الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شعارات الاسلاميون في السياسة بين الوفاء و الانتكاسة: (السودان نموذجاً)

عاصم علي سعيد

2017 / 11 / 7
كتابات ساخرة


سئل أحد المفكريين الإسلاميين، وأظنه السوري د. م. محمد شحرور، عن دعاوى وشعارات الحركات الإسلامية المعاصرة، أو ما يسمى بـ (الإسلام السياسي) هل آتت أكلها .. فقال في اغتضاب: (إن الحركات هذه خانت عهودها، ولم تكن صادقة في ما طرحت).
فمنذ نكسة حزيران 1967م، رفع الإسلاميون شعارات البعث الحضاري لإعادة الامة لعصر الفضيلة الأول، فظهر على السطح جماعة الاخوان المسلمين في مصر. هذه الجماعة التي أسست سنة 1928م بواسطة حسن البنا، ويرجع إليها 80 % من التيارات الاسلامية اللاحقة. وهذا رأي كبيرهم (د. يوسف القرضاوي) فكان (حسن البنا ــ سيد قطب ــ سيد سابق) من نظروا لهذه الجماعة، ووضعوا اللبنة الأساسية في كيفية حكم المسلمين في العصر الحديث. ومن هذه الجماعة انبثقت الحركة الاسلامية في السودان بزعامة نفر من أبناء الوطن ( الرشيد بكر وصادق عبد الله عبدالماجد وحسن الترابي، وغيرهم) إلا أن الأخير استطاع أن يشكل جناحاً قوياً استطاع الوصول إلى السلطة عبر الإنقلاب العسكري في يونيو 1989م. وأياً كانت طريقة الوصول للسلطة، ورغم مخالفتها الظاهرة لأصول الحكم الرشيد الموجود في أدبيات الحركة نفسها، يعد الإنقلاب سابقة سياسية تحسب للرجل. فالسياسة لا تعترف بالأخلاق والأمانة والنزاهة كما وصفها (جان جاك روسو) في كتابه الأمير (الغاية تبرر الوسيلة)، تم تطبيق القاعدة كما هي، فكانت أول ضربة في مجال صدق الطرح، وأول سقطة في سلم الفشل السياسي المتوالي، فبدأت باستعداء العالم، وأكبر قوتين في تلك الفترة (أمريكا ــ روسيا) وظهر شعار (أمريكا روسيا قد دنى عذابها). ثم بحثت عن حليف لها في الساحة، يناصب الدولتين العداء، فلم يجدوا إلا العدو العقيدي (إيران) ليصادقوه ففعلوا، فكانت أمريكا عندهم (الشيطان الأكبر)، وبدأت مسيرة خيبات الوعود وزيفها، ولما كانت هذه ايديولوجية الاسلام السياسي لا تعرف إلا العيش في أجواء العداءات، حتى تستطيع أن تفرغ طاقاتها الجبارة في الفجور والخصومة، كانت الحركة الشعبية لتحرير السودان هي (الشيطان الأصغر). وغني عن القول أن مفهوم الوطن والمواطنة يغيب تماماً عن عقلية الإسلاميين، باعتبار أن العقيدة هي الوطن، كان لابد من رفع شعار الجهاد كشعيرة دينية، لتعبئة الشعب ضد (الحركة الشعبية). ولو علموا أن من يحاربوهم هم شركاء في الوطن والأرض، لما نثروا ونشروا ثقافة الجهاد وشعاراته، والحرب في الله ولله.
كانت النكسة الثانية في تسريع مؤشر عداد الاستعداءات الدينية الأخرى في كثير من دول العالم، ولأن السياسة فرصة استغلها قادة الحركة الجنوبية في جلب العطف الدولي والديني أيما استغلال، إذ زادت الخطابات العنترية بين الطرفين، وظهر شعار (لا لدنيا قد عملنا .. نحن للدين فداء)، ثم جاءت مواجهة الاقتصاد الدولي ممثلة في البنك الدولي وصندوق النقد، فخرج السودان مطروداً، ليعود إلى أهله يتمطى، ثم ظهر شعار (فلنأكل مما نزرع) مصحوباً بشعار لتخدير الجماهير: (السودان سلة عذاء العالم) فكانت النكسة الثالثة. وسرعانما دخل السودان في عوالم الدروشة السياسية (شختك بختك) (عداء مصر، صداقة ليبيا) والعكس، (صداقة العراق عداء الكويت)، فكان لها أيضا شعار (بين ليبيا والسودان والعراق واليمن وثبة إلى الأمام فوق هامة الزمن)، فكانت الانتكاسة الرابعة، حيث ظهر بعبع الحضارة الإنسانية (الإرهاب) فكان من البدهي أن يتصدر السودان القائمة، فهذه الأجواء تناسب الايدلوجيا التي تحكم، فأعدوا ما أستطاعوا وما لم يستطيعوا، في دعم كل متفلت خارج عن القانون في كل انحاء البسيطة، ولم يستبينوا الأمر إلا عشية الضربة الأمريكية لمصنع الشفاء. وهنا؛ بانت الانتكاسة الخامسة، ليجدوا أنفسهم مكشوفين إلا من الشعارات التي لم تقتل ولن تقتل ذبابة، فكان الخزلان المبين. ثم مد لهم القدر يد العون لعلهم يرعوون أو يرشدون، عندما ظهر النفط، وحدث التحول من الفقر المدقع إلى الغنى. فبدلاً من استثمار هذه الثروة في البنى التحتية للوطن، ومصالحة العالم، زادوا في الطغيان، وتفننوا في تشتيت مكونات الوطن، واشتعلت الحروب في مناطق أخرى كانت نتيجتها المطالبة برأس الدولة للمثول أمام العدالة الدولية. ومن هنا دخلنا في الغيبوبة الكبرى، ولما انتبهنا، وجدنا أن العالم من حولنا سائر في تغيير دراماتيكي رهيب. فأصدقاء الأمس تغير بهم الحال والمآل، ولا بقاء في هذه الحالة، إلا لمن يجيد لعبة السياسة، فحاجة البلاد للمال والغذاء والدواء، أكثر إلحاحاً من حاجتها للسلاح، فبالمال يمكن أن يشترى السلاح، فكان الخيار هو التضحية بصديق الأمس، لأنه أصبح حجر عثرة في طريق جلب المال، لأنه لا يقل عداوة عنهم في استعداء العالم، لكن حسنته الوحيدة أنه يجيد لعبة السياسة الدولية، لنجد أنفسنا في حظيرة الملك، ونصبح دروعاً بشرية نحمي أهل الدار، وندافع عنهم أكثر من أنفسهم. السؤال الذي يفرض نفسه هنا؛ أين الجماهير من كل هذا؟ والإجابة توفرت في زيادة جرعة التخدير الأيديولوجي السني، داخلياً؛ بحجة انتشار التشيع العدو اللدود للمذاهب السنية، وخارجياً بحجة حماية المقدسات الإسلامية؛ (مكة والمدينة). وهي شعارات فارغة المحتوى، لا تصمد عند التحقيق، خصوصاً عندما يتبادر هذا السؤال: (أين المشروع الحضاري) الذي يمكن أن يحكم السودان، دعك عن العالم؟ هل كان ضعيفاً هشاً للدرجة التي لا يستطيع الوقوف لحماية المكتسبات والمقدسات، أم كان مجرد بالونة مليئة بالهواء سرعان ما انفجرت عند أول شكة دبوس؟ على أن آخر خيبة الخيبات التي دونها التاريخ؛ بتر ثلث الوطن بآلة صدئة، فكانت النكسة السابعة والضربة التي قصمت ظهر بعير السودان، وفاحت رائحة الفساد التي ملأت الأرجاء، وضربت مفاصل الدولة، و أفسد سرطانها كل جسد الوطن، فأهلك البلاد والعباد. واصبحنا على حافة الهلاك.
الخلاصة؛ إذا إردت أن تهلك مكتسبات الأوطان فمهد للاسلاميين طريقاً للسلطة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الممثلة رولا حمادة تتأثر بعد حديثها عن رحيل الممثل فادي ابرا


.. جيران الفنان صلاح السعدنى : مش هيتعوض تانى راجل متواضع كان ب




.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل


.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف




.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي