الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- هل أوجد الفيلسوف محمد أركون البديل الناجع من المنهجيات العلمية للواقع العربي المأزوم والمهزوم على مر السنين ؟ - من -دهشة فعل التفلسف كعقلنة - الحلقة السادسة عشر - الجزء الأول من حوارنا مع البروفيسورة خديجة زتيلي في -بؤرة ضوء-

فاطمة الفلاحي
(Fatima Alfalahi)

2017 / 11 / 7
مقابلات و حوارات


" هل أوجد الفيلسوف محمد أركون البديل الناجع من المنهجيات العلمية للواقع العربي المأزوم والمهزوم على مر السنين ؟ " من "دهشة فعل التفلسف كعقلنة " الحلقة السادسة عشر - الجزء الأول من حوارنا مع البروفيسورة خديجة زتيلي في "بؤرة ضوء"

https://i58.servimg.com/u/f58/19/60/38/08/5510.jpg

«لم أذعن للموضة العابرة ولم أعتمد مصطلح ما بعد الحداثة وإنّما اخترعت مكانه مصطلحا جديدا هو: العقل الجديد المنبثق الصاعد. وأعتقد أنّه الأفضل والأكثر تعبيرا عن حاجياتنا الفكريّة حاضرا ومستقبلا». محمد أركون
16.أ هل أوجد الفيلسوف محمد أركون البديل الناجع من المنهجيات العلمية للواقع العربي المأزوم والمهزوم على مر السنين ؟


خديجة زتيلي:
سوف أستدعي في هذا المقام المقال الذي سبق وأن نشرته بمناسبة مرور الذكرى السادسة لوفاة المفكّر والفيلسوف الجزائري محمد أركون، خاصّة وأنّ سؤالكِ -فيما أرى-يستجيب لمضمونه. ولعلنّي أتمكّن من مقاربة الموضوع الذي اعتمدتُ فيه على استدعاء نصوص الرجل كلّما تطلّب السياق ذلك.
أحْدَثتْ هزيمة 1967 التاريخيّة خيْبة أمل كبيرة في العالم العربي وكشفتْ عن إخْفاق الأنْظمة السياسيّة في تحقيق تَطلّعات شُعوبها، وعن انْتكاسة مشروع التنوير العربي الذي راهنتْ عليه النُخب العربيّة الطلائعيّة وجيل المثقّفين الأوائل. إذْ لم تكنْ الهزيمة عسكريّة أو سياسيّة أو اقتصاديّة وحسب بل كانت ثقافيّة أيضاً، فالمبادئ التي راهن عليها العرب طويلاً من أجل نهْضتهم وتقدّمهم أصبحتْ محْض أكذوبة بعد مُواجهتهم العسْكريّة الخاسـرة مع قوّة إسرائيل وتمكّن هذه الأخيرة من نَسف أحلامهم، تلك الهزيمة التي كانت مُنعطفاً تاريخيّاً هامّاً في العالم العربي وفُرصة لمراجعة الذات وحصْر الأضرار البليغة التي خلّفتها. كما فاقَم خِطاب الثورة الرناّن هذه الأزمة وهو يُطنبُ في الحديث عن مُنجزاته في حقْبة الخمسينيات من القرن الماضي ويزعم أن العرب أصْبحوا يملكون زِمام أمورهم بأيديهم! ففي هذه المتون التاريخيّة عادتْ الأسئلة النهْضويّة التي طرحها جيْل الرُوّاد الأوائل إلى الساحة، أسئلة من قبيل تخلّف المجتمع العربي وعدم مُجاراته للحضارة الحديثة وللأمم المتطوّرة، والأنْكى من ذلك أن الفرد العربي أصبح مُتّهما بالتواطؤ في أزمتهِ إن بشكل أو بآخر، صحيح أن لأزمته أسبابها الداخليّة والخارجيّة ولكنّه وحده من يتحمل، الآن، نتائجها الكارثيّة على أكثر من صعيد. كانتْ الهزيمة إذن حدثاً ثقافيّا وضرْبة موجعة للمشروع الحداثي النهضوي العربي.

في خِضمّ هذا الجدال التاريخي المكاشِف للذات والطامح إلى إيجاد البدائل الناجعة للواقع المأْزوم والمهْزوم، نشأتْ حركة فكريّة جديدة اجتهدتْ في قراءة المشاريع النهْضويّة السابقة ومُراجعة اليقينيّات التي آمنت بها تلك المشاريع، وفي إعادة النظر في أسئلة الماضي والراهن بوعي جديد يتطلّع إلى إضفاء مضامين جديدة على مفاهيم: التُراث - المعاصرة - العقلانيّة - الحريّة - العدالة - المواطنة - الديمقراطيّة - الحداثة - الدولة الوطنيّة - التسامح - وغيرها من المفاهيم التي تندرج في هذا السياق، ويمكن القول أنّ ما كُتب منذ سبعينيات القرن الماضي يختلف في طريقة التناول والمعالجة مع ما كُتب قبل الهزيمة، أو لنقلْ أنّه سيتمّ التدقيق في ما اعْتبر في الماضي محْض يقينيّات تعلو على مستوى النقد ومراجعة المنظومات الفِكريّة المغْلقة المنْتجة لها. ويدلُّ هذا النشاط دلالة بالغة على ظهور وعي جديد أحْرجته الأزمة وصاغتْ توجّهاته اللاحقة ودفعتهُ لإنتاج فكر جديد، وسيمثّلُ مَشروع الفيْلسوف الجزائري محمد أركون في نقد للعقل الإسْلامي نموذجا من مشاريع كثيرة ظهرت بعد الهزيمة التاريخيّة وحاولتْ توطين الفكر النقدي ما استطاعتْ إلى ذلك سبيلا.

أعادتْ المشاريع الفكريّة العربيّة صياغة سؤال النهضة من جديد، بعد أن اكْتشفَ العرب تأخّرهم وتخلّفهم عن ركْب الحضارة والحداثة، ففي أعْقاب تلك الأحداث التاريخيّة المريرة استأنفَ خطاب النهضة العربية الثانية - والمصطلح لـــ عبد الله العروي - مَساره الجديد مُسْتنفراً أدواته المعرفيّة بُغية تحصيل نتائج مرجوّة محاولا تفادي التظليلات الإيديولوجيّة السابقة، فلقد أبانتْ الهزيمة عن فواتٍ تاريخي وفشل في مشروع التنوير العربي راهنتْ عليه أجيال فذهبتْ أحلامهم أدراج الرياح، فقد تراجع مشروع التنوير عن أهدافه ومنطلقاته ودخل في نفق مظلم. في إبّان ذلك كانت المسؤوليّات مُلقاة على السياسات الاسْتبداديّة في العالم العربي، وعلى كلّ أشكال قمع الدولة وأجهزتها البوليسيّة، وعلى المنظومة الدينيّة التي تحوّلت هي الأخرى لشكل من أشكال القمْع والهيمنة والتسلّط، وعلى فشل المنظومات التعليميّة في الوطن العربي واجترارها لأساليب تربويّة عتيقة أدّت إلى مزيد من التخلّف والتأخر في مجال التنميّة ومواكبة الحضارة الحديثة. لقد أحال زمن الهزيمة إلى مراجعة المسلّمات واليقينيّات، التي أدّت إلى بؤس الوعي العربي، وفي المحصّلة بات بلوغ نهضة عربيّة جديدة والتأسيس لفضاء فكري نقدي معاصر وجادّ من أهمّ أولويات المرحلة.
استفاق جيل الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي على وهم الثورة ، ذلك أنّ الثورات التي كانوا قد راهنوا عليها لإحلال قيّم سياسيّة جديدة والتخلّص من قوى الاسْتبداد الداخلي والخارجي والتي كانت الحامل الاجتماعي لأفْكار الناس من أجل الاسْتقلال الوطني وإحلال قيّم العدالة والحرية والديمقراطية والمساواة والعمل والتعلّم، لم تف أبدا بأهْدافها المتوخّاة. لكّن يجب أن يُقال أنّه بقدر ما انْهار الوعي العربي بانهيار القيّم التي راهن عليها وآلت فكرة الثورة عنده إلى نوع من الرهان الخاسر، بقدر ما صقلتْ تلك الأحداث المأْساويّة هذا الوعي و«قلّصت منْسوب الإيديولوجيا فيه، ورفعتْ معدّل الروح النقديّة في نظرته إلى الأشياء» كما يقول عبد الإله بلقزيز، في كتابه ((من النهضة إلى الحداثة)) في ص 27 منه. ولعلّ هذا الأمر يندرج في المفهوم الفلسفي للثورة وكيف يعمل الوعي الشقيّ على إنتاج مسارات جديدة له، لأنه بكلّ بساطة لم يعد يطمئنّ إلى يقينياته السابقة. وتساءل محمد حسنين هيكل بحرقة بشأن النتائج المأساوية تلك، قائلا: في القسم المعنون البحث عن الحقيقة من كتابه ((حرب الثلاثين سنة: الانفجار 1967)) «كان لابدّ أن تكون أوّل خطوة في المراجعة هي المعرفة اليقينيّة لما جرى؟ وكيف جرى؟ ولماذا جرى؟ وكانت هناك حقيقة أوليّة تفرض نفسها على أي محاولة للمراجعة، وهي أنّ الحرب مع إسرائيل كان يجب أن تكون حرب الأمة العربيّة كلّها وليس حرب جزء منها فقط«.

لنصّ هيكل في هذا السياق دلالة بالغة، فالعرب أمام عدوّ تاريخي يتربّص بهم وقد تمكّن منهم هذه المرّة وأحدثتْ ضرباتُه جُرحاً غائراً لا يُنسى، ولذلك تُعدّ مخاطبة أسباب ما جرى وتحديد المسؤوليّات هو من الأوْلويات والضرورات في نظر هيكل. والأهمّ من ذلك كلّه لماذا تُعيدنا هذه الهزيمة إلى نقطة البداية! فيعاني مشروع النهضة العربيّة من جديد من الإخْفاقات الثقيلة، ولعلّ تساؤل بلقزيز هنا وجيه ومشروع عندما يقول في كتابه الذي أسلفنا ذكره في ص 211 منه «كيف تُهزم فكرة قوميّة مُتسلّحة بالشرعيّة الشعبيّة العارمة في وجه دويلة صغيرة يفتقرُ مشروعها إلى الشرعيّة التاريخية؟». قد تكون إحدى الإجابات على هذا السؤال: أن البيت العربي لم يكن هيكله منيعاً، وأنّه لم يكن مُحصّنا بالشكل الكافي فتداعى بسهولة جرّاء ذلك، وهناك فجوة واسعة في المجتمع العربي بين المبادئ والأهداف بسبب ظاهرة الاستقطاب الإيديولوجي، أضف إلى ذلك كلّه الاستخدام الانتهازي للدين والسياسة.

يهدف مشروع أركون في نقده للعقل الإسلامي إلى تأسيس علم للإسلام Islamologie أو ما يُسمّى الإسلاميات التطبيقيّة، وإذْ يفعل ذلك فمن أجل تأسيس علم للإسلام يستقّل عن باقي العلوم الإنسانيّة، ويؤكّد أركون أنّه يقترح مفهوم الإسلاميّات التطبيقيّة ليكون بديلاً علميّاً ومنهجّياً ناجعاً في مقابل الإسلاميات الكلاسيكية، هذه الأخيرة التي تجنّتْ -حسب رأيه - على الدراسات الإسْلاميّة وشوّهتها ولم تنْفذ إلى أعماقها. ويُفصح في مقدّمة كتابه ((نحو نقد العقل الإسلامي)) عن غرضه من هذا المشروع العلمي قائلاً: «في عام 1973 رُحت أرسم لأوّل مرّة الخطوط العريضة للمهامّ الفكريّة والاستراتيجيّات المعرفيّة لما كنتُ قد دعوته باسم: علم الإسلاميّات التطبيقيّة. وفرّقته عن علم الإسلاميّات الكلاسيكيّة أو ما يُدعى عموماً الاستشراق». ولكن لماذا يتحدّث أركون عن نقد العقل الإسلامي وليس عن نقد العقل العربي كما هو وارد عند محمد عابد الجابري مثلاً؟ في هذا السياق يَشرح أركون مفهومه للعقل الإسلامي في ص 74 من كتابه ((نحو نقد العقل الإسلامي)) قائلاً: «نقصد بالعقل هنا العقل الديني بالطبع وبالتالي العقل الإسْلامي كما العقل اليهودي أو العقل المسيحي. فعلى الرغم من الاختلافات العقائديّة والطقوسيّة الشعائريّة بين الأديان الثلاثة إلاّ أنّ نمط العقل السائد فيها يبقى واحداً أو متشابهاً. إنّه عقل دينيّ لاهوتي تمييزاً له عن العقل العلمي الفلسفي الحديث.«

