الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حنين عبر الرمال

حيدر الحيدر

2017 / 11 / 3
الادب والفن


حنين عبر الرمال
ـــــــــــــــــــــــــ
حيدر الحيدر

على خارطة الصحراء كثبان من الرمال تحركها الريح ، فتتلون الخارطة برسومات غريبة لحدود لا منتهى لها ، ومن وحي جديدٍ لرسومات سرابية تلمع عن بُعدٍ ليس بقريب ،
كانت الرياح الصحراوية العاتية تغور بصفير رمالها في امعاء مقبرة بمساحة ٍ صغيرة تطل من فوق ربوةٍ على قرية كان اسمها قرية ، فاتها الزمان فغدت منسية بمكانها وناسها ،
ولم يبق منها الا بعض ملامحٍ رمليةٍ غطت على ذكر من كان يسكنها ،
يبدو ذلك واضحاً من رؤية شواهد تلك القبور المتباعدة المتآكلة ،
وهي توزع حنينها على شجيرات يابسةٍ متهرئة ، وبئر ماء بلا ماء يتدلى منه دلو مشدود بحبل مقاوم يئن جيئةً وذهابا من غير جدوى .
بيد أن قافلة من النمل الصحراوي باتت تشكل خيطاً او شريطاً بلونٍ اسود ،
تدب بأملٍ عند قرنة بيت ٍ مهجور ، صرير بابه الخشبي ، قد يطرب مسير القافلة .
وقد يزعج سعف نخلة معزولة تبكي بالقرب منها .
وموجة عواء قادمة من بعيد لذئاب ريح جائعة تطمع في لحس رقبة عجوز قادم بعكازةٍ عرجاء ، ولحية مجعدةٍ احرقت الشمس بياضها وصبغتها بصبغة ٍ صفراء تميل الى لون الرمال ، تشطب ملامح وجهٍ شاحب مهزول من تعب البحث في زوايا الذكريات ،
وبعينين صغيرتين ذابلتين ذائبتين في لهب حرارة الايام ، وفم مفتوح يلهث من عطشٍ قاتل ، واسنان مدببة ، ليس لبعضها حضور في فمه ، تستغيث بألمٍ من جور سنواتٍ جحاف هالكة ، هذا هو حال الشيخ وهو يقلّب نظراته بين اطلال القرية والمقبرة التي تقتلعها دوامة الريح ..!
ــ ايه يا شيخ ! ما الذي عاد بك الى هنا ، والحبيب قد مضى من هذا الطريق ؟
انه الحنين للماضي ايتها الذكريات .. ( حنين صامت وشوق مكتوم وأمل معدوم وأماني بعيدة تختبئ خلف حنايا الصدر تكتمها النفس لصعوبة تحققها أو لخوف ما )!
لحنت نملة سوداء ، مفردة الخوف من رأس الشيخ العجوز ..
واسرعت محذرة قافلة النمل من ضيفٍ غريب .
(يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده ...)
لعل لسانها الفصيح بتلك اللهجة الخافتة جاء متوارثاً عن جدتها الكبرى ...
ومثلما تبسم سليمان ثم ضحك من قول جدة النملة ، في ذات يوم مضى ،
تبسم الشيخ العجوز وترقرقت عينيه بالدموع ، وحسبهُ قد ادرك الفزع العجيب !
عند جذع نخلة عطشى , تعودت الهذيان في صخد الهجير !
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
20/8 /1999








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل


.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف




.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي


.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال




.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81