الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بمناسبة الترويج لقانون الأحوال الشخصية الجعفري ... برلمان بلا ذاكرة

محمد ليلو كريم

2017 / 11 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وأنا اتابع الضجة والجدل التي أحدثها قانون الأحوال الشخصية الجعفري الصائل مراراً كمجاهد أصولي رباني يطلب التزكية من الديموقراطية الدنيوية !! ، تبلور تكهن في داخلي :
يبدو إن كل العراقيين بأغلبيتهم المسلمة سيضطرون في نهاية هذه المهازل والسخافات من سياسات وقرارات للإعتراف بصلاح وصلاحية مقولة إنجيلية لكل زمان ومكان ، فقد جاء في إنجيل البشير متى تشريع بلا شريعة ، بل هو قانون وحكمة ، لا يُعقّد الحياة ، ولا يُربك المجتمع ، ولا يستفز الدولة والرياسات ، وها هي القصة والحكمة : (( فأرسلوا إليه بعض تلاميذهم مع أعضاء حزب هيرودس ، يقولون له : فأدرك يسوع مكرهم وقال : فقدموا له ديناراً . فسألهم : < لمن هذه الصورة وهذا النقش ؟ > أجابوه : للقيصر . فقال لهم : < إذن ، أعطوا ما للقيصر للقيصر ، وما لله لله > فتركوه ومضوا ، مدهوشين مما سمعوا )) .
يمكن أن نُسميها حكمة سياسية وتشريعية تخدم الإنسان في كل زمان ، وأنا دائماً أعتقد أن ابتعاد أو تجنب التخمة التشريعية التي نبذها النص الإنجيلي جعلت منه نصاً عالمياً تدين به روما وأوربا ، وعندما نهض القس مارتن لوثر بدعوته الإصلاحية كان مجسِداً في عمله لروح النص الإنجيلي محتجاً على صكوك الغفران والحيلة الشرعية التي لعبها بابا الفاتيكان حينها ( البابا ليون العاشر ) فرجع لوثر بالإنسان المسيحي الى تلك العلاقة المباشرة مع ربه دون وسطاء وشفعاء ، فكان عمله الإصلاحي من صلب النص المقدس ، وقد قال المسيح مشيراً الى نفسه : (( لأني وديع ومتواضع القلب ، فتجدوا راحةً لنفوسكم ،
لأن نيري هيِّن وحملي خفيف
انجيل متى اصحاح )) . .
(( تمر علينا هذه الأيام الذكرى 500 للإصلاح الديني في اوربا أو ما يُسمى بالإصلاح اللوثري )) ....
هذه ليست دعوة دينية ، ولكنها بشارة إنسانية ، ولنا في إعتناقها تبرير لا يُرد ، فالعراق مهد الحضارات ، ويُراد له اليوم أن يكون مهد الديموقراطية في الشرق الأوسط ، وفي الحالتين نحن أمام مسؤولية عظيمة لتحمل وحمل رسالة منفتحة وعميقة نتواصل بها مع العالم نستمدها من قيم الديموقراطية والحضارة ، وإلا فلنعترف ونقر أن بلادنا منقطعة عن ماضيها ودورها ومكتفية بالحال الرث والسطحي والهزيل الذي وصلنا له ، ونغلق ملف الأمل والرجاء .
هل من المعيب أن نستلهم من عمقنا الحضاري القوانين والحكمة ، ولما لا نتحول الى وضع أفضل سياسياً وتشريعياً واجتماعياً ، ولماذا نفتقر للتنوع ، ولا نُعيد العراق الى التطابق مع إسمه فهو العريق ذو العروق المتعددة ، وإلا فالإسم الذي ينبطق على واقعه اليوم هو : عرق ؛ واحد .
الى متى يلعب البرلمانيون كما يحلو لهم ويسيئون لتاريخ العراق وحضاراته وتنوعه ، وكأنهم مجموعة من البدائيين القادمين من بلاد ليس لها حضارة تزخر بالتنوع . .
هل أجمع البرلمانيون على تشريع غير مُعلن يعتبر كل النصوص مُحرمة إلا النص الإسلامي وما يريده العقل الفقهي . هل يعلم البرلمانيون وسياسيو العملية السياسية المتخلفة أن نصوصاً كثيرة وطويلة من العهد القديم كُتِبت في العراق ، وأن المسيحية والبشير توما دخل العراق قبل دخول الرسول بولس روما ، وأن النص القرآني تأثر بقوة بهذا السبق العراقي فذكر أن مريم ولدت المسيح تحت نخلة محملة بالرطب حتى كاد أن يُعلن حصول يسوع على الجنسية العراقية وينفي صعود مريم ويوسف من مدينة الناصرة الى بيت لحم للتسجيل في الإحصاء الذي أمر به القيصر الروماني أغسطس في كل الإمبراطورية ..
من الكوارث السياسية انقطاع الدولة وعزلتها عن العالم الخارجي ، وعزلة نظامها المتحزب لطيف واحد دون بقية أطياف المجتمع الوطني ، والنتيجة الحتمية دولة منعزلة بنظام انعزالي لا يعترف بالتنوع المحلي ولا بالإنفتاح تجاه الخارج ، ومثل هكذا نظام سيستثني كُل نص وأثرٍ ولونٍ آخر غير لونه المتوحد مع ذاته ، فدولة البُعد الواحد تحجب بقية الأبعاد .
يطل برأسه مرةً أخرى قانون الشريعة الإسلامية المثير للجدل ، أو ما أصطلح مروجوه على تسميته بقانون الأحوال الشخصية الجعفري ، وفي هذا المقال وبمناسبة المحاولات الحثيثة لإقرار القانون برلمانياً نتوقف عند نقطة مهمة كان ينبغي التوقف عندها طويلاً وكثيراً وطرحها بإلحاح وتكرار حتى تجد قبولاً وإقرار ، وأقصد تنويع مصادر التشريع العراقي لا لغرض الدخول في نوع جديد من المحاصصة بل للإحتفاء بكل نتاج تاريخ العراق والتذكير به عبر تطويع بعض النصوص من كل لون ونوع لتقديمها كمُعبّر عن تلكم الحضارات وبما يتناسب مع العصر الحديث ، ومما نراه مؤسفاً أن الشريحة المثقفة وتلك المفكرة لم تشتغل سياسياً ولا تخصصياً دفعاً بإتجاه توعية البرلمان الذي يفتقر للوعي الثقافي والحضاري ..
التنوع الحضاري العراقي لا يقتصر على النصوص فحسب ، بل أن للعراق أمتياز ضمه لأعرق المجموعات البشرية ، وقد ساهمت هذه المجموعات ببناء دولة العراق الحديث عند قيامها في اوائل القرن العشرين ، والمساهمة كانت في شتى المجالات ، وما زالت الذاكرة العراقية تحتفظ بأسماء كبيرة ولامعة شاركت بفعالية في تشييد الدولة العراقية ، ولكن تبلور دولة البُعد الواحد أقصى التنوع ولم يعترف له بدور وطني ، وللأسف لم يقف المثقف والمتخصص موقفاً واضحاً وبإلحاح لإرجاع هذه الدولة الى رُشدِها لتسترجع ثرائها الحضاري وخاصية التنوع ، وها نحن اليوم نشهد تقديم مشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفري كتعبير حتمي لإندحار المواطنة والحضارة والتنوع . .
من الأفضل مناقشة كل موضوع محلي بسعة وإنفتاح ..
لنناقش شؤون مجتمعنا بأصوات متنوعة ، ونطالب بحضور مواطنين مغيبين رغم أرشيفهم التاريخي العريق ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - قانون الأحوال الشخصية مغلف بالدين
Amir Baky ( 2017 / 11 / 6 - 14:09 )
فى المجتمعات الدينية قانون الأحوال الشخصية يجب أن يكون مغلف بثقافة دينية. للأسف ثقافة بدائية ظهرت فى صحراء الجزيرة العربية تحولت لثقافة دينية و من ثم أصبح واجب تطبيقها فى جميع المجتمعات و فى جميع الأزمنة . فرغم إختلاف الموقع الجغرافى و طبيعة البيئة و الإرث الحضارى تنتصر الثقافة الدينية البدوية لتقتل المجتمعات التى لها أصول حضارية. ما يحدث أسوء من الغزو العسكرى للبلاد. لقد تحول مفهوم و إنتماء أبن بلاد الرافدين لمفهوم ثقافة الغازى و المحتل. الكل أولاد العراق و لكن ليس الكل أولاد ثقافة بلاد الفرات


2 - زواج القاصرات و كلاب الله
بارباروسا آكيم ( 2017 / 11 / 6 - 17:20 )
العجيب إِننا لما كُنَّا نسمع من يقول مثل هذا الكلام على اليوتيوب أَو في غرف البالتوك
كانت حُجة كلاب الله :
( هذا تشويه من قِبَل أَعْدَاء الإسلام )
أَو كانوا يقولون أَنتُم لا تفهمون صحيح الدين
طيب الآن نريد أَن نعرف ، من الذي دفع اليعقوبي و حزب الفضيلة ومن شابه هؤلاء من النفايات البشرية وقمامة الصحراء لتشريع هكذا قانون ؟!

هل هي الصهيونية العالمية ؟!
هل هي الإمبريالية الأَمريكية ؟!
أَم هي الماسونية الدولية ؟!

ملاحظة : لكل المتأسلمين ( الفريقين سنة و شيعة ) يجعلون الحد الأدنى للزواج هو 9 سنوات
ثم بعد ذلك يضحكون على بعضهم بالقول : إِنَّ الإسلام إِشترط رضى الزوجة لعقد الزيجة !!!!

أَي رضى و أَي مزبلة
طفلة بعمر 9 سنوات ماذا تفهم ؟! ، وهل الطفل أَصلاً يمتلك إرادة حُرة ؟!


3 - الإسلام اس البلاء.
خليل احمد ابراهيم ( 2017 / 11 / 6 - 19:34 )
أنا كإنسان لا الوم البرلمانيين،لانهم اسلاميين ويطبقون شريعة الإسلام،الملام هم الديمقراطيون وعليهم أن يكونوا على قدر كبير كبير من المسؤولية وبالذات في هذا الظرف الحساس واستغل استخفاف الإسلام السياسي بقيمة الإنسان من خلال احتقارهم للمرأة،وقد اثبتوا بجدارة أنهم لا يفكرون أبعد من بطونهم واسفل بطونهم.
موضوع رائع يا كريم.

اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س