الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وقفة في حدود العلم - ماقبل الانفجار العظيم -

جلال مجاهدي

2017 / 11 / 8
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تكاد نظرية الانفجار العظيم تكون محل إجماع من طرف الفيزيائيين و علماء الكونيات على اختلاف مشاربهم و إن كان البعض منهم يتحدث عن وجود عدة انفجارات و وجود أكوان متعددة أو عن تواجد كوننا في إحدى الثقوب السوداء , إلا أنه و في كافة الأحوال تبقى نظرية انبثاق كوننا عن انفجار عظيم لها قوتها و صحتها, بالنظر للدلائل المقدمة كتوسع الكون و بالنظر للقياسات الموجية و الحرارية المأخوذة و حتى على فرض صحة نظرية الدورات الكونية , بمعنى أن الانفجار العظيم الأخير سبقته أكوان و انفجارات سابقة, فإن التساؤل عن ماقبل الانفجار الأول هو نفسه التساؤل عن ماقبل الانفجار الأخير .

إذا كان مسلم به أن الزمن نشأ مع كوننا و الكون نشأ مع الزمن إثر الانفجار العظيم , فإن التساؤل عن الماقبل هو تساؤل مرتبط بالزمن و الزمن لا يمكن أن يتحدث عن ما قبل الزمن و إذا ما اعتبرنا أن لاشيء ينبثق عن لاشيء فإن وجود الماقبل الذي نشأت فيه شروط الانفجار العظيم هو أمر ضروري فكيف تعامل الفيزيائيون مع هذا الإشكال ؟

نعود إلى التصورات التي نسبها ألبير إينشتاين إلى نفسه و تجاوزا ننسبها إليه و إن كانت فرضية أنه أخذها عن غيره مثل بوانكاري او لورينتز او بريستون هي الواردة , فهذا الأخير و في نظرية النسبية العامة يتحدث عن تحدب الزمكان كبعد يلتقي فيه الزمان بالمكان و نشبهه بفضاء هندسي يشبه النسيج الذي يتحدب بفعل وضع حجر عليه و الذي نمثل به الجاذبية , هذا التصور حقيقة يمكن تخيله في النسيج الفضائي بمسافات هائلة أما بخصوص الأجسام الضئيلة فتنطبق عليها ما تقدمه نظريه الكوانتوم طالما أن الانفجار حدث في نقطة صغيرة جدا مثلت بداية الكون و أن الأجسام الصغيرة حسب نظرية الكم لا يمكن الحديث بخصوصها عن نسيج أو تحدب طالما أن ما يميزها هو العشوائية الهندسية و عدم اليقين و الصدفة في الحركة واينشتاين هنا كان يقول بان تفاعل الزمكان مع الجاذبية أوجد شروط الانفجار العظيم الذي بذلك خلق فجائيا من حجم و لحظة تعادلان الصفر إلا أن الفيزيائيون يخالفونه الرأي بكون انكماش الكون لا يمكن أن يصل إلى حد الصفر و أنه لا يمكن أن ينضغط إلى حجم أقل من طول بلانك في أي بعد من أبعاده الفضائية وبذلك تنهار نظرية النسبية العامة عند الانفجار العظيم , لذلك فإن تصور بعد زمكاني تزامن مع البيك بونك لم يعد له محل .

و بخصوص تصور استيفن هوكينغ فهو يقول بأن شروط البيك بونك نشأت في زمن تخييلي أو زمن خيالي حسب الترجمة لكن المأخذ على هذا التصور هو أن الرياضياتيين و الفيزيائيين يجمعون على أن الزمن الخيالي هو زمن رياضياتي احتمالي يساوي الزمن مضروب في جدر ناقص واحد و ليس زمنا فيزيائيا واقعيا و يمثلونه بخط عمودي في حين ان الزمن الحقيقي يمثلونه بخط أفقي ومعلوم أن الجدر السالب ليس بكمية فيزيائية و بالتالي فليس له وجود فيزيائي و بالتالي و بمنطق الرياضيات و الفيزياء فإن ما اقترحه استيفن هوكينغ كزمن نضجت فيه شروط البيك بونك ليس بزمن متحقق في الواقع الفيزيائي لذلك فإن السؤال عن الماقبل يظل مطروحا .

في الحقيقة و كرأي خاص فإن فك عقدة الزمن ليست بإشكالية أو معضلة حينما نستحضر أن الكون نتج عن قوانين كونية و بأن طبيعة هذه القوانين هي لازمانية و لامكانية أي أن قوانين الكون هي قوانين متجرد وجودها عن الزمان والمكان فوجودها الفعلي هو خارج الزمان و المكان و من طبيعة مطلقة خاصة و للتبسيط فقانون التكاثر مثلا لا وجود فعلي له ككيان فلا يمكن العثور عليه لا في مكان و لا في زمان ؛ هذه القوانين تحكم العالم منذ البداية و هي من اوجدته وفق محدداتها وهو ما يفسر بأنه خاضع لها و بالتالي فهي ليست بداخله بل خارجة عنه و من تم فإن وجودها هو وجود لازماني و لامكاني و من ثم يتصور وجودها في غنى عن ظهور الزمان و المكان أي بالبيك البنك و من الممكن أن نتحدث عن تفاعلات هذه القوانين كتفاعل قانون كالجاذبية مع القوانين التي تمكن من ظهور الجسيمات الافتراضية لاحداث البيك بونك .

الإشكالية تكمن في كون الفيزياء تمنطق الأمور بمنطق هذه القوانين و بالتالي فهي لا تستطيع تفسير هذه القوانين التي ترى العالم من خلالها و يزداد الإشكال ,عندما نعلم أن جميع الفيزيائيين و بدون استثناء يجمعون على أن قوانين الطبيعة و الكون ليست حتمية و حتى التي كانت توصف بالحتمية فحقيقتها أنها غير حتمية و الحتمية هنا نقصد بها الوجود إضافة إلى النتيجة, فهي قوانين موضوعة وضعا لتقدم خدمات معينة, فالجاذبية وضعت وضعا فهي ليست حتمية الحصول و لا حتمية النتيجة , فهل نقف هنا عند حدود العلم المادي ؟

يقول ستيفن هوكينغ " إذا كانت قوانين العلم تتوقف عند بداية الكون ، أفلا يمكن أيضا أن تكف عن العمل في أوقات أخرى ؟ القانون لا يكون قانونا إذا كان لا يصلح للعمل إلا أحيانا , يجب علينا أن نحاول فهم بدء الكون على أساس العلم وربما تكون هذه مهمة تتجاوز قدراتنا إلا أنه ينبغي على الأقل أن نقوم بالمحاولة " – الكون في قشرة جوز صفحة 76 –

في الحقيقة فإن العالم ستيفن هوكينغ يدرك جيدا بأن فهم بداية الكون يتطلب فهما خارجا عن قوانين الكون إلا أنه يربط هذا الفهم بالعلم رغبة منه في إبقاء كل التفسيرات علمية مادية لكن رغبته هذه تتعارض أيضا مع وعيه بحدود العلم المادي الذي نشأ مجاله مع بداية الكون بالبيك بونك .

حقيقة الفصل بين المادي واللامادي و إن كان ممكن من ناحية التصور فهو في الحقيقة غير موجود هناك شيء واحد على طول الخط و المشكل هو الإدراك الإنساني المحدود و الإنسان وقع في فخ الوعي و الوعي المادي ثم الوعي هو بعد واحد جد محدود ضمن لا نهاية من الأبعاد الممكنة التي تتخطى مجال الادراك و مهما طال الزمن ستصبح فكرة الله فكرة علمية كأصل مطلق خالق للقوانين الكونية التي بدورها أوجدت العالم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موريتانيا - مالي: علاقات على صفيح ساخن؟ • فرانس 24 / FRANCE


.. المغرب - إسبانيا: لماذا أعيد فتح التحقيق في قضية بيغاسوس للت




.. قطر تؤكد بقاء حماس في الدوحة | #غرفة_الأخبار


.. إسرائيل تكثف القصف بعد 200 يوم من الحرب | #غرفة_الأخبار




.. العرب الأميركيون مستاؤون من إقرار مجلس النواب حزمة مساعدات ج