الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لنوقف الحرب ونتصالح صوناً لليمن (2)

منذر علي

2017 / 11 / 6
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


أشرنا في الحلقة السابقة إلى أنَّ الشعب اليمني لن ينتصر في الحرب الدائرة ، فالقوى الداخلية المتصارعة، مجرد أتباع للقوى الإقليمية التوسعية المتنافرة. ولئن كانت القوى الإقليمية متحالفة في الوقت الحاضر ، فأنها متعارضة أشد التعارض في موقفها من الأزمة اليمنية، وكان السؤال المنطقي، الذي ألقيته في ختام المقال السابق هو: كيف ستحل تلك التناقضات بين "قوى التحالف" في اليمن ، وكيف ستنعكس تلك الحلول على الأزمة اليمنية؟
للإجابة على هذه الأسئلة وغيرها ، ينبغي أن ندرك أن السياسية ليست مجرد قرارات عائمة خارج المصالح الاقتصادية والجيو- إستراتيجية. وعليه، فأنه من المهم النظر إلى العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بين هذه الدول، في إطار علاقاتها الأوسع بمصالح القوى الغربية الكبرى، وعلى وجه الخصوص أميركيا وبريطانيا والدولة الصهيونية.
فالإمارات العربية المتحدة، كما ألمحنا في الحلقة الأولى ، دولة غنية، بكل المقاييس . إذ يصل دخلها القومي السنوي حوالي 407.210 مليار دولار، أي ما يفوق الدخل القومي الإجمالي لكل من عُمان وقطر والبحرين والكويت ، البالغ حوالي 404 مليار دولار. والإمارات ، تُعد البلد الثالث ، بعد اليمن والسعودية ، من حيث الكثافة السكانية ، حيث يبلغ عدد سكانها ، 9,397,000 نسمة، ولكن نسبة المواطنين فيها لا يتعدون 19% ، بينما يبلغ عدد المقيمين من أصول إيرانية حوالي 23% من مجموع السكان.
وتحتل الاستثمارات الإيرانية في الإمارات المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة الأمريكية ، حيث تصل إلى حوالي 300 مليار دولار ، و تمثل ثروة الجالية الإيرانية في الإمارات بما يتراوح بين 20 - 30% من حجم ثروة الأصول المادية في الإمارات في عام 2012. كما يتراوح التبادل التجاري بين الإمارات وإيران بين 15 - 16 مليار دولار ، ويتوقع أن يرتفع إلى 20 مليار دولار في السنوات القليلة المقبلة ، وفقاً لتصريحات حسين حقيقي ، نائب رئيس مجلس الأعمال الإيراني في دبي. ( المصدر: نون بوست 7 يناير 2016)
وفي المقابل فأنَّ الاستثمارات السعودية في الإمارات وصلت إلى 10 مليار دولار ، وتخطت الاستثمارات الإماراتية في السعودية 9 مليار دولار. ( المصدر: صحيفة الحياة اللندنية 25 سبتمبر 2015)
كما أنَّ الإمارات وثيقة الارتباط بالاقتصاد الغربي ، مثلها مثل السعودية، حيث بلغت حجم الاستثمارات الإماراتية في السندات الأمريكية 62.5 مليار دولار. ( المصدر: أر تي: 17 مايو2016). كما بلغ التبادل التجاري بينها وبين الولايات المتحدة ، حوالي : 19,08 مليار دولار ( المصدر: جريدة الإتحاد الإماراتية: 13 نوفمبر 2016 ) ، كما بلغ التبادل التجاري بينها وبين بريطانيا حوالي 12 مليار دولار.( المصدر: الإتحاد الإماراتية 29 مارس 2016) ، وهناك علاقات أمنية بين الإمارات والدولة الصهيونية ، يجري التكتم عليها، مقابل اتصالات سعودية علنية بالكيان الصهيوني ، و علاقات تنسيق وثيقة ، تكشف عن نفسها كل يوم، وخاصة تجاه سوريا ولبنان وإيران.
وفي إطار هذه المصالح المتداخلة ، ستتحرك السياسة ، وستجري الحلول في اليمن ، بما يخدم مصالح قوى التحالف ، ومصالح القوى الغربية الكبرى. ولذلك فإن السياسية الإماراتية ليس من مصلحتها أن تصطدم بإيران شريكتها التجارية الثانية ، وليس من مصلحتها ، في الوقت نفسه، أن تصطدم بالسعودية ، شريكتها التجارية المهمة و جارتها الأقوى، أو أنْ تقوم بإجراءات سياسية واقتصادية من شأنها أن تتعارض مع مصالح القوى الغربية النافذة كأميركا وبريطانيا و دولة العدو الصهيوني.
وبالتالي، فأنَّ السياسة الإماراتية تجاه اليمن ، ستتوافق مع التوجه السعودي ، والتوجهات الغربية ، ولكن بما لا يضر بمصالحها الاقتصادية مع إيران. و لئن كانت السعودية معارضة بقوة للنفوذ الإيراني في اليمن ، نظراً لما يشكله ذلك من خطر ماحق عليها، فأنها لن تضحي بعلاقاتها بالإمارات ، وخاصة عندما تشعر أنه سيكون لها نصيب مهم في السلطة في شمال اليمن ، وفي السلطة التي هي قيد التشكل في الجنوب، على افتراض نجاح الانفصال، أو في إطار الدولة اليمنية المركزية ، أو الفيدرالية أو الكونفيدرالية على افتراض فشل الانفصال.
ماذا يعني ذلك؟
يعني إنَّ القوى اليمنية الداخلية المتصارعة ، التي توغل في قتل بعضها ، هي مجرد أدوات في يد القوى الخارجية ، التي تسعى للسيطرة على اليمن وتقاسمه. وقد بدأ مظاهر هذا التقاسم ، يكشف عن نفسه بوضوح ، بين الإمارات والسعودية، مع ما واكبه وسيواكبه من توتر ظاهر ومستتر بينهما ، وبينهما وبين قطر في الأشهر الأخيرة ، و ستنعكس آثاره السلبية بقوة على اليمن. وبالتالي فأن من يعتقد أنَّ المخرج من المأزق القائم في اليمن، يكمن في التمسك بحبل القوى الخارجية فهو على ضلال مبين.
وفي هذا الإطار، هل نقف مع طرف من الأطراف الداخلية المتصارعة ضد الطرف الآخر، بغية تحقيق أهداف هذا الطرف الإقليمي أو ذلك ؟ لابد من الإشارة أن عوامل كثيرة ، كالأوهام السائدة ، و الوضع السياسي المُعقِّد ، فضلاً عن الإنهاك و الحاجة والعوز ، تغري الناس بالانحياز لصالح طرف من الأطراف المتصارعة، ولكن هذا لا يمثل مخرجاً ناجعاً من الأزمة القائمة في بلادنا.
ولذلك فأن الجواب ، هو رفض الانخراط في لعبة الموت، التي غاياتها واضحة بالبداهة، وهو التفتيت والسيطرة على الكيان اليمني. و علينا أن نرفض قوى الحرب بكل مكوناتها، ونناصبها العداء، بدلاً من الانخراط في اللعبة الجهنمية "للروافض والنواصب"، والانحناء لأصحاب التوجهات السلالية والانفصالية الشائنة. هذا هو الأمر المطلوب ، إذا كنا حقاً جادين في توجهاتنا السياسية والاجتماعية التحررية ، ونسعى لإنقاذ وطننا وشعبنا من جحيم الحرب والبؤس القائمين.
هنا قد ينبري شخص ما ، ويقول ، ها أنتَ تدعونا إلى الحياد ، والحياد ليس خيارا. حسناً ، جوابي على هؤلاء، هو إنَّ الموقف الذي أدعو إليه ليس موقفاً محايداً من الصراع الدائر ، كما يتوهم السذج من الناس، الذين يملؤهم الحماس للمشاركة في "عرس الدم"، على حد تعبير الشاعر الأسباني العظيم فيديريكو غارثيا لوركا ، ولكنه موقف مسئول تجاه الوطن، قوامه الانفكاك من قوى التخلف ، بكل مشاريعها الشوهاء، والوقوف مع الشعب ضد أعداء الشعب.
