الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشوايا

محمد الحاج صالح

2017 / 11 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


في مصطلح وتسمية "شوايا". أهو عارٌ أم مصدر فخر؟
حرضني نقاش مع أحد الأصدقاء في أن أكتب عن تسمية الشوايا وعن تحسس البعض منها. لاحظت أن الصديق المذكور وكثيرين من أصول شاوية يستعرّون من هذه التسمية ويتحسسون منها. لماذا؟
التسمية تاريخياً ذكرها ابن خلدون، وفيها أراءٌ:
- أن التسمية أتت من أنهم رعاة شياه/غنم ومنها أتت التسمية
- أن التسمية أتت من الشوي دلالة الكرم... ضعيفة
- أن التسمية هي جمع ل"شوية" وتعني البقايا. بقايا العرب الساكنين ما بين النهرين بعد الإبادة الهمجية للغزوة المغولية، حيث بقي بقايا "شويات، شوايا" بقايا مدن وبقايا عائلات وأرياف مدمرة هؤلاء الهائمون على وجوههم الفاقدين لكل شيء هم الشوايا.
حديثاً ولا شك ولقبل سنوات وربما بالنسبة للبعض مازالت التسمية تحمل حمولة احتقارية وعاراً، يحاول من هم شوايا أو من أصل شاوي التخلص منه والهروب منه بطريقة توحي بالضعف وانكسار النفس. وقد أمعنت النويات الحضرية في المدن وحتى في بعض مدن الفرات كدير الزور في الإيغال بتحميل التسمية أقصى وأقسى تعابير الاحتقار والعار. وهذا أمر مفهوم جداً. إذ في كل العالم هناك ظواهر اجتماعية قريبة من هذا. فالصراع الاجتماعي بين الريف والمدن قديم وواقعي.
من شبه الطبيعي أن يُحمّل مجتمعُنا الشوايا الكثير من موبقات التخلف والاحتقار. إذ في مجتمع لا يستطيع المرء أبداً أن يحمّل الذنوب والأخطاء للمرتكبَ السياسي للفظائع ولا الحكم الجائر، لا بد له من تحويلة نفسية تريحه وذلك بتحميل الفئة الأضعف دَرن وأوساخ المجتمع، مرة لعباً وسخرية وتهكماً ومرة أخرى جاداً وبشكل لا أخلاقي وأعمى.
منذ القرن الماضي بدأ العالم تطوراً عاصفاً فيما يخص الاجتماع والتحضر وتقلصت المسافة بين المدينة والقرية. وفي سورية أول من جرؤ على كسر تابو السلب والاحتقار في مصطلح"الشوايا" هو ياسين الحافظ المثقف الديري "الشاوي". ومن ثم كرت السبحة.
لم يكن اليهود تاريخياً راضون بالتسمية، أي تسمية يهود، ولا ما تبعها من صفات مثل البخل والجشع والتجارة الزغّالة والغيتو، ومع السنين قلبوا كل ذلك لصالحهم عبر آلايات كثيرة وأهم هذه الآليات هي الفاعلية الثقافية والسياسة.
إلى وقت قريب كان ذا الأصل الشاوي وعندما تلفظ أمامه كلمة "شاويا" يحمر ويخنس في ذاته من العار، أو عدم الثقة بالنفس، أو من هذا الرأي الجارف الذي يضعه في زاوية المحتقر الوضيع.
مع الثورة وانتشار وسائل الاتصال الاجتماعي وعلى أيدي مثقفين من أصول شاوية جرى كسر هذا الحصار الاحتقاري، بطريقة فيها ذكاء المثقف التهكمي الساخر، بطريقة تعكس الحاجةَ الملحة والعدلَ في أن يتحول المصطلح إلى مصدر فخر، أو على الأقل دفعه إلى موقع الحيادية. أذكر هنا مثلا عن مثقفين ومن عائلة واحدة هما أحمد العساف وعساف العساف وطريقتهما في السخرية والتهكم التي ساهمت بفتح الباب دون مواربة وبعزم وظرافة ودفع إلى الابتسام.
إذاً تبدو الثقافة وحاملها الأساسُ الكتابة، وبالأخص منها الساخرة المتهكمة ناجعة، ليس فقط على من يعتبرون الشوايا موضع احتقار وبجدرارة، وإنما على الشوايا ذاتهم. إذ من المعروف أن في النقد كمون الحب للموضوع المنقود. حب سري جميل يلبس لبوس النقد من أجل المعرفة أولاً ومن أجل الأفضل ثانيا.
الشوايا وبلا أدنى شك ذوي أصول يمنية عراقية سورية عربية من ما بعد الإسلام، هذه جميعها تختلط بعرب أو آراميين سكنوا الجزيرة العليا وجنوب تركيا من ما قبل المسيح بالمناسبة. ولأن أراضيهم سهلية ولا مخابئ حقيقية فيها كانوا وعلى الدوام ضحية الغزاة جميعاً إلى أن حصلت لهم إبادة شبه تامة في الغزو المغولي، ومن بعده الطاعون وثلاثة زلازل مدمرة، حتى أن سهول الجزيرة نزولاً إلى بغداد قفرت إلا من بقايا أناس يهيمون على وجوههم عائدين إلى البداوة والرعي.
شخصياً تمردتُ على الخجل والإحساس بالعار باكراً في يفاعتي، من الممكن أن السبب مزيج من "مجاكرتي وجقارتي" وثقتي بنفسي العنيدة حتى لو لم تكن بلا أساس. كنت على الدوام طالباً مجتهداً أنيقاً، وكنت أعرف أن جدي القارئ شبه المثقف والحافظ للشعر ولأيام العرب هو في رأسي أفضل من أجداد الآخرين. فما رميتها واطي أبداً وكنت مستعداً دوما لتكسير رؤوس، مجازاً طبعاً، والقبول بتكسير رأسي طالما أنني قد تحديت. كما أن الفكر اليساري أعطاني قناعة بأني إنسان حداثي متجاوز للتخلف والرجعية على الرغم من أصولي الشاوية.
باختصار إن مصطلح شاوي يخرج الآن شيئاً فشيئاً من زاوية الاحتقار واللا علمية إلى أن يكون مصطلحاً اجتماعيا حيادياً له علاقة بطريقة العيش، وللمصطلح كذلك تاريخه المشين وغير المشين. وبالنسبة لي على الصعيد الشخصي هو مصدر افتخار وأصل لا أنكره بل أعتز به.
على علم الاجتماع وعلم السياسة والمشتغلين بهما أن يضموا هذا المصطلح إلى علومهم بحيادية وعلمية، أما المستعرّين به من الشوايا والمتلذّذين به من السوريين البيض مثلاً، سواء بسواء، فأقول لهم إكبروا فالزمن لا يتوقف عند طفولتكم المجرّحة بألف اعتداء واعتداء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضربة إسرائيلية ضد إيران في أصفهان.. جيمس كلابر: سلم التصعيد


.. واشنطن تسقط بالفيتو مشروع قرار بمجلس الأمن لمنح فلسطين صفة ا




.. قصف أصفهان بمثابة رسالة إسرائيلية على قدرة الجيش على ضرب منا


.. وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير تعليقا على ما تعرضت له




.. فلسطيني: إسرائيل لم تترك بشرا أو حيوانا أو طيرا في غزة