سيجري التركيز في العقل الإسلامي على نقد الأفكار الدينيّة والحفر فيها عميقاً وكذا تحليلها ونقدها والرجوع إلى سياقاتها التاريخيّة بالاستعانة بالمنهج التاريخي، إنّها وظيفة العقل التي «تتفحّص بطريقة ملحّة جدّا محلاّت التبلور لما سيصبح لاحقاً الاعتقاد الدوغمائي، أي الأرثوذكسيّة بصفتها تعبيراً عن الأغلبيّات السوسيولوجيّة أو العدديّة الموحّدة المتراصّة بغية ترسيخ أنظمتها في الاعتقاد واللاعتقاد»، والنص بلسان أركون في كتابه ((نحو نقد العقل الإسلامي))، والمقصود بـالمؤمن الأرثوذكسي في هذه الإحالة، المؤمن التقليدي المسْجون داخل سياجات عقائدية وفكريّة مُغلقة على ذاتها لا تقبل النقاش. فهل تكمن جرأة الرجل في الاقتراب من هذا العقل، ومن تسمية الأشياء بأسمائها والذهاب إلى المشْكلات مباشرة دون لفّ ودوران؟ ما جعل هاشم صالح يعقّب بهذا الصدد قائلاً في مقدّمة ترجمته لكتاب أركون، ((نقد العقل الإسلامي)) «قناعتي هي أنّ الجابري لم يتجرأ على مواجهة المشكلة اللاهوتيّة وجهاً لوجه فقرّر خوض المعركة مع العقل العربي لا العقل الإسلامي. وهذا تحايل على الموضوع في نهاية المطاف أو تهرّب من المواجهة.. ثم إنّه مع احترامي له، لا يمتلك التكوين المنهجي الكافي ولا العدّة المفهوميّة والمصطلحيّة للقيام بنقد العقل الديني في الإسلام. وحده أركون من بين كلّ المثقّفين المسلمين والعرب يمتلك ذلك الآن» ؟!

لنْ أُجادل، في هذا المقام، في مدى صحّة موقف هاشم صالح من عدمه، ولكن سأقول أنّ أركون كان جريئاً في أطروحاته تلك على جَبهتين: الجبهة الأولى أنه تجرّأ على القول رغم سطوة النظرة السلفيّة للتُراث الديني في أيامنا هذه على امتداد الشارع العربي، والجبهة الثانيّة أنّه طرح إسلامياته التطبيقيّة وبدائله المنهجيّة في بيئة ثقافيّة غربيّة لم تؤمن يوماً إلاّ بالإسلاميات الكلاسيكيّة وقيّم الاستشراق التقليدي. ويمكن القول بهذا الصدد أنّ فكره -بسبب طرافته -انتقل يجوب العالم، وحضي باستماع الغرب في أكثر من مؤتمر علمي عالمي وحلقة دراسيّة وندوة، وخطابه الفكري بقدر ما كان موجّها بالدرجة الأولى إلى العقل العربي والإسلامي، كان موجّها أيضاً إلى العقل الغربي ضدّ الإسلاميّات الكلاسيكيّة والاستشراق.




انتظروا الحلقة السادسة عشر- الجزء الثاني في " ب نقد الفيلسوف آركون العقل الديني الإسلامي ومشكلته اللاهوتية ، برأيك ماسعة مفهوم الاستشراق عند محمد آركون ؟"من بؤرة ضوء وحوارنا مع استاذة الفلسفة خديجة زتيلي في "دهشة فعل التفلسف كعقلنة "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كنا أنا وأركون صديقين قبل أن نكون زميلين
أفنان القاسم ( 2017 / 11 / 8 - 17:00 )
في السوربون، ولم نكن نتحدث أبدًا لا هو في ميدانه الإسلاموجيا ولا أنا في ميداني الأدبوجيا، كان كل واحد منا يترك ذلك لطلابه، لكني أشهد له اليوم مناهجه الجديدة في النقد الإسلامي كما كان يشهد لي أمس مناهجي الجديدة في النقد الأدبي...

اخر الافلام

.. قبل عمليتها البرية المحتملة في رفح: إسرائيل تحشد وحدتين إضاف


.. -بيتزا المنسف- تثير سجالا بين الأردنيين




.. أحدها ملطخ بدماء.. خيول عسكرية تعدو طليقة بدون فرسان في وسط


.. سفينة التجسس بهشاد كلمة السر لهجمات الحوثيين في البحر الأحمر




.. صراع شامل بين إسرائيل وحزب الله على الأبواب.. من يملك مفاتيح