الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مباحث في الاستخبارات (91) تصنيف الجهد الاستخباري

بشير الوندي

2017 / 11 / 8
الارهاب, الحرب والسلام



مدخل
----------
لكل عمل وجهد هناك خطة ومشروع وتوقيتات ونسب وخطوط بيانية ومستويات , مما يتوجب توزيع الواجبات والأدوار , لذا يعتبر التصنيف للمعلومات من أهم أشكال التنظيم وانسيابية العمل الاستخباري الصحيح , فبعض الجهد أوّلي وبعضه علمي وآخر استراتيجي وآخر أمني ونوع سريع وآخر بطيء.
ان كل جهاز استخباري (بعد أن يعرف أهدافه ) يجب أن يصنف في المجتمع الاستخباري من خلال تقييم معلوماته ومخرجاته لمنع التشابك والتداخل , ولمعرفة امكانية ومقصرية او تميز كل جهاز بواجبه المناط له , ومن هنا لابد من معرفة تصنيفات الجهود الاستخبارية وفق اهداف كل جهاز وطبيعة مهامه , فالاجهزة الاستخبارية أو المخابرات تصنف إما تكتيكية Tactical أو استراتيجية Strategic , وتختلف مهام المخابرات باختلاف الموضوعات التي تعالجها وهي متعددة سواء على المستوى التكتيكي أو الاستراتيجي, بينما يصنف الجهد الاستخباري او المنتوج الاستخباري بشكل عام إلى ثلاثة تصنيفات هي الاستراتيجية والتكتيكية والميدانية التي سنتناولها بخطوطها العامة.
-----------------------------------
الاستخبارات الاستراتيجية
-----------------------------------
وتسمى احيانا بالاستخبارات التنبوئية أي الاستخبارات الإستراتيجية القادرة على قراءه المستقبل , وتعنى بجمع المعلومات المتعلقة بشؤون عسكرية أو أمنية وتنسيقها وتحليلها، وتوزيعها على المستوى الاستراتيجي ومستوى قيادة الدولة , وهدف هذا النوع من النشاطات هو معرفة قدرات دولة أخرى والتكهن بنواياها للمساعدة في تخطيط المسائل المتعلقة باستراتيجية الدولة صاحبة النشاط.
وفي حالة الدول الكبرى، فان الاستخبارات الاستراتيجية تعنى بجمع المعلومات عن الاتجاهات الاقتصادية والاجتماعية والسكانية (الديموغرافية ) والعلمية ونتائج هذه الاتجاهات وتأثيرها على القدرات العسكرية والسياسات المتبعة .
فالاستخبارات الاستراتيجية تتعلق بالمعلومات الخاصة بالمسائل الكبرى مثل المعلومات عن نوايا الدول الأجنبية أوالعدو وإمكانياتها العسكرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمعنوية ومواطن الضعف والقوة لديها , مما يتيح لوضع سياسة الأمن اللازمة للدولة في وقت السلم، كما تكون هي أساس التخطيط للعمليات العسكرية في وقت الحرب.
وتعتبر الاستخبارات الاستراتيجية قوة وداعم معلوماتي ومعرفي لاداء الحكومة ومنظم حركتها على الصعيد الداخلي والخارجي , وغالبا ما تكون رافداً لمعلومات مهمة جدا وتحاليل مساندة على معطيات تدفع إلى صنّاع القرار الوطني , وعادة ما يتم ايجازها بشكل دوري أسبوعي او شهري او حسب الطلب , وتنقسم الاستخبارات الاستراتيجية بدورها الى عدة محاور هي :
1- المعلومات الاستخبارية الاساسية : وهي كل المعلومات الرئيسية التي يمكن استخدامها كمرجع للتخطيط وكأساس لوضع القرارات , وهي نتاج معلومات مدققة ومستحصلة من أجهزة الاستخبارات , وتعتبر قاعدة وخلفية استخبارية جوهرية عن العدو والعدو المحتمل وبيئة العدو وبناء القوة والغايات والأدوات والبنى التحتية والجغرافيا والسياسة الاقتصادية والأمنية والإعلامية والاجتماعية والدبلوماسية للعدو والعدو المحتمل مع جميع التهديدات الداخلية والتحديات الأمنية والاجتماعية.
وتعتبر معلومات الاستخبارات الاساسية دائمية ومتغيراتها قليلة وتدريجية نسبياً و ليست آنيّة , ويتم ادامتها في قواعد البيانات كمواد مرجعية تمثل الخط الأساس الذي تبدء منه عملية بناء أهداف وفعاليات الجهد الاستخباري ضمن المجتمع الاستخباري.
2- المعلومات الاستخبارية التطبيقية : هي المعلومات التي تنتج من خلال مؤشرات الأجهزة الاستخبارية والخطوط البيانية المستنده على استخبارات أدنى لاتخاذ المواقف والدعم والقرار
وللتفريق بين الاستخبارات الاساسية والتطبيقية نقول : ان الاستخبارات الأساسية تعنى بالكليات عن العدو او التهديد , اما الاستخبارات التطبيقية فتعنى بمطابقة المعلومات الواصلة مع الواقع وقدرات الدولة لإنتاج رد الفعل او الفعل , أي تنزيل المعلومات إلى التنفيذ وأرض الواقع , فمثلاً الدولة الجارة (س) - ضمن معلوماتنا الأساس - لديها طائرات بنوع معين , وهذه الطائرات تستوجب توافر سلاح معين لمقاومتها , لذا يتم اعتماد الاستخبارات التطبيقية أي دراسة الموقف والخروج بحلول وقرارات ودعم للوصول إلى حل حتى وإن لم تكن تلك الدولة عدو , فالأساس هو المرجع والتطبيق هو الاداء لكن بالمستوى الاستراتيجي.
3- ادارة الأزمات :العنصر الثالث في الاستخبارات الإستراتيجية هي الأزمات وإدارتها , راجع ( مبحث 32 ادارة الأزمات) , فركن ادارة الازمات هو الركن الثالث المكمل لعمل الاستخبارات الإستراتيجية الصانعة للقرار , وغالبا ما تسقط الحكومات بسبب الفشل في ادارة الأزمات .
---------------------------------
الاستخبارات التكتيكية
---------------------------------
ونعني بها متوسطة الأمد , وتكون ضمن مستويات ادارة الوزراء والقادة الآمنين الكبار , وتبحث في ادارة المجتمع الاستخباري لوضع العلاجات لها , وترتبط بالجغرافيا والمنطقة والجبهة والمدينة والحدود والبرامج والفعاليات والمناسبات , كمواسم الانتخابات والصخب السياسي و التظاهرات والاحتجاجات مالم تصل إلى تمرد او عنف او ازمة , فهي تعنى بجمع وتحليل المعلومات على المستوى التكتيكي حول قوات العدو في منطقة محددة أو حول المنطقة ذاتها بوضع آني معين وقد تسمى في الجيش ب (استخبارات قتالية) , الا ان الاخيرة قد تنفذ من قبل وحدة مقاتلة عاملة على مستوى لواء أو فرقة، بدلاً من أن تقوم بذلك قيادات أعلى بمستوى قيادة منطقة.
ان معلومات الاستخبارات التكتيكية يمكن أن تستخدم لدعم وتيسير حل مشكلة مخابراتية معينة، وتكون فقط عبارة عن مظهر محدود من عملية المخابرات الشاملة، وفي زمن الحرب تسمى (بمخابرات المعركة) وتشمل كل المعلومات الخاصة بالعدو، بالمعنى التكتيكي، وهي بصفة عامة تتعلق بكل مظهر عسكري للعدو أو للعدو المحتمل، وبأي نوع من المعلومات التي لها أثر مباشر على سير المعركة، أما في زمن السلم فتكون المعلومات التكتيكية لازمة باستمرار للجهات السياسية والدبلوماسية.
وتوصف الاستخبارات التكتيكية بانها تمتاز بالمتغيرات السريعة والتذبذب والمستجدات لذا تحصر مابين الاستخبارات الرقمية الإحصائية وجداول التهديدات والتقارير الاستخبارية لتكوين موقف تكتيكي حسب مسرح العمليات العسكرية او آمن المدن او الموقف الإعلامي او مقابلة التهديد والتحدي , وتتفرع الجهود التكتيكية الى :
1- استخبارات رقمية ( إحصائية ) : وتتضمن جميع المواقف العسكرية والشرطوية والجنائية والمؤشرات والإحصاءات والبيانات ومحصل الجهد الاستخباري رقمياً وعددياً , أي جداول لغة الأرقام في مواقف العدو (والعدو المحتمل ) والجداول الشهرية للحوادث والمواقف من شرطة ونجدة وحدود ودوريات وأعلام وحرب نفسية وضبط عسكري وبناء القوة لدينا ولدى دول الجوار والمشاكل والمقرارات الحكومية والنشاط الاقتصادي والمالي والدبلوماسي والنواقص.
2- جدول التهديدات : وتعنى بمؤشرات التهديد وإحصائيات الخطر الواصلة من جميع مؤسسات الدولة وكل التحذيرات التي لم تصل إلى ازمة , حيث يجب أن تعد وتوضع جداول التحذيرات بحسب اهداف كل جهاز استخباري ويتم توحيدها من قبل هيئة الاستخبارات الوطنية , وتُلاحظ بشكل دوري قبل تحولها إلى خطر وأزمة.
3- التقارير الدورية : ونعني بها الايجازات الاستخبارية و تقدير الموقف الاستخباري والملحق الاستخباري وبيئة العمليات والموقف التحليلي الجنائية .
-----------------------------------
الاستخبارات الميدانية ( التنفيذية)
------------------------------------
المقصود منها عسكرياً , استخبارات الهجوم او الدفاع في قاطع او منطقة او مساحة محددة , وهي جزء مهم من واجبات الاستخبارات العسكرية , فهي موجهة ضد عدو واحد واضح وصريح ومحدد , وهي ميزان لرصد العدو على المستوى التعبوي وصولاً للانذار او الانذار المبكر.
ويعد كل نشاط في الاستخبارات الجنائية واستخبارات الشرطة والاستخبارات العسكرية و الاستخبارات الداخلية والخارجية تعتبر من أعمال الاستخبارات الميدانية او الجارية , وتتضمن الجهود الميدانية مجموعة من الإجراءات والنشاطات الاستخبارية ضمن مناطق او مدن بشكل يومي , وتعتبر من واجبات الاستخبارات في كل مفاصل الأجهزة الاستخبارية لكل جهاز بحسب أهدافه وواجباته .
ان الكثير من الخسائر في المعارك قد تنتج بسبب فشل الجهد الاستخباري الميداني , فالموصل سقطت بدخول 300 عنصر من داعش , ولو كانت لدينا استخبارات ميدان حقيقية لشخّصت مكانهم مبكراً , ولوجهت ضربة جوية لهم قبل هجومهم على الموصل بيوم او يومين , ولانقلبت موازين المعركة ولما حدث ما حدث فالاستخبارات تستطيع حسم المعارك احيانا بجهد بسيط بشرط اليقضة , واحياناً تستطيع حتى تدمير العدو دون الحاجة الى معركة .
, وتنقسم الجهود الميدانية إلى :

1- المعلومات الأمنية : ولها اسبقية على كل المعلومات , لأنها تتعلق بالأمن (انظر مبحث 76 اسبقية المعلومات الأمنية) , وبما أنها معلومات تخص حياة وأمن الدولة والمواطن , لذا تتم المعالجة بشكل مباشر وسريع , وتعتبر أغلبها ضمن معلومات المعالجة.
2 - الاستكشاف :كل جهد استكشافي فانه يتم اما من خلال استخبارات المعركة او الاستخبارات العسكرية ضمن ساحة العمليات او في مجال الجريمة والقتول والحوادث والجرائم التي تعالج في الشرطة والجمارك والأمن الشرطوي والعسكري , فكلها تدخل في جهد الاستكشاف .
3 - الأحداث الجارية ( استخبارات الحوادث ) : وتشمل كل الأحداث الواقعة يومياً خارجيا وداخليا وعالميا او محليا .
----------------------------------------
دور الهيئة الوطنية للاستخبارات
----------------------------------------
لا يمكن أن نتصور أن تقوم الاستخبارات بدور علمي حقيقي وتؤدي ما عليها بلا خطة استراتيجية مرسومة وواضحة للعمل الاستخباري ذاته , وهو امر يستوجب وجود الجهة المنسقة التي تحدد المهام وتقيم الاداء وتمنع التداخل .
فلابد من ان يكون هنالك مركز للتخطيط الاستراتيجي في مقر إدارة المجتمع الاستخباري او مايسمى بالهيئة الوطنية للاستخبارات , لتكون جامعة لكل تصورات ومهام الاجهزة الاستخبارية وتحدد الأهداف والمسارات ضمن خطة زمنية تتضمن جميع مجالات تطوير الجهد الاستخباري حسب الإمكانيات والأولويات الامنية والمجتمعية والسياسية والتهديدات والمخاطر.
ويجب أن تضع هيئة الاستخبارات الوطنية برنامج ضمن خطة خمسيه تتوزع على مراحل، لكل مرحلة عام واحد مثلاً , لتطوير أداء الاستخبارات وتلبية احتياجاتها وتراكم خبرتها وتطويرها لتكون استخبارات محترفة.
ان وضع استراتيجية امنية شاملة ضمن مراحل زمنية ستجعل الاستخبارات أحد المؤسسات الفاعلة ضمن المنظومة لتنفيذ استراتيجية الأمن الوطني , فلابد للدولة من تحديد البوصلة والاهداف في جميع المستويات والاجابة على الاسئلة المفصلية من قبيل :هل نحن بلد محايد أو متحالف أو مستقل أو تابع؟ , وماهي أهدافنا الاقتصادية وهل نحن بلد زراعي أو صناعي أو مختلط و هل نذهب في مجال الخصخصة أو الاشتراكية؟؟.
وهنا يأتي دور الاستخبارات (بعد ان تكون لديها توجيهات عامة عن توجهات الدولة ) في تحسس المخاطر وبناء تصور كامل لدى الدولة عن ماهية التهديدات وأين نبني وأين نعمل وماهي التهديدات الصلبة والتهديدات الناعمة، لتكون عين الدولة في مواقع الخطر.
ان أغلب واجبات المجتمع الاستخباري ( ادارة المجتمع الاستخباري او الهيئة الوطنية للاستخبارات ) تدخل في إطار التخطيط الاستراتيجي، كالتحذير من الحرب والاعمال العدائية و تقييم المعلومات لإنتاج وصياغة إطار السياسات الامنية و تشخيص الاضرار الاجتماعية و تحديد مواطن الخلل الامني و التحضير للحرب ورسم الإطار العام واعداد الخطط والبرامج اللازمة لمواجهة التهديدات والمخاطر الداخلية والخارجية وانتاج الحرب النفسية ومواجهة الحرب النفسية المضادة و تطوير قواعد البيانات وحمايتها وتقييم مؤثرات الدول ودول الجوار على الوضع الداخلي، فكل هذه السياسات تحتاج إلى تخطيط استراتيجي علمي يكون محدد وواضح ويوزع لكل جهاز دوره كي تتمكن الدولة من خلال المعطيات الاستخبارية من اتخاذ قراراتها المصيرية عن دراية.
اما ان يكون العمل الاستخباري متسم بالفوضى وعدم الاهتمام , فانه يؤدي الى التخبط كما هو حاصل في ازمة استفتاء كردستان , فبغداد تعول على أن دول الجوار سوف تغلق الحدود البرية مع الإقليم , ولايتم حساب العواقب , فغلق الحدود يسبب عجز اقتصادي وبطالة وينشط التهريب ويؤدي الى تفاعلات تأتي بخلاف المتوقع من خلال الاثار مما يفاقم المشكلة , والسبب هو اتخاذ القرارات في ظل فقر استخباري مدقع .
-------------
الخلاصة
-------------
ان الاستخبارات الإستراتيجية هي بمثابة الواضع للخطط والسياسات , فيما تتولى الاستخبارات التكتيكية تنفيذ الخطط والسياسات بينما تتمثل الاستخبارات التنفيذية الميدانية بانها هي التي تقدم الخدمات.
لقد أصبحت أجهزة الاستخبارات العالمية في وقتنا الحاضر تتولى إدارة العالم، وتستطيع أن تحصل على كل ما تريده من معلومات وفي كل الاتجاهات، إلى أن أصبحوا يعرفون عنا ربما أكثر مما نعرفه عن أنفسنا.
ان المطلوب منا ، في ظل الظروف الراهنة، وحالة عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، أن نسعى جاهدين إلى تحديث وتطوير أجهزة الاستخبارات لدينا، وان نوفر لها كل الإمكانيات اللازمة التي تسمح لها بالقيام بجميع أدوارها الشاملة وذلك في سبيل تحقيق المصالح الوطنية العليا , والله الموفق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزير الخارجية التركي: يجب على العالم أن يتحرك لمنح الفلسطيني


.. غارات إسرائيلية تستهدف بلدتي عيتا الشعب وكفر كلا جنوبي لبنان




.. بلومبيرغ: إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة المزيد من القذائف


.. التفجير الذي استهدف قاعدة -كالسو- التابعة للحشد تسبب في تدمي




.. رجل يضرم النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترمب في نيويورك