إنَّ معركتنا أنبل و أصعب من تلك التي يخوضها الرعاع من أنصار الروافض والنواصب، وأنصار التوجهات الطائفية والانفصالية، التابعين ، بشكل وظيفي، للقوى الإقليمية. معركتنا يجب أن تكون من خلال العمل السياسي والفكري والجماهيري ، بغية فك ارتباط شعبنا بقوى التخلف ، وإنفاذه من الموت ، وتوجيهه صوب التغير الثوري الهادف. والفعل الثوري الهادف،كما نعلم، لا ينبغي أنْ ينبثق من الرياض أو إيران أو الإمارات أو غيرها من العواصم المتورمة بالجهل والشرور والتبعية للقوى الامبريالية ، ولكنه ينبع من الشعب ، ومن معاناته، وثقافته الوطنية التقدمية . فالثورة، كما قال القائد الكوبي العظيم فيدل كاسترو " لا يمكن أن تولد إلاَّ من رحم الثقافة والأفكار التقدمية" ، وليس من خلال السقوط في وحل الصراعات الطائفية والجهوية والارتماء بأحضان القوى الرجعية الداخلية والخارجية.
الأمور شديدة الجلاء. فمادامت القوى المعادية للشعب واضحة ، فأنَّ القوى المعاضدة للشعب، هي الأخرى واضحة، وتتكون من كل القوى المناهضة للهيمنة القبلية و السلالية ، و للقيم الطائفية ، بشقيها السني والشيعي، وللتوجهات القبلية و الانفصالية، بكل صورها ، الراديكالية والمخففة ، ومناهضة للعدوان الخارجي التوسعي.
إنَّ قوى الثورة اليمنية ، هي الجماعات التواقة للسلام والاستقرار و الطامحة لقيام دولة العدل والحرية والتقدم على ربوع الأرض اليمنية، وتشمل قوى اليسار والقوى القومية والقوى الدينية المستنيرة ، والنقابات العمالية والفلاحية ، والمثقفين الوطنين، والأكاديميين ، والقوى الشبابية والنسائية، وقوى المجتمع المدني وأنصار ثورة 11 فبراير2011 ، والأوفياء لأهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين 1962، وكل أولئك الذين لم يتلوثوا بعد، بالاتجاهات المتطرفة ، بشقيها الطائفي والانفصالي، ولم يرتهنوا للقوى الخارجية التوسعية.
و لذلك ، يبقى السؤال المهم، هو كيف ينبغي أن نتعامل مع اللحظة السياسية الراهنة؟
ليس المطلوب منا أن نقدح بحق أعداء الشعب ، فجرائمهم سافرة، تشهد عليهم ، وليس المطلوب منا أن ندفع بأنصار الحرية إلى الجحيم الموت في تعز وعدن وصنعاء ومأرب وغيرها من المدن اليمنية، دون روية ، وبشكل عشوائي ، ودون رؤية فكرية سليمة للمستقبل ، وليس المطلوب أنْ نبالغ في مدح أنصار الحرية ، فأعمالهم مازالت فردية ، ومجهضة ، ومحدودة، ومشتتة ، لا ترقى إلى مستوى الإنجاز الفعلي، بسبب الأزمة القيادية التي تعصف بقوى التقدم منذ مطلع الثمانينيات.
إذَنْ، المطلوب من الطلائع الثورية ، أن تساعد الجماهير على الارتقاء بوعيها الثوري ، دون مغامرة، أو تطرُّف. فالمطلوب خطة عمل ثورية واضحة ، وهذه ليست مهمة فردية ، ولكنها مهمة كل المثقفين الوطنيين الطليعيين ، الذين لا ينبغي أن ينكسروا أمام أهوال الكارثة القائمة ، والصعوبات القادمة ، التي سبَبَها الطغاة ، و روَّج لها المرتزقة والمفلسون والتافهون ، ونفذها العملاء والقتلة والجهلة ، بمساندة خارجية ضد شعبنا ووطننا.
كيف نبدأ؟
ينبغي أنْ نبدأ بتحديد الأهداف والوسائل ، وفقاً للإمكانيات المتاحة ، بغية تحقيق غايات الشعب ، في الثورة الشعبية التحررية الديمقراطية التقدمية السلمية. وفي هذا السياق ، ينبغي أنْ نؤجل الأهداف الأيدلوجية الكبرى ، وأنْ نحصر أهدافنا الآنية في التمسك بالقواسم المشتركة لثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر المجيدين ، و العمل من أجل حشد الشعب حول تلك الأهداف النبيلة. و يمكن البدء في تشكيل غرفة عمليات متحركة من مجموعة من الثوريين ، الديمقراطيين ، المحترفين ، المؤمنين باليمن الواحد المستقل ، والمتطلعين إلى العدل والحرية والتقدم .
