الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرية الإيمان وحرية التدين

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2017 / 11 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


حق الإيمان وحرية التدين


لم تحدد النصوص الدينية الرسالية في جميع ما تلقيناه من السماء بالمؤكد المدون نوع وشكلية الإيمان على وجه ملزم قهري أستبدادي، إنما كل ما ورد كان تحضيضا ودعوة طوعية أساسها حق التدين لمن أراد التوجه بعقله للسماء, وهذا حد من حدين مرتبطين بنتيجتين مماثلتين بعدم وجود الخيار الثالث, الإيمان له جزاء ومثوبة والتخلي له جزاء ومثوبة ولا يمكن الخلط بين الأثنين لا في المقدمات ولا في النتائج المتوقعة, لذا انقسم الوجود بين عالم مؤمن وعالم كافر ليس على أساس حقيقة ما تم بل على أساس ظنية النتائج بالقياس لما في كل منهم من حدود .
إذا التقسيم البشري المعتمد اليوم بين الناس ليس تقسيما بما سيكون بل بما هو كائن وظني وافتراضي دون أن يكشف الله لنا أو لغيرنا ماهية النتائج التي سجلت لديه، وهل ما هو كائن من تقسيم مطابق لإرادته لذا يبقى شعار (لا يزكي الأنفس إلا الله ) هو المعتمد الواقعي والذي عليه التعويل والبناء, وبالتالي فكل دعوة بشرية للتفريق بين الناس على أساس قطعي تبقى مجرد توهم مقاس على ما هو معلن، أما المضمر والحقيقي يبقى مؤجلا وخفيا، وتبقى معيارية الصحيح والواقعي لا تستمد حقيقتها إلا من الظاهر الذي لا يمكن الوثوق به، ولأنه باق على ما هو ظاهرا حسيا سيكون أصلا غير متعلق بحقيقة الأنتماء لله, وعلية لا يمكن الجزم لأحد لا من هذا المعسكر ولا من ذاك الزعم بنتيجة غيبية وإن كانت هناك محددات بظاهر الهدف منها، فليس هي التزكية الحقيقية المرجوة بل للتفريق في مسائل حكمية ووضعية عملية لا تتعلق بالثواب الأخر .
كما لم يمنح الرب حق لأي من البشر أن يصنف الناس وفقا لمعايير خاصة من احتفظ بها للضرورات المسماة بضرورات الكشف والتقدير والتي يسميها البعض من رجال المؤسسة الدينية الابتلاءات الاختبارية، والتي لا يعرف عللها ولا مقاديرها ولا كيفية إدارتها والنتائج منها وبها إلا الله, هنا فإن من يزعم بأحقيتها في القياس الذاتي مقابل الأخر موضوعيا وتحديدا بهذا الخصوص لا يمكن الوثوق به أو القبول به وتصديقه، إلا من كان على صلة تامة وجادة وحقيقية مع علم الله وبالطريق الموصوف من خلال الوحي أو الأخبار المباشر.
هذا الصنف من الخيارات لم يعد متوفرا بالواقع الراهن لأنقطاع طريق السماء على الإنسان ولا من مدع له خلاف ذلك, فكيف يمكن لأحد أدعاء العلم مع أدعاء غلق الباب عليه، إلا إذا أفترضنا أن القائل أو الزاعم له طريق أخر وعليه تقع مسئولية الكشف عنه وبالحجة الدامغة والدلي اليقيني، إن ما يزعمه البعض من تقسيم العالم بين طرفي نقيض بناء على ما جادت به النصوص من أوصاف أيضا يتعارض مع نصوص أخرى منها مثلا {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً }النساء49 .
إن ما هو منتشر الأن وفي الماضي ولا يمكن التوقع في المدى الزمني المنظور أن يتغير، من الزعم الظني بوجود عالمين محددين منقسمين على أساس العلاقة مع الرب بين عالم مؤمن مخلص الإيمان له، سيكون هو من يملك الرضا والفوز ومحدد بالهوية والكينونة وبين عالم مناقض له أو متناقض معه وأيضا محدد بالهوية والكينونة مجرد تخمين وأستهزاء حقيقي بإرادة الله وقصدياته من الرسالة أولا ومن الخلق أصلا, ويبقى في حدود الوهم والخيال الظني وكل دعوى تنطلق من هذا المحدد سوف لن تصيب الحقيقة وتعتدي على الإنسان أولا وعلى الرسالة بالنتيجة.
إذا فقضية فك الأرتباط بين المذاهب التجسيديه للدين وبين الرسالة في صورتها الأولى والعودة في الحكم للعقل الراشد يكشف لنا حجم الخديعة الكبرى التي نحن ضحيتها من جراء الفهم السطحي الظاهري للنصوص، وأبطالها فقهاء الحكام والسلاطين ومرتزقة كتبوا التاريخ والسير بثمن دينهم الذي باعوه بدراهم معدودة.
عندما نقوم بنفض التراب المتراكم عن صورة وحقيقة الإيمان الأصيل والعودة الروحية لمنهج الرسالة أول ما يقتضي منا تطهير العقل من خرافات الإنحراف عن روح الرسالة وعن سيرة القدوة الحسنة، ونبذ كل أشكال السلوكيات التي تفرق ولا تجمع بين الناس بأعتبارهم من مسئولية الديان أولا, وأن نؤمن جميعا وحقيقيا أن من يتولى حسابنا الله وحده فهو من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور, وأن كل أمرئ مسئول عما يؤمن به ويكسب من هذا الإيمان, وأن دخول الجنة أو النار ليس بالولاء الشخصي لفلان وعلان، وإنما بالقدر الذي يتطابق فيه سلوكنا أو يفترق عما هو مطلوب منا كبشر فقط على وجه المصلحة الشمولية المختصر بالخير المطلق, عند ذلك سوف تنتعش العقول وتتفرغ النفوس لمداراة مسيرتها وتنخرط في عداد المؤمنين حقا الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم وزادتهم إيمانا .
النصوص التي تنحاز إلى حرية القبول بالإيمان أو نقيضه ليست نصوص طارئة أو مؤقته، بل هن من محكمات الفكر الديني على أقل ما يشمله هذا التعميم ما نجده في نصوص القرآن الكريم، فمن حق الخيار قاعدة ((وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ)) لأنها وبحسب النص ذاته هو الحق كما وصفته الآية، بأعتبار أن الحق أصلا واجب الأتباع مطلقا {قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}يونس35.
فمن يؤمن سيؤمن لنفسه وليس لله ومن يكفر فهو من يتحمل المسئولية القدرية عن خياره الحر، من يزعم أن هذا الحق تم فسخه وتعطيله بأحكام لاحقة أو متممه وأن حدود هذه الحرية تم أغلاقها في مدار وجوبية الإيمان مطلقا، يناقض كل مبادي وقيم الدين وبذلك يخرج هو من حد الإيمان اللازم بالرسالة ومن حكم النصوص ذاتها حتى لمن يملك خط الأتصال مع مصدر الرسالة ذاتها ((مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ)).
تبقى القضية الأهم والأجدر هي أن نعرف فقط وعلى سبيل أن يستحكم الإنسان خياراته فقط ليس إلا، كما يفرض القانون الوضعي اليوم من قواعد تجريم لبعض الأفعال والممارسات ولا يقصد بها أن يكون كل فرد بالمجتمع مسئول عن تطبيقها خارج أطار المنظومة المتخصصة بهذا الشأن، فالتكفير أوصاف وحدود أراد الله أو باعث الرسالة أن يجعل منها حدود تقديرية للسلوك الفردي البشري ووضع مع هذه الحدود جهة التقدير والحكم والتقرير معها ونسبها لحقه مطلقا، فليس من واجب أي إنسان أن يبادر هو لتطبيقها أو تجسيدها بالقطع اليقيني على الناس، لكنه من حقه أن يقيس بها على سلوكياته الفردية إذا كان مؤمنا بها كي يتجنب الجزاء والوقوع في الخطيئة.
فقاعدة التكفير وما يستتبعها من أحكام مستصحبة وأحكام لاحقة علينا البحث عنها في النصوص المعتبرة بدرجة اليقين عمن يحمل مسئولية التوصيف, قطعا التكفير حالة وردت في كل الكتب الدينية عموما لتحدد حالات الخروج عن مبدأ الإيمان بالحكم الرباني أو بطريقة نزول الحكم الرباني أو بمصدرية هذا الحكم، فالكفر قد يتدرج من الكفر التام وأنتهاء بالكفر في الحكم الجزئي لحالة محددة, وهذا أيضا يغير من الجزاءات ويغير من المسئوليات التي تستتبع الحكم, الكفر التام الذي وصفه النص الإسلامي مثلا بالظلم العظيم الذي لا مجال معه بالتسامح، لأنه تعدي على مناطات كليه فهو موجه للرب وللمربوب وللكتب والأحكام والنفس الظالمة بما لا يعني معها أن على الإنسان أن يكون قهريا مجبرا على أن لا يكون كافرا .
هذا جزاءه ووصفه محدد بالنص إلى الله مرجعهم وهو الذي يتولى الحساب والقصاص أو غيرها من الأحكام وفق للميزان الأعتباري لديه الذي لا يعلمه إلا هو, أما غيرها والتي تندرج بالكفر المؤدي للضرر العام أو الكفر المقتصر على الرأي الشخصي, في كل الحالات لا ينصب الله حاكما على الناس للقصاص من الكافرين إلا بشرط التعدي منهم على الوجود الجمعي للإنسان بما فيه المؤمن وغير المؤمن, وهذه الملاحظة لم يدركها أكثر الناظرين في المعالجة ولم نتلمسها في غالب التطبيقات الواقعية والتي تطبق وفق مبدأ أعتباطي صنعه البعض للتخلص من الخصوم الفكريين وليس بمعنى إرضاء الله أو الأنتقام له, وما عدا هذه القاعدة ليس من حق أحد أن يتولى جزاء الكافر في الدنيا وإن الحكم إلا لله ولم يخول نص لا رسول ولا نبي إلا حين يكون الكافر متعديا أو محاددا للرسول أو الرسالة أو ساع لجعل الناس كفار .
كل الجزاءات التي وردت في القرآن الكريم بخصوص الكفر والكافرين هي محصورة بين نمطين كلاهما اخروي، اولا النمط الوعيدي الذي يدفع الإنسان للخوف ومن ثم يدفعه لمراجعة موقفه من قضية الكفر وهذا ما يسمى بالإسلوب الدافع الوقائي وهو تمهيد وتحضيض للعودة إلى قواعد الإيمان, والنمط الأخر هو الجزائي المادي المتمثل بالعذاب الأخروي والتذكير بالخزي الدنيوي، وهو لا يكون إبتدأ ما لم يقدم له بالأسلوب الأول وبعده أستنفاذ طرق الرحمة وموازنة العمل الأخيري الذي جعله الله متاحا للناس كافة كي تقل مساحة الجزاء بالعذاب عندما سن شريعة ( خير الناس من نفع الناس)، التوازن والموازنه هنا متقدمة على الجزاء وسابقة له حتى ينفذ كل رصيد الإنسان من الاعذار والمبررات، عندها يبدأ الحساب المادي الذي لا يكون بمعزل عن الفعل القصدي والمتعمد للإنسان .
من كل ما تقدم ومن قراءة معمقة للنصوص الدينية التي نزلت وبعيدا عن التأويلات اللاحقة والتفاسير المضللة لم نجد هناك حد حقيقي أو حكم دنيوي خاص كجزاء أو كحل مثاب للإنسان جزاء كفره، وذلك لحقيقة هامة يدركها النص وأشار لها وأكد على حاكميتها في الامر, ولكن الأجتهاد البشري تجاوزها متعمدا تحت تأثيرات ذاتية وأعتباطية عديدة, القاعدة التي تنص على أن الله هو أعلم بمن ضل وأعلم بمن كفر تحسم موضوع حق الإيمان وحق الكفر وعزله عن القرار البشري, هذه القاعدة الحاكمة تمنع على الإنسان سواء أكان متدينا أو داع للدين من أن ينيب نفسه عن الله العالم بمكنونات الايمان والكفر كي يقرر الوصف، ومن ثم يقرر الجزاء, الله وحده وبموجب منهجية أسلفنا في ذكرها وضع الكثير من الاعذار والأساليب كي يبعد الجزاء والعذاب عن الإنسان, هذه الأساليب والمعطيات والمقدمات الإنسان لا يملكها ولا يتقنها وغير قادر عليها أصلا، ولا يعرف حتى مداراتها وبالتالي لم يخول الله أحد من دونه أن يكون مجزي ومحاسب عن الكفر أو ملجئ أحدا على الإيمان به أو لا .













التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد