الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التلازم الجوهري بين الديمقراطية والاشتراكية

رسلان جادالله عامر

2017 / 11 / 5
ملف الذكرى المئوية لانطلاق ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا


في أواسط القرن التاسع عشر، الذي تميز بسلسلة من الثورات الوطنية والاجتماعية التي اجتاحت العديد من الدول الأوروبية، وأدت إلى تغيرات كبيرة في أوضاعها الجيوسياسية والاجتماعية، انقسمت الحركات السياسية التقدمية إلى أربعة أصناف، هي:

- الديمقراطية البرجوازية، أو الليبرالية، وهذه حركات كانت تتبنى فكرة الديمقراطية، لكن الاشتراكية كانت تغيب عن أطروحاتها، التي ترى أن المشاكل في المجتمع يجب أن تحل بالإصلاحات، والخلافات السياسية فيه يحب أن تحل باللعبة الانتخابية الديمقراطية، كما هو الحال في الغرب الرأسمالي الراهن.
- الديمقراطية الاجتماعية، وكان أتباعها يرون أن السلطة في المجتمع يجب أن تكون بيد الطبقات الكادحة، وفي طليعتها الطبقة العاملة، وهذا يمكن هذه الطبقات من وضع السياسات التي تضمن مصالح الجميع في المجتمع بما فيها الطبقة البرجوازية، التي ستكون بدورها ملزمة على تطبيق السياسات التي تضعها السلطة الكادحة.
- الاشتراكية الإصلاحية، وهي الحركات التي كانت ترى إمكانية تحقيق الاشتراكية بشكل سلمي، وعن طريق عملية انتخابية، تستطيع فيها هذه الحركات الوصول إلى السلطة بشكل ديمقراطي، وتنفيذ خططها الاشتراكية، وهذه الحركات استمرت حتى اليوم ممثلة بالأحزاب "الاشتراكية الديمقراطية" الغربية وما يشبهها.
- والاشتراكية الثورية، وهي الحركات التي كانت ترى أنه لا يمكن الوصول إلى السلطة، وهذا شرط لازم لقيام سلطة الشعب وبناء الاشتراكية، إلا بالقوة، وقد تحولت الحركة الشيوعية لاحقا إلى طليعة ونواة هذه الحركات.

وكما نرى، لم تكن فكرة الاشتراكية منفصلة عن الديمقراطية، بما تعنيه الديمقراطية، كما تعني تسميتها حرفيا، من أنها "حكم الشعب"؛ وفي الطرح الماركسي، ليست ديكتاتورية البروليتاريا إلا مرحلة مؤقتة، ضرورية لترسيخ "حكم الطبقة العاملة " الآني، الضرروي لبناء المجتمع الاشتراكي، الذي سيكون مجتمعا بلا طبقات، ومن المواقف المعبرة في هذا السياق كان موقف لينين الذي نبه العمال إلى خطأ رفع شعار "تحيا البروليتاريا"، لأن الهدف من الثورة الاشتراكية ليس هو تخليد الطبقة العاملة، وإنما الإلغاء الكامل للطبقية، ولأي حكم طبقي معها، وفي الطرح الماركسي، المجتمع الشيوعي المستقبلي الحقيقي، هو "مجتمع تسيير ذاتي"، يتقلص فيه دور الدولة من حيث هي "سلطة" إلى الحد الأدنى، ولا يتعدى دورها الأساسي الدور الإداري لنشاطات المجتمع.

