الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مغزى ضرب تجربة الليبرالية المصرية

طلعت رضوان

2017 / 11 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



عاشت مصرحتى أوائل القرن 19تحت سيطرة أبشع أشكال الاستعمارالاستيطانى الذى فرض التخلف الثقافى والتنموى، ورغم ذلك فإنه بعد أقل من مائة عام، نفضت مصرغبار العصورالوسطى، فإذا كان التعليم طوال عدة قرون قاصرًا على الكتاتيب، فإنّ معاصرًا لفترة المخاض هو أ. محمد لطفى جمعة يعترف فى مذكراته بأنه أتقن اللغة الإنجليزية منذ أنْ كان فى السنة الرابعة الإبتدائية. وأنّ التدريس بالإنجليزية كان يشمل الكيميا والرياضيات والطبيعة والتاريخ والجغرافيا وكتب ((أشهد أنّ مجموعة الأساتذة فى مدرسة إبتدائية ريفية فى أواخر القرن 19 كانت أرقى من مجموعة أساتذة فى مدرسة عليا أو جامعة فى أواسط القرن العشرين))
وكتب لويس عوض أنه عندما كان فى مدرسة المنيا الثانوية ((لم تكن هناك دروس دين، وإنما حلــّـتْ محلها مادة (الأخلاق) ومادة التربية الوطنية، كنا نتعلــّم منها مبادىء المساواة فى الحقوق والواجبات )) وعن الكتب المقررة على الطلبة فى الفترة من 26- 1930 ذكرأنه ((درس فى السنتين الأولى والثانية الثانوية كتاب شفيق غربال (تاريخ مصر القديمة) وفى إحدى السنوات وزّعتْ الوزارة على الطلبة كتاب (أميل) لروسووكتاب (قادة الفكر) لطه حسين))
وكتبت د. سهيرالقلماوى أنه ((عندما تولى طه حسين وزارة المعارف عام 1950 كان أهم أعماله توحيد المرحلة الأولى فى التعليم، فلم يعد هناك تعليم دينى متخلف وآخرمدنى، وإنما أصبح التعليم واحدًا، يضمن الوحدة الفكرية بين مواطنى الوطن الواحد)) وطه حسين عندما كان عميدًا لكلية الآداب رسّخ فى الطلبة ملكة (النقد) وهوالمعنى الذى عبّرعنه د.عبدالحميد العبادى الذى كتب عن نظام التعليم الذى يتمناه ((عاوزأبث فى الطلبة روح طه. روح البحث والجدل و(الخناق العلمى) كما يقول أستاذنا لطفى السيد)) وطه حسين يتواضع إلى درجة أنْ يعرض مقالابعنوان (كيف نحارب الطائفية) بقلم عبداللطيف شرارة نشره فى مجلة (الأديب) قال فيه ((إنّ التوفيق بين الدين والفلسفة محاولة عقيمة. قام بها ابن سينا منذ قرون فانتهى به الأمرإلى إعتباره زنديقــًا من قِبل رجال الدين. قصيرالنظرمن قِبل الفلاسفة. كما أنّ التوفيق بين دين ودين انتهى على يد كثيرين فى أوروبا وفى الشرق إلى مآسٍ ردّد التاريخ صداها))
ودافع لطفى السيد عن استقلال القضاء وحرية الصحافة والكتابة وتأليف الأحزاب. وعن التعليم كتب ((إنّ الهدف من التعليم الجامعى أساسه حرية التفكيروالنقد على وجه الاستقلال، لا الحفظ والتصديق لكل ما يُـقال)) وفى رده على دعاة أنّ (الدين جنسية) كتب ((الإسلام ليس لمسلم بوطن. فوحدة الاعتقاد الدينى ليست كافية لإقامة وحدة التضامن الوطنى))
ويدعوإسماعيل أدهم إلى أنْ ((تحيا مصرحياة فكرية صحيحة وتــُـنشىء لنفسها ثقافة تــُـقيم عليها أساس دولتها. ولابد من برنامج للتعليم يقوم على أساس علمانى لجميع طبقات الشعب)) وإسماعيل أدهم رغم أصوله التركية، كان ممتلئـًا بروح مصرية جعلته ينحازللغة العلم، فكتب يناشد شعبنا أنْ يترك اللغة العربية، لأنّ لنا لغة قومية، وقال (( إننى منذ حططتُ رحالى فى مصرلدراسة حياتها الاجتماعية والأدبية وقفتُ على ثروة جديدة هى (اللغة المصرية) ومن الخطأ القول أنها عامية العربية. فهذه هى لغتكم وهى أولى برعايتكم من لغة البدوالذين لارابط بينكم وبينهم ولاصلة)) وعن أسباب التخلف فى دول الشرق والتقدم فى دول الغرب لخّصها فى جملة واحدة ((إنّ فى الشرق استسلامًا محضًا للغيب. وفى الغرب نضالا محضًا مع قوى الغيب))
أما قاسم أمين فيرى ضرورى أنْ ((نربى أولادنا على أنْ يعرفوا شئون المدنية الغربية. وأنه من المستحيل أنْ يتم إصلاح ما فى أحوالنا إذا لم يكن مؤسسًا على العلوم العصرية الحديثة. ولهذا لانتردد فى أنْ نـُصرّح بأنّ القول بأننا أرقى من الغربيين هومن قبيل ما تنشده الأمهات من الغناء لتنويم الأطفال))
كلام قاسم أمين أعجب فرح أنطون فكتب ((مما تقدم يتضح أنّ مدنيات الأمم لاتتوقف على الدين بل على العلم. وأنّ الأمم (الوثنية) كاليابان إذا سلكتْ سبيل العلم والنواميس الطبيعية، ارتقتْ مدنيتها على كل مدنية. حتى مدنية الذين يعملون بقواعد الإنجيل والقرآن حرفـًا ومعنى دون أنْ يشتغلوا بالعلم. لأنّ الدين شىء والدنيا شىء (آخر) وكيف يقال إنّ الإنسانية كلها ستعود إلى القرآن فى المستقبل كما يقول الأستاذ محمد عبده. وأنها ستعود كلها إلى الإنجيل كما يقول رؤساء الدين المسيحى؟ كلا ثم كلا. إنّ الإنسانية طــُـبعتْ على التنوع والاختلاف. ولابد من هذا التباين فى المعتقدات))
وعرض إسماعيل مظهرأربعة أنواع من المذهبية تؤدى إلى التعصب. ودعا إلى تحطيم المذهبيات إذا كنا نسعى إلى الارتقاء الحقيقى ليكون الفكرحرًا. وأنّ الارتقاء والمذهبية عدوان. ولن يكون ارتقاء مع مذهبية. وتختفى المذهبية مع الارتقاء. إذن وجب علينا أنْ نضحى بأحدهما ليخلص لنا الآخر. ولاجـُـرم أننا نضحى بالمذهبية فى سبيل الارتقاء نحوالحضارة الحديثة.
وتــُشارك المرأة فى زلزلة ثوابت الموروث. فيجد الباحث أسماء منيرة ثابت، درية شفيق، هدى شعراوى وزميلاتها فى لجنة السيدات بحزب الوفد اللائى أجمعنَ على أنْ يكون الطلاق أمام المحاكم المدنية. وإلغاء تعدد الزوجات إلاّ للضرورة كأنْ تكون الزوجة عقيمًا. أما سعاد الرملى فقد شبّهتْ رجال الدين بالفاشيين الذين ينظرون إلى المرأة نظرتهم إلى تحفة أو متاع لأمزجتهم. فى هذا المناخ الذى كانت مصرفيه يتخلــّـق فى أحشائها جنين دولة عظمى فى الشرق الأوسط ، يعثرالباحث على أول فتاة مصرية تقود طائرة ( لطيفة النادى) عام 1932 وأول فتاة مصرية ارتدتْ روب المحاماة (نعيمة الأيوبى) ويكون الاحتفال بخريجات الطب فى نفس العام.
