الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خالد الكيلاني يكتب : الرئيس السيسي وسياسة لعب الكبار

خالد الكيلاني

2017 / 11 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


لم يكد يمر أقل من خمسة أيام على زيارة الرئيس السيسي لجمهورية تشاد في 17 أغسطس الماضي ، حتى قامت وزارة الخارجية التشادية باستدعاء سفيرها وطاقم سفارتها من الدوحة ، ثم أخطرت السفير القطري في انجامينا ( عاصمة تشاد ) أن عليه مغادرة البلاد مع طاقم سفارته في مهلة أقصاها 48 ساعة .
كانت تشاد هي رابع محطات جولة السيسي الإفريقية التى بدأها بزيارة تنزانيا ثم رواندا والجابون في منتصف أغسطس الماضي ، وتسائل الكثيرون يومها ، ما الهدف من زيارة الرئيس لدولة صغيرة ليست من دول حوض النيل أو القرن الإفريقي ، ولا تربطنا حدود معها !!! .

كانت الزيارة ليست فقط تعكس النهج الجديد للسياسة الخارجية المصرية التى باتت تتحرك تجاه كل دوائرها الحيوية خاصة دائرتها الإفريقية ، وإقامة علاقات أكثر توازنًا مع كل الأطراف ، ولكن لأن لتشاد أهمية كبرى بالنسبة إلى مصر ، إذ أن المثلث الحدودى أقصى الجنوب الغربى المصرى ليبيا وتشاد والسودان منطقة توتر أمنى بالنسبة للأمن القومى المصرى ومن ثم التنسيق مع الرئيس التشادى فى هذا الإطار كان مطلوباً بشدة .

كما أن تشاد أحد دول الجوار الليبى ومن ثم فقد كان للزيارة أهمية قصوى فى اطار التنسيق المطلوب بين هذه الدول من أجل وضع الخطط لمجابهة الجماعات الإرهابية التى تنتشر فى هذه المنطقة بالغة الخطورة بالنسبة للحدود الغربية المصرية وللأمن القومى .

ولأن الموقع الجغرافى لتشاد له انعكاسات خطيرة على الأمن فى إفريقيا خاصة لدى دول الشمال ، وذلك لأن تشاد تقع ضمن الحزام الحيوى لجنوب الشمال الإفريقى الذى ينتشر خلاله جماعات الطوارق والتى تُستغل لإزكاء الصراعات فى المنطقة وعمليات الخطف ، فضلًا عن ذلك فتشاد تقع غرب السودان وهى منطقة توتر أمنى كبيرة نظرًا للصراعات الدامية فى دارفور ، وينتشر فى هذه المنطقة الجماعات التى تقوم بتهريب السلاح إلى أطراف النزاع ، وبالتالى تحتل تشاد مكانة خطيرة للأمن القومى المصرى طبقًا لموقعها الجغرافى ، والتنسيق معها وتقارب وجهات النظر مطلوب وحيوى لمصر .

وقد أصبحت تشاد في السنوات الأخيرة الهدف الأول لسائر التنظيمات الإرهابية ، خاصة تنظيم بوكو حرام الذى قام بتنفيذ انفجارين فى 15 يونيو 2015 أسفرا عن مقتل 33 مدنيا فى العاصمة انجامينا ، وقام بعملية تفجير أخرى فى 28 يونيو من نفس العام أسفرت عن مقتل 11 شخصًا .

وثمة حقيقة ديموجرافية تجعل من دول الساحل الأفريقى ( بوركينا فاسو ومالى وتشاد والنيجر وموريتانيا ) ، ذات كثافة سكانية ضعيفة ، حيث يعيش 66 مليون نسمة فى خمس دول ، وفى منطقة جغرافية شاسعة تبلغ أكثر من 5 مليون كيلو متر مربع ، مما يجعل هذه المنطقة تعانى من ضعف المراقبة .

ومن ثم كان الهدف الرئيسى لزيارة الرئيس السيسى إلى تشاد ، هو تأمين المثلث الحدودى أقصى الجنوب الغربى المصرى الذى يضم ليبيا وتشاد والسودان باعتبارها منطقة توتر أمنى بالنسبة للأمن القومى المصرى ، والتنسيق مع الرئيس التشادى فى هذا الإطار ، والحيلولة دون إستمرار الدول الراعية للإرهاب ، من إستغلال المساحة الشاسعة لتشاد وحدودها المترامية مع ليبيا ، في تسليح وتمويل الجماعات الإرهابية في ليبيا ، أو تهريب المقاتلين إلى ليبيا عبر تلك الحدود ما يشكل الخطر الأكبر على مصر من الناحية الغربية .

وفي تلك الزيارة كشف الرئيس السيسي للرئيس التشادي إدريس ديبي بالوثائق والمعلومات عن مخططات قطر وتركيا ، ليس فقط لدعم وتسليح الجماعات الإرهابية في ليبيا لتهديد الأمن القومي المصري ، ولكن أيضاً أن تلك الخطط تستهدف زعزعة الإستقرار في تشاد نفسها .

ولأن الوثائق التي تحصلت عليها المخابرات المصرية كانت واضحة ودامغة ، فقد قامت تشاد بعد أقل من 5 أيام من زيارة الرئيس السيسي بطرد السفير القطري والبعثة الدبلوماسية القطرية ، وإستدعاء سفير تشاد وبعثتها الدبلوماسية من الدوحة فورا .

وبالأمس رأينا الرئيس التشادي إدريس ديبي يتحدث من على منصة المنتدى العالمي للشباب بشرم الشيخ ، ويوجه كلمات الشكر والتحية للرئيس السيسي ، ويعبر عن عمق العلاقات الوثيقة بين مصر وتشاد .

الخلاصة … أن زيارة الرئيس السيسي لدولة تشاد في أغسطس الماضي لم تكن عبثاً ، ولم تكن زيارة لا معنى لها لدولة لا تربطنا معها حدود ، ولكنها كانت جزءاً من التحرك الرئاسي والحكومي ممثلاً في وزارة الخارجية وجهاز المخابرات العامة لمواجهة المخاطر التي تهدد الأمن القومي المصري ، زيارة رأينا نتائجها تتحقق على الأرض خلال أيام قليلة .

والخلاصة أيضاً أن مصر والرئيس السيسي يمارسان سياسة " لعب الكبار " على الساحة الدولية والإقليمية ، سياسة تتحول بموجبها مصر إلى لاعب رئيسي في المنطقة والعالم ، تماماً كما تفعل الدول العظمى التي تصل بعلاقاتها وأجهزتها -بل وبجيوشها أحياناً - لمقاومة مخاطر محتملة في المستقبل ، ومنع كل المخططات التي تُحاك في الظلام لتهديد أمنها القومي ، وإحباطها مسبقاً .
وهذا هو النهج الجديد التي بدأت مصر في إتباعه منذ 30 يونيو 2013 ، للخروج من مأزق المؤامرة التي نتعرض لها منذ أوائل عام 2011 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اتساع رقعة الاحتجاجات في الجامعات الأمريكية للمطالبة بوقف فو


.. فريق تطوعي يذكر بأسماء الأطفال الذين استشهدوا في حرب غزة




.. المرصد الأورومتوسطي يُحذّر من اتساع رقعة الأمراض المعدية في


.. رغم إغلاق بوابات جامعة كولومبيا بالأقفال.. لليوم السابع على




.. أخبار الصباح | مجلس الشيوخ الأميركي يقر إرسال مساعدات لإسرائ