لقد أثبت التطور الاجتماعي السياسي اللاحق، عدم واقعية كل من الديمقراطية الاجتماعية والاشتراكية الديمقراطية أو الإصلاحية، وعلى مدى معظم القرن العشرين تقريبا، كان العالم المتقدم ينقسم إلى معسكرين، هما المعسكر الاشتراكي، بنظامه السياسي الشمولي، والمعسكر الرأسمالي بديمقراطيته البرجوازية.
كما أثبت الواقع أن الاشتراكية الإصلاحية سيكون مصيرها إما التحول إلى "اشتراكية شكلية"، كما هو حال "الاشتراكية الديمقراطية"، التي اندمجت مع الليبرالية الرأسمالية بشكل تام، والتي يمكنها في بعض الأحيان أن تنتهج سياسات أكثر يمينية، وهي المفروض أنها يسارية، من القوى اليمينية نفسها، وهذا ما فعله المستشار الألماني السابق، الاشتراكي الديمقراطي غيرهارد شرودر، الذي تبنى الخطط التي عرفت باسم "أجندة 2010" للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، وكان هدفها هو التخلي عن نظام اقتصاد السوق الاجتماعي بدعوى عرقلته للنمو الاقتصادي وحدّه من فرص نمو سوق العمل، في الوقت الذي كان فيه الديمقراطيون المسيحيون، المحسوبون على اليمين أكثر تمسكا بالمحافظة على اقتصاد السوق الاجتماعي، ودولة الرعاية الاجتماعية وشبكة الضمان الاجتماعي المرتبطتين به؛ أو فيما لو حافظت هذه الاشتراكية الديمقراطية على اشتراكيتها، ووصلت إلى السلطة بانتخابات ديمقراطية، وحاولت تطبيق برنامجها الاشتراكي، على غرار تجربة " سلفادور ألليندي" في تشيلي، فسيكون ثمة لها بالمرصاد "بينوشيت" عسكري، جاهز للقيام بانقلاب دموي بدعم ومباركة البرجوازية الداخلية والإمبريالية العالمية.

لكن الحديث عن هذه القضايا اليوم، قد يبدو للكثيرين أنه مجرد اجترار ذكريات عن ماض مضى وانقضى بعد ربع قرن من انهيار التجربة السوفييتية والمعسكر الاشتراكي، الذي يبدو إعلانا تاريخيا بانتصار الرأسمالية (الليبرالية)، انتصارا ينتهي عنده التاريخ بهذا النظام الأمثل، كما يبشرنا فوكوياما.

هذا واقع لا مفر منه، فالاشتراكية السوفييتية انهارت، وما زالت الرأسمالية تنمو وتتطور!
لكن هذا لا يجب أن يغرنا! فالاشتراكية نفسها تحولت إلى واقع حقيقي في التجربة السوفييتية، بسبب انتهاء صلاحية النظام الرأسمالي القديم، وبعد انتصار ثورة أكتوبر وقيام الاتحاد السوفييتي، كان على النمط الرأسمالي التقليدي القديم أن يواجه خيارين لا ثالث لهما، وهما إما الثورة الاشتراكية التي تطيح به كليا على غرار الثورة البلشفية، أو الإصلاح الفعال الذي ينزع فتيل الخطر، وهذا ما حدث، فقد قـُدمت للعمال والطبقات الدنيا الكثير من التنازلات، التي أبعدت شبح ثورتهم، لدرجة أن أحد الساخرين علق قائلا بأنه يبدو أن العمال في الدول الرأسمالية قد استفادوا من ثورة أكتوبر أكثر من العمال في روسيا نفسها.
ومع أن هذا العبارة مبالغة كبيرة، إلا أنها لا تخلو من قدر كبير من الحقيقية، وهذا ما مكن الرأسماليات الغربية من النجاة والبقاء.

لكن سقوط الاتحاد السوفييتي، لم يمر مرور الكرام على مكتسبات شعوب وكادحي الحواضر الرأسمالية، فالرأسماليون المنتشون بانتصار رأسماليتهم بعد انهيار البعبع السوفييتي، صاروا أكثر ثقة بأنفسهم واستخفافا بشعوبهم وعمالهم، وهذا شجعهم على المضي قدما في سياساتهم النيوليبرالية، التي أمعنت في إطلاق يد السوق وتحريرها من الضوابط، وتقليص دور الدولة والنقابات العمالية، والإنفاق العام وما يرتبط به من دور للدولة في الضمان الاجتماعي، وهذا كله لم يكن كافيا بل راحت تعلو أصوات (تبشر) بأن دور الديمقراطية قد انتهى، وأنها لم تعد صالحة لمجتمع(نهاية التاريخ) الرأسمالي الحديث، الذي لا يحتاج إلا إلى "التكنوقراط".

فماذا تعني دعوة "التكنوقراط"؟! ولماذا هي مرتبطة بنهاية الديمقراطية؟
من حيث المبدأ الديمقراطية تعني وجود أحزاب سياسية ذات إيديولوجيات مختلفة، تخوض صراعها السلمي لتنفيذ برامجها المبنية على إيديولوجياتها.
لكن حتى الهامش الضيق من الديمقراطية البرجوازية ضاقت به صدور الرأسماليين الغربيين، الذين يسعون إلى إحكام سيطرتهم بالكامل على المجتمع وتحويله إلى سوق، سوق آمنة حسب مواصفاتهم، ولكي يُضمن هذا الأمان، لا بد من درجة كافية من الاستقرار، ولكي يتحقق هذا في نظام رأسمالي مأزوم بطبيعته، ويعمل على مبدأ "إدارة الأزمة"، الأزمة ذات الجذور الاقتصادية، قرر الرأسماليون الذي لا يريدون المساس بهذه الجذور، وتقديم التنازلات الاقتصادية الكافية، الالتفاف على ذلك ثقافيا وسياسيا!
وقد جرى هذا ثقافيا بتضخيم النزعة الفردية الأنانية، وبنشر ثقافة الاستهلاك، أو ثقافة اللاثقافة، اللازمة بنفس الوقت لتحقيق المصلحة الرأسمالية المتمثلة بالربح المادي، المرتبط طرديا بالاستهلاك.
وسياسيا بالهجوم على مبدأ "الإيديولوجيا" واعتبارها شكلا متأخرا من الفكر المحدود لا يتناسب مع العقل الحديث الحر، وقد توّجت الحملة على الإيديولوجيا ببدعة التكنوقراط، فالديمقراطية، لا تكون ديمقراطية فعلية إلا بوجود اختلافات حقيقية في المواقف السياسية في مجتمع مأزوم، وهذه المواقف تستطيع بوجود إيديولوجيا "معتدلة" أن تكون أكثر تبلورا ووضوحا، وبالتالي أكثر فاعلية في المنحى الذي لا يتفق مع مصلحة الرأسماليين، لذا تكامل لديهم كل من الهجوم على الثقافة والإيديولوجيا ودعوة التكنوقراط، فالثقافة الهشة لا تنتج إيديولوجيات متبلورة، والدعاية المضادة للإيديولوجيا تزيد بدورها من إضعافها، وهذا يعني في المحصلة "هشاشة المواقف السياسية"، التي يمكن في هذه الحال توجيه الضربة القاضية لها بإقصائها النهائي عن مواقع السلطة واتخاذ القرار بذريعة "التكنوقراط"، وهي ذريعة تجد مبرراتها بدعوى "التخصص والكفاءة".
إن دعوة "التكنوقراط" هي بهذا الشكل إلغاء مسيّس للسياسة، غايته تكريس دكتاتورية السوق وربوبية الرأسماليين النهائية.

لكن الغيّ الرأسمالي، كان لابد له أن ينعكس سلبا على أصحابه في النهاية كما ينعكس السحر على الساحر الشرير في الحكايا، وقد كانت أزمة 2007، خير دليل على وجود العورات الفادحة في بينية الرأسمالية المعاصرة، التي وإن كانت شديدة الاختلاف عن الرأسمالية القديمة، إلا أنها لا تقل عنها تناقضا وتأزما وفسادا، إن لم تكن أكثر منها في كل ذلك، ولاسيما مع تعاظم دور رأس المال المالي، واقتصاد الصفقة.
ومن المفارقة أن النيوليبرالية، التي تسعى بكل جهدها إلى تقليص دور الدولة لاقتصادي، وإبعادها عن "السوق"، وتعتبرها بالمجمل "عائقا" يحد من حركة ونمو السوق، وهذا يعني ضمنيا "نزعة فوضوية سوقوية"، ما كانت لتنجو من جريرة أفعالها من الأزمة الأخيرة التي أوصلت فيها الاقتصاد العالمي إلى حافة الهاوية، لولا أن مدت لها الدولة يد الإنقاذ، وقدمت لها بشكل إسعافي تريليونات الدولارات واليوروهات، المجتباة من جيوب دافعي الضرائب، وجلهم من الطبقات المتوسطة والدنيا، وكان الأولى بهذه الأموال أن تنفق على الصالح العام، وعلى تحسين مستويات معيشة الطبقات الفقيرة.
ومع ذلك فبعد نجاتها، عادت النيوليبرالية إلى غيها وصلفها، وإصرارها على إبعاد الدولة عن السوق، وكأن كل ما هو مسموح للدولة في هذا السياق، لا يتعدى الكون "زبالا" ينظف الزبالة التي تخلفها السوق إلى درجة تكاد فيها أن تطمر المجتمع!!! ولو تحققت للنيوليبرالية "فوضويتها" المأمولة، لكان انهيارها الحتمي أسرع وأسهل مما هو متوقع.

في رأسمالية اليوم، التي سمحت بدرجة ما من مرونة الحدود الطبقية، بخلاف الطبقية التقليدية التي كانت حدودها صارمة، وخلف مظاهر الديمقراطية الخادعة، بقي ثمة ديكتاتور عملاق يلعب لعبته في الخفاء، ويدير دفة الحكم كما تقتضي مصلحته، وهذا الديكتاتور هو رأس المال!
ورأس المال هذا يمارس لعبته الديكتاتورية الخفية بشكل مزدوج، فهو بالضغط على الدولة لمنعها من التدخل في السوق، يسعى لإبقاء القرار السياسي بعيدا عن القرار الاقتصادي، الذي تتحكم به ثلة من كبار الرأسماليين، وبما أن الاقتصاد هو قاعدة هرم البناء الاجتماعي ومحرك الحركة الاجتماعية، فهذا يعني واقعيا إفراغ القرار السياسي من محتواه ومفعوله الاجتماعي، وهذا هو الشق الأول من اللعبة، أما شقها الثاني، فهو يتمثل بعدم الاكتفاء بهذا الحد من إبعاد الدولة عن القرار الاقتصادي، الذي لا يكون قطعا مضمونا بوجود دولة قوية، وممثلة بدرجة عادلة نوعا ما لكل مكونات المجتمع، ولذا لا بد من الهيمنة على الدولة، وهذا سهل بوجود "القوة المالية" المهيمنة على الإعلام، والممولة للحملات الانتخابية، التي تجعل عملية الانتخابات بمجملها لعبة بيد الرأسماليين، الذين أيضا يقدمون للدولة كوادر تحمل ثقافة سوقهم، لتصبح بذلك الدولة "دولة رأس المال" الخادمة لسياسته، بما تسنه من قوانين وتشريعات، وبما يمكن أن تلجأ إليه من إجراءات مباشرة لضرب النشاطات العمالية المنظمة، كما فعل ريغان وتاتشر عبر سياسات تقليص نفوذ وتهميش نقابات العمال، وبالحروب الخارجية المباشرة ضد من يهددون مصالح الشركات الرأسمالية عندما يقتضي الأمر، وبتحويل الدولة لمنقذ للسوق عندما تدفعها عربدتها إلى الهاوية كما حدث في آخر الأزمات.

الديمقراطية الحقيقية، لا يمكنها أن تتحقق بوجود ديكتاتورية اقتصادية، ولن تكون إلا مظهرا خادعا كما هو الحال في الرأسماليات المعاصرة، التي تحول فيها المواطن إلى شخص مستلب مغترب عديم الفاعلية، في الوقت الذي يقدم فيه عالم الاجتماع الفرنسي الكبير ألان تورين في كتابه "ما الديمقراطية" صورة للإنسان في المجتمع الديمقراطي تتلخص بأن الإنسان فيه يغدو "ذاتا فاعلة"، لكن كلا من هاتين الذاتية والفاعلية لا وجود لهما في المجتمعات الرأسمالية المعاصرة، ولا يمكن لطبيعة الرأسمالية، بديكتاتوريتها المموهة أن تسمح بهما، وهي لن تسمح إلا بالإنسان الدمية، المفرغ حقيقة من إنسانيته، وهذا ما تسعى لتحقيقه لضمان نصرها النهائي.

ذاك على مستوى الفرد، أما على مستوى الشعب، والشعب هو مفهوم بمعناه العصري يتناسب مع شكل عصري بامتياز للجماعة البشرية، يقتضي من هذه الجماعة الوحدة والانسجام في بينيتها، وهذا لا يتم بوجود أية انقسامات عامودية أو أفقية في هذه البنية، وهذا لا يتحقق بوجود تقسيمات إثنية أو ثقافية أو اقتصادية أو سياسية في بنية هذا الشعب، ولكي يكون الشعب شعبا، والديمقراطية حكما حقيقا للشعب، فلا بد من التغاء كل البنى الجزئية، التي تمنع وحدة وانسجام هذا الشعب، فإن كانت العلمانية في الدولة الديمقراطية تعني وتضمن إبعاد الدين والطائفية عن الدولة، فلا بد من وسيلة تضمن إبعاد رأس المال والطبقية عن الدولة، وهذا لا يمكن تحقيقه بعقد اجتماعي أو سياسي من نوع ما، يجعل الدولة محايدة طبقيا، فكما أن العلمانية الحقيقية هي ثقافة، وليست عقد، وهي ثقافة تتجاوز الدين والطائفية، فتجاوز رأس المال والطبقية، وهما قوى أخطر، لا يتم بعقد، ولا يتم إلا بإلغائهما بالاشتراكية، وهذا يعني أن الاشتراكية هي شرط لازم – كالعلمانية – للديمقراطية.

