطائفية والعنصرية والعشائرية بحيث اصبح الأنسان يفتخر بالولاء لطائفته وعشيرته وقوميته قبل ان يفتخر بعراقيته، وإن سيادة روح التحضر ليست كلاما فحسب وإنما يقرن ذلك بالأعمال من اجل ان يشعر الإنسان بآدميته وان نعيش في المجتمع المدني الحقيقي الخالي من التعصب الطائفي والقومي والعشائري ، الخالي من مظاهر العسكرية والرعب ، وعندما يشعر الإنسان بانه محمي من قبل الدولة لامن قبل عشيرته او طائفته نستطيع القول باننا وضعنا خطواتنا على طريق إعادة الحياة لقوانين الدولة، وأن العشائرية في العراق الى الزوال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. برنامج الأغذية العالمي يحذر من خطر حدوث مجاعة شاملة في غزة


.. احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا




.. عائلة فلسطينية تقطن في حمام مدرسة تؤوي النازحين


.. الفايننشال تايمز: الأمم المتحدة رفضت أي تنسيق مع إسرائيل لإج




.. رئيس مجلس النواب الأمريكي: هناك تنام لمشاعر معاداة السامية ب