على أنْ تقوم هذه النواة، بشكل منظم وطوعي ، وتكون ذاتية الاعتماد، وتشرع ، بشكل واقعي ، بتحديد نوعية نشاطها الهادف، و وسائل كفاحها اليومي ، من خلال تقسيم العمل بين أطرها المختلفة ، و التوجه نحو الفعل الثوري الملموس ، عبر السعي الدءوب للتواصل مع الجماهير ، عبر المنشور ، والصحافة ، ووسائل التواصل الحديثة ، واللقاء المباشر بالجماهير ، لتلمس نبضها ، بغية تنظيمها ، وتوجيهيها ، وتوسيع نفوذها ، من أجل وقف الحرب ، و إدانة جرائم العدوان الخارجي ، والدعوة للتضامن الوطني، و خلق رأي عام، مناهض للحرب الأهلية والانقسامات الطائفية والجهوية. والسعي إلى عزل القوى المتصارعة ، كونها سبباً للعدوان الخارجي أو رديفاً له ، و مناشدة المجتمع الدولي، لوقف العدوان الخارجي على اليمن.
على أن تقوم تلك النواة أو الهيئة الثورية المأمولة، في ذات الوقت بتوسيع دائرة نفوذها ، بهدف خلق "كتلة تاريخية" ضاغطة على قوى التخلف، المحلية والخارجية ، ترتقي تدرجياً في معمعة الكفاح السياسي اليومي ، إلى هيئة سياسية فاعلة ، تمكنها من تحقيق غاياتها في وقف الحرب، وإنقاذ الشعب من المجاعة والأمراض. وبروزها ، على قاعدة التأييد الشعبي الوطني الواسع ، كممثلة جديرة للمصالح الحيوية للشعب اليمني أمام المجتمع الدولي ، حتى يتاح لها ، في المحصلة الأخيرة، أن تضطلع بتشكيل هيئة حكم انتقالية ، مستقلة ، متوافق عليها.
على أنْ تقوم هيئة الحكم الانتقالية ، بدعوة المجتمع الدولي للأشراف على وقف الاقتتال ، و إجبار القوى المتصارعة، على تسليم أسلحتها ، في وقت متزامن، لهيئة الحكم المستقلة المسنودة من قبل أطراف دولية محايدة ، كروسيا أو والصين أو جنوب أفريقيا أو الهند أو البرازيل، أو مجموع هذه الدول.
على أن تترافق مع هذه الخطوة، أو بعدها مباشرة، الدعوة للمصالحة الوطنية على قاعدة المواطنة المتساوية لجميع اليمنيين واليمنيات، و تطبيع الأوضاع السياسية وإعادة بناء الوطن على أسس جديدة، من خلال إعداد دستور جديد لليمن ، يتضمن الآتي: إلغاء الفيدرالية، واحتكار القوة من قبل السلطة المركزية ، وتفعيل الحكم المحلي واسع الصلاحيات ، و الفصل الصريح بين السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية. وفصل الدين عن الدولة ، والشروع في الانتخابات البرلمانية والرئاسية ، والسعي لإعادة اللحمة الوطنية بين أبناء الشعب، والشروع في بناء الدولة الوطنية الديمقراطية العادلة ، القادرة على تأهيل و تنظيم وتوظيف الطاقات البشرية وتحقيق التنمية والتقدم. ( للمزيد من التفاصيل ، يمكن للإخوة الأعزاء الاطلاع على مقترحاتنا المتواضعة في صفحتي في الفيس بوك، بعنوان: آفاق الحرب والسلام في اليمن، والمخرج من المأزق القائم).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صواريخ إسرائيلية -تفتت إلى أشلاء- أفراد عائلة فلسطينية كاملة


.. دوي انفجارات في إيران: -ضبابية- في التفاصيل.. لماذا؟




.. دعوات للتهدئة بين طهران وتل أبيب وتحذيرات من اتساع رقعة الصر


.. سفارة أمريكا في إسرائيل تمنع موظفيها وأسرهم من السفر خارج تل




.. قوات الاحتلال تعتدي على فلسطيني عند حاجز قلنديا