لكن بالمقابل يمكننا أيضا أن نجد أن الديمقراطية هي شكل لازم للاشتراكية، فالاشتراكية بما هي إلغاء للطبقية بشكلها الاقتصادي، تقتضي أن تكون إلغاء لوجودها بأي شكل آخر، فكل شكل من أشكال الطبقية، يشكل خطرا حقيقيا على مصالح الناس عامة، ولاسيما إن اتخذت الطبقية شكلا سياسيا، يعني الاستئثار بمصدر القوة المتمثل بالسلطة من قبل فئة قليلة من الناس، وهذا ما حدث تقريبا في التجربة السوفييتية وما دار في فلكها، حيث تحولت الأحزاب الشيوعية إلى بنى تشبه الطبقات التقليدية المستأثرة بالمال من حيث احتكارها للسلطة، وتشبه أيضا الطوائف التقليدية من حيث طبيعتها العقائدية المغلقة، وهذا ما أدى في المحصلة إلى إقصاء الشعب، وإلى الفساد الذاتي لهذه البنى، وفساد النظام الذي تتزعمه بالكامل وإنهياره بالنتيجة؛ وهذا ما يرفض الاعتراف به حتى الآن أغلبية من حافظوا على شيوعيتهم من الشيوعيين العرب، الذين يكتفون بنظرية المؤامرة تفسيرا لانهيار التجربة السوفييتية، وهم بهذا يجهلون أو يتجاهلون مدى التقزيم والإجحاف الذي يلحقونه بهذه التجربة الأعظمية حين يصورنها بصورة ضحية لمؤامرة.

إن كانت الديمقراطية تعني التحرر من تسلط "السلطان" أو "الملك" وما يشبههما، فالاشتراكية تعني التحرر من تسلط "المالك"، سواء اتخذ هذا التسلط شكلا مباشرا أو غير مباشر، ولا يمكن للحرية الحقيقية أن تتحقق إلا بتحقق شطريها معا، واليوم تعربد الرأسمالية بشكلها الإمبريالي المعولم كما لم تفعل من قبل، وتتلاعب بمصالح، بل ومصائر الشعوب، وتصدر أزماتها إليهم، وما نشهده من صراعات في المنطقة العربية اليوم، والذي يعود بجزء منه إلى استحقاقات وطنية حقيقية مغبونة، يعود بجزئه الآخر إلى سياسة تصدير الأزمات التي تلعبها أمريكا بدرجة أساسية ومن ورائها أوروبا، للتغطية بهذه الصراعات وما تتضمنه من فزاعات الإرهاب على تداعيات واستحقاقات الأزمة الاقتصادية الأخيرة، التي ما زال الغرب نفسه يعاني من آثارها بشدة.

وهذا كله يقودنا إلى خلاصة أن الرأسمالية المتوحشة ما تزال تزداد توحشا، وهذا التوحش لا يمكن إخفاؤه بأقنعة الديمقراطية الليبرالية المفرغة من المحتوى، ولا يمكن تبريره بما يتم من إنجازات تكنولوجية وصناعية، يعود جل ثمارها إلى ثلة من الغيلان الرأسماليين، الذين لا يتوانون في سبيل مصالحهم عن قتل وتشريد الملايين من الناس كلما اقتضى الأمر.

لكن بهذا التوحش المتنامي، تزيد هذه الرأسمالية من قوة وفعالية العوامل الممكّنة لنهايتها، وإذا أردنا الثقة بالإنسان، وبمستقبل الإنسان، فهذا يعطينا المبرر للتأكيد بأن الاشتراكية هي الحل، وهي السبيل لبناء المجتمع الإنساني الحقيقي، مجتمع العدالة والحرية، وللقول بثقة أن "الاشتراكية قادمة"!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل بدأ العد العكسي لعملية رفح؟ | #التاسعة


.. إيران وإسرائيل .. روسيا تدخل على خط التهدئة | #غرفة_الأخبار




.. فيتو أميركي .. وتنديد وخيبة أمل فلسطينية | #غرفة_الأخبار


.. بعد غلقه بسبب الحرب الإسرائيلية.. مخبز العجور إلى العمل في غ




.. تعرف على أصفهان الإيرانية وأهم مواقعها النووية والعسكرية