ورغم الاحتلال والأزهروالقصروالإخوان المسلمين، يجد الباحث مادة خصبة فى الصحف والمجلات الصادرة فى تلك الفترة، تؤكد على تنامى الفكرالعلمانى، مثل مجلة الجامعة، التطور، المجلة الجديدة، العصور، الحديث، الجريدة، السياسة، الفجرالجديد، الكاتب المصرى إلخ. شكــّـلتْ هذه الدوريات (بخلاف الكتب) تيارًا تنويريًا، ضمّ عددًا كبيرًا من الكـُــتُاب المؤمنين بمبادىء العلمانية. وكان المُنطلق الرئيسى لأفكارهم أنّ ((الدين شىء والسياسة شىء آخر)) ولايجوز الخلط بينهما. لذلك فإنه لم تكن مصادفة أنه فى ظل هذا المناخ الثقافى أنْ يصدرفى عام 1946 كتاب (الإخوان المسلمون فى الميزان) تأليف عبدالرحمن الناصرالذى نشره باسم مستعار هومحمد حسن أحمد، وصف فيه الإخوان المسلمين بالفاشيين. وبعد أنْ عرّف الفاشية، لخــصها فى تسعة مظاهر، ثم طبّقها على الإخوان. وفى عام 1950 يُصدرخالد محمد خالد كتابه (من هنا نبدأ) الذى انتقد فيه الدولة الدينية ودافع عن الدولة العصرية.
أود أنْ أحيط القارىء المهتم أنّ ما تقدم مجرد هوامش على إرهاصات العلمانية فى مصر (مستخلصة من عدة مجلدات) قبل أنْ يأتى البكباشية فى شهرأبيب/ يوليو52 ليقطعوا مسيرة الحداثة. وعندما أنزلوا معاولهم على الفترة السابقة على عهدهم، أجهضوا تجربة الليبرالية المصرية، وأجهضوا الجنين المُـتكون فى أحشاء مصر، الجنين الذى كان يُنبىء بمصردولة عظمى فى الشرق الأوسط، وبالتالى (فى أقل تقدير) أجهضوا أية محاولة للتقدم. وعن الدور التنويرى للعلمانيين المصريين كتبتْ د. لطيفة الزيات ((وأنا أشيّع جنازة طه حسين، شعرتُ أنى أشيع عصرًا لارجلا. عصرالعلمانيين الذين جرؤوا على مساءلة كل شىء. عصرالمفكرين الذين عاشوا مايقولون وأملوا إرادة الإنسان حرة على إرادة كل ألوان القهر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحالف العسكر و الإسلام السياسي
Amir Baky ( 2017 / 11 / 7 - 11:28 )
البشير و الترابى لعبة سياسية طبقتها مصر عمليا. رجل عسكرى يدعى المدنية و الوطنية يحارب التيار الأصولى ظاهريا و يدعمة من تحت الترابيظة ليكون البديل الوحيد له ليضع الشعب بين إختياران كلاهما مر. حكم عسكرى دكتاتورى أو حكم دينى فاشى. عبد الناصر طوّر إذاعة القرأن الكريم والأزهر و رفع تمويلة فى الموازنة وبنى آلاف المساجد. أنشأ مدينة البعوث الإسلامية. أصدر قانونًا بتحريم ومنع القمار. وجعل التربية الدينية «مادة إجبارية» . كان المقابل أن يقبل الإسلاميون بذلك و لا يتطلعون لمناصب سياسية أو مشاركتة فى التورتة. و بعد حادث المنشية حارب الإسلاميين لحماية عرشة. أتى الرئيس المؤمن بعدة و تحالف مع الإسلاميين و ترك لهم الساحة و دعم المجاهدين الأفغان و إرتفعت وتيرة عنصريتة ضد أقباط مصر و غير دستور البلاد لتكون الشريعة الإسلامية المصدر الأساسى للتشريع مقابل زيادة عدد المدد الرئاسية. ثم جاء مبارك و ترك لرجال الأعمال الإخوان الباب مفتوحة و كان يحارب تطلعاتهم السياسية أمنيا فقط و ترك لهم الشارع ليبرمجون عقول الشعب. الخلاصة الليبرالية تحارب جبهتان يمتلكان المال و الإعلام. و الليبرالى متهم بأنه خائن أو كافر

اخر الافلام

.. المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهدافها هدفا حيويا بإيلا


.. تونس.. ا?لغاء الاحتفالات السنوية في كنيس الغريبة اليهودي بجز




.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب


.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل




.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت